- الأب : هذا ليس تعقيداً بل تربية. فنحن لسنا ناجحين إلا في التصفيق.
يجب أن أعلم ولدي كيف يسمع ويصمت ويفكر ويقرأ ويتهذب ويتأقلم ويحترم،
ولا يقول إلا الصدق، ولا يكتب إلا كلمة الحق،
ولا يوبّخ إلا الخيانة، ولا يدّعي ملك كل الحسنات والانتقاص من كل السيئات.
هذا هو التصفيق، هذا هو التصفيق.
11-22-2005, 12:13 PM
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم
عضو رائد
المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
نهض من وراء مكتبه المغطى بالأوراق والأقلام المبعثرة هنا وهناك. واتجه نحو النافذة مهموماً ضيق الصدر.
ثم استدار ليقف أمام المرآة متمتماً بكلامٍ غير مفهوم، وتنهد تنهيدة تكاد تهتز لها الجدران.
وما لبث أن بدأ يخاطب نفسه في المرآة : " عملتَ وعملت وعملت... ولم تدعْ كتاباً في الطب والصيدلة والكيمياء إلا قرأته.. ولم تبقِ تجربةً من الممكن إجراؤها إلا أجريتها.
التقطت الفئران من الطرقات لتجري عليها تجاربك.
وأنفقت مالك وعمرك الذي تجاوز الستين لتصل إلى ما أردت َ الوصول إليه.
تحملت آلام النهار وكوابيس الليل.
صبرت على هجر أهلك وأقربائك لك، وسخرية جيرانك منك، وعدم احترام طلابك، وعدم اكتراث الجهات المسؤولة لمدى علمك ومعرفتك.
كم مرةٍ نسيت الطعام والشراب لأيام ولم تقنط !
كم ليلةٍ وصلتها بنهارك ولم تتعب !
والآن وقد صار الدواء في يديك، البلسم الذي يمد في عمر من يشربه ما شاء أن يمد،
العقار الذي يزيد عاشق الحياة حياةً،
الآن وقد صار في يديك، تخاف أن تبرزه إلى الناس ؟!
وترتجف يداك عند حمله ؟!
وترتعد فرائصك عندما تتخيل أن هذا الدواء الذي قضيت سنين في تطويره وإيجاده قد يكون نقمة النقمات، وشراً مستطيراً لا رحمةً ولا نعمة ؟!
هل سيستخدم هذا الدواء جميع البشر ؟ أم أنه سيكون حكراً على الملوك والطغاة والأغنياء ؟
هل سيستخدم الدواء في إطالة عمر المرضى والمسجونين أبد الآبدين، وإعاشة المستعبدين والمقهورين ليزدادوا من هذه الدنيا قهراً وعبودية وسجناً ومرضا ؟
هل سيستخدم هذا الدواء ليبقى الملك ملكاً والوزير وزيراً والرئيس رئيساً إلى ما لا نهاية ؟
يا الله... يا الله... لا... لن أدع هذا الدواء يصل إلى أحد.
فلتسامحني البشرية إن أخطأت بإتلافه، وليسامحني الله على تضييعي عمري وراء هذا الأمر غير محمود العواقب."
واتجه نحو مكتبه.
" لأتلف الأوراق قبل أن يصل إليها أحد.
ولأحمد الله أنني لم أخبر به أحداً."
أتلف الدواء والأوراق، وأخفى كل أثر للمواد التي صنعه منها، ورمى بكتبه من النافذة، وعاد إلى أهله وأقربائه وجيرانه.
عاد محباً للحياة كما هي، للحياة التي كُتِب لها أجل.
ولم ينسَ أن يحمد الله ويشكره لحظاتٍ قبيل موته...
11-22-2005, 05:49 PM
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم
عضو رائد
المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
- الأستاذ : إنها آخر ما توصلت إليه مخابر العلم ودراساته العالية التعقيد.
فعلى سبيل المثال ما نتيجة واحد زائد واحد؟
- الطالب : اثنان.
- الأستاذ : خطأ، واحد زائد واحد يساوي صفراً في الرياضيات الحديثة...
وما نتيجة مليون زائد مليون؟
- الطالب : صفر ؟!
- الأستاذ : خطأ أيضاً، مليون زائد مليون يساوي عشرين مليوناً في العلم الحديث.
- الطالب : لم أفهم.
- الأستاذ : سأعطيك مثالاً من أرض الواقع يجعلك تفهم ما ذكرت لك.
انظر من النافذة هناك إلى جيب ذلك المعدم، ثم انظر إلى صاحب تلك السيارة الفارهة، وستدرك على الفور معنى الرياضيات الحديثة.
11-24-2005, 07:27 PM
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم
عضو رائد
المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
- العلبة : بكل شيئ، بتقلباتك، بلهاثك، وبشخيرك. ألا يكفي أنك تحمل في داخلي بضاعتك في النهار ؟ تريد أن تنام داخلي في الليل ؟!
- الطفل : لقد التجأت داخلك هرباً من البرد.
- العلبة : ولم لا تنام في دارك ؟
- الطفل : لا دار لي.
- العلبة : لا تقل إنك يتيم.
- الطفل : لا، ولكن والدي سيضربني إن عدت دون أن أبيع العلب التي أحملها معي. واليوم لم أبع شيئاً.
- العلبة : ولكنني لن أكفي لأحميك من كل هذا البرد القارس. وإنك ستتجمد من البرد يا عزيزي.
- الطفل : لا مكان لي في هذه الدنيا الضيقة إلا داخلك. لا مدرسة، لا منزل، لا نادٍ أو ملعب، ليس لي سواك.
- حجارة الشارع : لو كان بإمكاننا تدفئتك لفعلنا.
- جلد الطفل : عد يا صاحبي إلى البيت، وسأدعو الله كي أصبح كجلد أي مسؤولٍ أو غنيّ أو سارق في هذا البلد.
لن تحس بعد اليوم بالألم من ضرب والدك، ولا ببرد الطرقات، ولا بوخز خرزات هذه العلبة المقيتة.
عد إلى دارك وأرضك ووطنك.
عد إلى أحلامك وغدك ومستقبلك.
عد وأنا سأحميك.
12-02-2005, 12:50 PM
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم
عضو رائد
المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
- الطفل متمنياً في قلبه :
غداً ستصبح مدينة الملاهي بالمجان، وتوزًّع الحلوى بالقسطاس على كل أولاد حارتنا.
غداً سيكون لكل طفلٍ كرةٌ كبيرة خاصة به، وستكون هناك ملاعب كرة قدم وسلة وريشة الطائرة.
غداً سيرتدي جميع أطفال حارتنا ثياباً تقيهم البرد في الشتاء، ويخلعون شحاطاتهم البلاستيكية لينتعلوا أحذيةً حقيقيةً متينة.
غداً، لن أضطر أنا وأصدقائي إلى العمل من الصباح حتى منتصف الليل في ورشات التصليح، في بيع العلوك أو السجائر، في مسح السيارات وشطف أدراج المبني، وفي تحضير القهوة والشاي لأرباب العمل، وكل هذا من أجل ليراتٍ معدودة.
غداً لن يكون هناك ظلمٌ ولا تفرقةٌ ولا ضربٌ في المدارس أو البيوت، ولا حرمانٌ من الشوكولاته والحقيبة المدرسية وحذاء الرياضة.
غداً … ويُفتح الباب فجأةً...
- الأم : اذهب وساعد أباك في جني المصروف، ولا تنسَ أن تشتري الخضار والخبز من السوق في طريق العودة.
12-13-2005, 07:15 PM
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم
عضو رائد
المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
حميد الشمائل رجلٌ عفيفٌ جداً.
وهو من أكثر من شهدت له الأرض والسماء والبحار بالعفة.
حتى مدحت به وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة.
فهو بالرغم من منصبه الهام، وسلطته الواسعة، وقوته التي لا حدود لها،
فإنه لم يسرق ولم ينهب،
ولم يقتن "فيللا" في فرنسا، ولا حساباً مصرفياً في سويسرا،
ولا عشر سيارات مرسيدس آخر موديل،
ولا صديقات ليليات، ولا ملابس من ماركات فرنسية.
ولم يطلق ابنه في سيارة مصفحة ليدوس على المخلوقات في الطرقات،
ولم يطلق حراسه الشخصيين وسائقيه في البلد يخيفون هذا ويعتدون على ذاك.
لم يحاول أبداً أن يستغل منصبه لهذه الأمور وتلك.
ولم يحاول أبداً أن يظلم أو يستهتر.
لذلك، واستناداً إلى كل هذه الحيثيات،
قررت المحكمة بالإجماع الحكم على هذا المتهم بالنفي إلى عصر آخر،
أو حتى عالم آخر،
فإنه لا ينتمي لا إلى عصرنا ولا إلى عالمنا.
وإن حاول ذلك فسنمنعه.