اقتباس: بهجت كتب
فالشريعة تفرق بين الرجل و المراة و المسلم و غير المسلم .
كلام غير دقيق، والمساواة لا تعني المطابقة، والشريعة قبل غيرها مثال ناطق عن هذه المساواة قبل أن يخرج علينا بعض الليبراليين بأنماط من المساواة المكذوبة مما يتصادم مع العقل ومنطق الأشياء!
الكاساني إمام عظيم من أئمة الأحناف القدامى، ذكر في بدائع الصنائع حديثا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (رواه الدارقطني) أنه قال في وصيته لأحد قادته: (فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين...)
وفي سنن الدارقطني أيضا حديث عن علي رضي الله عنه بلفظ: (إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا) وله أيضا عن علي: (من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا) .
هذا ما ورد من مساواة تاريخية، وأرجو ألا يتوقف الزميل عند عبارة الذمة التي هي عبارة محترمة تاريخية لا نرى أن استخدامها ملزم، وإن كنا نعلم أن النصوص القرآنية استخدمتها مع المسلمين أنفسهم: (لا يرقبون في مسلم إلا ولا ذمة)...
أما أهم أنواع المساواة التي جاءت بها شريعتنا فهي:
1- المساواة القضائية حيث يحكم الجميع القسط والعدل. وهذه لا يجوز أن تكون محل خلاف لقطعية دلالة النصوص فيها.
2- المساواة القانونية حيث تستوي الدماء والأموال، وسائر الحقوق والواجبات إلا ما تقتضيه اختلافات العقائد كما سيأتي تفصيله.
3- المساواة السياسية في ممارسة الحقوق السياسية وتولي الوظائف العامة ما عدا الخلافة والتي لها خصوصياتها الدينية التي تشابه إلى حد ما خصوصيات البابوية لدى المسيحيين...
يقول البنا:
(إن على العقلاء والمؤمنين في كل مكان أن يرفعوا أصواتهم بالدعوة إلى المساواة في التمتع بالحرية وحقوق الإنسان، فهذه المساواة هي الطريق الحقيقي إلى السلام الاجتماعي والدولي، وإلى نظام عالمي جديد يقاوم الظلم والأذى والعدوان)
وفي ظلال هذا الفقه الوسطي يسعنا أن نفهم ما طرحه الشهيد عبد القادر عودة تحت عنوان (نظرية المساواة في الشريعة)التشريع الجنائي الإسلامي 1/ 316(236):
"
جاءت الشريعة من يوم نزولها بنظرية المساواة التامة، فقررت المساواة على إطلاقها، فلا قيود ولا استثناءات، وإنما مساواة تامة بين الجماعات،.... فالناس جميعا في الشريعة متساوون على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، متساوون في الحقوق، متساوون في الواجبات، متساوون في المسؤوليات..... والتقوى هي وحدها نصاب التفاضل بين الناس في الشريعة الإسلامية، ولكنه تفاضل في حدود معينة، تفاضل بين الناس عند ربهم فقط، فأكرمهم عند الله أتقاهم، وكون التقي كريما على الله لا يعطيه حقا عند الناس يزيد على ما لغيره من الحقوق، فالتقوى صفة تؤثر في صلة الإنسان بربه أكثر مما تؤثر في صلة الإنسان بغيره، والتفاضل الذي ينشأ عن التقوى هو تفاضل معنوي لا مادي"
وقال تحت عنوان (المسلمون والذميون)المرجع السابق 1/332 (243)الإسلام وأوضاعنا السياسية ص281:
"وتسوي الشريعة بين المسلمين والذميين في تطبيق نصوص الشريعة في كل ما كانوا فيه متساوين، أما ما يختلفون فيه فلا تسوي بينهم فيه، لأن المساواة في هذه الحالة تؤدي إلى ظلم الذميين، ولا يختلف الذميون عن المسلمين إلا فيما يتعلق بالعقيدة، ولذلك كان كل ما يتصل بالعقيدة لا مساواة فيه، .....، إذا كانت المساواة بين المتساوين عدل خالص، فإن المساواة بين المتخالفين ظلم واضح، ولا يمكن أن يعتبر هذا استثناء من قاعدة المساواة، بل هو تأكيد للمساواة."
وقال أيضا: "
كل ما يتصل بالعقيدة لا مساواة فيه، لأن معنى المساواة هو حمل المسلمين على ما يتفق مع عقيدتهم، وحمل الذميين على ما يختلف مع عقيدتهم! والقاعدة في الإسلام أن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا مع تركهم وما يدينون"
كما صدر عن الشعبة القانونية في جماعة الإخوان المسلمين في 16 سبتمبر 1952مشروع دستور إسلامي للدولة المصرية ، وقد جاء في المادة 77: (يولد الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق والحريات، بدون أي تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين أو اللون)، وفي المادة 78: (لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون، وفي أن يعيش آمنا مطمئنا)
وحين نتكلم عن المساواة، وأن لغير المسلمين ما للمسلمين من الحقوق العامة، إنما نتكلم عن الجملة لا عن التفصيلات، وفي هذا يقول البنا رحمه الله: (وموقفنا من إخواننا المسيحيين في العالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم، والتعاون معهم على الخير، فرائض إسلامية لا يمتلك المسلم أن يستخف بها أو أن يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك، أو فعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول، ومما يفعل) .منشور بيان للناس للإمام حسن البنا
وفي معنى المساواة هذا يقول القرضاوي: (ولكن الإخوان يفرِّقون بين هؤلاء –يعني المستعمرين والصهاينة- وبين مواطنيهم، الذين يَعيشون في دار الإسلام، وهم من أهل البلاد الأصليّين، وقد دخل الإسلام عليهم وهم فيها، وأعطاهُم الذِّمّة والأمان أن يعيشوا مع المسلمين وفي ظِلِّ حكمهم، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، إلا ما اقتضاه التميِيز الديني.)
وحين تعرض حفظه الله لمفهوم أهل الذمة قال: (الواجب على أهل الذمة: أن يلتزموا أحكام الإسلام، التي تُطبق على المسلمين لأنهم بمقتضى الذمة أصبحوا يحملون جنسية الدولة الإسلامية، فعليهم أن يتقيدوا بقوانينها التي لا تمس عقائدهم وحريتهم الدينية. فليس عليهم أي تكليف من التكاليف التعبدية للمسلمين، أو التي لها صبغة تعبدية أو دينية، مثل الزكاة التي هي ضريبة وعبادة في الوقت نفسه، ومثل الجهاد الذي هو خدمة عسكرية وفريضة إسلامية، ومن أجل ذلك فرض الإسلام عليهم الجزية بدلاً من الجهاد والزكاة رعاية لشعورهم الديني أن يفرض عليهم ما هو من عبادات الإسلام . وليس عليهم في أحوالهم الشخصية والاجتماعية أن يتنازلوا عما أحله لهم دينهم، وإن كان قد حرمة الإسلام، كما في الزواج والطلاق وأكل الخنزير وشرب الخمر . فالإسلام يقرهم على ما يعتقدون حله، ولا يتعرض لهم في ذلك بإبطال ولا عتاب. فالمجوسي الذي يتزوج إحدى محارمه، واليهودي الذي يتزوج بنت أخيه، والنصراني الذي يأكل الخنزير ويشرب الخمر، لا يتدخل الإسلام في شئونهم هذه ما داموا يعتقدون حلها، فقد أُمر المسلمون أن يتركوهم وما يدينون. فإذا رضوا بالاحتكام إلى شرع المسلمين في هذه الأمور حكمنا فيهم بحكم الإسلام لقوله تعالى:( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) (سورة المائدة: 49). ويرى بعض الفقهاء أننا مخيرون إذا احتكموا إلينا: إما أن نحكم بشرعنا أو نترك فلا نحكم بشيء؛ لقوله تعالى: ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تُعرض عنهم فلن يضروك شيئًا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين)(سورة المائدة: 42 ) . وفيما عدا ذلك يلزمهم أن يتقيدوا بأحكام الشريعة الإسلامية في الدماء والأموال والأعراض -أي في النواحي المدنية والجنائية ونحوها- شأنهم في ذلك شأن المسلمين، وفي هذا يقول الفقهاء: لهم ما لنا وعليهم ما علينا -أي في الجملة لا في التفصيلات.)
من هذا العموم كان موقف الإخوان واضحا في التصريح بهذه المساواة في كل ميدان، يقول المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد السادس للجماعة رحمه الله: (إن موقف الجماعة تم حسمه منذ سبعين عاما، وهو اعتبارهم مواطنين، شأنهم شأن المسلمين، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، ومنذ نشأة الجماعة وإلى الآن لم يحدث شذوذ في هذا الأمر) المجتمع العدد 1583 السنة 34
وقد رأينا في مبادرة الإصلاح الشامل التي طرحها إخوان مصر تحت بند: (في مجال الإخوة الأقباط): (إننا نؤكِّد أن موقفنا من الإخوة الأقباط موقف مبدئيٌّ ثابتٌ مفروضٌ على المسلمين بموجب إسلامهم وإيمانهم مؤكد بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة- قولية وعملية-، وهذا الموقف يتلخص في النقاط التالية:
1. هم جزءٌ من نسيج المجتمعِ المصري.
2. شركاء الوطن والمصير.
3. لهم مثل ما لنا وعليهم مثل ما علينا.)
*** باختصار عن بحث لي سوف أنشره قريبا إن شاء الله وقد وزعته على بعض الأفاضل قبلا لتقويمه.