اقتباس: Beautiful Mind كتب/كتبت
و مع إنه شيوعي و ابن شيوعي لكن شوفي بيقول ايه ..
شيوعي أصلي مش تقليد .. :rolleyes:
شيوعي من المؤسسين ، من رفاق الشهيد البطل فرج الله الحلو ... ممن كتبوا فكرهم بالرصاص قبل القلم.
جورج حداد
ghaddadbg@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8
(بمناسبة الذكرى السبعين لتقرير غيورغي ديميتروف في المؤتمر السابع للاممية الشيوعية "الكومنترن"، المنعقد سنة 1935، والذي دعا فيه الى اقامة الجبهة العمالية والشعبية الموحدة ضد الفاشية، تنظم الهيئات التالية: "المجلس المركزي لاتحاد المناضلين ضد الفاشية في بلغاريا"، "مؤسسة غيورغي ديميتروف" و"الحركة الوطنية غيورغي ديميتروف"، ندوة علمية عالمية تنعقد في صوفيا بتاريخ 1/10/2005 تحت عنوان: "الجبهة الموحدة في العالم المعاصر". وقد دعي لحضور الندوة 23 منظمة مناهضة للفاشية من مختلف بلدان العالم، 14 حزبا شيوعيا، 5 احزاب اشتراكية واشتراكية ـ دمقراطية وعدد من الضيوف المستقلين، منهم جورج حداد. وفيما يلي النص الاساسي لمداخلة جورج حداد، المقدمة الى هيئة ادارة الندوة:)
العالم العربي والاسلامي
ودعوة ديميتروف لاقامة
الجبهة الموحدة ضد الفاشية
تبرز في التاريخ العالمي شخصيات انسانية تطبع بطابعها المرحلة التاريخية التي توجد فيها، ويكون لاسهاماتها دور مميز في المراحل التاريخية اللاحقة.
من هذه الشخصيات، وربما من ابرزها، الوطني البلغاري العظيم والمناضل الشيوعي الاممي الكبير: غيورغي ديميتروف.
لقد برز ديميتروف على المسرح العالمي لاول مرة في محاكمة لايبزغ الشهيرة سنة 1933، التي اتهم فيها مع بعض رفاقه، باحراق الرايخستاغ الالماني. وبايمانه العميق بعدالة قضيته، وبوطنيته، وبثقافته وسعة اطلاعه واستناده الى العلم الماركسي ـ اللينيني، استطاع ديميتروف ان يحول المحكمة الالمانية ذاتها من ساحة مهزلة محاكمة فاشية ضد الشيوعية، الى ساحة معركة انسانية شاملة ضد الفاشية والامبريالية والرأسمالية.
وفيما بعد برز ديميتروف، في المؤتمر السابع للكومنترن سنة 1935، بدعوته الى بناء الجبهة العمالية والشعبية الموحدة، على النطاق الوطني والعالمي، ضد الفاشية، التي تهدد الانسانية قاطبة.
لقد فضح ديميتروف الارتباط العضوي بين الفاشية والرأسمالية، معتبرا ان الفاشية هي "القبضة الحديدية" للرأسمال الاحتكاري، وانها "تعمل لمصلحة الامبرياليين المتطرفين". وفي دعوته لاقامة الجبهة العمالية والشعبية الموحدة، الوطنية والعالمية، ضد الفاشية، دعا الى الربط العضوي بين النضال ضد الفاشية والرأسمالية، والنضال ضد الكولونيالية ولتحرير الشعوب المستعمرة.
وبوصفه مناضلا حقيقيا، صلبا وواعيا، ضد الفاشية والكولونيالية والرأسمالية، حاز غيورغي ديميتروف مصداقية عالية جدا لدى الشيوعيين العرب، وعبرهم لدى مختلف القوى الدمقراطية والوطنية العربية، بمن في ذلك القوى الاسلامية الشريفة المناضلة التي كانت تمتلك شعبية عربية واسعة. وقد ساهم ذلك في مساعدة القوى العربية المناضلة ضد الامبريالية والصهيونية، ضد احتلال قوات الاستعمار البريطاني والفرنسي لللاراضي العربية، وضد الاغتصاب الصهيوني للاراضي الفلسطينية، على ان تفهم بشكل افضل طبيعة الصراع الدولي، وعلى ان تنحاز الى جانب المعسكر المعادي للفاشية، على قاعدة ان الكولونيالية هي شر راهن كبير، ولكن الفاشية هي شر اكبر، راهن ومستقلي.
ويمكننا هنا القول ان التحول العربي ضد الفاشية كان له تأثير رئيسي في تحقيق تغيير كامل في مجرى الحرب العالمية الثانية. ولننظر الى ذلك عن قرب:
ان العالم العربي والاسلامي، نظرا لموقعه الجغرافي المميز، ولثرواته الطبيعية الاستثنائية، ولخصائصه الثقافية والحضارية، كان ولا يزال يمثل اكبر تحد موضوعي لسياسة الاستعمار والامبريالية، ويشكل هدفا رئيسيا للغزوات الوحشية الاستعمارية. وفي ظروف نشوء النازية والفاشية كان العالم العربي بأسره تقريبا رازحا تحت نير الاستعمار الغربي، ولا سيما الانكليزي والفرنسي. الا ان الشعوب العربية والاسلامية الابية كانت تخوض نضالات مريرة متواصلة للتخلص من النير الاجنبي. وبمراجعة كتابات لينين، نجد انه كان يعطي اهتماما كبيرا لنضالات الشعوب الاسلامية، وكان يرى ان عبء النضال ضد الاستعمار يقع بالدرجة الاولى على عاتق تلك الشعوب. وللينين مئات الصفحات المكتوبة، من نداءات وغيرها، الموجهة والمكرسة بشكل خاص الى مسلمي اسيا والشرق. وهذا الموقف الثوري الاممي العظيم، من قبل لينين والبلاشفة، وجد انعكاسه في كسب ثقة الشعوب الاسلامية في اسيا الوسطى، التي كانت مستعمرة من قبل القيصرية، وانحيازها الى جانب الثورة الاشتراكية الروسية.
ولكن في النصف الاول للقرن العشرين، حينما اطلق ديميتروف دعوته، كانت الفاشية "الكلاسيكية" تهدد العالم اجمع بالعبودية والحرب والابادة.
وبعد ترسخ الحكم الفاشي في المانيا وايطاليا، بدأت الفاشية في توجيه دعايتها نحو البلدان العربية والاسلامية، بهدف كسبها الى جانب الفاشية على قاعدة الصراع المشترك ضد انكلترا وفرنسا الاستعماريتين وضد الصهيونية. ولا بد من التذكير ان الدعاية الفاشية حققت بعض النجاحات على هذا الصعيد. ومن الامثلة على ذلك:
ـ تأسيس قسم عربي في اذاعة برلين، كان يبدأ نشراته بصيحة "حي العرب" (القريبة لفظيا من الصحة النازية "هايل هتلر")، وأشرف عليه صحفي عربي حقق شهرة كبيرة هو يونس البحري. وقد اكتسب هذا البرنامج في حينه شعبية كبيرة في الشارع العربي.
ـ ان بعض "الضباط الاحرار"، الذين تزعمهم جمال عبدالناصر وقاموا فيما بعد بثورة 23 تموز 1952 واستلموا السلطة في مصر، ومنهم انور السادات، قد اقاموا في حينه اتصالات مع الالمان. وقد اعتقل الانكليز حينذاك انور السادات، وحققوا معه بهذا الخصوص.
ـ ان الحاج امين الحسيني، مفتي القدس وزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية عشية وخلال الحرب العالمية الثانية، زار برلين واستقبل شخصيا من قبل هتلر.
ـ وزار برلين ايضا السياسي اللبناني المسيحي المشهور بيار الجميل، الذي اعجب بالحزب النازي، واسس "حزب الكتائب اللبنانية" تقليدا له، واخذ تسمية "الكتائب" ذاتها (فالانج) من تسمية "كتائب" (فالانج) فرنكو في اسبانيا .
ـ تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، بزعامة المناضل والمفكر القومي البارز انطون سعادة، الذي تم اعدامه سنة 1949 من قبل السلطة اللبنانية العميلة للانكليز والاميركان. وقد انتشر هذا الحزب بكثافة في لبنان وسوريا وفلسطين والاردن، وهو يعد الى الان من ابرز الاحزاب الوطنية. وقد نشأ هذا الحزب بتأثير الحركة النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا، واسمه ذاته "قومي ـ اجتماعي" (ناسيونال ـ سوسيال) مستوحى من اسم الحزب النازي "قومي ـ اشتراكي" (ناسيونال ـ سوسياليست).
ـ ان الزعيم الوطني العراقي اللواء رشيد عالي الكيلاني كان على صلة بالالمان. وقد تزعم الكيلاني ثورة الضباط الوطنيين العراقيين ضد المستعمرين الانكليز في ايار 1941، واجبر رجال السلطة العميلة على الفرار. ولمواجهة هذه الثورة اضطر الانكليز لاستقدام قوات اضافية من الاردن وفلسطين. وبعد فشل الثورة، فر الكيلاني مؤقتا الى المانيا.
وبناء على صلاته العربية والاسلامية، ضد الانكليز والفرنسيين والصهاينة الذين كانوا يخططون للسيطرة على فلسطين واغتصابها كليا، كان هتلر يأمل بتلقي مساعدة واسعة من قبل الشعوب العربية والاسلامية. وليس بدون مغزى خاص ان الحملة العسكرية الالمانية الرئيسية، خارج الحدود الاوروبية، بقيادة المارشال رومل، قد توجهت بالتحديد الى افريقيا الشمالية العربية. وكان هدف هذه الحملة احتلال المنطقة العربية حتى الخليج، ثم احتلال ايران، والوصول الى حوض بحر قزوين، ومن ثم مهاجمة الاتحاد السوفياتي من الخلف، من المناطق الدافئة في جمهوريات اسيا الوسطى الاسلامية. وكانت هذه الخطة تعتمد في نجاحها على تلقي الدعم من الشعوب العربية والاسلامية ضد الدول الغربية الاستعمارية وضد الصهيونية. ولو ان الفاشست حصلوا فعلا على هذا الدعم، لكان بامكان رومل ان يقوم بنزهة ممتعة من شمالي افريقيا الى بحر قزوين، ولكانت الجيوش الانكليزية والفرنسية الاستعمارية، والعصابات الصهيونية في فلسطين، وجدت نفسها معزولة تماما، ولسحقت سحقا كدمى خزفية بين مطرقة رومل وسندان الحركة الوطنية العربية المعادية للاستعمار والصهيونية. وكان من شأن ذلك، فيما لو حصل، تحقيق الاهداف الاولية المرسومة لحملة رومل، وتغيير مجرى الحرب كليا، ومجرى التاريخ العالمي المعاصر باسره.
ولكن بالرغم من كل الوعود المعسولة التي أغدقها النازيون على العرب، فإنهم فشلوا في الحصول على الدعم العربي الضروري الذي سعوا اليه. وعلى عكس ما كان يتوقع، فإن قوات رومل هي التي وجدت نفسها معزولة تماما، الامر الذي مكن من تحقيق الانتصار عليها بسهولة نسبية في معركة العلمين بمصر. وربما يمكن القول انه لولا الانتصار على رومل في "العلمين" بمصر في شباط 1942، لما كان بالامكان الانتصار على فون باولوس في ستالينغراد في شباط 1943، وطبعا لما كان بالامكان تحقيق انزال النورماندي في حزيران 1944، وربما لما كان تحقق ابدا اقتحام برلين في ايار 1945، بل ان الاقرب الى المعقول ان الاساطيل النازية كانت ستتفرغ للقيام بنزهة عبر الاطلسي، لتجرب صواريخها المكتشفة حديثا في دك المدن الشاطئية الاميركية المكتظة، ومن ثم احتلال الولايات المتحدة الاميركية وتفكيكها كدولة موحدة وارجاعها عشرات ومئات السنين الى الوراء كي تعود ولايات متناحرة تتحكم فيها المافيات التي تتصارع فيما بينها على اسواق الخمور والمخدرات والدعارة والقمار، كما على الذهب والنفط والعمل العبودي الرخيص.
وللتدليل على اهمية الموقف العربي عامة، والشعبي خاصة، في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ العالم، يكتسب اهمية رمزية تطور الاوضاع في فلسطين: فخلال الحرب العالمية الاولى، كان للثورة العربية الكبرى على الاتراك دور حاسم في هزيمة تركيا. وبالرغم من ذلك فإن "صديقتنا!" بريطانيا وهبت فلسطين، من وراء ظهر شعبها العربي الاصيل ورغما عنه، الى حليفتها المافيا المالية الصهيونية العالمية، التي كانت تحتل المركز الاول في السوق المالية الانكليزية عامة، وفي تمويل المغامرات الاستعمارية للدولة الانكليزية، خاصة. وفي ظل الاحتلال البريطاني، بدأت عملية استعمارية دولية واسعة، لا تزال مستمرة الى اليوم، لجذب العصابات الصهيونية وجلبها الى فلسطين، وقتل وطرد وتشريد الفلاحين والمواطنين الفلسطينيين، واستبدالهم بالمستوطنين الصهاينة، المسعورين والمتوحشين، الذين وضعوا انفسهم كمرتزقة في خدمة المافيا الصهيونية والامبريالية العالميتين. وفي 1936 انفجر في فلسطين اضراب عام وعصيان مدني داما ستة اشهر ثم تحولا الى ثورة مسلحة ضد المحتلين الانكليز والصهاينة، دامت حتى اندلاع الحرب العالمية في 1939. وكان هناك احتمال كبير جدا ان تتحول الثورة الفلسطينية الى قاعدة لتدخل الماني واسع النطاق، خصوصا بعد استسلام فرنسا الاستعمارية التي كانت تحتل سوريا ولبنان، وبالتالي سيطرة حكومة فيشي، الحليفة لالمانيا، على سوريا ولبنان المحاذيين لفلسطين، حيث جاءت اللجنة الالمانية للمشاركة في ادارة البلدين الى جانب المفوض السامي الفرنسي.
ولكن القوى الوطنية الفلسطينية قطعت الطريق على هذا الاحتمال، حينما اوقفت العمليات المسلحة ضد المحتلين الانكليز والغزاة اليهود الصهاينة. وقد توجه رأس حربة القوى الوطنية والدمقراطية والاسلامية الشريفة، العربية، ضد الفاشية.
ومن جهة ثانية، فقد تطوع مئات الالوف من الشباب من مختلف البلدان العربية في صفوف القوات العسكرية لبريطانيا وفرنسا الحرة (بزعامة ديغول) للقتال ضد الفاشست، في الارض العربية، كما في اوروبا ذاتها. ويقول الزعيم الوطني الجزائري، رئيس الجمهورية الجزائرية الاسبق احمد بن بله ان غالبية قوات ـ ومن ثم غالبية ضحايا ـ "فرنسا الحرة"، التي كانت تقاتل الفاشست على الارض الفرنسية والايطالية، كانت تتشكل من الجزائريين والمغاربة. وبن بله نفسه كان يقاتل مع "فرنسا الحرة" على الارض الايطالية.
ونذكر هنا ان بعض الكوادر الشيوعية العربية قد شاركت في "الفصائل الاممية" التي قاتلت ضد فرنكو في اسبانيا. كما برز المناضل الشيوعي اللبناني فؤاد قازان (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني بعد عودته الى لبنان في نهاية الحرب العالمية الثانية) بوصفه احد قادة المقاومة السرية ضد المحتلين الالمان النازيين وحلفائهم في فرنسا.
وربما لا نبالغ اذا قلنا ان العالم اجمع، ولا سيما اوروبا الغربية واميركا، هو مدين لهذا التحول في الموقف الوطني العربي لصالح التحالف مع ما سمي "المعسكر الدمقراطي". ولكن علينا هنا ان نتساءل: كيف "كافأت" اوروبا واميركا "الدمقراطيتين" الشعوب العربية والاسلامية على موقفها المعادي للفاشية؟!
لا يفوتنا ان نذكر ان القيادات الاستعمارية الفرنسية والانكليزية، وعلى رأسها "الزعيمان القوميان" المعروفان عالميا: ديغول وتشرشل، لم تبخل في اغداق الوعود على العرب، بمنحهم الاستقلال، مقابل وقوفهم ضد الفاشية. فكيف ترجمت هذه الوعود على ارض الواقع؟
ـ ان هتلر لم يستطع ان يقتحم موسكو، بل على العكس فإن الشعوب السوفياتية، متحملة عذابات وتضحيات لا سابق لها ومقدمة عشرات الملايين من الضحايا من خيرة ابنائها، هي التي انتصرت على النازية، وانقذت البشرية من شرورها. وها اننا نرى بالعين المجردة كيف ان الشعوب السوفياتية، ومعها شعوب اوروبا الشرقية الاخرى، قد "كوفئت" على هذه المأثرة بأن تم التآمر لتدمير التجربة الاشتراكية واقتحام اوطانها واذلال جماهيرها بـ"علاج الصدمة" الرأسمالي ونشر الجوع والفقر والامراض والفساد والجريمة والانحلال في ربوعها، باسم "الدمقراطية" الغربية. بمثل هذا "الوفاء" و "العرفان" واكثر كانت مكافأة الشعوب العربية والاسلامية على موقفها التاريخي المعادي للفاشية. ويكفي ان نعطي بعض الامثلة:
1 ـ في 1939 قامت فرنسا الاستعمارية بنزع لواء الاسكندرون الخصيب من سوريا ومنحه لتركيا العنصرية الاتاتوركية (ومعلوم ان اللواء يضم بشكل خاص مدينة انطاكية المسيحية الشرقية العربية العريقة، التي تنسب اليها جميع الكنائس المسيحية الشرقية العربية القديمة. وحتى الان، واينما كانت مراكز البطريركيات، لا يزال اللقب الرسمي لجميع البطاركة المسيحيين المشرقيين العرب هو: بطريرك انطاكية وسائر المشرق).
2 ـ في 1943 اعتقل المستعمرون الفرنسيون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والعديد من الشخصيات اللبنانية، واقتحموا البرلمان اللبناني وعلقوا الدستور، بسبب المطالبة بتحقيق وعود "فرنسا الحرة" بمنح الاستقلال للبنان مقابل الوقوف ضد المانيا النازية وحكومة فيشي.
3 ـ وفي 1945 شنت القوات "الفرنسية الحرة" هجوما غادرا على البرلمان السوري، الذي كان يطالب بتطبيق وعود الاستقلال، من اجل كسر ارادته الوطنية والدمقراطية المشروعة. وقد استشهد العشرات من رجال الحامية السورية، ودمر قسم من البرلمان.
4 ـ في 9 ايار 1945 خرج مئات الالوف من الجزائريين الى الشوارع للاحتفال بالنصر على الفاشية، الذي اعتبره الجزائريون مرادفا للحصول على الاستقلال الموعود من قبل "فرنسا الحرة". وقد طبق "الديغوليون" الاحرار وعدهم باستقلال الجزائر، بإطلاق نيران الرشاشات الثقيلة ومدفعية الميدان ضد الجماهير العزلاء، المشاركة في الاحتفالات، واوقعوا ما يزيد عن 45 ألف قتيل في يوم واحد، محولين الاحتفال العالمي بالنصر على الفاشية الى جنازة وطنية عامة للجزائريين والعرب والمسلمين. والمراجع الرسمية الفرنسية تعترف بكل خسة ان عدد القتلى هو "فقط!" 15 الفا. وهكذا حينما يحتفل العالم بيوم النصر على الفاشية، فإن الشعب العربي المسلم الجزائري يحتفل بذكرى عشرات الالوف من ابنائه وبناته واطفاله الابرياء القتلى، الذين لم يكن لهم اي ذنب سوى انهم صدقوا اكاذيب "الدمقراطية" و"الاشتراكية ـ الدمقراطية" الغربية.
5 ـ حتى الحرب العالمية الثانية لم يكن للغزو الصهيوني في فلسطين من شرعية سوى "شرعية" الاستعمار البريطاني، الذي اعطى المافيا الصهيونية العالمية حق اقامة "وطن قومي يهودي" بناء على "وعد بلفور" سنة 1917. ولكن بعد الانتصار على الفاشية وتأسيس مؤسسة "الشعوب الدمقراطية" المسماة "هيئة الامم المتحدة"، صدر عنها في 1947 "قرار تقسيم فلسطين" وانشاء دولة "اسرائيل" على انقاضها. وسيرا وراء اوهام التحالف مع "الدمقراطية" الغربية والاضاليل الصهيونية ارتكبت القيادة السوفياتية وقيادة الحركة الشيوعية العالمية الخطأ التاريخي المميت، المتمثل في الموافقة على اقامة الكيان العنصري الصهيوني المسمى "اسرائيل". ان قرار تقسيم فلسطين العربية تاريخيا، الصادر عن "الامم المتحدة"، اضفى طابعا "شرعيا" دوليا على الاغتصاب الاستعماري في فلسطين، واعطى تبريرا "شرعيا" لطرد شعب البلاد الاصلي، واستبداله بـ"شعب" دخيل ومصطنع، لا يملك اي شرعية تاريخية، سوى "شرعية" الادعاءات الدينية ـ الشوفينية الفارغة و"حق القوة" الاستعماري. وبناء على هذا القرار من اعلى هيئة شرعية دولية، قامت دولة "اسرائيل" على انقاض المجتمع العربي الفلسطيني، وذلك على اساس "عنصري ـ ديني"، ينطبق عليه تمام الانطباق مفهوم القومية لدى الهتلريين، الذين كانوا ـ في ما يشبه حرص الصهاينة اليوم على النقاء اليهودي لاسرائيل ـ يقيسون جماجم "الآريين الاقحاح" ويختبرون دماءهم وسائلهم المنوي، وهو ما يناقض على خط مستقيم كل منطق العداء للفاشية الذي دعا اليه ديميتروف. واذا كانت "ام الدمقراطية" تاريخيا، اي بريطانيا الاستعمارية، لعبت ـ منذ 1917 وحتى 1948 ـ دور "القابلة القانونية" لـ"الوطن القومي العنصري اليهودي" غير القابل تاريخيا للحياة الطبيعية، فإن "الدمقراطية الاكبر"، اي الولايات المتحدة الاميركية، التي اعترفت باسرائيل بعد 15 دقيقة فقط من اعلانها في 14 ايار 1948، تضطلع منذ ذلك التاريخ بدور "الام بالتبني" و"الحاضنة" الدائمة لاسرائيل العنصرية، التي لا يمكن ان تعيش يوما واحدا بدون حماية ومساعدة الفاشية العالمية الجديدة المتمثلة باميركا.
وبالتبني الكامل والشامل لاسرائيل، فإن الولايات المتحدة الاميركية تعتقد انها يمكن لها ان "تعيد انتاج نفسها" على الارض العربية. ففيما مضى استطاع شراذم الغزاة العنصريين البيض ان يبيدوا السكان "الاميركيين" الاصليين، الذين سموهم جهلا وازدراء "الهنود الحمر"، ويؤسسوا على ارضهم المغتصبة دولة استعمارية ـ استيطانية لـ"شعب" دخيل سموها "الولايات المتحدة الاميركية". وللسخرية المرة للتاريخ البشري فقد بنا أولئك الغزاة المتوحشون "البيت الابيض" و"نصب الحرية" وغير ذلك من رموز "الدمقراطية الاميركية" فوق جماجم ضحاياهم من "الهنود الحمر" المساكين. وقد كان الشعار الابرز لتلك "الدمقراطية الاميركية" هو: "الهندي الافضل هو الهندي الميت". واليوم يريد احفاد اولئك الغزاة لـ"العالم الجديد" الذي لم يكن جديدا، ان يتجهوا في الاتجاه المعاكس ويعيدوا ـ مع طلائعهم الصهاينة ـ "اكتشاف" وغزو "العالم القديم"، بدءا من الوطن العربي الكبير، قلب "العالم القديم" ومهد الحضارات العالمية. ولكن القرن الـ20، قرن الثورة الاشتراكية والانتصار على الفاشية "الكلاسيكية"، وطبعا والقرن الـ21، هما غير القرون السالفة. ان الثمانية ملايين فلسطيني والثلاثماية مليون عربي والمليار ونصف المليار مسلم لا يوجد قوة في العالم يمكن ان تحكم عليهم بمصير كمصير الهنود الحمر. والشيء الوحيد المعقول تاريخيا ان القرن الـ21 سيكون قرن الانتصار على الفاشية الاميركية الجديدة.
واليوم نلمس لمس اليد النتائج الكارثية لـ"شرعنة" الفاشية الصهيونية عبر الاعتراف بـ"شرعية" اسرائيل: لقد تم القضاء على الاتحاد السوفياتي العظيم والمنظومة الاشتراكية الحليفة له، وخرت الحركة الشيوعية العالمية على ركبتيها، نتيجة الطعن بالظهر والتآمر الامبريالي الغربي مع المافيا الصهيونية الدولية: سوروس، تشورني، بيريزوفسكي، خودوركوفسكي وشركاهم. ومع ذلك، وباسم قبضات اطفال الحجارة في فلسطين ولعنات امهات ملايين الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والعرب والمسلمين، يمكننا التأكيد ان الامة العربية الابية ومعها جميع الشعوب الاسلامية المناضلة والجماهير الشعبية المظلومة في العالم لن تخر على ركبتيها، وستتابع الكفاح ألف سنة وسنة من اجل القضية العربية العادلة، التي يتوقف على انتصارها تحرير جميع شعوب العالم من الفاشية الاميركية المعولمة ومن الغدر والنذالة والظلامية الصهيونية.
ХХХ
ان غيورغي ديميتروف العظيم هو رمز عالمي للكفاح ضد الفاشية لانه ممثل حقيقي لشعبه، إذ انه الوريث الروحي الاكبر لفاسيل ليفسكي وخريستو بوتيف واستمرار لمئات السنين من الكفاح البطولي للشعب البلغاري ضد الظلامية التركية، المتواصلة الى اليوم بشكل فاشية عسكرية ـ "اسلامية!" عميلة لاميركا.
وهو ليس ذكرى وعبرة من الماضي وحسب، بل هو منارة للفقراء والمظلومين والشعوب المسحوقة، ومعلم للاجيال المناضلة، كفكر ثوري وتحرري متجدد في ايامنا هذه بالذات. ويكفي ان نشير انه بنفاذ بصيرته التاريخية استطاع ديميتروف ان يضع الاصبع على اثنين من اكبر الشرور التي تواجه المجتمع الانساني المعاصر:
اولا ـ في الوقت الذي دعا فيه الى وحدة النضال والجبهة الموحدة مع الجماهير العمالية والشعبية كافة، ومع الشعوب المستعمرة، فهو قد فضح الخط الخياني لقيادة الاشتراكية ـ الدمقراطية القائم على التعاون الطبقي مع الرأسماية والامبريالية، ودور هذا الخط في التمهيد للانتصار المرحلي للفاشية "الكلاسيكية".
واننا نرى اليوم ان خط التعاون مع الفاشية الاميركية الجديدة، تحت الشعارات الكاذبة لـ"الدمقراطية" و"مكافحة الارهاب" وما اشبه، كما كانت في السابق شعارات "العالم الحر" و"مكافحة الشيوعية والتوتاليتارية"، يقود الى انتصارات مرحلية للفاشية والصهيونية والامبريالية واعادة الرأسمالية في العالم اجمع.
وثانيا ـ وبرؤية تاريخية استثنائية، وكأنه يعيش معنا في هذه اللحظة بالذات، كشف غيورغي ديميتروف التحول الحربائي في اشكال الفاشية، التي هي ظاهرة رأسمالية عالمية، وليست ظاهرة "قومية" المانية او ايطالية فقط. فهو يقول في مقابلة مع الصحفي الاميركي بيتمان (جريدة "اوتيتشيستفن فرونت"، العدد 852، 17 حزيران 1947): ان الفاشية تغير اشكالها، وان "الميول الفاشية في الولايات المتحدة هي مموهة بوصفها "أميركانيزم"، و"دفاع عن المؤسسات الحرة" و"محافظة على الدمقراطية" و"السلم"."
وبذلك يلتقي ديميتروف مع الثائر الاميركي اللاتيني الشهير سيمون بوليفار، الذي يقول في 1827، قبل انشاء الولايات المتحدة الاميركية "ان قدر العالم ان تقوم الولايات الاميركية الشمالية بنشر الجوع فيه كالجراد، وذلك باسم الحرية" (اقتباس من كلمة خالد حدادة، الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني، الملقاة في اب 2005، في حفل تأبين الشهيد جورج حاوي، الامين العام الاسبق للحزب).
وفي النصف الاول للقرن العشرين، حينما اطلق ديميتروف دعوته، كانت الفاشية "الكلاسيكية" تهدد العالم اجمع بالعبودية والحرب والابادة.
واليوم، فإن خطر الفاشية الجديدة، التي يسميها ديميتروف "الاميركانيزم"، بمركـّـباتها العضوية، المختلفة في الشكل، المنسجمة والمتكاملة في الجوهر: الصليبية "المسيحية!" التي يحمل لواءها امثال جورج بوش، والصهيونية اليهودية، والبنلادينية "الاسلامية!"، يهدد جميع شعوب العالم ايضا. ولا يوجد ابدا اي شعب، خارج دائرة خطر هذا التنين المثلث الرؤوس. ومن السذاجة تماما اي اعتقاد بأن خطر الحرب الشاملة هو مستبعد، بوجود القطب الاميركي الاوحد. بل على العكس تماما، ان وجود الامبريالية الاميركية، كقوة عالمية شبه مطلقة اليدين، يجعل خطر الحرب العالمية اكبر. فالفاشية الصليبية الاميركية التي تعمل الان لابادة الشعب العراقي ولازالة العراق من الخريطة، والتي تقضي على عشرات ملايين الافارقة والروس والاوروبيين الشرقيين بالجوع والايدز والامراض والمخدرات، هي نفسها التي ـ بالتعاون مع الفاشية اليهودية "الصهيونية" ـ تقتل اطفال فلسطين وتحاول ابادة الشعب الفلسطيني ومحو فلسطين من الخريطة، وهي نفسها التي ـ بالتعاون مع الفاشية "الاسلامية!" البنلادينية ـ تضرب الاهداف المدنية وتقتل المواطنين المسالمين في نيويورك ولندن ومدريد. لقد سلحت اميركا القاعدة العسكرية الفاشية المسماة اسرائيل (حوالى 5 ملايين مستوطن) بالسلاح الذري الستراتيجي والتاكتيكي، وبالصواريخ ذات المديات المتعددة، وبكافة انواع اسلحة الدمار الشامل والاسلحة التقليدية، اكثر مما يملك الجيش الصيني نفسه، وحولتها الى قاعدة عدوان تهدد في وقت واحد جميع البلدان العربية والصين وروسيا والبلقان واوربا الغربية. وفي وقت ليس ببعيد سلحت اميركا ايضا (باشراف السيد رامسفيلد شخصيا) نظام صدام حسين بالاسلحة الكيماوية التي استخدمها ضد القوات الايرانية والمدنيين الاكراد ـ الذين يقوم قادتهم الان بلحس احذية المحتلين الاميركيين للعراق. بناء على هذه التجارب المريرة، ليس من المستبعد ان تقوم الفاشية الاميركية بتسليح عملائها "الاسلاميين!" ايضا بأسلحة الدمار الشامل التاكتيكية، لاستخدامها ضد الجماهير الشعبية الاوروبية والاميركية، اولا لتنفيذ النبوءات الشيطانية لمصاص الدماء الصهيوني هنتنغتون حول "صراع الحضارات"، وثانيا وهو الاهم، من اجل فرض حالة الرعب والهستيريا على شعوب اوروبا واميركا، بهدف اخضاعها لدكتاتورية الرأسمال الاحتكاري متعدد الجنسية، تماما على الطريقة الهتلرية حينما جرى إحراق الرايخستاغ.
ان الحرب وتدمير المجتمعات البشرية، تماما كتدمير البيئة، هي خصائص ملازمة للرأسمالية والامبريالية والصهيونية، التي ـ كقانون طبيعي ـ تنتج حتما الفاشية كشكل وآلية لاجل تحقيق هذه "المهمة" التدميرية. وان الفاشية الاميركية الجديدة ليست خروجا على هذه القاعدة، بل هي تأكيد لها، اكثر فظاظة، واكثر لؤما وحقارة، واكثر خطورة. وهي، عبر اشعالها الحروب المحلية و"حرب الارهاب" وما يسمى "الحرب على الارهاب"، وهي الحروب التي تحمل كل مخاطر التحول الى حرب عالمية شاملة، تطمح الى فرض الهيمنة الحديدية للفاشية على شعوب العالم، والى التخلص من "فائض السكان" النسبي في حسابات اكلة لحوم البشر الامبرياليين، وفلاسفتهم و"انبيائهم" امثال هنتنغتون وبريجنسكي، الذين يدعون الى "صراع الحضارات"، والقس بات روبرتسون، الذي دعا مؤخرا بكل "دمقراطية" الى قتل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، والذي هو احد اشهر دعاة اليمين الجمهوري المسيحي في اميركا، واقرب المقربين الى الفاشي الصليبي جورج بوش.
وفي هذا الظرف التاريخي المفصلي تصبح حاجة ملحة بشكل لا مثيل له دعوة غيورغي ديميتروف الى اقامة جبهة عمالية وشعبية موحدة، على النطاقين الوطني والعالمي، ضد الفاشية الجديدة، "الاميركانيزم" حسب تعبير ديميتروف، وشركائها المكشوفين وغير المكشوفين الصهيونيين والبنلادينيين.
جورج حداد
(كاتب لبناني مستقل