اقتباس: العلماني كتب/كتبت
ترحيل اللاجئين بهذه الطريقة هو جريمة لا تغتفر مهما كان. وأعتقد بأن كل منا يندد بالقسوة الشديدة التي تم التعامل بها مع هؤلاء المساكين، الذين هربوا من "نظام البشير" كي يلاقوا حتفهم بأيدي "نظام مبارك".
مع هذا فالسؤال (النظري)ا لمركزي ما زال قائماً. السؤال هو: هل من المقبول أن يتم اعتصام عدد كبير من اللاجئين في ميدان عام في عاصمة الدولة لمدة طويلة ؟ وماذا على الدولة أن تفعل إن لم تستطع أن تتفق معهم على حل مرض؟ هل تتركهم؟ هل ترحلهم عنوة (بطريقة تحفظ أرواحهم وكرامتهم طبعاً)؟ كيف؟
الغريب في خطاب صديقتنا "روزا" هو الغضبة العارمة مع عدم تقديمها لأي حل. فهلا اسعفتنا يا "روزا" بتصورك "للحل" دون هذا الخطاب الانفعالي؟ فلا أنا ولا غيري يملك شيئاً أمام ما حصل للاجئين السودانيين.
واسلموا لي
العلماني
عودة لتساؤل صديقنا "العلماني" بخصوص إعتصام اللاجئين في ميدان عام (ميدان مصطفى محمود المطل على شارع جامعة الدول العربية في منطقة المهندسين).. هل من حق اللاجئين السودانيين -وأعتذر مقدماً عن الأخطاء اللغوية- أن يعتصموا لمدة ثلاث أشهر في ميدان عام في دولة لا ينتموا اليها؟
انا رأيي بصراحة شديدة وبدون أن تعتبرها مزايدة أو إنفعالية مني -لا أتخيل انسان طبيعي لا ينفعل لمثل هذه الأحداث- أن السودانيون من حقهم الإعتصام أمام مفوضية اللاجئين التي يطالبون بحقوقهم منها.. أين سيعتصمون بالله عليك.. في منازلهم*.. أم يعودوا للسودان كما تطالبهم المفوضية بالعودة اليها للإعتصام هناك!!
من المنطقي أن المعتصم ينقل إعتصامه لمكان عام ومواجه للجهة التي يختصمها وإلا فقد إعتصامه معناه. هذه الأولى..
الفكرة الثانية هي أن الإعتصام دام ل3 أشهر لأن المفوضية العليا للاجئين رفضت تنفيذ مطالب المعتصمين ولا يجب أن نحاسبهم هم على قرارات المفوضية المتعسفة والمعروف للجميع علاقتها بلعبة التوازنات السياسية الهادفة لتفعيل إتفاقية السلام السودانية. لم ينم هؤلاء البشر الذين لم أكن منهم أنا أو أنت - بمحض الصدفة السعيدة - في العراء, في عز الشتاء, بدون ظهر أو جهة يستندون اليها, لا حكومة, ولا منظمة حقوقية, ولا أموال ولا نفوذ, وأيضاً يواجهون عنصرية أهل البلد- لأنهم إعتبروها نزهة أو وقت مستقطع يعودون بعدها للحياة الطبيعية. الأولى بنا أن نفكر في دوافعهم لمثل هذا "الصمود" لثلاث أشهر كاملة لم ينهوها بإرادتهم وكيف أن اللعبة السياسية الدولية بكل أطرافها -بما فيها المنظمات الحقوقية الدولية- يتلاعبون بالبشر ويستغلون ظروفهم بهذا الشكل الفج والمرعب.
لم يملك هؤلاء البشر بديلاً ياعلماني.. لذلك صمدوا وقاوموا برغم الجيش الجرار الذي جاء ليحاربهم. وهو في رأيي آداء محترم أشك كثيراً في أننا نحن "العرب" قادرون عليه. ولوكنا, لتخلصنا من الديكتاتوريات القميئة القابعة على صدورنا منذ عصور.
النقطة الثالثة والمهمة في رأيي, هي سؤالك قبل الأخير, ماذا يملك النظام المصري ليقدمه لهؤلاء اللاجئين في وقت هم يحتلون فيه إحدى الميادين العامة في منطقة راقية** .
سؤالك فعلاً يلوي الحقائق يشكل غريب, فأنت فجأة وبدون أي مبرر تضع نفسك في مكان ذلك النظام الديكتاتوري والعنصري وتحاول أن توجد إجابة لسؤال غير موضوعي بالمرة***!! فمصر ياعزيزي مليئة بالعشوائيات الغير إنسانية, زور مصر وإذهب في جولة لزيارة المقابر وعزبة الزبالين, وشبرا الخيمة وحواري امبابة والحسين!! تلك المناطق التي تستطيع أن تشم رائحة عفونتها من على بعد كليو متر من المنطقة, فالفقر هو السمة الأساسية للأغلبية العظمى من أهل مصر, بل هم يملأون منطقة المهندسين نفسها بشكل ملفت للنظر, حاول أن تمشي متراً واحداً سيراً على الأقدام وسوف تجد الشحاذون يطاردوك في شوارع تلك المنطقة بالذات لأنها منطقة تجارية إشتهر روادها بحب البذخ والمظاهر الكاذبة. وعلى بعد كوبري واحد من هذه المنطقة التي تمتلئ بالخلايجة في الصيف, تقع منطقة بولاق الدكرور وناهيا وعزبة علام وغيرها من المناطق العشوائية التي إن دخلتها بملابسك, فأنت من المحتمل جداً أن تخرج بدونها!! فهل وجود الفقراء المصريون في هذه المنطقة حلال, وإعتصام اللاجئون السودانيون حرام؟؟!!
إذا أخذنا في الإعتبار كل هذه الحقائق الفجة, ومدينا في نفس الوقت فكرتك على إستقامتها لوصلنا لإستنتاج -منطقي في هذه الحالة- بأنه يجب فصل مناطق الأغنياء عن مناطق الفقراء -لحماية ممتلكاتهم وحقهم الطبيعي في أن لا تقع أنظارهم على مثل هذه المناظر التي أتفق معك بأنها قبيحة بالفعل.
وعلى النظام في هذه الحالة أن يتخلص من كل هؤلاء الفقراء مرة واحدة -أو على مراحل لأنهم بالملايين- لحماية مشاعر الأغنياء. واسمح لي أن أطمئنك بأن نظام مبارك قد إقتلع على مدى ال24 سنة الماضية مناطق كاملة وشرد أهليها من الفقراء لهذا الهدف تحديداً, وهو الأن -كل الشكر له- مهموم ببناء مدن جديدة للأغنياء على حدود القاهرة تشبه المنتجعات السياحية وتملؤها الحدائق والورود, بينما يعيش أغلب سكان القاهرة في بيوت أشبه بالزرائب.
أجدني أتساءل حقاً كلما أعدت قراءة مداخلاتك السابقة, أيهما أكثر جوهرية في رأيك, حماية "المنظر الحضاري" لمكان ما, أم حق بشر مشردون وعانوا من مذابح وويلات بينما يحاولون الحصول على حق من حقوقهم؟!! وأي مظهر حضاري هذا الذي يتجاهل البشر ويتعامل معهم كاكلاب ضالة يجب رميها بالرصاص للتخلص من نباحها المتواصل؟!! أي حضارة هذه التي تتحدث عنها إذا ما أعطت الأولوية لبشر "يقرفوا" من رؤية السود يعيشون في منطقتهم على حق البشر المبدئي جداً في أن يعيشوا من الأصل!!
سحقاً لحضارة تحمل كل هذا العداء للاجئين لم يجدوا ما يكفي من الدولارات في خزائنهم للهروب الى أوروبا!!
أما إذا طبقنا وجهة نظرك بخصوص اللاجئين -السودانيين أو غيرهم- فسنجد أنهم لا يملكوا حتى حق الفقير أو حتى المعارض المصري الذي ليس له حقوق أصلا!! أي أنهم كالكلاب السابق ذكرها, عليهم أن يسجدوا يومياً للأغنياء المصريين والنظام المصري لأنه تكرم وتعطف وسمح لهم باللجوء الى مصر!! وكأنه لا يأخذ الثمن بالعملة الصعبة من مفوضية اللاجئين ولا يستغل الأيدي العاملة الغير مرخصة من شبابهم والذين يعملون بأجور أقل بكثير من أي عامل مصري آخر لأنه غير مسموح له بالعمل قانوناً.
أخيراً تسألني عن الحل, وكأنك تقول بشكل غير مباشر, أصمتي عنا, مالنا ومال ندبك وصراخك المزعج!! ماذا سنفعل لهؤلاء المنكوبين!!
للأسف أنا لا أملك حلولاً لهذه العقدة, سوى قناعتي بضرورة تضامن كل المضطهدين بكل أجناسهم وألوانهم من أجل حريتهم الحقيقية, وهو الأمر الصعب جداً كما تعرف أنت وأعرف أنا ويعرف الجميع, لأن الإمبريالية العالمية لم تترك جحراً إلا ولوثته بالقمع والخوف والعنصرية. الحل الموضوعي بالنسبة لي هو إسقاط مبارك وبوش وجميع من هم على شاكلتهم الى أسافل الجحيم. ولكي نسقطهم لأسافل الجحيم عن حق, فعلى هذه الجماهير المشغولة بصراعاتها الوهمية أن تعي جيداً العلاقة المباشرة بين كل من الإستغلال الرأسمالي, ومايحيط بنا من فساد وقمع وعنصرية.
أنت تضعني أمام أزمة النظام العالمي الذي يؤجج الصراعات والحروب وينهب ويستغل البشر ثم يعود ليعاقبهم على فقرهم وجهلهم الذي لم يختاروه لتطالبني أنا روزا بإيجاد حل لها.
أعرف أنك تعتبر كلامي هذا من باب مزايدات اليساريين المتطرفين, وأنا أتفهم وجهة نظرك, فأنا أيضاً لا أطيق "حذلقة" التنويريين المتعاليين على بشاعة هذا الواقع, هؤلاء الذين يملكوا أطناناً من الأوهام في أدمغتهم يدعونها "حيادية"... ويمارسون إنبطاحاً فكرياً مخزياً, يطلقون عليه –بلا خجل- "موضوعية".
أعتذر للإطالة وإقبل تحياتي..
روزا
-----------------------------------------------
*يتكدس أغلب اللاجئين في "غرف" عشوائية, والبعض منهم لا يجد بالفعل مكان للإقامة بعد أن توقفت معونة المفوضية العليا للاجئين وقدرها 300 جنيه مصري شهرياً. أي لاشيء.. لا شيء أبداً!!
** هذا إذا إتفقنا على مفهوم واحد –أو حتى قريب- للرقي!!
*** إلا من وجهة نظر النظام نفسه والمنتميين لنفس مصالحه.