عزيزي Waleed، تحية طيبة لك ولجميع الضيوف والزملاء (f)
اقتباس:لست ماركسيا على الإطلاق. بل أني لا أعتبر كارل ماركس فيلسوفا على الإطلاق بل عالم إقتصاد و إجتماع و تاريخ فذ.
أما الشوائب الفلسفية في ما يسمى بالماركسية - و هي في أغلبها آثار أنجلز و الماركسيين من بعده - فأعتبرها دوجما و لا أفرق أتباعها عن الدينيين كثيرا.
قد لا أوافقك على ذلك فالماركسية رغم كل شيء هي فلسفة متكاملة وقد جاءت أساسا كردة فعل على فلسفة هيغل المثالية حيث حافظ ماركس على جدلية هيغل لكنه نزع الجانب المثالي منها وغيره بالفكر المادي وانطلاقا منه أسس المادية الجدلية. وساهمت جدلية هيغل في إعطاء تلك النظرية (المادية الجدلية) قوة ومرونة فلسفية غير مسبوقة وهو ربما ما جعلها تقتحم مجالات السياسية والاقتصاد والتاريخ وحتى الأدب والفن فيما بعد.
أنا شخصيا أعتقد أن الماركسية تنطبق عليها نظرية الحضارة عند بن خلدون. حيث يقول هذا الأخير أن أي حضارة إنسانية تبدأ في شكل بسيط متواضع وتتوسع جغرافيا وسكانيا واقتصاديا وعسكريا ثم تبلغ ذروتها التي تتحطم بعدها وتختفي تماما.
الماركسية توسعت أيضا وبلغت من الأهمية في عدة مجالات حتى ظن الكثيرون أن الماركسية هي مستقبل الإنسانية (خصوصا في الغرب في الستينات) حتى أن سارتر أصبح يغازل الماركسية ويتكلم باسمها (جنبا إلى جنب مع الوجودية).
لكن عموما الفلسفة الماركسية موجودة ولا يمكن إنكارها.
اقتباس:كل فلسفة تملك منهجا تستخدمه - و هدف تسعى للوصول إليه و إثباته - أي أن تضفي على هدفها قيمة الحقيقة.
أي أن الفلسفات - و برغم اختلاف المناهج و المقاصد - تسعى للحقيقة.
الفلسفة و بوجه عام - نشاط إنساني عقلي الغرض منه الوصول للحقيقة.
ذلك صحيح في حال كنا نتحدث عن
حقيقة واقعية مادية نفعية في حين أنه حسب رأيي فالفلسفات تبحث في إثبات
حقيقة مجردة (عدا الماركسية ربما التي دعت للبحث عن حقيقة واقعية).
مثلا غاية الفلسفة عند أفلاطون هي أن تعلمنا كيف نموت.
بينما عند نيتشه الفلسفة هي تمجيد الحياة.
الحقيقة عند أفلاطون هي في العالم الآخر (عالم المثل)
بينما عند نيتشه الحقيقة هي الحياة وإرادة القوة.
عند أفلاطون الجسد هو سجن الروح والروح هي جوهر الإنسان
بينما فكر نيتشه هو فكر تمجيد الجسد والتجديف بكل ما له علاقة بالروح.
كلاهما قدم فكرة مختلفة أو بالأحرى متناقضة لكن في النهاية هما يتجادلان لإيجاد قيمة ما (لنقل اسمها الحقيقة) وإثباتها فلسفيا.
إذن فالنقاط المشتركة هي
عملية التفكير أي أن الفيلسوف هو الذي يقدم منهجا ومفاهيم عقلية ويثبت بها في عملية صراع فكرية هدفه وغايته. فإن كان يبغي بذلك الوصول لما يراه حقيقة فله ذلك.
لكن أرجو أن تفهم عزيزي Waleed أن الحقيقة التي تبحث فيها الفلسفة هي حقيقة مجردة وليست واقعية أو نفعية مثل الحقائق التي يقدمها العلم أو الفن أو الدين.
الفلسفة عملية فكرية تعتمد على استعمال مناهج فكرية ومفاهيم ومصطلحات ولغة خاصة من أجل التوصل لحقائق ذهنية بالأساس مثلا حقيقة الإنسان والوجود أو البحث في مسائل إنسانية مثل الحرية أو الأخلاق. لهذا شككت بماركسيتك :what: عندما تحدثت عن الوظيفية والغاية من الفلسفة حيث كنت أعتقد أنك ترمي إلى تحويل الموضوع إلى استنكار أن تكون الفلسفة فكر خالص بدون أي وظيفة عملية وذلك كان استنكار الماركسيين بداية بماركس نفسه في الأطروحة 11.
اقتباس:لعلك وصلت للب القضية - لقد استلمت العلوم الراية من الفلسفة - فلكي تبحث اليوم عن حقيقة ما بمجال الفلك فسترج لعلوم الفلك أو الفيزياء فسترجع لعلم الفيزياء.
نعم ذلك صحيح.
لكن لا أعتقد أن في ذلك مس من قيمة الفلسفة.
بالإضافة إلى أنه رغم انفصال العلوم عن الفلسفة بقيت الفلسفة "وفية" لها وربما سمعت بمجال "فلسفة العلم" الذي يفحص العلم فلسفيا وأخلاقيا، الخ.
وعموما فللفسفة مجال بحثها ووظيفتها وبقيت على نفس الدرجة من الأهمية حتى بعد أن انفصلت عنها جميع المباحث الأخرى وذلك ما فسرته في التدخل الأول أعلاه.
اقتباس:كما تعلمون سيادتكم يمكن تقسيم مباحث الفلسفة لقسمين كبيرين هما:
- الأنطولوجي و هو مبحث الماهيات.
- الإيبستمولوجي و هو مبحث مناهج المعرفة.
و المبحث الأول هو ما نما منه الفلسفات المثالية بصروحها الميتافيزيقية و التي يعتبر مثال لايبنتز الذي تفضلتم بذكره من أكثرها سوءا و تطرفا و إغراقا في المثالية.
و تعلمون بالطبع كم هي متباعدة نتائج هذه المباحث و كم هي متناقضة ما وصلت له من أهداف.
وذلك لا يشكل أي حجة ضد الفلسفة بالعكس فذلك حجة لها ودليل على قيمة الاختلاف في الفلسفة.
أعتقد أنه يمكنني تلخيص أفكارك التالية في جملة واحدة:
اقتباس:مما يقودنا للتساؤل: كيف نحكم على قضية ما بالحق أو الخطأ ؟؟ و بعبارة أخرى كيف يستمد الإنسان يقينه ؟؟
عزيزي Waleed، الفلسفة لا تهدف لتقديم أي حقيقة أو يقين للإنسان. بالعكس
الفلسفة تهدف (من ضمن ما تهدف) لهز كل يقين وكل حقيقة ثابتة. الفلسفة مجال دائم للدهشة والشك والنقد والتحطيم ويوم يدعي أي مفكر أنه وجد نظرية فلسفية عظيمة أو أن لديه مفهوما بديهيا، الخ. سيجد عشرات المطارق الفلسفية تهوي عليه نقدا وشكا وتحليلا.
المهم في الفلسفة هو الأسئلة وليس الأجوبة (وكل جواب يتحول تلقائيا في الفلسفة إلى سؤال جديد).
إذن لا يقين ولا حقيقة ولا وحدة في الفلسفة.
من يطلب اليقين والوحدة والنفع فليتجه للدين أو للفن أو للعلم.
وربما في هذا رد على كلامك السابق:
اقتباس:و تعلمون بالطبع كم هي متباعدة نتائج هذه المباحث و كم هي متناقضة ما وصلت له من أهداف.
حسنا ... أين الخطأ ؟
- مباحث تهدف للوصول للحقيقة.
- مباحث ذات مناهج مقننة.
- كل المباحث متسلحة بالعلوم الصورية الأولية (المنطق - الرياضة).
- كل هذه المباحث و صلت لنتائج مختلفة و متضاربة !!
- تجد من يؤمن بهذا المذهب الفلسفي بعمق .. و تجد من يؤمن بذلك المذهب المخالف و بنفس العمق !!
كيف يمكن أن تكون تلك النتائج حقائق؟؟
أولا ومن قال أنه يوجد هناك خطأ؟
هل يعني أن يتفق الجميع على نتيجة واحدة لكي نقول "الأمور على أحسن ما يرام"؟
لماذا لا نقول "الأمور على أحسن ما يرام" ونحن نختلف؟
هل الاختلاف مشكلة ويعتبر دليلا على خطأ بعض أو كل الأطراف؟
ربما كان ذلك صحيح في السياسة أو الاقتصاد أو الدين أو العلم، الخ. لكن ليس في الفلسفة.
الوحدة (التوحد) في الفلسفة قاتل بينما الاختلاف هو الحالة الصحية.
ثانيا لا يوجد إيمان في الفلسفة لهذا فأنا شخصيا ضد من يقول أنه وجودي أو ماركسي أو نيتشوي. ربما الأصح أن تقول أنا مادي أو مثالي لتبرز جوهر نظرتك للوجود. لكن التقسيم الأول ساذج فلسفيا لأن فيه تلميحا على أن الوجودية هي الحقيقة أو الماركسية أو فلسفة نيتشه أو هايدغر أو ديكارت، الخ. في حين أنه من الدروس الأولى التي نتلقاها في الفلسفة أنه [SIZE=4]امتلاك الحقيقة ادعاء ساذج.
بالتالي يمكننا أن نقول أنه [SIZE=4]
لا يوجد هناك خطأ في الفلسفة.
الفلسفة هي أن تفكر بحرية (بقيد وحيد هو المنطق وما يفرضه العقل من بديهيات).
الخطأ يقع عندما تخرج عن أحد مبادئ المنطق الإنساني أو أن تعمل وفق منهج غير محكم أو غير عقلي. وهذا شخصيا ما يجعلني لا أقبل الفكر الديني مثلا (لكن تلك قضية أخرى من الأفضل أن نتجنبها في هذه الساحة;))
لديّ إحساس أني هذه المرة أيضا لم أقم برد يتناسب مع طرحك.
لكن لا بأس لنواصل الحوار حتى لو لم نصل للحقيقة :lol:
مع خالص تحياتي (f)