اقتباس:  philalethist   كتب/كتبت  
الحقيقة في الفلسفة غير مهمة بقدر أهمية عملية التفكير نفسها  

زميلي العزيز philalethist

أختلف معك و أعتقد أن جميع الفلاسفة كذلك. باستثناء بعض من المدارس كالسفسطائيون لا يوجد فيلسوف و لا مدرسة لا تهدف للوصول لإثبات ما تعتقده حقيقة. بما فيها حتى مدارس الفوضى و كل من يقول بعدم وجود حقيقة يمكن تلخيص وجهة نظره في (الحقيقة = لا توجد حقيقة).

وجهة نظرك تصلح حينما ندرس الفلسفة الآن أو ندرسها للغير - لكنها بالتأكيد لم تكن نيات من عملوا بها.

لو كانت الفلسفة نشاط غير هادف لماتت قبل أن تولد - و لما احتجنا لتساؤلنا الحالي "هل ماتت الفلسفة؟".

اقتباس:لكن أرجو أن تفهم عزيزي Waleed أن الحقيقة التي تبحث فيها الفلسفة هي حقيقة مجردة وليست واقعية أو نفعية مثل الحقائق التي يقدمها العلم أو الفن أو الدين.

بغض النظر عزيزي philalethist عن طبيعة الحقيقة التي تبحث فيها الفلسفة - فهي تبحث عن حقيقة ما.

و لعلك بهذ الطرح الذي أوافقك فيه قد أصبت بيت القصيد. فطبيعة الحقائق التي بحثت بها الفلسفة - هي سبب موتها.

اقتباس:الفلسفة عملية فكرية تعتمد على استعمال مناهج فكرية ومفاهيم ومصطلحات ولغة خاصة من أجل التوصل لحقائق ذهنية بالأساس مثلا حقيقة الإنسان والوجود أو البحث في مسائل إنسانية مثل الحرية أو الأخلاق.

نعم - و هو مبحث الفلسفة الأساسي "الأنطولوجي" - لقد بحثت الفلسفة في عوالم من الميتافيزيقا و الأوهام.

المشكلة ليست في كون الفلسفة غير ذات نفع عملي مباشر - أو مادي مباشر - (المفارقة أني أعتبرها كذلك لأنها كانت بداية خلاص البشرية من الظلام).
المشكلة في طبيعة المواضيع التي درستها الفلسفة - الميتافيزيقا - و أحيانا في مداخل دراسة مواضيع ذات وجود واقعي - مثل الدراسات الأخلاقية.

قياس مع الفارق بالطبع - فالفلسفة الميتافيزيقية و الأديان معها بسلة واحدة - تبحث بمواضيع لا يمكن إثباتها و لا نفيها - و من هنا عقم مناقشاتها.

إمكانية الإثبات أو النفي التبادلي (أي الذي يمكن تمريره بين البشر - من إنسان لآخر) هي شرط لليقين. و هذا ما وعته العلوم جيدا.

اقتباس:لكن لا أعتقد أن في ذلك مس من قيمة الفلسفة.

لا تظن للحظة أني أقلل من قيمة الفلسفة أو إحترامها بإعتقادي أنها ماتت - كأي رجل عظيم يموت.
و أعتقد أنك تظن هذا و أغلب طروحاتك تصب في الدفاع عنها - لإحترامك الشديد لها على ما أعتقد.
الفلسفة قبل العلم كانت أعظم ما إخترع الإنسان.

السيد skeptic

تحياتي

أرجو إكمال مقال محمود أمين العالم.

عزيزي Waleed
أنا حقا مستمتع بالحوار معك لذلك أرغب أن نبدأ من البداية ولنتقدم خطوة خطوة:

أولا لكي لا يقع أي سوء فهم دعنا نقوم بشرح المفردات وأعتقد أن أهم مفردة تستدعي الشرح هي "موت".

أعلم أنك قدمت شرحا لما تقصد بكلمة "موت" لكن أرجوك (f) أن تعيد شرح معنى "موت" (موت الفلسفة) بأكثر وضوح و اختصار حتى لو كان ذلك في مجرد رؤوس أقلام (كل فكرة مختصرة في سطر). وإن استعملت في شرحك ذلك بعض المصطلحات (مثل "وظيفة") فأرجو أيضا أن تشرح ذلك المصطلح عبر أمثلة إن أمكن.

لاحظت أن هذا الموضوع لفت انتباه عديد القراء ولذلك فياليت لو نعمل على مزيد تقديم الافادة والمتعة للجميع.

اقتباس:السيد skeptic  
تحياتي
أرجو إكمال مقال محمود أمين العالم.

أنا ايضا أرجو أن يتمكن الزميل skeptic من تقديم بقية ذلك المقال :hony:

مع تحياتي للجميع (f)

أعرب عن أسفي الشديد لأن المقال الذي يتناول فيه المفكر محمود أمين العالم الحال الراهنة للوضع الفلسفي العربي قد فقد من الملفات التي أحتفظ بها بعد بحث كل الأقراص- الديسكات التي أملك, وهو بالمناسبة ليس تتمة مباشرة للمقال أعلاه والذي نشر في مجلة العربي و وعد بمتابعته .كانت التتمة التي أضعت متفرقات من مجموعة حوارات له ومقاطع من كتابه (مواقف نقدية من التراث), جانست بينها لتشكل مواصلة لما بدأه في مقاله ولم يكمله عبر صفحات مجلة العربي
آسفة جدآ , وأعد بوضع تلك المتفرقات -التي وحدتها قسرآ- إن وجدتها
أتابعكم مع الشكر للنقاش الجميل
(f)

الزميل العزيز و المحترم philalethist
تحياتي الطيبة ,,,

يسعدني حقا المشاركة بهذا الموضوع - و يزيد من متعتي مشاركاتك العميقة. و الجميل في هذا الشريط أن جميع من ساهم للآن على مستوى عالي من الثقافة و الإحترام.

الزميلة المحترمة skeptic
أعتذر عن مخاطبة سيادتكم بصيغة الذكورة. و نشكركم على تحملكم مجهود توحيد متفرقات محمود أمين العالم و متابعتكم للموضوع.

اقتباس:أرغب أن نبدأ من البداية ولنتقدم خطوة خطوة:
أولا لكي لا يقع أي سوء فهم دعنا نقوم بشرح المفردات.
شرح ذلك المصطلح عبر أمثلة إن أمكن.

فعلا معك كل الحق في ذلك - أعتقد أن المفردات قد إختلفت لدينا بعض الأحيان.
و لا أجد ما يمنع في أن نبدأ من جديد - و مع استخدام كل منا لمصطلح يحرص على شرحه - بالأمثلة إن أمكن.

كما أنتهز الفرصة لأدعوك و السادة الزملاء للمساهمة في الشريط:
مستقبل الليبرالية في العالم العربي
للزميل المحترم / بهجت
و إن كان غير ذا صلة بموضوعنا الحالي - إلا أنك ستجد طرحا جميلا و شديد العمق.

حسنا ... فلنبدأ.

دعنا نبدأ بالمصطلح "الفلسفة"

و بغض النظر عن محاولة تعريف الكلمة - دعنا نبحث فيما دلت عليه الكلمة و ما شمله مصطلح "الفلسقة" من مجالات بحث على مر العصور.

كما تفضل السيد philalethist بالذكر - ففي بداية ما نعلم من تاريخ الفلسفة - كان المصطلح شديد الإتساع يشمل مجالات بحث عديدة - منها الطب و الفلك و المنطق و الرياضة و الإجتماع و النفس بالإضافة لمباحث الأنطولوجي و الميتافيزيقا.

و كان لقب فيلسوف يعني الإشتغال ببعض أو كل المباحث السابقة أو على الأقل محاولات تفسيره و تقنينه.

بالطبع كانت كل المباحث السابقة مختلطة في نسيج واحد - من الصعب فصله إلى عناصره الأولية - التي في النهاية تعكس وجهة نظر الباحث الشاملة للحياة و الوجود.

و بالرغم من نشأة و تطور العلوم الصورية (المنطق و الرياضة) بتلك الحقبة بشكل يعتمد عليه للآن بنسبة كبيرة و بنسبة أخطاء قليلة - إلا أنه على العكس من ذلك جاءت نتائج العلوم التجريبية (الفيزياء - الكيمياء - الأحياء ...إلخ).

على عكس العلوم الصورية التي تستمد يقينها من نفسها (لأنها تعتبر البنية التحتية للعقل الإنساني و الطريقة التي يفكر بها) - فالعلوم التجريبية موضوعها خارج العقل الإنساني - في الطبيعة من حوله - و لا يمكن أن تستمد يقينها من العقل الإنساني وحده.

المسألة بالعلوم الطبيعية أشد تعقيدا:
- فأنت تبدأ من الطبيعة بمشاهدة الظاهرة
- ثم لتفسير تلك الظاهرة الطبيعية فأنت تضع تصورك العقلي لها من حيث السبب أو توقع السلوك - أو غيره حسب الظاهرة مما يسمى بالفروض
- مع استخدام العلوم الصورية و قوانينها - كأطر و قوالب فارغة موجودة مسبقا بالعقل الإنساني - فتصل لما يسمى بالقانون.
- ثم ترجع للطبيعة ثانية لتقرر خطأ أو صواب تصورك و القوانين التي وضعتها عن تلك الظاهرة.

الخطوة الأخيرة - و الأخيرة فقط - تقرر يقين العلوم الطبيعية. و هي إمكانية التفسير أو القانون أو النظرية للنفي/الإثبات. أو بإختصار قابليتها للنقد المتبادل.

و صفة "المتبادل" ليست زائدة - فهي تعبر عن إمكان تبادل تلك الخبرات - تجارب للنفي أو للإثبات - بين البشر.

يمكن تطبيق ما سبق على أمثلة:
- في العلوم الصورية (1+1=2) و (حق أو باطل=حق) قضايا صحيحة - و تستمد صحتها من نفسها. و لا يوجد ما يبرر إثباتها أو غيره.
- في العلوم التجريبية: (الجو شديد الحرارة - لابد أن درجة الحرارة 40 مئوية) - القضية أو النظرية السابقة لا يمكن أن تستمد صحتها من عدمه إلا من الخارج - و بواسطة تجربة - و شرط هذه التجربة أن يمكن لأي إنسان أن يقوم بها (متبادلة).

- و الآن القضية: (الجو شديد الحرارة - لابد أن الله غاضب أو لا بد أن أبواب الجحيم مفتوحة ...إلخ) - هنا ترافق تفسير الظاهرة العقلي مع مفاهيم ميتافيزيقية عقلية خالصة أيضا و فقدت شرط التجريب المتبادل - و بالتالي لا يمكن إثبات أو نفي صحتها.

من هذا الخلط جاءت تفاسير و نتائج و نظريات الطبيعة لدى قدامى الفلاسفة غير مطابقة للواقع و لا يعتمد عليها.

كانت الفلسفة هي أول من طرح لماذا - و حاولت الإجابة.

مع الوقت و (المحاولة و الخطأ ) تبين سقوط تلك التفاسير - و بدأت تلك المباحث التي تهتم بالطبيعة تنفصل - مكونة و مطورة لمنهجها الخاص.

بداية من هنا فقد المصطلح "فلسفة" العديد من مجالات البحث التي كان يضمها (لا يمنع طبعا أن شخص واحد ممكن أن يكون باحث بمجال علمي + فلسفي و الأمثلة كثيرة - لكن كل مبحث منفصل عن الآخر من جميع الجوانب).
و لم يعد الفيلسوف يفسر (أو حتى يجرؤ) من عنده الظواهر الطبيعية - و لم تعد كلمة فيلسوف تطلق على الكيميائي و لا الطبيب أو غيره.

بل أن حتى العلوم الصورية أخذت طريقها المنفصل و مباحثها المنفصلة عن الفلسفة.

إنفصال العلوم عن الفلسفة كان بداية لنهايتها.

و الآن - ماذا بقى للفلسفة بعد إنفصال العلوم؟؟
يتبع ،،،

الأخ وليد .
تحياتي لك و لضيوفك .
اسمحوا لي بالمشاركة ، سوف أضع مشاركتي قبل قراءة مداخلات الزملاء لسببين ، الأول حتى لا ألغي ما يمكن أن يتضمنه مداخلة أحدكم فيصبح الرد مبتورا ،و الثاني حتى لا أتأثر بأي نقد يمكن أن يكون قد وجه لما أطرحه فأسعى لتعديله بشكل يضر بتناسق الفكرة ، بعد ذلك سيكون لي الفرصة كي أساهم في حواركم .
عندما نفكر في المستقبل فنحن بالأساس نفكر في الحاضر ، وهو نفس الشيء الذي نفعل عندما نفكر في الماضي ، فكي نفهم الحاضر لا يمكن أن نراه سوى نقطة تقاطع الماضي و المستقبل . إننا لا يمكن أن نفهم شيئا بعمق خارج السياق التاريخي الذي يتحقق فيه . إننا نحتاج دائما إلى الإحساس بمعنى التاريخ ،و التاريخ ليس هو الماضي فقط بل أيضا أفكارنا عن المستقبل .
بمجرد أن نبتعد عن العلوم الفيزيائية و البيولوجية يصبح التبوء صعبا و خاصة لو كان في مجال الفلسفة . إن من الصعب أن نشرح التغيرات التي تطرأ على الفلسفة بعد حدوثها فما بال بالحديث عن تنبؤات ؟.إن تاريخ الفلسفة كان دائما تاريخ الفلاسفة ، تاريخ أشخاص بارزين مثل أفلاطون و أرسطو و كانت و هيجل و مثل هؤلاء من المستحيل التنبؤ متى و كيف يظهرون . ربما يرى البعض أن المادية الجدلية وسعت قدرتنا على الربط بين الفكر و التطور المادي ، و أنه يمكننا خلال التنبؤات المادية أن نتنبأ بالثقافة التي ستنشأ نتيجة لذلك ، وهذا الرأي مثل كل التوقعات التي نشأت عن الماركسية لا يعول عليه ، فكارل ماركس أحد أفضل الفلاسفة الذين نفذوا إلى أعماق المجتمع الصناعي ،و لكن تنبؤاته كلها لم تكن على مستوى أفكاره .
إننا نميل بشكل يكاد يكون غريزيا إلى ما يسمى الإسقاط ،وهو يعني أن التاريخ ينهج منهجا عقلانيا و أن المستقبل سيعكس الماضي القريب ، ولكن هناك وجهات نظر أكثر تعقيدا عن المستقبل و أنه يسير في منحنيات تغير مسارها باستمرار و هذا رأي فيلسوف معروف هو ( فيتجنشتاين) . إن الذين يقارنون الفلسفة بما حققته العلوم سيرون أنها لا تتقدم ، فالفلاسفة يتجادلون في القضايا ذاتها طوال الوقت دون التوصل إلى نتائج اتفاقية . إن محبي الفلسفة لا ينتظرون منها التطور ، ونحن بالتالي لا ننظر للتقدم كمعيار للنجاح . إن إغراء الفلسفة هو أنها حزمة متنوعة لا تنضب من الموضوعات التي يدور حولها الخلاف ، إن الفلسفة بشكل أو آخر هي فكرة ذاتية غير موضوعية ، و بهذا يمكن اعتبارها شكلا أدبيا أو تعبيرا ثقافيا عن عصر بعينه .
يجب أن نستثني الفلسفة الأنجلوسكسونية التحليلية من رؤيتنا للفلسفة كتعبير ثقافي أدبي ، و يمكن أن نراها مشروعا موضوعيا و بهذا المفهوم تكون الفلسفة علما له معايير العلوم الموضوعية ،و بالتالي تكون لها أيضا تماسك العلوم و نتائجها النهائية اليقينية المفصحة عن الحقيقة . حتى هذا التصور لن يكسب الفلسفة التحليلة اليقين و النهائية ، هذه الفكرة تدحضها أعمال كارل بوبر في نظرية المعرفة و التي ترى أن العلوم ذاتها تبدأ كافتراضات يتم اختبارها على الواقع .إن الطبيعة النظرية للموضوع الفلسفي تجعل اختباره مستحيلا و بالتالي فاليقين لا معنى له .إن الفلسفة هي أكثر الممارسات تجريدا و لا تتحقق إلا عند مستوياته المطلقة ،و بالتالي هي مستحيلة على العقل المتشيء الذي لا يدرك إلا خلال الأشياء . إن العلاقة بين الفلسفة و العالم الواقعي هي علاقة واهية جدا ،و لهذا تبدوا الفلسفة عديمة أو ثانوية القيمة ، مادام لا توجد في النهاية معايير مرجعية للحكم على القضايا المطروحة . إن الفلسفة لن تزيدنا علما بالكون ولا حكمة في التعامل معه ،و لكن كي نقدر الفلسفة علينا أن ننظر إليها كآليات و عمليات عقلية متنوعة و ليس كمنتجات نهائية . إن التنوع في المدارس الفلسفية حتى عند تعاملها في الموضوع الواحد هو دليل ثراء و ليس مؤشرا على الفوضى المعرفية .
هل ستموت الفلسفة ؟.
لا أعتقد أننا نشهد عالم ما بعد الفلسفة . لقد كانت هناك فترات في الماضي ساد فيه الاعتقاد أن الفلسفة أصبحت تابعا للعلوم ،و أن فرصتها الوحيدة للبقاء هو في تماثلها مع العلم و خدمتها له ،و لكن في عالم ما بعد الحداثة ، هناك الكثير من الشك في العلوم ذاتها ،و يبدوا أن فرصة الفلسفة ستكون أكبر في تأكيد مدى اختلافها عن العلوم . هناك أعداد متزايدة من البشر يرون أن زيادة المكون المادي في الحياة لا يحل كثيرا من القضايا ذات الإجابات المتنوعة ،وهنا يبدوا دور الفلسفة مطلوبا و ضروريا . هذا معناه أن على الفلسفة أن تخاطب الإنسان العادي مباشرة ،وهذا دور ربما كان جديدا على الفلسفة ، ففي المحاولات القليلة لجعل الفلسفة شعبية ، فرضت الفلسفة فرضا لدعم مشروعات سياسية مثل الشيوعية و النازية ،وهذا لا يمكن تصوره ضمن التقاليد الليبرالية . في المقابل علينا أن ننظر إلى الزيادة الواسعة في القاعدة المستهلكة للثقافة في العالم كله ، هذه القاعدة ستكون أكثر استعدادا لتقبل وجهات النظر الفلسفية ، على أن يسعى الفلاسفة أنفسهم إلى النظر إلى الفلسفة كأكثر من رد الفعل على النزعات المادية الميكانيكية . إن هناك عالم جديد يعاد بناؤه ،ومثل هذا العالم هو الميدان الأكثر إغراء للتفلسف ،وهذا سيؤدي إلى ازدهار ما يسمى بالفلسفة العملية على حساب الفلسفة السياسية التي ستقل أهميتها مع مرحلة التوافق التي من المنتظر أن تسود العلاقات بين الشعوب و الأنظمة التي أصبحت تميل للتشابه و ليس التناقض ( يمكن استثناء العرب مؤقتا ) .إن المجتمع الأغنى و الأكثر ثقافة هو المجتمع الذي يميل بشكل متزايد للتفكير بعمق فيما يفعله ، إن الفلسفة سيكون عليها المساهمة بدور قيادي في إجراء الحسابات الأخلاقية بالغة التعقيد و الغير مسبوقة التي يفرضها التقدم : مثل الإستنساخ البشري و الموازنة بين الصناعة و البيئة و التضحية بسلالات بشرية بذاتها لصالح البشرية كنوع .
هل ستتغير طبيعة الفلسفة في المستقبل ؟.
كي نجيب على هذا السؤال علينا العودة إلى فلسفة القرن العشرين ، سوف أنتهز هذه الفرصة لمناقشة اعتقاد خاطئ و لكنه منتشر وذائع مع الأسف ، فمن المألوف أن تتخطى المعارف الجديدة ما يسبقها في مجال العلوم التطبيقية ،و لكن الوضع مختلف في عالم الأفكار . وهناك اتفاق عام بين المهتمين بالفكر و الفلسفة بأنه من السذاجة ، الظن أن هناك فلسفة واحدة هي التي تغلبت على سائر الفلسفات الأخرى و أصبحت هي فلسفة القرن العشرين في الحضارة الغربية ،و أن كل الفلسفات الأخرى قد أهملت جانبا ،وهذا هو المركز الذي أراد البعض أن ينسبه إما إلى الوضعية أو المادية أو المثالية أو الوجودية كل بحسب تحيزاته ، و ليس هناك ما هو أكثر انتشارا من هذا الرأي بين العرب و ليس أيضا هناك ما هو أبطل من هذا الرأي ، إن الفكر الفلسفي الغربي أكثر ثراء من أن يمكن حصره في هذا الإطار الضيق ،و اليوم ربما أكثر من أي فترة سابقة في التاريخ ، تتصارع فلسفات و تصورات مختلفة عن العالم أشد ما يكون الخلاف . فمن النادر أن كان هناك في حقبة ما مثل هذا الحجم الكبير من التصورات المتعارضة التي تمتلك هذا الثراء في الأدوات و البراعة في التقديم . أرى أنه من غير المحتمل أن يتغير هذا الوضع في المدى المنظور ، إن الجهد الأساسي في الفلسفة يظل هو فهم و استلهام فكر الفلاسفة في الماضي . مع تقدم العالم نحو مزيد من التقارب بل و التوحد الثقافي ( العولمة الثقافية ) ، لن تكون الفلسفة بمعزل عن هذا التجانس ، وسوف تتغلغل الإبداعات و التقاليد الفلسفية الشرقية في الفلسفة الغربية التي مارست تاريخيا نوعا من الأبرثيد ( الفصل العنصري ) ضد الفلسفات الشرقية ،وحتى ضد الفلسفة الغربية التي أنتجها المسلمين و اليهود . يمكننا بالفعل رصد أن بوادر هذا الاهتمام بالفلسفات الشرقية الهندية و الصينية و اليابانية قد صاحب بزوغ عصر ما بعد الحداثة في الغرب .

الأخ وليد .
تحياتي لك و لضيوفك .
اسمحوا لي بالمشاركة ، سوف أضع مشاركتي قبل قراءة مداخلات الزملاء لسببين ، الأول حتى لا ألغي ما يمكن أن يتضمنه مداخلة أحدكم فيصبح الرد مبتورا ،و الثاني حتى لا أتأثر بأي نقد يمكن أن يكون قد وجه لما أطرحه فأسعى لتعديله بشكل يضر بتناسق الفكرة ، بعد ذلك سيكون لي الفرصة كي أساهم في حواركم .
عندما نفكر في المستقبل فنحن بالأساس نفكر في الحاضر ، وهو نفس الشيء الذي نفعل عندما نفكر في الماضي ، فكي نفهم الحاضر لا يمكن أن نراه سوى نقطة تقاطع الماضي و المستقبل . إننا لا يمكن أن نفهم شيئا بعمق خارج السياق التاريخي الذي يتحقق فيه . إننا نحتاج دائما إلى الإحساس بمعنى التاريخ ،و التاريخ ليس هو الماضي فقط بل أيضا أفكارنا عن المستقبل .
بمجرد أن نبتعد عن العلوم الفيزيائية و البيولوجية يصبح التبوء صعبا و خاصة لو كان في مجال الفلسفة . إن من الصعب أن نشرح التغيرات التي تطرأ على الفلسفة بعد حدوثها فما بال بالحديث عن تنبؤات ؟.إن تاريخ الفلسفة كان دائما تاريخ الفلاسفة ، تاريخ أشخاص بارزين مثل أفلاطون و أرسطو و كانت و هيجل و مثل هؤلاء من المستحيل التنبؤ متى و كيف يظهرون . ربما يرى البعض أن المادية الجدلية وسعت قدرتنا على الربط بين الفكر و التطور المادي ، و أنه يمكننا خلال التنبؤات المادية أن نتنبأ بالثقافة التي ستنشأ نتيجة لذلك ، وهذا الرأي مثل كل التوقعات التي نشأت عن الماركسية لا يعول عليه ، فكارل ماركس أحد أفضل الفلاسفة الذين نفذوا إلى أعماق المجتمع الصناعي ،و لكن تنبؤاته كلها لم تكن على مستوى أفكاره .
إننا نميل بشكل يكاد يكون غريزيا إلى ما يسمى الإسقاط ،وهو يعني أن التاريخ ينهج منهجا عقلانيا و أن المستقبل سيعكس الماضي القريب ، ولكن هناك وجهات نظر أكثر تعقيدا عن المستقبل و أنه يسير في منحنيات تغير مسارها باستمرار و هذا رأي فيلسوف معروف هو ( فيتجنشتاين) . إن الذين يقارنون الفلسفة بما حققته العلوم سيرون أنها لا تتقدم ، فالفلاسفة يتجادلون في القضايا ذاتها طوال الوقت دون التوصل إلى نتائج اتفاقية . إن محبي الفلسفة لا ينتظرون منها التطور ، ونحن بالتالي لا ننظر للتقدم كمعيار للنجاح . إن إغراء الفلسفة هو أنها حزمة متنوعة لا تنضب من الموضوعات التي يدور حولها الخلاف ، إن الفلسفة بشكل أو آخر هي فكرة ذاتية غير موضوعية ، و بهذا يمكن اعتبارها شكلا أدبيا أو تعبيرا ثقافيا عن عصر بعينه .
يجب أن نستثني الفلسفة الأنجلوسكسونية التحليلية من رؤيتنا للفلسفة كتعبير ثقافي أدبي ، و يمكن أن نراها مشروعا موضوعيا و بهذا المفهوم تكون الفلسفة علما له معايير العلوم الموضوعية ،و بالتالي تكون لها أيضا تماسك العلوم و نتائجها النهائية اليقينية المفصحة عن الحقيقة . حتى هذا التصور لن يكسب الفلسفة التحليلة اليقين و النهائية ، هذه الفكرة تدحضها أعمال كارل بوبر في نظرية المعرفة و التي ترى أن العلوم ذاتها تبدأ كافتراضات يتم اختبارها على الواقع .إن الطبيعة النظرية للموضوع الفلسفي تجعل اختباره مستحيلا و بالتالي فاليقين لا معنى له .إن الفلسفة هي أكثر الممارسات تجريدا و لا تتحقق إلا عند مستوياته المطلقة ،و بالتالي هي مستحيلة على العقل المتشيء الذي لا يدرك إلا خلال الأشياء . إن العلاقة بين الفلسفة و العالم الواقعي هي علاقة واهية جدا ،و لهذا تبدوا الفلسفة عديمة أو ثانوية القيمة ، مادام لا توجد في النهاية معايير مرجعية للحكم على القضايا المطروحة . إن الفلسفة لن تزيدنا علما بالكون ولا حكمة في التعامل معه ،و لكن كي نقدر الفلسفة علينا أن ننظر إليها كآليات و عمليات عقلية متنوعة و ليس كمنتجات نهائية . إن التنوع في المدارس الفلسفية حتى عند تعاملها في الموضوع الواحد هو دليل ثراء و ليس مؤشرا على الفوضى المعرفية .
هل ستموت الفلسفة ؟.
لا أعتقد أننا نشهد عالم ما بعد الفلسفة . لقد كانت هناك فترات في الماضي ساد فيه الاعتقاد أن الفلسفة أصبحت تابعا للعلوم ،و أن فرصتها الوحيدة للبقاء هو في تماثلها مع العلم و خدمتها له ،و لكن في عالم ما بعد الحداثة ، هناك الكثير من الشك في العلوم ذاتها ،و يبدوا أن فرصة الفلسفة ستكون أكبر في تأكيد مدى اختلافها عن العلوم . هناك أعداد متزايدة من البشر يرون أن زيادة المكون المادي في الحياة لا يحل كثيرا من القضايا ذات الإجابات المتنوعة ،وهنا يبدوا دور الفلسفة مطلوبا و ضروريا . هذا معناه أن على الفلسفة أن تخاطب الإنسان العادي مباشرة ،وهذا دور ربما كان جديدا على الفلسفة ، ففي المحاولات القليلة لجعل الفلسفة شعبية ، فرضت الفلسفة فرضا لدعم مشروعات سياسية مثل الشيوعية و النازية ،وهذا لا يمكن تصوره ضمن التقاليد الليبرالية . في المقابل علينا أن ننظر إلى الزيادة الواسعة في القاعدة المستهلكة للثقافة في العالم كله ، هذه القاعدة ستكون أكثر استعدادا لتقبل وجهات النظر الفلسفية ، على أن يسعى الفلاسفة أنفسهم إلى النظر إلى الفلسفة كأكثر من رد الفعل على النزعات المادية الميكانيكية . إن هناك عالم جديد يعاد بناؤه ،ومثل هذا العالم هو الميدان الأكثر إغراء للتفلسف ،وهذا سيؤدي إلى ازدهار ما يسمى بالفلسفة العملية على حساب الفلسفة السياسية التي ستقل أهميتها مع مرحلة التوافق التي من المنتظر أن تسود العلاقات بين الشعوب و الأنظمة التي أصبحت تميل للتشابه و ليس التناقض ( يمكن استثناء العرب مؤقتا ) .إن المجتمع الأغنى و الأكثر ثقافة هو المجتمع الذي يميل بشكل متزايد للتفكير بعمق فيما يفعله ، إن الفلسفة سيكون عليها المساهمة بدور قيادي في إجراء الحسابات الأخلاقية بالغة التعقيد و الغير مسبوقة التي يفرضها التقدم : مثل الإستنساخ البشري و الموازنة بين الصناعة و البيئة و التضحية بسلالات بشرية بذاتها لصالح البشرية كنوع .
هل ستتغير طبيعة الفلسفة في المستقبل ؟.
كي نجيب على هذا السؤال علينا العودة إلى فلسفة القرن العشرين ، سوف أنتهز هذه الفرصة لمناقشة اعتقاد خاطئ و لكنه منتشر وذائع مع الأسف ، فمن المألوف أن تتخطى المعارف الجديدة ما يسبقها في مجال العلوم التطبيقية ،و لكن الوضع مختلف في عالم الأفكار . وهناك اتفاق عام بين المهتمين بالفكر و الفلسفة بأنه من السذاجة ، الظن أن هناك فلسفة واحدة هي التي تغلبت على سائر الفلسفات الأخرى و أصبحت هي فلسفة القرن العشرين في الحضارة الغربية ،و أن كل الفلسفات الأخرى قد أهملت جانبا ،وهذا هو المركز الذي أراد البعض أن ينسبه إما إلى الوضعية أو المادية أو المثالية أو الوجودية كل بحسب تحيزاته ، و ليس هناك ما هو أكثر انتشارا من هذا الرأي بين العرب و ليس أيضا هناك ما هو أبطل من هذا الرأي ، إن الفكر الفلسفي الغربي أكثر ثراء من أن يمكن حصره في هذا الإطار الضيق ،و اليوم ربما أكثر من أي فترة سابقة في التاريخ ، تتصارع فلسفات و تصورات مختلفة عن العالم أشد ما يكون الخلاف . فمن النادر أن كان هناك في حقبة ما مثل هذا الحجم الكبير من التصورات المتعارضة التي تمتلك هذا الثراء في الأدوات و البراعة في التقديم . أرى أنه من غير المحتمل أن يتغير هذا الوضع في المدى المنظور ، إن الجهد الأساسي في الفلسفة يظل هو فهم و استلهام فكر الفلاسفة في الماضي . مع تقدم العالم نحو مزيد من التقارب بل و التوحد الثقافي ( العولمة الثقافية ) ، لن تكون الفلسفة بمعزل عن هذا التجانس ، وسوف تتغلغل الإبداعات و التقاليد الفلسفية الشرقية في الفلسفة الغربية التي مارست تاريخيا نوعا من الأبرثيد ( الفصل العنصري ) ضد الفلسفات الشرقية ،وحتى ضد الفلسفة الغربية التي أنتجها المسلمين و اليهود . يمكننا بالفعل رصد أن بوادر هذا الاهتمام بالفلسفات الشرقية الهندية و الصينية و اليابانية قد صاحب بزوغ عصر ما بعد الحداثة في الغرب .

الزميل العزيز و المحترم / بهجت

إسمح لي أولا أن أعبر عن بالغ سروري لمساهمتك في هذا الشريط.
و أرجو أن تقبل إعتذاري لتأخري بالرد في الفترة السابقة - نظرا لظروف قاهرة.
قرأت مداخلتك القيمة - و اسمح لي بمناقشتها تباعا - بعد أن أحاول استكمال وجهة نظري التي كنت قد بدأتها بالمداخلة السابقة لعلها تلقي ضوءا أكثر على ما قد يبدو خلافا لوجهات النظر بيننا.

تمنياتي لك بدوام التألق ...

حسنا ... فلنواصل.

و الآن - ماذا بقى للفلسفة بعد إنفصال العلوم؟؟

ملحوظة: هذه المداخلة إستكمال مباشر للمداخلة:
إضغط هنا

بعد إنفصال العلوم بقى مصطلح الفلسفة ليشمل المباحث:

الأنطولوجي: و هو يبحث في الماهيات.
الإيبستمولوجي: و هو يبحث في مناهج المعرفة.

و بينما لم تهتم العلوم مطلقا بمجالات بحث الأنطولوجي لكونها تبحث فقط في الظواهر - و لم تهتم حتى بنقد الأنطولوجي و لا الميتافيزيقا - فقد أنفردت الفلسفة ببحث مفاهيمها المطلقة و أحيانا في بناء و تفسير أنساق ميتافيزيقية - بعيدة عن مجالات العلوم - أو متسامية عنها إن صح التعبير.
و في حين إرتضت العلوم لنفسها باليقين النسبي القابل للنقض - و هذا بصدر رحب - فإن المباحث الميتافيزيقية كان يقينها مطلق مثلها مثل العلوم الصورية.و بات للمتابع و كأن الفلسفة مبحث أكثر رقيا و يقينا من العلوم.

و بينما أيضا لم تهتم العلوم بمجال مناهج المعرفة - و لا حتى بتقنين منهجها نفسه و هذا لإنصباب إهتمام العلوم على مباحثها مباشرة - إلا أن طبيعة البحث العلمي التجريبي ذاته فرضت منهج هذه المباحث. فالعلوم ذات طبيعة حادة - كون مادتها دائما في دائرة التجريب و الشك - عكس الميتافيزيقا التي تقبع سالمة في الظلام متسامية في عوالم لا يمكن التجريب فيها.

طبيعة العلوم التجريبيه أفرزت ما يسمى بالمنهج العلمي و ليس العكس - أي لم يفرض منهج ثم بنيت عليه العلوم. و ما كان يعتقد أنه من نواقص العلم - و هو اليقين النسبي إن صح التعبير أو غير المطلق - إتضح أنه أهم مميزاته - و بات كون مادة و نظريات العلوم دائما قيد النقد يؤدي بالضرورة لزيادة نسبة يقين تلك النظريات و هو ما قد يشبه بأن تبدأ من رقم الصفر محاولا للوصول للواحد الصحيح - و في طريق تقدمك دائما ما تزيد النسبة حتى و إن كنت لا تعلم بالتحديد كم تبلغ تلك النسبة بالتحديد في لحظتك الحالية - لكنك تعلم بالتأكيد أنها أعلى من الأمس.

و كون العلوم مباحث في الظواهر - و في العالم المادي بإختلاف مجالاته - فقد بدأت نواتج نجاحه تظهر على الأرض التي نعيش عليها و في حياتنا - بزيادة لوغاريتمية مع الزمن.

كان من الطبيعي أن يبدأ الفرع الآخر للفلسفة "الإيبستمولوجي" في دراسة و تحليل مناهج العلوم التجريبية الذي أظهر كل هذا النجاح للعلوم - في ذات الوقت الذي كانت نتائج مباحث الأنطولوجي تنتهي لتناقضات فيما بينها - مع عدم وجود أي فيصل للحكم - كما الجزر المنعزلة عن بعضها البعض و عن الواقع أيضا.

و نصل الآن للتساؤل:

من الذي قتل الفلسفة ؟

يتبع ,,