اقتباس: ساري في الروح كتب/كتبت
دعني أقولها بصراحة و لا تزعل، فعندما تسأل ملحداً عن رأيه الشخصي في موضوع أو جوابه الشخصي لسؤال عميق فلا تجد إلا الهجوم على رأي الدينيين بدون أن تسمع جواباً واضحاً عن رأيه هو.
في غالب الاحيان، هذا ناتج عن طبيعة الالحاد بحد ذاته يا عزيزي.
مثلا لو سألتني عن رأيي عن وجود اللـه، سأقول لك، "لا يوجد دليل على وجود اللـه." فقط. انتهى.
بما أنك أنت القائل بأن اللـه موجود، فمن الطبيعي، بل المحتوم، أن تكون أنت على الجانب الايجابي من الفرضية، بينما الملحد على الجانب السلبي، جانب الرد. لذلك حين تسأل الملحد عن ايمانه، فماذا تريده ان يقول لك؟ هو لا يعتقد بوجود آلهة و لا يجد دليلا عليها، و بالتالي فإن لم تأته أنت بدليل، ستنتهي المناقشة و لا تستطيع ان تتوقع منه ان يستمر النقاش.
اذا سألتني ما رأيي بالموت، سأقول لك أن الوعي و الفكر هما من وظائف الدماغ، و بالتالي فمن المنطقي انهما ينتهيان بموت الدماغ. قد تكون انت الشخص المؤمن بوجود حياة أخرى، لكن بما أن هذه الحياة لا يوجد دليل عليها، فمن الطبيعي أن تكون أنت المُلزم بالنقاش و بالإتيان بالدليل فالملحد لا يضع مزاعم غريبة او خارقة فليس لديه ما يثبته، فإن فرغت أنت من الكلام و فرغ هو من الرد عليه، ينتهي النقاش بطبيعة الحال.
اقتباس:إنك تحاول أن تثبت دائماً أنه هنالك تناقض في القول أن الله غير خاضع للزمن لكني أرى أنك لم تصل إلى برهان منطقي واضح لذلك.
هل تقصد اني لم أضع برهانا اطلاقا، ام أني وضعت برهانا و انت لا تتفق معه؟
أنا وضعت البرهان، و سأعيده هنا:
1- عملية الخلق، أي الايجاد او الصنع، هي حدث يتم من خلاله ايجاد شيء او صنعه،
2- و هذا الشيء لا يكون موجودا او مصنوعا
قبل عملية الخلق.
3- القبل و البعد هي مفاهيم زمنية، و بالتالي فمن المستحيل ان تكون عملية الخلق او الخالق او وُجد منزهين عن الزمن لأن العملية تحدث في سياق زمني واضح.
اقتباس:يعجبني قول الكندي بأن الزمن له بداية لأنه لو لا ذلك لما وصلنا إلى هذه اللحظة، و أضيف بأنه لكانت تماهت لحظات الزمن الحالي بنفسها لأن : لانهاية + س = لانهاية
سمعت هذه المقولة (من فيلسوف غربي و ليس الكندي)، و لكني لا أتفق معها. المقولة واقعة في خطأ منطقي يقوم على أن التسمية و الكينونة هما شيء واحد، يعني اذا لم نستطع تسمية الشيء، فلا يمكن ان يكون موجودا. اذا لم نستطع ان نقول ان هذه النقطة الزمنية "س"، فهي بالتالي غير موجودة، و بما أنها موجودة، فهي النقطة "س". هذا خطأ.
اذا كان الزمن لا بداية له، فهذا فقط يعني أننا لا نستطيع ترقيمه بالنسبة لبدايته. يعني لا نقدر ان نقول، "هذه اللحظة الاولى في الزمن،" لأنه اذا لم يكن له بداية، فلا يوجد فيه لحظة أولى و بالتالي ثانية و ثالثة و رابعة. لكن هنا نحن نتحدث عن الترقيم او التسمية، و ليس عن وجود الزمن بحد ذاته.
و اذا كان الزمن لا بداية له، فمن الممكن استخدام التسمية النسبية. فمثلا نحن نقول هذه السنة 2006 بعد ميلاد المسيح. يعني يمكننا القيام بالتسمية النسبية و ليس المطلقة في حال ان الزمن لا بداية له.
اقتباس:لكن ما يعجبني في ابن سينا أنه أول فيلسوف مسلم فهم تنزيه الله عن الزمن بشكل واضح بعد أن سبقه لذلك القديس غرغوريوس النزينزي في القرن الرابع الميلادي.
أعتقد ان ابن سينا و غرغوريوس كانا يحاولان تخليص اللـه من مأزق الخضوع للزمن، و هي محاولة يائسة برأيي.
تصور مثلا الذين يقولون أن اللـه منزه عن المنطق، لأنه لو خضع اللـه للمنطق لما كان إلها. و أنا بينت في مكان آخر أنه من المستحيل أن يكون اللـه منزها عن المنطق، كما انه من المستحيل ان يكون منزها عن الزمن. ما هو منزه عن المنطق و الزمن هو غير موجود أي عدم.
اقتباس:إن الاستشهاد بالعلماء يدعم رأيك عندما يكون لديك رأي تقوله بوضوح، على كل حال لقد فهمت جوابك على سؤالي الأساسي "هل لكل ظاهرة علة " بأنك لا تعرف و لا تستطيع التحديد. لكن أرجو أن توضح معنى قولك "هناك دلائل كمية فيزيائية تناقض هذا المبدأ و تلغيه" ما هي هذه الدلائل؟
في الفيزياء الكمية، وجد العلماء ان الجسيمات لا تتصرف بمعيار ثابت، و لا يمكن تحديد تصرفها بدراسة عللها، فالعلة الفلانية مثلا تسببت بأن يذهب الالكترون الى المكان كذا، و لكن نفس العلة في المرة القادمة تجعله يذهب الى مكان مختلف تماما. هذا ينفي على الأقل ان العلة تُسبب نفس الظاهرة في كل مرة، و بالتالي فمن المستحيل ان تكون الاشياء في اتجاه هدف محدد.
ثانيا فقد وجد العلماء جسيمات virtual particles تظهر الى الوجود و تندثر باستمرار بدون أي علة او سبب.
اقتباس: و إذا كانت تلغي هذا المبدأ فلماذا لا تجزم بأنه ليس مبدأ ثابتاً؟
الدراسات العلمية حول الموضوع ليست كافية او مكتملة. يمكنك ان تعتنق ظنا معين اذا اردت. انا شخصيا اتمسك بالادلة العلمية.
اقتباس:يبدو أنك ترفض الاستشهاد بالفلاسفة القدماء لأنك تتبنى وجهة النظر القائلة بأن العلم الحديث قد نسخ كل ما كان موجوداً في العلم القديم. لكن هذا الكلام نجد ما يناقضه في الطب و الموسيقا و فروع علمية أخرى. الأصح أن العلم الغربي الحديث قد نسخ العلم الغربي القديم، لكن هنالك اتجاهات علمية لدى الشعوب الأخرى لم تدخل ضمن العلم الغربي، و الطب البديل مثال على هذا.
لا أعتقد أن "الطب البديل" هو شيء مختلف عن الطب الغربي الحديث. لو فرضنا مثلا ان الصينيين عندهم عشبة تشفي المرض الفلاني، فهذا يعني ان تلك العشبة فيها مادة كيماوية معينة تقضي على ذلك الفيروس مثلا، و هم وجدوها بالتجربة و الخطأ. و يمكن استخلاص هذه المادة و اجراء التجارب عليها و وضعها في كبسولة و استعمالها بشكل أكثر نجاعة. بالتالي أعتقد فعلا ان الطب الحديث نسخ الطب القديم.
بالنسبة للفلسفة، لا تنسى أن معظم فروع العلم الحديث كانت أصلا جزء من الفلسفة، من علم الفضاء و الفيزياء و علم النفس و غيرهم. لكن حين وصل العلم الغربي الحديث الى ايجاد معطيات جديدة قائمة على البحث و التجربة، تم إلغاء الكثير من قواعد هذه الفلسفات القديمة و نسخها. هو ليس مجرد بديل عنها، بل هو استبدلها و أزالها فعلا.
و وجود فلسفات مغايرة حاليا لا يدل إلا على حقيقة ان العلم الغربي الحديث لم يتوصل بعد الى استكشاف الحقيقة حولها، و بالتالي فكلها ستظل مطروحة للنقاش حتى يتم البت فيها علميا، و بالتالي ازالة الخاطئ منها و الابقاء على الصحيح.