اقتباس: الختيار كتب/كتبت
عزيزي الدارقطني
أنت تتكلم عن هذه الزيادة "فَإِذَا تَجَلَّى اللَّهُ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ" ، و أنا أتفق معك أن هذه الزيادة غير مذكورة في البخاري أصلاً ، و عندما كتبت ردي أول مرة شككت أن يكون المقصود بالتضعيف هو هذه الزيادة دوناً عن الحديث جميعه ، لذلك قلت في ردي أول مرة :
اقتباس:صراحة لا أفهم ما المقصود بضعف الحديث !!
الحديث مروي بروايات عديدة عن عدة صحابة ،
فأنا كنت متنبّهاً إلى أن روايات البخاري ليست حرفية بل عديدة بألفاظ مختلفة ، و بعضها يحمل زيادة تختلف مثل زيادة (تخويف العباد ) التي تجدها في رواية أبي بكرة ، و رواية أبي موسى أيضاً . لذلك قلت أنني "لا أفهم ما المقصود بضعف الحديث ".
لذلك أنا وضحت في أول مداخلة لي أن حادثة الكسوف تواترت (حسب فهمي للتواتر و ليس ضمن الشرط الشبه مستحيل الذي وضعه أهل الاصطلاح من تواتر جماعة عن جماعة و الذي يندر جداً وجوده في الحديث كما قلتَ) .
أما بالنسبة للزيادة ، فكان الأجدر لناقل التضعيف عن الألباني أن يوضح أن الضعف في الزيادة لا في الحديث نفسه ، يعني لو وضح لنا علة التضعيف لفهمنا أنه لا يضعف رواية الكسوف برمتها بل تلك الزيادة التي تفرد بها النعمان بن البشير كما وضحتَ حضرتك مشكوراً .
كلامك معقول جدا زميلنا الختيار، ولقد أعجبني كلامك هذا ومنطقيتك بصراحة ومن غير ما مواربة، وبالنسبة لضعف الحديث فعلماء الاصطلاح إن ظهر ضعف في أحد أسانيد الحديث إلى امرئ ما من الصحابة الكرام فإنهم يضعفونه ويقولون عنه ضعيف حتى ولو صح متنه ولفظه بإسناد آخر عن صحابي آخر مثلا، والمراد هنا طبعا الضعف في الطريق الموصل لذات الصحابي لا الصحابي نفسه، لكن ذاك يعرفه المتخصصون المتعمقون جدا، ويدور كلامهم هذا فيما بينهم، وأما غيرهم ومنهم أهل الأصول والفقه فإنهم لا يُطلقون كلامهم إلا ببيان موضع الضعف، ولهذا فأنا معك تماما في أن الأخ الكريم كان عليه أن يبين موضع الضعف في تلك الزيادة لا إطلاق الكلام هكذا من غير ما ضابط..
اقتباس:على كل حال ، يبدو أننا لا نختلف في الجوهر كثيراً ، و ربما كان اختلافنا مبني على سوء فهم ، و ربما كان منّي أساساً لأني اعتقدت أن التضعيف للحديث نفسه و ليس للزيادة وحدها ، و هذا كان أساس ردي و قولي "مروي في البخاري بروايات عديدة" .
لعلك انتبهت إلى أمر ونبهتني كذلك إلى أمر أنت والأخ العميد كذلك بالنسبة للمتواتر وإطلاقه وضوابطه، فما من إنسان إلا وتخفى عليه الخوافي، ولعله يخطئ حينا ويصيب أحيانا.. وتلك طبيعة البشر..
اقتباس:و لكن لي فضول أن أعرف حيثيات التضعيف لدى الألباني ، فهل تعرف أين ذكر هذا الحكم ؟؟؟
المشكلة أني ومذ سمعت بعض الشيوخ الأجلاء ممن لهم مكانة عندي ينصون على عدم الاحتجاج بتصحيح الشيخ الألباني رحمه الله تعالى وتضعيفه وأنا لا أنظر في كتبه ولا أراجعها لا سيما وقد ظهرت له تناقضات كثيرة، ولهذا لا أعرف بالتحديد أين ورد تضعيفه للحديث وأين نص عليه ولا بأس لو بينه لنا الأخ الكريم صاحب التضعيف، وبين لنا إن كان ذكر علة الضعف والتضعيف..
وهذا ليس طعنا مني في مكانة الشيخ أبدا، فهو عالم في الحديث لا شك في ذلك ولا ريب، ولكني أراه أكثر من التصحيح والتضعيف في زمن ضعفت فيه الذاكرة والإحاطة بالحديث كما كان أصحاب ذاك الزمان الإمام أحمد والبخاري ومسلم، فمن منا يقدر على حفظ ثلاث مئة ألف حديث كما كان البخاري رحمه الله تعالى، و من يداني حفظ الإمام أحمد الذي كان يحفظ ست مئة ألف حديث، وأرى أنه كان يلزمه الحذر في هذا الشأن والتزام قول ابن الصلاح في عدم التجرؤ في التصحيح والتضعيف من بعد تلك الأعصار، وإن كان فبعد بحث وتمحيص دقيق شامل، فقد تظهر الصحة في حديث لأن رواته كانوا من الثقات، ثم يظهر أن أحد هؤلاء كان قد اخُتلط وقت أن حدث بهذا الحديث مثلا أو لعل أمرا آخر طرأ عليه، وكلام كثير يدور في هذا المجال يدعو الإنسان للتريث والتثبت حتى لا يقع في التعارض الذي وقع فيه الشيخ حيث أكثر الكلام في التصحيح والتضعيف، ولو دعا وقتها إلى هدنة بين علماء الحديث والاجتماع في كل شهر أو سنة لتقرير حال عدد من الأحاديث فيكون إجماع منهم عليها مع نظر وتمحيص من الجميع لكن أسلم وأنفع، ولكنه رحمه الله ساعد في نشر التوتر والخلاف بين المسلمين لا سيما في نقده اللاذع لعلماء الأمة والذي كان يتسبب في كثير من الأحيان لردود فعل عكسية..
المهم أني لا أستطيع الجزم وحتى الآن بضعف الحديث مع أني أرى فيه علة ما تحتاج إلى بحث ونظر فإن كان بينها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى فبها ونعمت وإلا فالتوقف سبيل أهل الحديث حتى يظهر الحكم الصحيح له وفيه..
اقتباس:كذلك أنا أتساءل لماذا اختار زميلنا صاحب الموضوع رواية النعمان بن بشير عند ابن ماجة و ترك روايات البخاري جميعها !!! و نحن عادة (أو أنا شخصياً) إن احتجت أن أحتج بحديث أفضل أن أختار من الصحيحين لإجماع الأمة الإسلامية على صحة مسانيدهما ، و لا أقول المعلق و لا المرسل ، و ذلك كي يتحقق الهدف من الاستشهاد بالحديث دون الحاجة إلى الدخول في متاهة علم مصطلح الحديث نفسه من تصحيح و تضعيف و علل و غيره .
هذا أظنه ظاهر السبب، وهو الطعن فيما يظهر من مخالفة الحديث بتلك الزيادة للظواهر الكونية في أنها محددة الأوقات والمواقيت ولا علاقة لها بتجل ولا غيره..
والصحيح ما فعلته وتفعله أيها الزميل في استشهادك بما في البخاري ومسلم لإجماع الأمة على قبولهما، وإن كان من طعن لدى بعض القوم ففي جزء يسير وأقل من اليسير، والأصل أن لا يتجه صاحب الحق إلى غير البخاري ومسلم في الاستشهاد إلا أن لا يجده هناك، فإن لم يجده فعليه التحقق حينها من صحة سنده ومتنه بما نص عليه العلماء وبينوه إما في التعليق على كتبهم كالترمذي في جامعه أو في كتب العلل والتخريج والجرح والتعديل، أو يكون قادرا على النظر فيها هو بنفسه..
اقتباس:هذا العلم الكبير المعقد للغاية ، و الذي لا يكاد حافظ أو محدث نجا من الوقوع بخطأ أو وهم في الحكم على حديث نتيجة اشتباه براوٍ أو إدراج أو غيره ، فالعلم جميعه معقد ، و ذلك بسبب خلافات بأحوال بعض رجال السند ، فمنهم من اعتبر تابعين صحابة و العكس بالعكس ، و منهم من وثّق رواةً ضعّفهم آخرون ، إلخ ، و هذا كله نحن في غنىً عنه لأنه له أهله ، فإن حكم الحفاظ المشهورين على حديث بصحته كالبخاري أو مسلم أو الترمذي أو غيرهم فهذا بالنسبة لي أكثر من كافٍ للاحتجاج بالحديث ، لأنه يعز هذه الأيام وجود من يملك القدرة على النظر في أحوال الحديث كما كان يفعل أولئك ، و الألباني يوج لديه مشاكل كثيرة في تخريجاته ، و قد وجدت له تناقضات كثيرة قبل سنين كثيرة في كتاب من أربعة أجزاء يتحدث عن تناقضاته ، فتجده يصحح حديث في كتاب و يضعفه بذات السند و الرواية في كتاب آخر ، و قد سعيت للتأكد من بعض الأمثلة حتى لا يكون افتراءاً من صاحب الكتاب على الألباني ، فوجدت الأمثلة صحيحة مائة في المائة (ليس جميع الكتاب لأنني تحققت من بعض الأمثلة على سبيل الاختبار) ، و الكتاب لمؤلف اسمه "حسن السقاف" من أشاعرة هذا الزمن ، و أنت تعرف العداوة الظاهرة بين الأشاعرة و الوهابية ، لذلك وجب التحقق .
لا بل هناك من الرواة من يتشابه اسمه واسم أبيه مع غيره وفي ذات الطبقة وقد يروي عن ذات الشيوخ، وهناك مشاكل في هذا العلم تحتاج إلى طول بال وصبر وعدم التسرع في إصدار الأحكام حتى وإن وجد نفسه موقنا بالمة مئة، ولكن الشيخ الألباني رحمه الله خالف هذا الضابط وهذا ما أوقعه في التناقض الحاصل، وأما السقاف هذا فقد أظهر تناقضات فيما سمعت ولم أطلع على كتابه لأني في الأساس ما اعتمدت تصحيح الشيخ أصلا، لكن السقاف ومن باب العلم بالشيء طعان في الصحابة لا يرضى عن فعله الأشاعرة من قريب ولا بعيد بل تنكروا له في بعض المواضع ونصوا على أنه لا يمثلهم في شيء، والحقيقة أن من يتتبع السقطات والهفوات لمجرد نفش الريش وإظهار العوار في طوائف المسلمين فليس من الحق في شيء، وأسأل الله أن لا يكون هذا هدف السقاف..
اقتباس:ملاحظة على الهامش :
اقتباس:وأما الحديث فقل أن تجد إنسانا يحفظه كله بسنده، ولم أدرك حتى الآن من يحفظ الحديث بسنده إلا ما سمعت عن بعض حفاظ الهند ولم ألقهم...
اقتباس:عندما كنت مع جماعة الأحباش ، وجدت أربعة أسانيد للشيخ الحبشي متصلة إلى البخاري ، و كان لي سند إلى الشيخ الحبشي نفسه ، كان بيني و بينه 2 أو 3 لا أذكر صراحة ، لأن الأحباش يهتمون بمفهوم التلقّي في قراءة كتب الشيخ لا التصفّح الذاتي ، و أعتقد أن الأسانيد مذكورة في كتابه "كشف ضلالات ابن تيمية" ، و الشيخ الحبشي يوصف بأنه حافظ ، و له إجازات في هذا ، و لا أدري إن كان هذا الأمر حقيقي أم لا فأنا لم أقابله ، على كل حال هذا ما علمته من أمره في تلك الفترة ، و أكتبه من الذاكرة لأنه حدث قبل سنين كثيرة .
كنت أشرتُ إلى من يدعي إسنادا في الحديث عند بعض أهل الهند من المحدثين، وأنت هنا أيها الزميل تؤكد لنا على إسناد حصلت عليه من تلاميذ الحبشي وما أظنك قرأت الكتاب على أحد من هؤلاء التلاميذ، وهذا يؤكد لي ما كنت أعتقده سابقا بأن هذه الإجازات شكلية لا أكثر ولا أقل، ولا قيمة لها علمية من قريب أو بعيد، فحفاظ القرآن وشيوخه مثلا لا يُعطون الإجازة إلا بعد الحفظ الدقيق والقراءة الكاملة على الشيخ غيبا من أول المصحف وحتى آخره، وهذا كان في السابق في إجازات الحديث وأما في هذه الأيام فصار الأحباش يدعون وكذلك الهنود يدعون مع أني التقيت مرة ومنذ حوالي الثلاث سنين بأستاذ جامعي من الهند قيل لي إنه متخصص في اللغة العربية، ودُهشت حقا وصدمت صدما حين سمعته يرفع ويجر وينصب من غير ما دراية ولا فهم، والتقيت قبلها بأستاذ أفغاني قيل لي إنه عالم باللغة العربية والنحو وغير ذلك من علوم الشريعة، ولما التقيت به وجلست أستمع لدرسه قمت آسى على نفسي إذ حضرت لمثل هؤلاء الجهلاء..
المشكلة والمصيبة أننا نحمل فكرة سابقة عن علم أهل تلك البلاد في صدر الإسلام وما بعده حتى أواخر حكم العباسيين وأول حكم المماليك، ولكن هذه الفكرة لا أراها تنطبق على كثير من علماء هذا الزمن من هؤلاء وأظن جلهم أهل ادعاء ولا يصح سندهم ولا متنهم حتى...
اقتباس:تحياتي للجميع .
هداني الله وإياك للطريق المستقيم...