الزميل الكريم "قعاع"
اقتباس:الصدفة هي أمر عشوائي فجائي يحدث بدون نسق محدد..
هذا تعريفك الخاص على ما يبدو للصدفة، وهو تعريف يفسر نفسه بنفسه أي أنه يقول بأنه أمر عشوائي والعشوائية ترد التعريف للصدفة. هذا كمن يريد تفسير الماء بالماء.
أنا لا أبحث عن تفسير إنشائي للصدفة بل عن تعريف علمي للصدفة كما هي عليه في العلوم. والصدفة علمياً هي حادثة من جملة حوادث ممكنة في ظروف معينة.
تماماً كحادثة النرد عندما ترميه فإن كانت الواقعة هي 5 فهذا يعني أنها حادثة تحققت بالصدفة ضمن جملة خيارات أخرى ممكنة.
اقتباس:ويهمني أن تعرف جيدا أنّه لا توجد قوانين علمية دقيقة.. إنّها مجرّد طريقة للتعبير عن الظاهرة في نطاق محدد بنوع مقبول من التقريب..
غير صحيح ولا أسمح بمرور هكذا معلومة، وأرغب بالتفصيل بالموضوع فعلم الاحتمالات ليس تقريبي بل هو علم بحت ينتمي لعلم الرياضيات البحتة. وتطبيقاته فيها تقريبات ربما كالإحصاء، بينما لا يوجد أي تقريب بالعلوم البحتة. أنت كمن يقول أن المنطق يمكن أن يكون تقريبياً وأن نظرية التعميم الرياضية البحتة يمكن أن تصح يوماً وتخطئ يوماً.
أدعوك لمراجعة دقيقة للاحتمالات كجزء من الرياضيات البحتة لكي لا تقع بهذه المغالطة العلمية المهمة.
اقتباس:ولكي تفهم ما أعنيه، أخبرك بأنّك تبدأ الإثبات دائما بافتراض الحالة المثالية (غير الموجودة بالطبيعة).. هذا يعطيك أوّل صيغة للقانون..
بعد هذا تبدأ في أخذ الحالات التطبيقية في الاعتبار، مما يدخل معاملات على صيغة القانون، أو يحولها لمعادلات من درجات أعلى.
لا أبداً هذا خلط كبير، أنت كمن يفرض أن الرياضيات تأتي قبل العلوم.. بينما الرياضيات تأتي بعد العلوم.
لا تصاغ العلوم بحسب الفرضيات بحالتها المثالية. بل الحالات الواقعية هي التي نقوم بتجريدها ثم نقوم بدراستها ثم تجرد لتصبح بحالة مثالية. والنتائج المثالية البحتة هي نتائج رياضية بحتة. تعاد ترجمتها فيما بعد لاستخدامها بالعلوم التجريبية.
أرجو عدم الخلط بين العلمين.
اقتباس:دعنا لا ندخل في تفاصيل كثيرة.. لكن كن على ثقة بأنّ أيّ أرقام تحصل عليها من القوانين الفيزيائية بها نسب خطأ.. لكنّها صغيرة لدرجة تسمح لك بإهمالها.
كيف لا ندخل بتفاصيل وكل نقاشنا مبني على التفاصيل؟
أما قولك "كن على ثقة" فهو أيضاً ليس علمياً. فنحن في نقاش لا يفرض أحدنا رؤيته ونتائجه على الآخر. أنا أثق بما يقوله العلم لي لا بما تقوله أنت لي.
وأنا معك بأن نتائج الأرقام والتجارب الفيزيائية بها تقريبات، لكني لم أتحدث ولم يتحدث أحد هنا عن هذا الموضوع ولا علاقة له بموضوعنا أصلاً.
اقتباس:هذا أساسا عن الظواهر المطردة القابلة للقياس.. فما بالك بالأمور العشوائية؟!
إنّ الاحتمالات لا تحكم الصدفة.. الاحتمالات تحكم التجربة في فضاء مغلق..
لا أبداً لا علاقة للاحتمالات لا بالفضاء المغلق ولا الظاهر المطردة القابلة للقياس، بل بالعكس هي أساس مجال عملها الظاهر العشوائية.
أنت تتحدث مجدداً عن الإحصاء وهناك فرق كبير بين الأمرين.
أنت كمن يجعل الحساب والرياضيات أمراً واحداً.
أو يعتقد أن اللوغاريتم نفسه البرامج.
اقتباس:مثلا: عندما تلقي عملة فأنت تثق أنّك ستحصل على صورة أو كتابة.. هذا فضاء مغلق، والنتائج متوقعة.
لكن ماذا عمن سيزورك في العمل هذا اليوم؟
ربّما تتوقّع فئة معينة من الأشخاص.. لكنّ أحدا من خارجها (تعرفه أو لا تعرفه) قد يأتي بالصدفة!
فهل قوانين الاحتمالات هنا تحكم هذه الصدفة؟
أمّ أنها مجرد طريقة للتوقّع معرضة للمفاجآت؟
ممتاز أنك عرضت هذا المثال.
الاحتمالات وقوانينها لا تقول لك من سيأتي غداً لكنها تعطيك وبشكل رياضي بحت احتمال أن يأتيك إذا عرفت الظروف التي تحكمه.
وهو يمكنه أن يقول لك بأنه خلال فترة طويلة من تكرر الحادثة، وجود من سيزورك بأن ابن عمك سيزورك باحتمال قدره 90 بالمائة خلال عام.
هل هذا سيعني أنه سيزورك حتماً خلال هذه الفترة؟
لا، لا يؤكد العلم ذلك ولكنه يقول بأنه وشبه مؤكد بأنه سيحدث.
وأكرر بأنه لا بد من مراجعة علم الاحتمالات حول ذلك. أما الإحصاء فإنه يفيد بماضي الحدث وليس مستقبله.
اقتباس:وتكوين أيّ شيء في المعمل لا يثبت أو ينفي شيئا..
يا سبحان الله، ألم يكن منذ قليل حجة الحجج للخلقيين أنه لم يتم تكوين الحموض مخبرياً؟ ربما كل ما زدنا العيار سيصل بالخلقيين الأمر ليطالبوا بخلق الإنسان مخبرياً من ذرات ليقبلوا بالعلم.
ولنسأل هنا: ما المطلوب من نظرية التطور؟ هل أن تفسر لك كيف نشأت كل خلية وبدقة؟ أم أن تعطيك كأي نظرية علمية أخرى تفسيراً يحترم النتائج العلمية ولا يتناقض معها؟ بشكل يمكن التحقق منه مخبرياً وعلمياً ورياضياً؟
ما تعرضونه لنا كبديل هو شيء لا علاقة له بأي أسلوب علمي .. تعرضون علينا خلق الإنسان من خلال كائن وهمي تسمونه الله وتريدوننا الإيمان به فقط لا غير، وهو كائن لا يمكن دراسته مخبرياً ولا التحقق منه علمياً ولا إسقاط النظريات والقوانين الرياضية عليه.
اقتباس:هل يحدث الانتقاء قبل الصدفة (أو الطفرة)؟
بمعنى: هل يقول الانتقاء لنفسه: إم.. سأصنع اليوم فيلا بدون خرطوم.
لكنّه يفكّر لحظة ويقول: لا لا.. بخلاف شكله السخيف، فإنه لن يستطيع الحياة.. فلأغير إذن من خطة الطفرة لهذا اليوم!
كذلك لم تفهم آلية الطفرة والاصطفاء الطبيعي.
مع أنه يبدو طبيعياً جداً. إن الطفرات الضارة تؤدي بشكل طبيعي لعدم استمرار النوع أو المادة ويؤدي لفنائها.
كمثال فإن حدثت طفرة جعلت من شخص عقيم فهذا يعني أن الشخص لن يستمر وطفرته ستموت لأن طفرته هذه ضرت نوعه.
الطفرة تستمر إذا جعلت للنوع أو الفرد يقدر على التميز وستنتهي لو أنها لا تؤدي إلا لضرر للفرد أو النوع.
هذا هو معنى الاصطفاء وآليته. ويتم كما أعرف تذكر ذلك بتسجيله بالخزينة الوراثية للأحياء من خلال آلية تتفادى الحوادث السابقة المضرة، وذلك يتم كرجع الصدى ويمكن فهمه بسهولة. إذ أن المادة الوراثية تسجل بالأحرى الطفرات الناجحة ولسبب مهم هو أنها نجحت بالتكاثر بينما تنفني التي لم تنجح ولا تعود مذكورة بالخارطة الجينية. بينما من لم تجرب بعد فهي تبقى ممكنة دوماً.
اقتباس:إذن: فهل للانتقاء الطبيعيّ دور في التصميم؟
مثلا: هل له علاقة بتصميم العين والعصب البصري ومركز الإبصار في المخ معا في نفس اللحظة؟
لا.. لو افترضنا طريقتكم، فإن طفرة ستنشئ العين بمفردها (هذا مستحيل على الطفرات، فهي لا تكوّن أعضاء جديدة كاملة مفيدة، لكن سنفرضه)
سيقوم الانتقاء الطبيعي بالتخلص من الفرد الجديد لأنه أعمى ولا يدافع عن نفسه!
ولو ترك الفرد الأعمى ـ باعتبار أنّه يستخدم حواسه الأخرى ليعيش ـ فإنّ ذريته... لن تملك عينا أصلا!!!.. لانّ الصفات الجسدية لا تورّث!!.. نحن نحتاج أيضا إلى أن تكون هذه الطفرة في الحيوانات المنوية والبويضات (صباح الشروط المعقدة!!!).. ولو كان هذا الشرط الأخير متحققا، فإنه ستنشأ سلالة بعيون لا تبصر!!
ما هذا؟
أنت لا تفهم حتى معنى الطفرة والاصطفاء الطبيعي.
الاصطفاء الطبيعي يعتني بالنوع لا الفرد.والعين نفسها تطورت عبر دهور طويلة وتطورت عبر أعضاء أخرى لدى الإنسان.
ولنعد لمثالك، فأقول نعم لو كان للفرد من خلال تطوره خصائص مفيدة للنوع وتطوره إن كانت حتى العمى ولكني لا أفهم كيف سيصبح العمى فائدة للنوع، ولكن لنفرض ذلك فإن ذلك سيقود لطغيان هذه الخاصية الجديدة لدى النوع.
اقتباس:الحقيقة أنّ هذا ليس الواقع.. هناك تصميم سابق وضع نموذجا كاملا للعين وأوصلها بالمخ، وجعل المخ يترجم إشاراتها..
هذا مستحيل على أيّ طفرة، إلا إذا كانت مدبرة!
عن أي طفرة تتحدث، هل تعلم عما تتحدث أصلاً؟
أنت كمن يقول بأننا وصلنا من الذرة للعين مباشرة.
الطفرة تقول بغير وظيفة الأعضاء تدريجياً. من خلال ملايين الطفرات بل بلايين الطفرات.
اقتباس:رجاء: لا تردد طويلا موضوع الانتقاء الطبيعي هذا!
كيف لا أردده، ما موضوعنا إذا؟
تأمل بزقزقة العصافير؟
نحن نتحدث عن التطور ومحرك التطور الأساسي الانتقاء الطبيعي.
اقتباس:بالمناسبة: داروين كان يرى الأمور معكوسة.. ورغم أنّ كلامه لم يكن علميا، إلا إنّه كان أكثر منطقية!
هل أنتم ضد أم مع داروين.
وما معنى قولك كلام داروين ليس علمي ولكن أكثر منطقية؟
هل أصبح المنطق والعلم متضادان؟
صديقي يريحك الرجوع لداروين لأنه جزء قديم من حلقة طويلة من تطور العلم وليس لأنه أكثر منطقية أو أقل علمية.
ذلك كمن يريد أن ينقض علوم الفيزياء فيقول بأن كلام نيوتن أكثر منطقية من كلام أينشتاين لأنه يريد أن يعارض كل حجج نشوء الكون.
اقتباس:لماذا لا نعثر على بروسيسور في الطبيعة نشأ بالصدفة؟!
هذا ليس أكثر استحالة من كلّ صدف التطور!!!
راجع كلامي أعلاه ، أنا لم أقل لم نعثر على بروسيسر لم ينشأ بالصدفة.
بل بالعكس لقد وجدنا بروسيسر وبالنسبة لمراقب خارجي عن الإنسان فهو وجد بالصدفة ومن عوامل هذه الصدفة ولانتقاء الطبيعي هو الإنسان نفسه الذي نتج عن الصدفة.
لأفسر لك أكثر.
يرى المراقب الخارجي للأرض عين إنسان فماذا يستنتج ؟
أن هناك آليات معينة أدت لنشوء هذه العين المعقدة. ويمكن أن يدرس ظروف تشكلها فهي لم تتشكل من مواد وجدت جانب بعضها بل بتطور طويل الأمد.
لنفرض أن مراقب خارجي للأرض وجد بروسيسور وفهم عمله.
سيجد أن له ظروف أوجدته منها "الإنسان نفسه" وسيستنتج منها أن البروسيسور نتج بالصدفة من خلال عملية معقدة استمرت خلال مليارات السنين نتج عنها نشوء كائن مادي يسمى الإنسان جمع بنفسه المواد وقام بتركيب جهاز.
اقتباس:والحقيقة أني توقعت إجابتك وهي تنسف بذلك نصف حجج الخلقيين، فكيف حسبوا احتمالاتهم حول تشكل خليه أولية وهم لا يعرفون ظروفها وجميع الاحتمالات الممكنة ؟))
الإجابة لن تسرك!
أيّ عوامل لم يضيفوها ستزيد عند إضافتها من صعوبة حدوث الاحتمال ولن تقلله!.. أيّ أن نتائجهم هي أحسن الأحوال!!
غير صحيح هناك ظروف ستساعد على تقليل صعوبة الحدث، مثلاً عدم وجود الكربون بالهواء :)
أو عدم توفر نفس الشروط لتكون ثاني أوكسيد الكربون أو غيرها.
لكل عصر ظروفه المختلفة التي تغير من احتمالات معينة لتزيد من أخرى.
راجع موضوعي حول الشجرة:
كيف غيرت الشجرة وجه الأرض ...
اقتباس:لو حاولت أن تتخيّل كمّ الاحتمالات في هذا الظروف، بالإضافة إلى كمية المواد الأساسية المتوفرة، ووجود غازات معينة في الهواء، والأشعة الكونية و.... و.... و.....
من كلّ هذا ستجد حالات تكاد تكون لا نهائية من تباديل قيم هذه المتغيرات!
أنت تفترض أنّك تحتاج لكلّ شيء مثالي من هذه الظروف.. توفّر هذا هو معجزة!.. تذكّر مثالي عن تصنيع دائرة NAND!
أرجو أن يكون جهلي بالإحصاء قد أطربك!
أنا لن أتخيل أنا أدعوك لوضع الاحتمال الرياضي.
فإن كنت وجميع الخلقيين تجهلونه فكيف تقومون بحسابات حوله؟
فلا يوجد ما يقول نظرياً بعوامل معارضة وتزيد من الاحتمال أنت من تقوم بإضافة خطية لعوامل الاحتمال.
رياضياً هناك عوامل تزيد من احتمال نحو خط معين وتقلصه نحو آخر.
كما أنك تتجاهل الظروف التي تؤدي مثلاً بدرجة حرارة عالية لزيادة النشاط الكيكيائي بشكل كبير لزيادة عدد الحوادث.. فليس الزمن لوحده القيم هنا.
وأخيراً:
اقتباس:سنرى هذا الجهل المنعكس حالا!!
يا سيدي الفاضل: الإنزيم الذي ينسخ البروتين هو نفسه بروتين!!
يعني إذا نتج أوّل بروتين فإنّه لن ينسخ نفسه أبدا بمفرده.. إنّ هذا أشبه بمصنع لتشكيل الحديد والصلب.. حيث الماكينات نفسها مصنوعة من الحديد!!
قطعة حديد بمفردها لا تشكّل نسخا منها.. ولكنّها تحتاج لقطع أخرى تتركب في تصميم ميكانيكي يعمل بالطاقة ليبدأ في تشكيل الحديد!
كذلك البروتين.. إنّه يحتاج لمصنع خلوي جبار ليبدأ نسخ نفسه.. هذا المصنع اسمه الخلية.. هذه الخلية تتكوّن من بروتينات!
وتخيل أيضا: المشكلة لا تقف عند هذا.. يمكنك أن تحصل على بروتينات بل وخلايا كاملة لكنّها متوقفة عن العمل.. ميتة.. عديمة الجدوى!
إذن فنحن لا نحتاج لبروتين فقط..
ولا لإنزيمات فقط..
ولا لـ DNA فقط..
ولا لـ RNA فقط..
نحتاج كذلك للحياة، التي تجعل هذا المصنع الحيوي يبدأ العمل!
شرحت بأكثر من رد بأن الأنزيم ليس بالضرورة بروتين وأن الحياة بشكلها الأولي ليست بالضرورة بروتين. وأنت تصر وتعيد نفس الأسطوانة.
أنا بردي أعلاه الذي تعلق عليه لا أعلق على الاستنساخ فهذا مؤكد بتجارب علمية مخبرية تم البرهنة عليا.
أنا أقول بأنه أيضاً تم البرهنة بأنه يمكن للبروتين التحول زظيفياً والتطور بدون الحاجة لإعادة نفس الظروف لاختراع بروتين جديد.
تم ملاحظة ذلك مخبرياً وعلى الطبيعة من خلال كائنات حية.. ومن الغالب علمياً أن هذا ما حدث بأول تشكل الحيوات الأولى.
مع فائق تحياتي.
يمكنك الآن برأيي المضي للنقاط الأخرى حول الاعتراضات على الدراوينية. لأننا وصلنا لنقاط مسدودة ولكي لا نعيد نفس النقاش السابق.
كما أرحب بمتابعة النقاش حول النقطة السابقة إذا رغبت بذلك.
مع فائق احترامي لك.
(f)