مجلس القدح والردح


في مبادرة سريعة وأكثر من لافتة ، عقد " مجلس الشعب السوري " جلسته الخاصة للرد على تصريحات السيد عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق . وقد " تمتع " الشعب السوري بتلك المسرحية المؤلمة والمخجلة في نفس الوقت ، التي أعدها وأخرجها النظام ، وكان أبطالها من يفترض أنهم يمثلون الشعب السوري في موقع سلطته التشريعية . فلساعات عدة – وتحت أنظار المشاهدين العرب – انبرى السادة الأعضاء لإحياء حفلة للندب واللطم وإبداء الأسى ( وتباروا في ذلك ) ، مذكرين الناس بجوقات الندابات وفرق الموالد ، وهم يعزفون لحن الشتائم الموحد ، ويكررون اسطوانة مشروخة طالما استخدمت في مواجهة الذين يختلفون معهم أو يفترقون عنهم لسبب أو لآخر ، في هذا الوقت أو ذاك .




لقد أثبت المجتمعون على الخطاب المشترك للقدح والردح أنهم ليسوا مجلساً ولا علاقة لهم بالسياسة ، ولا يمثلون الشعب السوري أيضاً . وظهروا مثل " فصل من فصول محو الأمية للكبار " كما قيل عنهم بحق .

فأي مجلس هذا ( يفترض أنه يمثل المؤسسة السياسية التشريعية ، وهي أهم بناء في عمارة الدولة الحديثة ) يناقش قضية سياسية هامة وخطيرة بمثل هذه السطحية والسخف وبأسلوب يصل حد البذاءة ؟!

ألم يعرف محترفو النفاق الذين علا صخبهم في تلك الجلسة ، أنهم يكشفون عن جوهر نظامهم عندما يكشفون عن مثالب الرجل ؟! وأنهم يفضحون سلطتهم عندما يفضحون ارتكاباته ، فقد كان في موقع الرأس من هذه السلطة ؟!

أولم يدركوا أنه كلما علت أصواتهم أكثر في تحميله مسؤولية الاستبداد والتخريب والفساد في النظام القائم ( وحسناً فعلوا ) ، إنما يحملون أنفسهم في الوقت نفسه نصيباً وافراً من تلك المسؤولية ؟!

وإذا كان يتحمل مسؤولية ما فعل وما لم يفعل ، ألا يتحملون مسؤولية السكوت عنه وعن أمثاله حتى تقع الواقعة ، ويسمح لهم بالسباب والشتائم والتهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور ؟!

وما رأيهم برموز الفساد الآخرين الذين يعرفونهم ، وكشف عن بعضهم السيد خدام ؟! أما زالوا سراً من أسرار الدولة لا يجوز البوح به ؟!

شكراً للمجلس الكريم وللسيد خدام معاً ، ورغم أن شهاداتهم لم تكشف جديداً ، إلا أنها كانت هامة وضرورية لاكتمال الصورة .

حقاً لقد أجاد " كبير القعدة " الذي ينادونه بـ " السيد رئيس المجلس " بلعب دوره وتوزيع الأدوار على الآخرين مثل " ملقن " على مسرح هابط ، حيث يكون التلقين جزءاً من العرض . إذ كان يستعرض بين الفينة والفينة قاموسه اللغوي أمام الأعضاء لـ " يصحح " لهم تعابيرهم ، فتصبح مقذعة أكثر ، ويوقد هممهم في الهبوط عميقاً باتجاه الفضيحة . وكان يقودهم باقتدار واضح لفضح نظامهم وشخوصه وعلاقاته ، أكثر مما فعل باتجاه الرد على المنشق وتعريته وإظهار مثالبه . باختصار . . أرادها النظام جلسة لمحاكمة خدام ، فكانت جلسة لمحاكمة النظام بامتياز . فالشعب السوري يعرف ما فعله خدام وجميع أفراد الطبقة السياسية التي حكمت البلاد – ومازالت _ في ظل الأحكام العرفية ، ولن ينسى ذلك . وذاكرته أوسع وأكثر حساسية من ذاكرة نواب " المرسيدس " الذين ينتظرون إشارة المايسترو ( الخفية والعلنية ) لإحياء مهرجانات التمجيد والتعظيم أو حفلات التفخيت والتحقير حسب الطلب .

أيها السادة : إن خدام الذي كان من كبار ملائكتكم ، ويتمنى كل منكم أن يلمس ثوبه وينال بركته ، هو نفسه الذي تعتبرونه اليوم شيطانكم الرجيم ، وتضعونه في موضع اللعن . أما شعبنا السوري فله رأي آخر بكم وبخدام أيضاً.

مسكين الشعب السوري على هذا التمثيل وهذا المجلس الذي ينسب إليه .

ومسكينة قبة البرلمان على ما تشهده هذه الأيام .

ومسكينة مقاعد المجلس على ما حل بها ، بعد أن كانت تستقبل أكرم الحوراني وخالد العظم وفارس الخوري ولطفي الحفار وبدوي الجبل وسعد الله الجابري ومصطفى السباعي وخالد بكداش وهاشم الأتاسي وعصام العطار وصلاح البيطار ووهيب الغانم وغيرهم وغيرهم من أبناء سورية البررة الذين يليق بهم مقام القرار وسلطة التشريع .

لم تعقم سورية بعد ، ولن يحصل ذلك ، فما زالت تنجب . وإرادة التغيير الديمقراطي تتعاظم . فإنهاء الاستبداد ووصل ما انقطع من التاريخ الديمقراطي المضيء لبلادنا مهمة راهنة ، وتستحق التضحية .


12 / 1 / 2006

هيئة التحرير

"الرأي / خاص"

للأسف!
هذا هو البرلمان الذي وصل لمقاعده عبر توزيع سندويش شاورما وقطع الصابون على المواطن المسكين. وعبر استيراد حافلات كاملة تعج بمواطنين سوريين من البوكمال مثلاً إلى دمشق للانتخاب.

الانتخابات التشريعية تستحق هذه السنة 2006
إن استصدار مرسوم بمنع ابن محافظة من التصويت خارج محافظته هو أمر ضروري.

أنوه هنا إلى أن ما جرى في البرلمان السوري لم يقنع الشعب السوري، لكن الشعب الشعب السوري بذاته مقتنع أن ما فعله خدام ليس بطولة، بل هو مقتنع أن خدام لا شكَّل أملاً لجديد وهو ليس أملاً تمت خسارته في السابق.

هذا المقال بذاته هو ردح من نوع آخر. وكلامي هذا لا يعني أنني مع الردح الذي تحدث عنه المقال. ورغم اعتباري لأكثر من نصف أعضاء البرلمان السوري أنهم ليسوا جديرين بمقاعدهم إلا أنني لا أعفي الشعب أيضاً من مسؤولية إيصالهم، ولا أتفق مع القائلين أن ما فعله خدام هو بطولة وطنية.

(f)

الصديق العزيز إيبلا؛

أعتقد فعلاً أن الأغلبية من الشعب خارجاً وداخلاً لا يعتبرون ما فعله خدّام بطولة، ولكن تختلف الآراء حول فائدة ما فعله نحو تغييرات إيجابية داخل تركيبة النظام.

من ناحية ثانية، لا أعتقد أن المقال ردحي نهائياً هو مقال يقدّم رأياً وتوصيف حال، وهو قاسي وحاد فعلاً مع أعضاء مجلس الشعب ولكن لأن الصورة التي قدموها لنا كانت "تستاهل" ذلك بل وأكثر :).
أخيراً فلست معك بتحميل الشعب مسؤولية توصيل أعضاء مجلسه إليه، لأننا نعلم أنه بكل الأحوال فإن هذا المجلس هو مجلس صوري لا يحل ولا يربط. الشعب يائس أصلاً من انتخابات مجلس الشعب، عداك عن طريقة التصويت عليه والمقاعد الموزعة مسبقاً والغش والتلاعب... الخ، مما نعلمه تماماً عن الانتخابات النيابية بسوريا.

مع فائق الاحترام.
(f)

أخي طارق (f)

نعم!
هذه إيجابية رائعة ( ويتيمة ) فيما فعله خدام، أتمنى أن يكون لها الدور الفعال في إحداث التغيير المرجو في النظام ولكن التغيير الذي يؤدي لصالح البلد ككل، وهذا ما نختلف في تفاصيله أثناء نقاشنا للمستجدات هنا في سوريا مع الأصدقاء.

مجلس الشعب صوري بإرادة أعضائه، فتركيبته من الوصوليين المنتفعين تفرض عليه هذه الصورية. غالبية أعضائه هم إما تجار أو رؤساء قبائل. ولو كان وصول هؤلاء بالتلاعب لما أتعبوا أنفسهم بدفع مبالغ للمواطنين لينتخبونهم. وكمثال، هناك في ساحات دمشق كعرنوس وغيرها تجمعات لعمال المياومة وهم طبقة فقيرة نزحت لدمشق من ريف بقية المحافظات، أيام الانتخابات يحصل هؤلاء على مبلغ معين لانتخاب فلان أو علان ... لماذا يدفع أولئك المرشحين إذن؟ وإذا ما نظرنا إلى حقيقة أخرى وهي أن النظام يدعم وصول قائمة الجبهة إلى البرلمان محددها لها نسبة لا تقل الثلث، فما هو الداعي للتلاعب طالما أن قائمة الجبهة طالعة طالعة؟

ولنفرض جدلاً أن للنظام مصلحة في وصول التاجر الفلاني إلى البرلمان من أجل منفعة متبادلة، لماذا يتكلف ذلك التاجر مبالغ خرافية لمنتخبيه؟ لماذا يلجأ أحدهم إلى ضمان جمهور الرياضة بتبرعاته ودعمه للنوادي المشهورة وهذا يكلفه بلاوي زرقاء كما يقولون هنا؟

لا أعتقد بوجود يستحق الذكر لما ذكرته عن التلاعب، وما زلت عند رأيي الذي شرحته لك سابقاً عن وجود ديموقراطية ولكن بشكل حقير. ما زلت أؤمن أن الانتخابات التشريعية السابقة على الأقل كانت بمستوى فوق المقبول ديموقراطياً مقارنة بما سبقها من دورات. أما عن وصفي لها بالحقارة فهو بسبب ما ذكرت لك عن شراء المرشحين لأصوات المنتخبين. عدا عن إحجام واسع من كثير من المواطنين على ممارسة حقهن الانتخابي وهذه حقيقة أعاينها بنفسي، فكلما سألت أحد المواطنين عن المرشحين الذين انتخبهم يكون الجواب غالباً أنه ليس مجنونا لينتخب :?: أنا متأكد أنه لو قيض لهؤلاء إدراك أن أصواتهم لو أعطيت لمرشح جديد ( لأول مرة 9 ) لكانت أسهمت في إبعاد نسبة كبيرة من النواب الذين استمروا لدورات كثيرة متتالية، وأن النائب الجديد سيسعى جهده لتثبيت نفسه وذلك بالعمل لصالح من انتخبه لكانوا قاموا بواجبهم الانتخابي على أكمل وجه. وهؤلاء الجاهلين بقيمة الواجب الانتخابي هم نسبة كبيرة جداً وكلها لا تقترع.

من هنا، تحميلي للشعب مسؤولية له ما يدعمه.
وللمرة الثانية هنا أستشهد بانتخابات النقابات المهنية على وجود ديموقراطية يمكنني أن أقول أنها كاملة تماماً في النقابة التي أنتمي إليها ( على الأقل ) حيث أعلن البعث عن إسقاط قائمة الجبهة الوطنية وحصر المرشحين بالأحرار فقط وذلك في الدورة قبل الماضية،أما في الدورة الماضية فقد تم ترشيح أعضاء الجبهة من قبل البعث ولكن بدون أي دعم لأي منهم وكانت النتيجة عدم وصول أي منهم إلى مجالس النقابة. وكان الاقتراع سرياً تماماً وتم فتح الصناديق مباشرة بعد انتهاء الاقتراع وبوجود جميع المقترعين.

هذا مثال لا يمكن لأحد أن يكذبني فيه لأنني عاينته وعشته بنفسي.

وبمعرفة الدور الهام الذي تلعبه النقابات المهنية على الصعيد السياسي اتخاذا لقرارات فيه يمكنني القول أن الشأن الديموقراطي في البلد ليس بالسوء الذي يصفه به البعض.

مودة
(f)

عزيزي إيبلا؛

غير متفق أبداً، لأني لا أعترف نهائياً بتحميل الشعوب تناقضات النخب التي هي من من يفترض بها قيادة التحولات السياسية والاجتماعية. ولأني أعتقد أن "لفظ" شعب أصلاً هو لفظ مجازي "تجريدي" لا يعبر عن حقائق عملية على أرض الواقع. فما هو الشعب أصلاً؛ الناس أنا، أنت الفران اللي بحارتنا؟ هؤلاء أفراد وليسوا شعباً، الشعب هكذا هو مجاز كلمة تقال لتختزل مجموعات غير متجانسة أصلاً ولا تملك رابطاً عضوياً عملياً بين بعضها البعض ولا سيما في ظل غياب مؤسسات طليعية تكرس مفاهيم المواطنة والانتماء والتعاضد.
سأعود بشكل أكثر تفصيلاً غداً، ولكني الآن مستوي من أسبوع عمل مرهق.

تحياتي الخالصة.
(f)