استمرار استقرار الحكم في دمشق مصلحة امريكية واسرائيلية ودولية
2005/10/24
قبل ان نقطع رأس الاسد علينا أن نتذكر خطر قيام ثورة من شأنها أن تجلب نظاما اسلاميا
لا خلاف علي الحقائق: علي مدي 29 سنة تصرفت سورية مع لبنان كقوة احتلال، سورية لا تغلق تماما الحدود العراقية في وجه المتمردين المسلحين، حركات الرفض الفلسطينية تعمل في اراضيها، وهي حليفة حزب الله، سورية تملك رؤوس متفجرة كيماوية وصواريخ تغطي اراضي اسرائيل؛ وهي تقف خلف اغتيال رفيق الحريري.
من الدارج جدا اليوم جلد النظام السوري وتبادل التخمينات عما يتوقع له في المستقبل القريب. ولكن في ظل الحماسة ينسي النصف الاخر من الصورة. فما نفذته سورية في لبنان علي مدي العقود الثلاثة لا يختلف جوهريا عما تفعله القوي العظمي في ساحاتها الخلفية. وهو لا يختلف جوهريا عن الاحتلال الاسرائيلي للبنان والمغامرة الامريكية في فيتنام. الثلاثة احتلوا أرضا ليست لهم انطلاقا من مصلحة وطنية، قمعوا شعوبها وخرجوا من هناك يكللهم العار.
اغتيال الحريري ليس عملا شاذا في مشهد حَينا. اسرائيل تنفذ منذ عشرات السنين تصفيات سياسية، سواء علي سبيل الانتقام أو كضربات واقية، وهي تحظي بالتأييد الصامت من معظم دول العالم. والولايات المتحدة تضرب بالعراق وبافغانستان بلا رحمة تقريبا. وابرياء أيضا يسقطون في هذه المعارك. ولم يكن يهم احد قبل عقدين عندما علم أن نظام حافظ الاسد الراحل يطور اسلحة كيماوية. والان فقط، عندما يرفض السوريون مساعدة الجيش الامريكي في العراق، تمتشق أيضا هذه الورقة.
يقال ان النظام السوري يقمع حتي مواطنيه. وفجأة يتأثر العالم بمشهد خرق حقوق الانسان. الضمير العالمي لم يحرك ساكنا علي مدي 36 سنة كان زعيم ليبيا يقمع فيها شعبه. وبالعكس، قبل سنتين ازيلت عمليا العقوبات عن القذافي، وهو الان يواصل التصرف بليبيا كملكه الخاص، وهذه المرة بشرعية أمريكية ـ اوروبية. كما أن دولاً مثل مصر، الاردن والعربية السعودية، حليفات الولايات المتحدة المقربات، تطارد معارضي النظام بوسائل غير ديمقراطية. وأحد في واشنطن لا يأتي اليها بأي حساب حقيقي. والجميع فرح الان. قاضي الماني شجاع وواضح التفكير انطلق للفحص وعاد بالبرهان: الاسد شرير. ومع أنه يوجد جدال فيما اذا كانت الادلة قادرة علي الصمود في المحكمة بادانته، ولكن هذا لا يغير من الامر في شيء. مع أدلة علنية هزيلة بقدر لا يقل عن ذلك انطلقت امريكا الي العراق وأسقطت صدام.
الامريكيون يطلبون من الاسد المستحيل. فبعد أن اسقطوا حليفه صدام، يطالبونه، بالتهديدات، بمساعدتهم لاستكمال المهمة وعرقلة الموالين للطاغية العراقي في تمردهم عليهم. وهم يريدون أن يخون الاسد حزب الله وان يبيع الفصائل الفلسطينية. وهم يتوقعون منه أن يساعدهم علي اقامة عراق ديمقراطي، ولكنه ايضا خاضع لنفوذ امريكي. أما بالنسبة للرئيس السوري، الذي ولد في دمشق وليس في فيلادلفيا، فان المطالب الامريكية تقترب من المستحيل. اذا ما قبل بها، وكأنه فضل موته علي حياته.
الرئاسة في دمشق هي احد الانظمة العربية المستقرة في المنطقة. استقراره هو مصلحة امريكية، اسرائيلية ودولية. هذا النظام مهدد من الخارج ولكن هذه مشكلته الصغيرة. ومؤخرا انضمت دمشق الي قائمة الانظمة التي يهددها الاسلام المتطرف. وقبل ان نقطع رأس الاسد علينا أن نتذكر بأن الاشخاص الذين أمروا باغتيال الحريري يشكلون ايضا كابحا في وجه الثورة في دمشق. مثل هذه الثورة من شأنها أن تجلب الي الحكم نظاما اسلاميا، وهذا ليس كابوسا سوريا فقط. فهو خطر علي اسرائيل ايضا. مسيرة الازدواجية يجب أن تقف امام ناظرينا عندما نأتي لمحاكمة بشار الاسد: الرسالة المزدوجة، صورة المرآة التي تأتي من دمشق وتنعكس فيها القدس ايضا، والمصلحة الامريكية الانتقائية. سورية واسرائيل توجدان في وضع عدائي، ولكن عدو اليوم سيكون الصديق غدا. من الافضل ان يكون هذا هو طبيب عيون متقلب من ان يكون شيخاً يعرف جيدا ما يريد.
جاكي خوجي
مراسل الصحيفة للشؤون العربية
(معاريف) 23/10/2005
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=20...لية%20ودوليةfff