اقتباس: محمد الدرة كتب/كتبت
= إلى أيّ مدى يمكن للإيمان الحتمي برأي ما يمكن أن يكون ضارّا بالإنسان ؟
1- عندما يصبح هذا الايمان سببا للكراهية المبطنة، تحت غطاء التعبد للـه. على سبيل المثال، كانت الكنائس في الماضي تقتبس آيات من الكتاب المقدس لتبرر بها استعباد السود و التقليل من شأنهم! و بات إيمانهم الحتمي برأيهم عبارة عن شماعة يعلقون عليها عنصريتهم.
2- عندما يصبح هذا الايمان الحتمي نهاية للفكر و العقلانية. على سبيل المثال، يكون الشخص مؤمنا بقصة الخلق ايمانا حتميا، فيسدون عيونهم عن رؤية المعطيات العلمية. تشير الاحصاءات في اميركا مثلا أن أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة يؤمنون بالميلاد العذراوي بدون تفكير و لا تمحيص. و في نفس الوقت، هؤلاء النصف يرفضون نظرية التطور العلمية، مع أن جميع علماء اميركا المرموقين باتوا مقتنعين بأنها حقيقة واقعة. و هناك أمثلة عديدة على كون الايمان الحتمي يعمي صاحبه عن الوقائع و تراه بات يعيش في عالم خيالي لا يمت للواقع بصلة، و باتت آراؤه مجمدة متحجرة لا يمكن تغييرها.
3- عندما يصبح هذا الايمان الحتمي مظلة سياسية. الوطن للمواطن يا عزيزي. أي انسان له الحق في المواطنة الكاملة في وطنه. و ليس من حق أي شخص أن يطبق مبادئ دينه على غيره بإستعمال الجبروت السياسي. لهذا السبب أرفض و أقاوم أي محاولة لتطبيق الشريعة الاسلامية او الاخلاق المسيحية او غيرها. الدين للمتدين، أما الوطن فهو للجميع.
اقتباس:= هل تراهم يستطيعون الترجل عن خيولهم وهي مسرعة إلى نحو حواريهم؟ وكيف يمكن أن يحصل ذلك برأيك؟
الطريقة الوحيدة التي يمكن لأصحاب الايمان الحتمي الترجل عن خيولهم بها هي وضعهم في موقع الاجابة عن مواضيع ايمانهم. هذا ما حصل معي و هذا ما يحصل مع غيري كل يوم. الحوار هو السبيل الوحيد. و الحوار ان لم يزعزع الايمان الحتمي، على الاقل قد يتمكن الحوار من إجبار هذا الشخص على القليل من التواضع و قد رأى أن من يختلف معه له أيضا وجهة نظر تستحق التفكير.
[QUOTE]= أتعتقد أن الملحدين قد ينجحون يوما في إرساء أساسٍ لرأيهم؟
وما هي برأيك ردة فعل الساعين إلى جنات خلد ربهم؟
أعتقد أن التقدم و التنوير العلمي المستمران سوف يساعدون في إرساء أساس أكثر وضوحا للفكر اللاديني عموما. أنت تعلم أن الآلهة على مدار التاريخ كانت عبارة عن شماعات يعلق عليها الناس جهلهم بالعلوم. فإذا سمعوا الرعد قالوا انه إله مزمجر، و اذا رأوا الشمس قالوا عين الإله المنيرة.
لقد قال أحد المفكرين ما معناه، "إن كتاب داروين في أصل الأنواع أخيرا أكمل الإطار الفكري للإلحاد الذي يمكن للإنسان العاقل أن يتبناه." اذا عُرف السبب، بطُل العجب، و اذا فـُسّر الشيء، زال الإله المختبئ خلفه. و كلما فسرنا أشياء اكثر فأكثر، تناقصت الآلهة و انكمشت حتى لم نعد نسمع بها! أين هو زيوس و اوزيريس و غيرهم الالاف من الآلهة؟ ماتوا الى غير رجعة. عدد الآلهة تناقص بشكل كبير في العصر الحديث، و باتوا نوعا مهددا بالانقراض.
[QUOTE]= قد لا تتدخل أنت كمثقف حضاري، ولكن ما هو موقفك إذا تلقّف طفلك أو ابنك وقد صار يافعا فكر أصولي أو سلفي وأخذ بتلقينه للتأثير عليه. فهل تمنعه من الاستماع، وترفض أن يقرأ كتبا كنت قد رفضت قراءتها أنت؟
سأعمل جاهدا على تعليم طفلي التعقل و التوازن في المنطق. أعتقد أنه من المُضر أن نغطي عيون الاطفال عن رؤية الامور. يجب أن نشرح لهم بتروّ دلالات الاشياء و معانيها، ليسمعوها منا قبل سماعها من غيرنا.
عندما كنت صغيرا، كان أبي المسيحي المؤمن يلقنني القرآن و يشرح لي معانيه! لم يكن يؤمن به و لم يرد لي أن أؤمن به، لكنه كان يعلم على ما أعتقد أن أفكاري الفضولية كانت ستقودني اليه، و بما أن كل ممنوع مرغوب، لم يجعله ممنوعا.
و إن أحب طفلي مثلا أن يقرأ أي شيء يريده، سأقرأه معه، و أوضح له ما اعلمه و أشرح له وجهات النظر المغايرة. على سبيل المثال، لن أمنع ابني مثلا من البحث في موضوع اللـه. سأدرس معه كتبا كتبها مؤمنون، و أوضح له بكل أمانة و عدل الحجج التي نعرفها لإثبات وجود اللـه. و بعدها سأشرح له المشاكل المتعلقة بهذه الحجج، و أتركه يختار.
[QUOTE]= والسؤال: إلى أيِّ مدى أثّرت هذه الكتب بقناعاتك، وتوجهك الإلحادي؟ وهل كانت والدتك تقصد ذلك عندما أعطتك الكتاب الأول؟ خاصة وكما استنتجت أنك لم تقرأ كتبا دينية بعينها؟
= يتبع هذا السؤال تساؤل: هل تعتقد أنه لو اطّلعت على كتبٍ دينية مسيحية أو إسلامية قبل غيرها كان ممكن أن تغير قناعاتك؟
أنا فعلا قرأت كتبا دينية قبل غيرها. لا تنسى أني تعلمت في بيئة مسيحية، و تلقنت جميع الدروس المسيحية منذ صغري، في المدرسة و الكنيسة. أذكر حتى الان أيامي الاولى كطفل ما أن تعلم الكلام حتى كان يُجلسني والدي على كتفيه في مكتبه أثناء ساعات الفراغ، و يروي لي أقاصيص الكتاب المقدس. و كنت كل يوم آتي إليه بشغف و أقول له، "إروي لي قصة موسى النبي... او قصة يونان... او قصة ميلاد يسوع..." و كان يمليها عليّ بحماس. أعتقد أني عرفت ربع الكتاب المقدس قبل أن أتعلم القراءة! هذه القصص دخلت في كياني و باتت جزءا مني، و المبادئ التي تعلمتها منها باتت محور أخلاقياتي على مدار السنين.
الكتاب الذي اعطتني اياه أمي لا يدعو الى الالحاد علانية، و إنما هو عبارة عن رواية طويلة عن تاريخ الفلسفة الغربية. أساليب التفكير و المشاكل المنطقية التي تعرضها الرواية فتحت عقلي على أمور لم أكن أفكر فيها من قبل، أمور كنت أعتقد أن الدين قد أجابها و أشبعها اجابة. طبعا أنا لم أقرأ الكتاب و أصبح ملحدا في اليوم التالي، و لكن هو كان بداية النهاية بالنسبة للإيمان في حياتي، و لم يبدأ التغيير يتوضح في ذهني الا بعد مرور سنين عدة.
[QUOTE]
= ترى ألا تعتقد أنت بأن الحياة السياسية في كل أنحاء العالم بما فيه حيث تقطن، تحكم من خلال الدين قبل الأفكار والآراء والديمقراطية؟
أنا أعتقد أن الدين يصيغ الكثير من الافكار السياسية، و لكني أيضا أعتقد أن الافكار السياسية تصيغ الدين. مصالح القبيلة تصيغ الدين.
الكثير من المبادئ و الاخلاق و الافكار الدينية لها أبعاد سياسية و اجتماعية لا علاقة لها باللاهوت بل أقحمها اصحابها في اللاهوت و نسبوها للـه.
قرأت عدة كتب في الموضوع بما يتعلق بالمسيحية خصوصا، ولا يتسع المجال هنا للأسف للحديث في هذا الموضوع، و لا أدري ان كنت قادرا أصلا على الخوض فيه.
[QUOTE]
= ما هي اهمية الأديان غير خلق الخلافات والتقاتل بين الناس؟ وما الحاجة التي تراها ضرورية لوجود الأديان؟
الانسان يبحث عن اليقين، و الاديان تعطيه اليقين.
حين وعي الانسان لأول مرة نفسه، ما هي برأيك أكثر الافكار التي خطرت له رعبا؟ هي حقيقة أنه كائن هش. سقطة بسيطة تكسر رجله، و غلطة واحدة تحوله الى فريسة للحيوانات، و في النهاية موتا يموت. اذن من أول فترة وعي الانسان فيها نفسه و العالم حوله، بات يبحث بيأس و رعب عما قد يعطيه اليقين و يمنحه الأساس المتين الذي يغنيه عن هذا الواقع الهش الذي يحياه.
الدين يشكل هروبا من الواقع الصعب، الى عالم الفانتازيا المريح. الدين هو عبارة عن استمناء ذاتي مع حواري الخيال، حيث يخلو الواقع من تلك الحسناوات. مخيلة الانسان مدهشة في قدرتها على توفير واقع بديل للإنسان الذي لا يحتمل مرارة واقعه.
لهذا السبب فالدين حاجة أساسية في الانسان تعبر عن واقع ملموس لا مفر له. لكن الفرق الذي آمل أن يكون آخذا في التشكل هو أننا في عصر ما بعد التنوير و ما بعد الثورة العلمية، يمكننا أخيرا قبول واقعنا الانساني كما هو و العيش فيه بدون أحلام اليقظة.
الإنسان كائن هش. حياته تفتقر الى اليقين و تفتقر الى الأساس الصلب الذي لا يمكن زحزحته. هذا الواقع هو أمر سنستفيق عليه في يوم من الايام. قد يتعايش البعض معه و يتأقلم، و قد يفشل البعض. و لكن التعلق بآمال الماضي لن يكون خيارا قائما بعد.
الموضوع قد يشبه علاقة عاطفية و إمرأة تهجرك بعد أن أحببتها بجنون. فإما أن تقبل المصيبة و تمضي قدما نحو مستقبل ايجابي و تجد امرأة اخرى تحبها، أو يصيبك اليأس و الخمول و السلبية. و لكن العيش في فتات الماضي و نكران الواقع و العيش على ذكريات المرأة القديمة لن يكون خيارا قائما بعد فليس لمحبوبتك تلك أي وجود بعد الان في حياتك. من مصلحتك أن تمضي قدما.