{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أفراح الروح
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #11
أفراح الروح

[SIZE=5]( 11 )

الخاطرة الحادية عشرة ..

الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق و القوى المجهولة خطر، لأنه يقود إلى الخرافة.. ويحول الحياة إلى وهم كبير إ... ولكن التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ليس أقل خطرا:

لأنه يغلق منافذ المجهول كله، وينكر كل قوة غير منظورة لا لشىء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا! وبذلك يصغر من هذا الوجود - مساحة وطاقة، قيمة كذلك، ويحده بحدود " المعلوم " وهو إلى هذه اللحظة حين ! يقاس إلى عظمة الكون- ضئيل.. جدآ ضئيل!...

إن حياة الإنسان على هذه الأرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية أو سلسلة من القدرة على ادراك هذه القوى، كلما شب عن الطوق وخطا خطوة إلى الامام في طريقه الطويل!.

إن قدرة الإنسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون التى كانت مجهولة له منذ لحظة وكانت فوق إدراكه في وقت ما.. لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد لأنه لا يزال في دور التجريب!.

إن احترام العقل البشري ذاته لخليق بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا لا لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة، ولكن لكى نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها، ولكى نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض.

وإن هذا لخليق بأن يفتح للروح الانسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا وهى بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد، وأننا لا نزال بعد نعيش.


(f)


12-19-2005, 03:04 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #12
أفراح الروح


( 12 )

الخاطرة الثانية عشرة ..

من الناس في هذا الزمان من يرى في الاعتراف بعظمة الله المطلقة غضا من قيمة الإنسان وإصغارا لشأنه في الوجود: كأنما الله والإنسان ندان يتنافسان على العظمة والقوة في هذا الوجود !.

أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورأ بعظمة الله المطلقة زدنا نحن أنفسنا عظمة لأننا هن صنع إله عظيم !.

إن هؤلاء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلههم أو ينكرونه إنما هم المحدودون الذين لا يستطيعون أن يروا إلا الأفق الواطىء القريب!.

إنهم يظنون أن الإنسان إنما لجأ إلى الله إبان ضعفه وعجزه، فأما الآن فهو من القوة بحيث لا يحتاج إلى إله! كأنما الضعف يفتح البصيرة والقدرة تطمسها!.

إن الإنسان لجدير بأن يزداد إحساسآ بعظمة الله المطلقة كلما نمت قوته لأنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الإدراك...

إن المؤمنين بعظمة الله المطلقة لا يجدون في أنفسهم ضعة ولا ضعفا، بل على العكس يجدون في نفوسهم العزة والمنعة باستنادهم إلى القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود. إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الأرض وبين هؤلاء الناس، فهى لا تصطدم بعظمة الله المطلقة في هذا الوجود. إن لهم رصيدأ من العظمة والعزة في إيمانهم العميق لا يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم كـ " البالون " حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود !.


:97:


12-21-2005, 05:26 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #13
أفراح الروح


[SIZE=5]( 13 )

الخاطرة الثالثة عشرة ..

أحيانأ تتخفى العبودية في ثياب الحرية فتبدو انطلاقا من جميع القيود: انطلاقأ من العرف والتقاليد، انطلاقآ من تكاليف الإنسانية في هذا الوجود!.

إن هنالك فارقا أساسيا بين الانطلاق من قيود الذل والضغط والضعف، والانطلاق من قيود الإنسانية وتبعاتها، إن الأولى معناها التحرر الحقيقى، أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التى جعلت من الانسان إنسانا وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة!.

إنها حرية مقنعة لأنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية، تلك الميول التى قضت البشرية عمرها الطويل وهى تكافحها للتخلص من قيودها الخانقة إلى جو الحرية الإنسانية الطليقة...

لماذا تخجل الانسانية من إبداء ضروراتها؟ لأنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضروريات هو أول مقومات الانسانية، وأن الانطلاق من قيودها هو الحرية، وأن التغلب على دوافع اللحم والدم وعلى مخاوف الضعف والذل كلاهما سواء في توكيد معنى الإنسانية!.


(f)(f)
12-21-2005, 05:28 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #14
أفراح الروح

[SIZE=5]( 14 )

الخاطرة الرابعة عشرة ..

لست ممن يؤمنون بحكاية المباديء المجردة عن الأشخاص لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة؟ وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان؟.

إن المباديء والأفكار في ذاتها- بلا عقيدة دافعة- مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر معان ميتة! والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان المشعة من قلب إنسان! لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا في قلب مشع.

آمن أنت أولا بفكرتك، آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون ! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة !...

لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة بشر!.. كذلك لا وجود لشخص - في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص...

إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ، عملية - في بعض الأحيان- مستحيلة، وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء!. كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان!

أما الأفكار التى لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام !.



(f)
12-26-2005, 02:52 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #15
أفراح الروح

[SIZE=5]( 15 )

الخاطرة الخامسة عشرة ..

من الصعب على أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟

إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل: فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة؟!

حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لابد أن نصل إلى الشط ملوثين..

إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام، كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة: إن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التى وصلنا إليها!.

إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية، ففى عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات!

الشعور الانساني وحده إذا أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة.. بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته! " الغاية تبرر الوسيلة!؟ ": تلك هى حكمة الغرب الكبرى!! لأن الغرب يحيا بذهنه، وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات!.

:wr:



12-26-2005, 02:53 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #16
أفراح الروح


شعور غريب أن تحس كأنك تكلم نفسك بشعر الحكمة ونثرها في صحراء الصمت الرهيب والمريب والعجيب !

ولكن الشعور بالتميّز ايضا لذيذ :D
01-12-2006, 08:58 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #17
أفراح الروح


كتاب ( معالم في الطريق ) الذي أعدم بسببه سيّد رحمه الله:

فصل ( شريعة كونية ) :


إن الإسلام حين يقيم بناءه الإعتقادي في الضمير والواقع على أساس العبودية الكاملة لله وحده ، ويجعل هذه العبودية متمثلة في الاعتقاد والعبادة والشريعة على السواء ، باعتبار أن هذه العبودية الكاملة لله وحده - في صورتها هذه - هي المدلول العملي لشهادة أن لا إله إلا الله .. وأن التلقي في كيفية هذه العبودية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده هو المدلول العملي كذلك لشهادة أن محمدا رسول الله ...


إن الإسلام حين يقيم بناءه كله على هذا الأساس ، بحيث تمثل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله منهج الحياة في الإسلام ، وتصور ملامح هذا المنهج ، وتقرر خصائصه .. إن الإسلام حين يقيم بناءه على هذا النحو الفريد الذي يفرقه عن جميع الأنظمة الأخرى التي عرفتها البشرية .. إنما يرجع إلى أصل أشمل ف ي تقريره عن الوجود كله ، لا عن الوجود الإنساني وحده . وإلى منهج للوجود كله لا منهج للحياة الإنسانية وحدها .



إن التصور الإسلامي يقوم على أساس أن هذا الوجود كله من خلق الله ، اتجهت إرادة الله إلى كونه فكان ، وأودعه الله - سبحانه - قوانينه التي يتحرك بها ، والتي تتناسق بها حركة أجزائه فيما بينها ، كما تتناسق بها حركته الكلية سواء .

{ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [النحل : 40] .

{ وخلق كل شيء فقدره تقديرا } .. [الفرقان : 2] .


إن وراء هذا الوجود الكوني مشيئة تدبره ، وقدرا يحركه ، وناموسا ينسقه . هذا الناموس ينسق بين مفردات هذا الوجود كلها ، وينظم حركاتها جميعا ، فلا تصطدم ، ولا تختل ، ولا تتعارض ، ولا تتوقف عن الحركة المنتظمة المستمرة - إلى ما ش اء الله - كما إن هذا الوجود خاضع مستسلم للمشيئة التي تدبره ، والقدر الذي يحركه ، والناموس الذي ينسقه ، بحيث لا يخطر له في لحظة واحدة أن يتمرد على المشيئة ، أو أن يتنكر للقدر ، أو أن يخالف الناموس وهو لهذا كله صالح لا يدركه العطب والفساد إلا أن يشاء الله :


{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } .. [الأعراف : 54] .


* * *


والإنسان من هذا الوجود الكوني ، والقوانين التي تحكم فطرته ليست بمعزل عن ذلك الناموس الذي يحكم الوجود كله .. لقد خلقه الله - كما خلق هذا الوجود - وهو في تكوينه المادي من طين هذه الأرض ، وما وهبه الله من خصائص زائدة على مادة الطين جعلت منه إنسانا ، إنما رزقه الله إياه مقدرا تقديرا ، وهو خاضع من ناحية كيانه الجسمي للناموس الطبيعي الذي سنه الله له - رضى أم أبي - يعطى وجوده وخلقه ابتداء بمشيئة الله لا بمشيئته هو ولا بمشيئة أبيه وأمه - فهما يلتقيان ولكنهما لا يملكان أن يعطيا جنين وجوده - وهو يولد وفق الناموس الذي وضعه الله لمدة الحمل وظروف الولادة . وهو يتنفس هذا الهواء الذي أوجده الله بمقاديره هذه ، ويتنفسه بالقدر وبالكيفية التي أرادها الله له . وهو يحس ويتألم ، ويجوع ويعطش ، يأكل ويشرب ، ويمثل الطعام والشراب .. وبالجملة يعيش .. وفق ناموس الله ، عن غير إرادة منه ولا اختيار ، شأنه في هذا شأن هذا الوجود الكوني وكل ما فيه وكل من فيه ، في الخضوع المطلق لمشيئة الله وقدره وناموسه ...


والله الذي خلق هذا الوجود الكوني وخلق الإنسان ، والذي أخضع الإنسان لنواميسه التي أخضع لها الوجود الكوني .. هو - سبحانه - الذي سن للإنسان " شريعة " لتنظيم حياته الإرادية تنظيما متناسقا مع حياته الطبيعية . فالشريعة - على هذا الأساس - إن هي إلا قطاع من الناموس الإلهي العام الذي يحكم فطرة الإنسان ، وفطرة الوجود العام ، وينسقها كلها جملة واحدة .


وما من كلمة من كلمات الله ، ولا أمر ولا نهي ، ولا وعد ولا وعيد ، ولا تشريع ولا توجيه .. . إلا هي شطر من الناموس العام ، وصادقة في ذاتها صدق القوانين التي نسميها القوانين الطبيعية - أي القوانين الإلهية الكونية - التي نراها تتحقق في كل لحظة ، بحكم ما في طبيعتها من حق أزلي أودعه الله فيها ، وهي تتحقق بقدر الله .


و " الشريعة " التي سنها الله لتنظيم حياة البشر هي - من ثم - شريعة كونية . بمعنى أنها متصلة بناموس الكون العام ، ومتناسقة معه .. ومن ثم فإن الالتزام بها ناشئ من ضرورة تحقيق التناسق بين حياة الإنسان ، وحركة الكون الذي يعيش فيه .. بل من ضرورة تحقيق التناسق بين القوانين التي تحكم فطرة البشر المضمرة والقوانين التي تحكم حياتهم الظاهرة . وضرورة الالتئام بين الشخصية المضمرة والشخصية الظاهرة للإنسان ..


ولما كان البشر لا يملكون أن يدركوا جميع السنن الكونية ، ولا أن يحيطوا بأطراف الناموس العام - ولا حتى بهذا الذي يحكم فطرتهم ذاتها ويخضعهم له - رضوا أم أبوا - فإنهم - من ثم - لا يملكون أن يشرعوا لحياة البشر نظاما يتحقق به التناسق المطلق بين حياة الناس وحركة الكون ، ولا حتى التناسق بين فطرتهم المضمرة وحياتهم الظاهرة . إنما يملك هذا خالق الكون وخالق البشر ، ومدبر أمره وأمرهم ، وفق الناموس الواحد الذي اختاره وارتضاه .


وكذلك يصبح العمل بشريعة الله واجبا لتحقيق ذلك التناسق .. وذلك فوق وجوبه لتحقق الإسلام اعتقادا . فلا وجود للإسلام ف ي حياة فرد أو حياة جماعة ، إلا بإخلاص العبودية لله وحده ، وبالتلقي في كيفية هذه العبودية عن رسول الله وحده ، تحقيقا لمدلول ركن الإسلام الأول : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .


وفي تحقيق التناسق المطلق بين حياة البشر وناموس الكون كل الخير للبشر ، كما أن فيه الصيانة للحياة من الفساد .. إنهم - في هذه الحالة وحدها - يعيشون في سلام من أنفسهم .. فأما السلام مع الكون فينشأ من تطابق حركتهم مع حركة الكون ، وتطابق اتجاههم مع اتجاهه .. وأما السلام مع أنفسهم فينشأ من توافق حركتهم مع دوافع فطرتهم الصحيحة ، فلا تقوم المعركة بين المرء وفطرته ، لأن شريعة الله تنسق بي ن الحركة الظاهرة والفطرة المضمرة ، ف ي يسر وهدوء .. وينشأ عن هذا التنسيق تنسيق آخر في ارتباط الناس ونشاطهم العام ، لأنهم جميعا يسلكون حينئذ وفق منهج موحد ، هو طرف من الناموس الكوني العام .


كذلك يتحقق الخير للبشرية عن طريق إهتدائها وتعرفها في يسر إلى أسرار هذا الكون ، والطاقات المكنونة فيه والكنوز المذخورة في أطوائه واستخدام هذا كله وفق شريعة الله ، لتحقيق الخير البشري العام ، بلا تعارض ولا اصطدام .


ومقابل شريعة الله هو أهواء البشر :

{ ولو اتبع الحق أهواءهم لفس دت السماوات والأرض وم ن فيهن } ... [المؤمنون : 71] .


ومن ثم توحد النظرة الإسلامية بين الحق الذي يقوم عليه هذا الدين ، والحق الذي تقوم عليه السموات والأرض . ويصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، ويحاسب الله به ويجازي من يتعدونه .. فهو حق واحد لا يتعدد ، وهو الناموس الكوني العام الذي أراده الله لهذا الوجود ف ي جميع الأحوال ، والذي يخضع له ويؤخذ به كل ما في الوجود من عوالم وأشياء وأحياء .


{ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ، وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين ، فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ، قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ، وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ، لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ، وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون } ... [الأنبياء : 10 - 20] .


وفطرة الإنسان تدرك هذا الحق في أعماقها ، فطبيعة تكوينه وطبيعة هذا الكون كله من حوله ، توحي إلى فطرته بأن هذا الوجود قائم على الحق ، وأن الحق أصيل فيه ، وأنه ثابت على الناموس ، لا يضطرب ، ولا تتفرق به السبل ، ولا تختلف دورته . ولا يصطدم بعضه ببعض ، ولا يسير وفق المصادفة العابرة والفلتة الشاردة ، ولا وفق الهوى المتقلب والرغبة الجامحة ! إنما يمضي في نظامه الدقيق المحكم المقدر تقديرا .. ومن ثم يقع الشقاق - أول ما يقع - بين الإنسان وفطرته عندما يحيد عن الحق الكامن في أعماقها ، تحت تأثير هواه ، وذلك عندما يتخذ شريعة لحياته مستمدة من هذا الهوى لا من شريعة الله ، وعندما لا يستسلم لله استسلام هذا الوجود الكوني الخاضع لمولاه !


ومثل هذا الشقاق يقع بين الأفراد والجماعات والأمم والأجيال ، كما يقع بين البشر والكون من حولهم ، فتنقلب قواه وذخائره وسائل تدمير وأسباب شقاء ، بدلا من أن تكون وسائل عمران وأسباب سعادة لبني الإنسان .


وإذن فإن الهدف الظاهر من قيام شريعة الله في الأرض ليس مجرد العمل للآخرة . فالدنيا والآخرة معا مرحلتان متكاملتان ، وشريعة الله هي التي تنسق بين المرحلتين ف ي حياة هذا الإنسان . تنسق الحياة كلها مع الناموس الإلهي العام .


والتناسق مع الناموس لا يؤجل سعادة الناس إلى الآخرة ، بل يجعلها واقعة ومتحققة في المرحلة الأولى كذلك ، ثم تتم تمامها وتبلغ كمالها في الدار الآخرة .


* * *


هذا هو أساس التصور الإسلامي للوجود كله ، وللوجود الإنساني ف ي ظل ذلك الوجود العام ، وهو تصور يختلف في طبيعته اختلافا جوهريا عن كل تصور آخر عرفته البشرية ، ومن ثم تقوم عليه التزامات لا تقوم على أي تصور آخر في جميع الأنظمة والنظريات ..


إن الالتزام بشريعة الله - في هذا التصور - هو مقتضى الإرتباط التام بين حياة البشر وحياة الكون ، وبين الناموس الذي يحكم فطرة البشر ويحكم هذا الكون ، ثم ضرورة المطابقة بين هذا الناموس العام والشريعة التي تنظم حياة بني الإنسان ، وتتحقق بالتزامها عبودية البشر لله وحده ، كما أن عبودية هذا الكون لله وحده لا يدعيها لنفسه إنسان .


وإلى ضرورة هذا التطابق والتناسق يشير الحوار الذي جرى بين إبراهيم - عليه السلام - أبي هذه الأمة المسلمة - وبين " نمرود " المتجبر المدعي بحق السلطان على العباد في الأرض ، والذي لم يستطع - مع ذلك - أن يدعي بحق السلطان على الأفلاك والأجرام في الكون ، وبهت أمام إبراهيم عليه السلام ، وهو يقول له : إن الذي يملك السلطان في الكون هو وحده الذي ينبغي أن يكون له السلطان في حياة البشر ، ولم يحر جوابا على هذا البرهان :



{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } .. [البقرة : 258] .


وصدق الله العظيم :

{ أفغي ر دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } .. [آل عمران : 83]
01-15-2006, 03:07 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #18
أفراح الروح


أعجبتني هذه الخاطرة كثيرا ...
(f)

عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود إ..

أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !!

إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمآ، قتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بايامنا وساعاتنا و لحظاتنا. و ليست الحياة بعد السنين، ولكنها بعداد المشاعر. وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهما " هو في الواقع " حقيقة " أصح من كل حقائقهم!.. لأن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعورآ مضاعفا بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلا...

يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال !...

إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!.


:redrose:









09-18-2006, 06:49 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  هشيم الروح ابن حوران 4 910 02-13-2006, 02:07 PM
آخر رد: ابن حوران

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS