لا أعتقد أنه يخفى على أحد قرأ ذلك النص أعلاه (المسمى بـ"أغلوطة ابن رشـد") مدى التحامل والذاتية التي كتب بها صاحب النص نصه.
فانطلاقا من بعض العبارات الغريبة عن أي نص يطمح للموضوعية وطلب الحقيقة نلاحظ مدى استعداء الكاتب لابن رشد شخصيا. فعبارات جارحة مثل "الوهم " و "الخرفات" (الفقرة الأولى) أو عبارات ساخرة مثل "شهيد الفلسفة" تدل على أن الهدف من ذلك المقال ليس إلا النيل من شخصية هامة ليس في التاريخ والفكر العربي فحسب بل والانساني بصفة عامة حيث دخل ابن رشد الفكر الغربي من بوابته الكبيرة وربما كان ترجمة اسمه Averroès والتخلي عن استعمال الترجمة الحرفية ibn roshd دليل على ان ابن رشد ينتمي للفكر الانساني في شموليته. كيف لا وهو أول من تجرأ على شرح كتب ابن رشد وتقديمها للعقل الغربي الذي أسس بفضلها (بفضل فكر أرسطو والفكر اليوناني والروماني إجمالا) العقل الغربي الحديث من
عصر النهظة لعصر الأنوار لعصر الحداثة لعصر ما بعد الحداثة.
لا أبالغ أن قلت أن كل تلك الحقب التي عرفها العقل الغربي كانت بفضل ابن رشد الذي أعاد احياء وشرح وتقديم أرسطو (راجع مثلا
هذه الصفحة) للغرب (في الحقيقة هو قدمها للعالم كامل بل ربما كان هدفه استفادة العالم الاسلامي من فكر أرسطو لكن للأسف استفاد منه الغرب ورفضه المسلمون)
صاحب المقال قدم ابن رشد على أنه فيلسوف عادي بل قدمه أن أخذ مكانة لا يستحقها من بين فلاسفة آخرين:
- نصير الدين الطوسى
- أثير الدين الأبهرى
- أفضل الدين الخونجى
- علاء الدين ابن النفيس
- عضد الدين الإيجى
إذن فحسب كاتب المقال فهؤلاء الفلاسفة في مكانة ابن رشد أو ربما في مكانة أرفع :what: في الحقيقة، لا أبالغ أيضا إن قلت أنه لو قمنا باحصائية بين طلبة الفلسفة المتخصصين أنفسهم لوجدنا أغلبهم لم يسمح بهاته الأسماء. طبعا لا تدل الشهرة على المكانة دائما لكني
كنت أتمنى لو قدم لنا كاتب المقال ولو لمحة بسيطة عن مآثر هؤلاء الفلاسفة لنقارنها بابن رشد.
من ناحية أخرى قدم صاحب المقال في جملة بين قوسين تلك المعلومة بخصوص شرح ابن رشد لفلسفة أرسطو:
اقتباس:كما أمر السلطان بإحراق كتبه (التى هى فى معظمها شروحٌ على كتب أرسطو، وضعها ابن رشد بتكليفٍ سلطانىٍّ سابق)
وكأنها معلومة تافهة... وكأن شرح كتب أرسطو عمل بسيط تافه يمكن يقوم به أي مفكر متى شاء ذلك.
لاحظوا عبارة "التى هى فى معظمها شروحٌ على كتب أرسطو" أي بلغة أخرى "التي هي حكاية فارغة" كما نقول.
غريب... :?:
شرح فلسفة أرسطو أصبح أمرا هينا؟ :?:
فأين كان المفكرون والفلاسفة قبل ذلك؟ بل وبعد ذلك؟ :what:
لماذا هذا الامتنان الكبير الذي يكنه العقل الغربي لابن رشد لو كان شرح ارسطو أمرا لا أهمية له؟
ثم ماذا يعني كاتب المقال بـ"وضعها ابن رشد بتكليفٍ سلطانىٍّ سابق"؟
هل أن شرح أرسطو بما فيه من تعقيد بين فهم مادي وآخر مثالي بين شروح المفاهيم وربط الأفكار استخلاص النتائج يدخل في علم السلطان؟
وماذا كانت طبيعة هذه التكليف يا ترى؟ هل قال له "يا ابن رشد قم بشرح أرسطو"؟
فهل تدخل أيضا السلطان في تفاصيل ذلك الشرح وساعد ابن رشد في ذلك؟
غريب أمر هذا السلطان الفيلسوف...
ثم أي سلطان هو؟ أهو السلطان نفسه الذي أحرق فيما بعد كتبه؟ إذن فقد دعاه لكتابة كتب ثم بعد ذلك أحرقها.
من ناحية أخرى نقرأ من ذلك المقال أنه تم احراق كتب ابن رشد بسبب خلاف شخصي بين السلطان وابن رشد. لأن هذا الأخير خاطبه بقوله (اسمعْ يا أخى) :o
غريب فعلا أن ينفي السلطان فيلسوفه المدلل (كما جاء في المقال) الذي طلب منه شرح أرسطو ما جاء في المقال) ويحرق كتبه لأنه قال له (اسمع يا أخي). ربما كانت تلك العبارة شتيمة كبرى في ذلك الوقت من يدري؟
طبعا، تاريخيا اتهم ابن رشد بالزندقة وأصبحت الفلسفة في حد ذاتها نوع من الكفر (راجع الوثيقة أعلاه بعنوان
منشور أبو يوسف المنصور في منع الفلسفة في المغرب والأندلس. أما شخصيا وضعت هذا الموضوع عليّ أظفر بجواب بالتفصيل عن الجدل الفلسفي الذي دار بين ابن رشد ومعارضيه من رجال الدين (إن كان يوجد هناك جدل أصلا حيث أن الرد على ابن رشد كان باحراق كتبه ولم يكن ردا فلسفيا).
في الحقيقة إن ذلك المقال لا يفعل إلا أن يزيد من تأكيد أهمية ابن رشد ومتى الهجوم الذي لا يزال يتلقاه حتى اليوم من الذين ساءهم أن يتم ذكر اسمه مع احراق كتبه أثناء حكم نظام ديني. فإلى جانب المغالطات المختلفة التي يمتلأ بها هذا النص نجد لهجته تدل على أنه يهدف إلى تقزيم شخصية هي عملاقة في تاريخ الانسانية ولكنه بالطبع لم يفعل إلا أن زاد من تأكيد أهمية ابن رشد تاريخيا وفلسفيا.
عموما أعتقد أن تهمة ابن رشد هي هذه
[CENTER]
ابــــــــــــــــــن رشـــــــــــــــــد[/CENTER]
ابن رشد (1126-1198) Ibn Roshd / Averroès
فيلسوف وعالم عربي عاش في اسبانيا إبان الخلافة الإسلامية في قرطبة. وقد استطاع – من غير أن يتخلى عن الديانة الاسلامية – أن يطور العناصر المادية في فلسفة أرسطو. وقد حاول أن يبرهن على خلود وقدم المادة والحركة، وأنكر خلود النفس الفردية. وقد أسس مذهب الحقيقة المزدوجة ووجه نقدا حادا لتصوف الغزالي اللاهوتي المسلم. وقد لعبت تعليقاته على أعمال أرسطو دورا كبيرا في تعريف الأوروبيين بالفلسفة القديمة. ولقيت تعالميمه اضطهادا من السلطة المعاصرة له.