ربما يفضل البعض ان يكون مكان هذا الموضوع هو ساحة الأديان و لكني و مع احترامي لكثير من الزملاء في تلك الساحة اجدها اقرب الى صراع و نكاية و حرب معلنة و مبطنة اكثر منه حوار, و كون الموضوع عن كتاب وجدت في هذه الساحة المكان الأفضل

المسيح السوري هو كتاب كتبه ابراهيم متري الرحباني باللغة الانكليزية بصفته واعظ و اب في الولايات المتحدة الامريكية و وجهه للشعب الامريكي والذي نقله عن الإنكليزية وحقّقه اسامة عجاج المهتار.
عنوان الكتاب يوحي أنه محاولة لإثبات هوية المسيح السورية ولكن هدفه في الحقيقة ليس كذلك. أعتقد أن هذا الكتاب مهم جدا لكل راغب في دراسة الإنجيل دراسة موضوعية بعيدة عن الحَرفية
يقصد المؤلف من هذا الكتاب أن يقدم للقارئ خلفية عامة لنصوص الأناجيل التي نبتت في البيئة الاجتماعية السورية. يجمع المسيح السوري بين عمق التحليل وسلاسة الأسلوب وبعد الرؤية. أما ترجمته فرشيقة ودقيقة حافظت على ما نجده في النص الأصلي من عمق وانسياب.
و انا اعجبت بالكتاب و بترجمته و هو يتحدث عن الخلفية السورية لكلام الانجيل و امثال المسيح و ذكرني بامور كثيرة اثناء طفولتي علقت في خبايه القلب قبل العقل و اشعرني بانسانية المسيح و تواتر العادات منذ زمنه حتى زمن قريب ما زال عبقه موجودا في بعض القرى السورية والتي عايشتها في قريتي في الجنوب اللبنانى رغم الم الحرب


المؤلف ابراهيم متري الرحباني هو من اللبنانيين و قد عاصر أدباء مثل نعيمة و جبران... و لكن لاسباب مريبة تم طمس اعماله و لم ينشهر جدا.... بعض الاسباب هي معاداته للحكم العثماني مما حرم كتبه في سوريا... و قد عادى الفرنسيين ايضا مما سبب اضطهاد كتبه في الخارج ايضا و بعد رحيل العثمانيين


بنظر الرحباني ان الشعب الامريكي قد اساء فهم رسالة المسيح. الرحباني في وصفة للمسيح انه سوري لا يعني ان المسيح للسوريين فقط او ان رسالة المسيح لشعب سوريا فقط.... بل يذكر الشعب الامريكي من اين جاءت المسيحية. فيشرح مثلا عن لغة الخطاب الشرقية و اللعنات الشرقية,,, عن الضيافة الشرقية .. عن معاملة المراة في الشرق... عن الافراح و الاحزان... عن الاعياد... و كلها يقارنها من كلام انجيلي من العهدين القديم و الجديد.. حتى يشرح بعض النصوص الغامضة للغربيين... و كيف انها ليس بالشيء الغريب عن المجتمع السوري الذي عاش فيه يسوع و مازالت قائمة حتى الان

و اترك المترجم اسامة عجاج المهتار في ترجمة لاحدة محاضراته عن الكتاب

سيداتي وسادتي،
أودّ البدء بتقديم الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الأمسية: إلى وزارة الثقافة السورية، والسفارة الكندية في دمشق، ومكتبة الأسد الوطنية وإلى الصديقة العزيزة سمر حداد، صاحبة دار أطلس للنشر والتوزيع. شكراً لكم جميعاً.
كما أوّد أن أغتنم هذه الفرصة لأحيّي الأصدقاء الكثر الذين تعرفت إليهم خلال جولتيّ الأخيرتين لإلقاء المحاضرات عن كتاب المسيح السوري في الجمهورية العربية السورية؛ لقد غمرتموني بكرمكم وجعلتموني أشعر أنني في بيتي. كلي شوق لأن نلتقي سوية، وآمل أن يتم ذلك في أقرب فرصة ممكنة.

لماذا نعيد نشر "المسيح السوري" ولماذا الآن؟
لقد شُغفت بكتاب "المسيح السوري" وكنت ما أزل طالباً في جامعة أوتوا عام 1982؛ وأذكر أنني قرأته في جلسة واحدة، حيث فرغت من قراءته حوالي الساعة الرابعة صباحاً؛ ثم جلست لفترة طويلة بعد ذلك غارقًا في لجّة من مشاعر العذوبة والحب والتأثر التي سكبها رحباني من روحه في كلماته الحيّة.
هذا الكتاب، أعاد لي ذكريات جميلة تعود إلى عطلنا الصيفية أيام الطفولة، في قرية أمي الصغيرة في جبل لبنان، حيث عشت لفترة قصيرة نمط الحياة في القرية قبل دخول خدمات الماء والكهرباء إليها. في كتابه، أعادني رحباني إلى تلك الحياة وكأنه يعرضها أمامي في شريط مصوّر. ولكن الأهم من ذلك قوله أن هذه البيئة هي نفسها التي عاش فيها يسوع الناصري قبل ألفي عام. وبذلك كان يسلط ضوءاً كبيراً على الأسس التي قام عليها الكثير من تقاليدنا الحياتية مثل "قدسية الخبز" أو "حرمة العيش" وحرمة "الخبز والملح" و "طاعة الوالدين" وهلمّ جرا. لقد قام رحباني بتفسير بعض الحكم والأمثال الدارجة حالياً، مبيّناً كيف استخدمت هذه الكلمات نفسها في عهد إبراهيم في بلاد ما بين النهرين "بلاد الرافدين"، وفي عهد المسيح في القدس.
وبوصفي طالباً في قسم الصحافة والاتصالات العامة، اعجني جدًا تحليله المقارن للاختلافات الاجتماعية والنفسية والتواصلية بين السوريين والأميركيين. كما دهشت لمدى نفاذ بصيرته حين قال إن التواصل الثقافي لا يمكن أن يتأتي إلا عبر "تعايش فعلي، مديد وودي، مع شعب أجنبي"، لقد كان هذا فتحًا فكريُا سابقاً لعصره.
في ذلك الصباح الباكر من عام 1982 تزاحمت الأسئلة في ذهني تطلب الإجابات: من تراه كان إبراهيم متري رحباني؟ بخلاف النسخة التي نشرناها، فإن الكتاب الأصلي خلا من أية إشارة تخصّ السيرة الذاتية للمؤلف... كيف أمكن لكتاب حظي بهذه الشهرة، وأعيدت طباعته سبع عشرة مرة خلال 21 عاماً، أن يدفن تحت طبقات الإهمال لزمن طويل كهذا؟ في ذلك الصباح الباكر نفسه أخذت على نفسي عهدًا أن أترجم "المسيح السوري" إلى العربية، وبعد تسعة عشر عاماً وفيت بعهدي.
إذن، كان هنالك عدة أسباب جعلتني أترجم الكتاب؛ أولها إبراز خصائص حضارية لنمط حياة في طريقه إلى الزوال، وثانيها إحياء كاتب سوري شهير، وإلقاء الضوء على مأثرته الأدبية. وثالثها تقديم تحليل مقارن لأنماط التواصل بين الشرق والغرب. لكن السبب الأهم، والذي سأكرّس له بقية كلامي الليلة، يكمن في تعبيرين متلازمين وردا في الكتاب، الأول: "لهذا فقبل أن نتمكن من فهم المعلم بصفته المسيح الكوني، علينا أن نعرفه كالمسيح السوريً أولاً"؛ والثاني: يتجلى في دعوة رحباني: "لنجعل الإيمان الديني أكثر تحرراً وذكاءً".
ارتقت أهمية هذين التعبيرين في ذهني بصورة أكبر، إثر أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 المأساوية وما نجم عنها. إذ ذاك قررت أنه لابد من إعادة طباعة النسخة الأصل – الإنجليزية، وتقديمها من جديد للجمهور الذي كتبت من أجله في الأساس، أي الجمهور الغربي.
في التعبير الأول ينبغي أن نلاحظ أن رحباني لا يسعى إلى رسم المسيح بوصفه بطلاً سورياً، فهو يقول عن المسيح، في الأسطر الاستهلالية للقسم الأول، إنه "روح الله المتجسدة، ويمكن اعتباره، إذا صحّ التعبير "رجلاً بلا وطن". ويضيف: "أياً كانت شخصية يسوع، فهو، من حيث أنماط تفكيره وحياته وأسلوب تعليمه، سورياً وابناً للسوريين". لماذا؟ "لأن يسوع لم يعرف بلداً آخر سوى فلسطين" يجيب رحباني. "ففيها ولد وترعرع وأصبح رجلاً، وفيها كرز ببشارته وقضى في سبيلها". ثم يضيف: "إنه لمن الطبيعي جداً، أن تصل حقائق البشارة إلى الأجيال المتعاقبة - وإلى أمم الغرب - مقولبة بقوالب فكرية شرقية، ومتداخلة مع العادات البسيطة المحلية والاجتماعية في سورية. إن ذهب البشارة ليحمل معه من رمال بيتها الأصلي وغباره الشيء الكثير".
ننتقل إلى العبارة الثانية: "لنجعل الإيمان الديني أكثر تحرراً وذكاءً". ولكن دعوني في البدء أشير إلى أن رحباني كان على اطلاع وثيق بنزعتين دينيتين سادتا كنائس أميركا في زمنه، الأولى كانت نزعة حرفية جامدة ومحافظة، أما الثانية فكانت ليبرالية ومنفتحة ومعاصرة. وقد ختم كتابه "المسيح السوري" بهذه الكلمات القوية، موضحاً خياره وولاءه، حيث يقول:
وبشارة المسيح تنتصر على النظريات في المسيح، والكمال الروحي النابع من التشبّه بالمسيح يدفع أمامه جميع النظريات عن الخلاص السحري. إن عقيدة اللاهوتيين تتضمن العديد من القوانين، أما عقيدة المسيح فتوصي باثنتين: "أحبب الرب إلهك من كل قلبك، وأحبب قريبك كنفسك". إني أفضل عقيدة المسيح.
لسوء الحظ، أتجرأ على القول، إن رحباني لم يكن على صواب، فتصوره المفعم بالرغبات والتفاؤل لم يصبح حقيقة واقعة. ومن يراقب مبشّري الأحد على شاشة التلفزيون في أميركا الشمالية غالباً ما يرى تسويقًا "للخلاص السحري" ولِكَمٍ هائلٍ من "القوانين" المطلوب الخضوع لها. أما أكثر ما يبعث على القلق فهو التأويل القسري- المتعمد، والمفصول عن سياق النصوص الإنجيلية، الذي يهدف إلى تقديم برنامج سياسي يهدف إلى تعزيز روح العداء والضغينة.
دعونا لدقيقة واحدة، نتحدث عن التفسير. يُعتبر ايّ نص أدبي مفتوحاً على تأويلات عديدة. فالدين، في رأيي، هو تفسير المرء لنصوص يعتبرها مقدسة، ومن ثم تقيده بالأحكام المنبثقة عن تلك التفسيرات. والمؤمنون ينظرون إلى نص يعتبرونه مقدسًا على أنه معطى من الله. وبغض النظر عن المسلّمات التي يتمسك بها المؤمن، أي مؤمن، فإن النصوص الدينية ليست في منجى من التفسيرات المختلفة. شاهِدُنا على ذلك تعدد الطوائف داخل الجماعة الدينية الواحدة. عن هذه التفسيرات يتمخض جملة من قواعد السلوك الأدبي والأخلاقي للحياة على الأرض، ومنظومة من المعتقدات ذات الصلة بالآخرة أو الماوراء. ويعتقد معظم الناس أن قدر المرء في الآخرة مرهون بمدى تقيده بالأحكام حسب ما فسرتها سلطاته الدينية.
يقول رحباني: "بوصفه قطعة أدبية، يعتبر الكتاب المقدس في العالم الغربي مادة مستوردة". ولأن الأمر كذلك، فإنه مفتوح على تفسيرات متعددة تنطلق من البنية الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع. في الوقت نفسه يشتمل العهد القديم على تاريخ سورية، من بلاد الرافدين إلى فلسطين، من زاوية النظر المنحازة للإسرائيليين لبضع آلاف سنة خلت. فالكتاب، والحالة هذه، يأتي على أحكام ونبوءات ولعنات: الأحكام تهدف إلى ضبط حياتهم، والنبوءات تستشرف مستقبلهم، واللعنات تنصب على أعدائهم، إلى أن يغدو أعداء إسرائيل بمثابة أعداء الله.
من هنا بالتحديد تصبح دعوة رحباني لجعل الإيمان الديني "أكثر تحرراً وذكاءً" حاجة ماسة. فإذا تعاملنا مع هذه الأحكام والنبوءات واللعنات بحرفيتها، دون الإحاطة بسياقها التاريخي، وأنماط الكلام لدى السوريين، نفسح المجال لتفسيرها على أنها دعوة إلى الحرب وتسويغ أخلاقي للإبادة الجماعية.
دعونا نقرأ بروية سفر التثنية، الإصحاح السابع /1-3/.
"متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك، الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين بسبع شعوب أكثر وأعظم منك. ودفعهم الرب إلهك وضربتهم فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم. ولا تصاهرهم. بنتك لا تعطي لابنه وبنته لا تأخذ لابنك".
ويرد في الإصحاح نفسه /21-24/.
"لا ترهب وجوههم لأن الرب إلهك في وسطك إله عظيم ومخوف. ولكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلاً قليلاً. لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لألاّ تكثر عليك وحوش البرية. ويدفعهم الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطراباً عظيماً حتى يفنوا. ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحو اسمهم من تحت السماء. لا يقف إنسان في وجهك حتى تفنيهم".
إن ما يسمى "الترجمة الجديدة الحية" للكتاب المقدس الذي استقينا منه هذه الآيات تدرجهم تحت عنوان: "امتياز القداسة". وكثيرون يعتبرون هذه النصوص قضاء تاماً لوعد الله المتعلق بـ "إعادة" إسرائيل- نظراً لقداستها - إلى ما يدعى "أرض الوعد". والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو: هل بوسعنا نحن أن نتحمل النتائج المنبثقة عن تصورً من هذا القبيل، وما هو ثمن ذلك؟
ثمة مثال آخر يورده رحباني من سفر أشعيا من الإصحاح التاسع والأربعين /22-23/ حيث نقرأ عن آمال بني إسرائيل في استعادة وضعهم السابق:
"هكذا قال السيد الرب ها إني أرفع إلى الأمم يدي وإلى الشعوب أقيم رايتي. فيأتون بأولادكِ في الأحضان وبناتكِ على الأكتاف يُحملن. ويكون الملوك حاضنيكِ وسيداتهم مرضعاتك. بالوجوه إلى الأرض يسجدون لكِ ويلحسون غبار رجليكِ".
يعزو بعض المعلقين هذا الوصف إلى الحالة الراهنة لإسرائيل باعتبارها تحقيقاً لوعد الله المقطوع في هذه الآية، لكن رحباني يخالف هذا الرأي؛ فلقد وصف هذه اللغة بأنها "لغة المجد الأرضي والنظرة الضيقة إلى أصل وقدر عنصريين جاء العهد الجديد ليحرر البشرية منهما، وليدعو إلى نظرة إنسانية أشمل".
إن العهد القديم يعج بعبارات كهذه، وقد سعى رحباني، عند كتابة "المسيح السوري"، إلى وضعها في سياقها اللغوي والثقافي والتاريخي. ففي زمن رحباني نفسه استخدمت الحركة الصهيونية مصطلحات من مثل "أرض الوعد" لمنح اليهود "حقاً شرعياً" في أرض فلسطين؛ وكذلك مصطلح "الشعب المختار" الذي حُمِّل دلالة عنصرية حصرية. والجمع بين هذين المصطلحين يؤدي إلى نتيجة مفادها أن فلسطين ينبغي أن تكون الوطن الشرعي والحصري ليهود اليوم مهما كان الثمن.
في عام 1918 كرس رحباني فصلاً كاملاً من كتابه "أميركا: أنقذي الشرق الأدنى" للقضية الصهيونية. وبرؤية مسيحية متنورة، فنّد جميع الحجج الدينية التي دفع بها القادة الصهاينة. كما فعل الشيء نفسه في العام 1923 حيث كرس فصلاً آخراً من كتابه "حكماء من الشرق ومن الغرب" وقد تنبأ فعلاً بالمآسي المروّعة وسفك الدماء التي ستنجم عن فرض تأويل معين لنص توراتي كتب قبل آلاف السنين، على الواقع الراهن واستغلاله. هذا الاستغلال ما يزال مستمراً حتى وقتنا الحالي.

سيداتي وسادتي،
إذا سلمنا جدلاً بأن الدين، في بعض وجوهه، تفسير لنص مقدس ومن ثم التقيد بأحكام هذا التفسير؛ وإذا سلمنا بأن النص، أي نص، مفتوح على أكثر من تأويل؛ وإذا سلمنا بأن بعض النصوص التوراتية تنطوي على دعوات مفتوحة لإبادتنا كشعب؛ وإذا سلمنا بأن دعوات الإبادة ضدنا هذه تجد من يسوغها حالياً؛ وإذا سلمنا بأنها غدت، على بطلانها، ركناً أساسياً لقيم أخلاقية ولإيمان ديني يقتضي التقيد الأعمى بما يعتبره البعض في الأمة الأكثر نفوذاً على وجه الأرض جزءاً من الواجبات والأحكام الملزمة لهم؛ إذا كان الأمر كذلك، ونحن نراه كذلك، ألا ينبغي علينا أن نحشد قوانا بكاملها، خصوصاً رجال ديننا الموقرين، كي نقول للعالم أجمع، على غرار رحباني، "والآن هاأنذا أريكم طريقً افضلاً".
ألا ينبغي علينا، كمجتمع، وخصوصاً كمؤسسات دينية من جميع الطوائف، أن نبادر إلى صوغ تفسيراتنا الخاصة، وطرحها، والدفاع عنها؛ وأن نسعى جاهدين إلى رفد العالم برسالة محبة تفوق سواها مما أوردته في النصوص أعلاه؟ في رأيي، ينبغي ان تؤَسس هذه التفسيرات على فهم المسيح السوري تمهيدًا لفهم المسيح العالمي؛ أن تؤَسس على تعاليم المحبة الشاملة للكون بأسره، التي دعا لها يسوع الناصري، لا على تعاليم التمييز العنصري والكراهية والتدمير والإبادة الجماعية.
إن تفسيراً كهذا لابد أن يستند إلى إيمان ديني "أكثر تحرراً وذكاءً".

لكم جزيل شكري.

اقتباس: ينبغي ان تؤَسس هذه التفسيرات على فهم المسيح السوري تمهيدًا لفهم المسيح العالمي؛ أن تؤَسس على تعاليم المحبة الشاملة للكون بأسره، التي دعا لها يسوع الناصري، لا على تعاليم التمييز العنصري والكراهية والتدمير والإبادة الجماعية.
إن تفسيراً كهذا لابد أن يستند إلى إيمان ديني "أكثر تحرراً وذكاءً".

الجميع يريد مسيح على مقاسه بل كل واحد يريد أن يصير مسيح فيصيبه من المجد ما قد تغدق به الأزمنة. المسيح رجل عبراني يهودي عاش حياته بأكملها كأي يهودي يتعبد في المعبد و يصلي و يصوم و أقرب فرقة له في التعليم كانت جماعة الأسينيين في قمران لا أي جماعة سورية، اللهم إلا إذا كنا نتحدث عن التراث السوري و الذي في مقدمته فلسطين حيث نشأ هذا الرجل.

قد يحلو للبعض أن يجعلوه مسيح سوري و في الوقت نفسه و دون أن يشعروا يجلعوه وليد الثقافة السريانية فيصبح مسيح السريان فقط عوضا عن المحور الذي رأى المسيح نفسه فيه و هو "مسيح الكون".

عزيزي ابراهيم

يبدو انك لم تلاحظ اني في البداية اوضحت ان عنوان الكتاب يوحي أنه محاولة لإثبات هوية المسيح السورية ولكن هدفه في الحقيقة ليس كذلك. أعتقد أن هذا الكتاب مهم جدا لكل راغب في دراسة الإنجيل دراسة موضوعية بعيدة عن الحَرفية.

اما عني و مع احترامي للجميع لست ملزما باعتبار المسيح نبيا كما يعتبره المحمديين او اله كما يعتبره المسيحيين, بل اعتبره و من وجهة نظري و قبل ان يكون أي شيء مما سلف ثائر اممي و صاحب مشروع و فكر تغيري ليس بعيدا عن غيفارا او محمد مثلا ,و ان كنت افضل الثورات الممهورة بالدم, و ربما هذا عائد الى ثقافة الحرب التي عشتها في لبنان. و لا اخفيك القول ان من اجمل مقاطع الانجيل بالنسبة لي هو عندما يسرد طرد المرابيين و البائعين من الهيكل.

اعود للكتاب الذي لم يمر به أي ذكر لطائفة المسيح التي حتى لو كانت يهودية فهو قد عاش و تربه في تربة سورية و لفهمه اكثر و فهم تصرفاته وردات فعله و معنى كلامه علينا فهم بيئته و محيطه. و ليس من احد يستطيع احتكار انسانية المسيح.
و لأوضح فكرتي اعطيك مثل قول المسيح لأمه ( مالي و لك يامرأة ) كم فيها من العقوق و خاصة عندما تصدر عن شخص كالمسيح, و لكن ربما في حال فهم الطبيعة و البيئة السورية قد نجد لها تفسير فمثلا قولي للغالية امي و باللهجة العامية (خلص شو بدك في هلاء يا عمي ) فهي ليست عمي ولست في وارد ان أتبرى منها و ربما كانت في وارد دعوتي لما هو خير لي للأكل او الاستحمام او اخد قسط من الراحة خلال الدراسة او العمل, اكرر ان هذا مثلا او محاولة تقريب لا تدعي ابدا انها اصابت المعنى.

عزيزي ابراهيم
احد لن يحتكر المسيح و لكن احد لن يستطيع ان يلغي التصاق كلامه و تصرفه بالبيئة السورية التي عاشها و لفهم العالمية في رسالة ثائر كالمسيح علينا و بدون شك ان نفهم بيئة ومحيط نشوء هذه الرسالة.

و للحديث بقية

اقتباس:بل اعتبره و من وجهة نظري و قبل ان يكون أي شيء مما سلف ثائر اممي و صاحب مشروع

ممكن أعرف المصدر التاريخي الذي بنيت عليه كلامك بأنه "أممي" أو Goy? سنتكلم واحدة واحدة. جميع المصادر المتاحة لنا تقول إنه كان رجل يهودي يتعبد كبقية اليهود و تم اختتانه و خضوعه للطقوس اليهودية.. أننكر عليه تراثه و حضارته؟

اقتباس: و لا اخفيك القول ان من اجمل مقاطع الانجيل بالنسبة لي هو عندما يسرد طرد المرابيين و البائعين من الهيكل.

جميل. هذا رجل يهودي يبدأ ثورة الإصلاح في مجتمعه اليهودي و يبدأ من الداخل. لو لم يكن منهم لكان في تلك اللحظة أكل علقة ما كلهاش حمار في مطلع! كانوا عجنوه و طحنوه طحن. هم رأوا واحد منهم و عنده غير على "بيت الرب" و تجاوبوا مع رسالته بحسب القدر الذي سمحت به أنفسهم. هنا هذا الرجل المصلح يبدأ الإصلاح اليهودي في مجتمعه و لم يعرف أحد شيء اسمه المسيحية إلا لاحقا جدا.. هذا مصطلح تم اختراعه بشكل متأخر جدا بعد أن طردوهم من مجامعهم و اعتبروهم هرطقة جديدة. بقراءة دقيقة للتاريخ نعرف التسلسل بشكل منتظم.

العزيز ابراهيم

الذي أعهده دائما هادئ و متأن في قر ائته و تعليقاته في هذا المنتدى , شعرت من خلال مشاركتك بهذا الموضوع انك تأخذه بحدة و سرعة في نفس الوقت.

لقد ذكرت في بداية الموضوع و اعدتها في مداخلتي و اعيدها الان ان عنوان الكتاب قد يوحي أنه محاولة لإثبات هوية المسيح السورية ولكن هدفه في الحقيقة ليس كذلك و اضفت اني لست في وارد تحديد طائفة المسيح و ليس هذا موضوعي و ليس هدف الكتاب ايضا. و لكن و من خلال الكريمين ربما لم تنتبه لهذه الجملة

في ما خص اممية ثورة المسيح, فأنت اكدت في ردك على ثورته بقولك
(((جميل. هذا رجل يهودي يبدأ ثورة الإصلاح في مجتمعه اليهودي و يبدأ من الداخل)))

اما اذا كنت تقول ان المسيح قام بثورته فقط لاصلاح الطائفة اليهودية, فأنت تبخس الرجل حقه و بعيدا عن نبوته او أولوهيته و اذا نضرنا الى نتيجة حركته في الواقع لوجدنها تحمل الكثير من العالمية او الأممية.

عزيز ابراهيم
عهدي بك تقبلك لكتب النقد الديني دائما و انفتاحك على هذا النقد و اتمنى ان يكون هذا الانفتاح معمما على كل الاديان و ليس محصورا فقط بالدين المحمدي, و خاصة ان الكتاب لا يصنف من كتب النقد الديني .

اخيرا أشركك على اهتمامك و مشاركتك في هذا الموضوع و أؤكد لك استعدادي التام لسحب الموضوع كليا اذا كان يسبب لك أي نوع من الحساسية

كامل محبتي

عزيزي Relative:

أولا شكرا جزيلا لك على الرد و أعتذر بشدة لك عما ظهر كأنه حدة و ربما كنت فلك خالص أسفي. ربما يشفع لي أني مريض هذه الأيام حيث هذا موسم الحساسية و حبوب اللقاح قد أعمتنا بصرا و بصيرة و بالأمس كان عندي حمى. أشكر تفهمك. ثانيا، لن أخفيك سرا: أنا أحتد عندما أرى من هو من أبناء الشرق و يسقط عن المسيح يهوديته. المسيح ببساطة رجل يهودي و لابد من ترسيخ ذلك جيدا قبل أن نتناقش في أي شيء. لم يكن سوري.. لم يكن قبطي. . لم يكن ماروني.. لم يكن من أبناء طائفة الروم الأرثوذكس.. لم يكن عرباوي.. لم يكن إلا رجل فلسطيني يهودي فقط. كان فلسطيني كأي فلسطيني و يتدين بالديانة اليهودية كأي يهودي في ذلك الزمان. فإذا يا صاحبي لم نتفق في هذا الأمر من البداية كبدهية أولية أساسية، فمن الصعب بناء أي فرضيات أخرى تتبع ذلك.

اقتباس:اما اذا كنت تقول ان المسيح قام بثورته فقط لاصلاح الطائفة اليهودية, فأنت تبخس الرجل حقه و بعيدا عن نبوته او أولوهيته و اذا نضرنا الى نتيجة حركته في الواقع لوجدنها تحمل الكثير من العالمية او الأممية.

صديقي، ألوهيته لا تهمني في شيء بالمرة من ناحية الحساب التاريخي و التحقق من كينونته التاريخية. هذا أمر إيماني لا يدخل في حساب التاريخ. إنعكاسات ثورته في المجتمع اليهودي أمر واضح و لكن كان الأقربون عنده أولى بالمعروف و بالأقربين يبدأ المسيح مسيرته و تصل بعدها لمستوى العالمية و تأخذ مناحي و تعريفات أشكال و ألوان. نعم هناك عالمية أتت فيما بعد، و لكن الفضل فيها يرجع إلى قنسطين و لولاه لما اشتهرت المسيحية. هنا صار الناس على دين ملوكهم و صار الجميع يتبع المسيحية لأنها ديانة الملك. هذا هو البعد التاريخي للإنتشار.

اقتباس:عهدي بك تقبلك لكتب النقد الديني دائما و انفتاحك على هذا النقد و اتمنى ان يكون هذا الانفتاح معمما على كل الاديان و ليس محصورا فقط بالدين المحمدي, و خاصة ان الكتاب لا يصنف من كتب النقد الديني .

اليهودية أو المسيحية أو المحمدية هي عقائد و في النقد الديني يتم التعامل معها كـ "نصوص" ذات "مصادر" في إطار التاريخ. المشرط واحد و يسير على الكل عند الجراحة. أي عمل كتابة يا صديقي يجب أن يخضع لآلية النقد الأدبي. مادمنا ارتضينا أن نكتب عمل فلنا أن نسمح بإطلاقه للنقاد ليقولوا ما يرونه فيظهرون لنا المحاسن و العيوب و يفصصون النص تفصيصا.

اقتباس:اخيرا أشركك على اهتمامك و مشاركتك في هذا الموضوع و أؤكد لك استعدادي التام لسحب الموضوع كليا اذا كان يسبب لك أي نوع من الحساسية

أعتذر لك إذا جعلتك تشعر هكذا.. لا حساسية بالمرة. بل أنا سعيد بأنك تعطيني شرف التفاعل و التحاور معك. أعتذر بشدة إذا قلت أي شيء و كان جارح أو غير لائق. مع كل محبة،

في المسيح ربنا أخيك:

إبراهيم عرفات

عزيزي إبراهيم

قبل كل شىء و كما تقولون في مصر (( الف لا بأس عليك)) و سلامت البك ((قلبك)) كما نقول عندنا

ثانيا لداعي ابدا للاعتذار خصوصا عدم حصول أي شىء يستعدي ذلك

اقتباس:  إبراهيم   كتب/كتبت  
 
.. لم يكن إلا رجل فلسطيني يهودي فقط. كان فلسطيني كأي فلسطيني و يتدين بالديانة اليهودية كأي يهودي في ذلك الزمان.  

إبراهيم عرفات

هذا بالظبت ما يحاول الكتاب ان يتطرق له (فلسطينية المسيح) هذا هو بيت القصيد, لا اريد ا ابدو مدافعا عن الكتاب و ليس هذا مقصدي و لكن الوصف البيئي اذا جاز التعبير لحركة المسيح و وصف المجتمع الزراعي الذي لم يتغير بشكل جذري حتى عهد قريب ,و انتمائي الى الارض التي حضنت هذا الرجل ( و هذا شرف ليس لي فضل بحصوله طبعا). و لكن هذه الامور قربت المسيح مني اصبحت ربما افهمه اكثر و افهم نتيجة حركته في واقعه و اسقاطها على واقعي, و هذا ما جعلني اشعر بنقاوة اكثر في محبتي لهذا الرجل.

اقتباس:إنعكاسات ثورته في المجتمع اليهودي أمر واضح و لكن كان الأقربون عنده أولى بالمعروف و بالأقربين يبدأ المسيح مسيرته و تصل بعدها لمستوى العالمية و تأخذ مناحي و تعريفات أشكال و ألوان. نعم هناك عالمية أتت فيما بعد، و لكن الفضل فيها يرجع إلى قنسطين و لولاه لما اشتهرت المسيحية. هنا صار الناس على دين ملوكهم و صار الجميع يتبع المسيحية لأنها ديانة الملك. هذا هو البعد التاريخي للإنتشار.
.

من الطبيعي ان تبدأ أي حركة ثورية بتغير الواقع القريب و الانطلاق لتغير اشمل و المسيح الذي لم يتخطى محيطه بشكل عام اطلق ثورة او رسالة عمت العالم. ولكن المسيح في نفس الوقت وعلى اعتبار انه يهودي كان قد خرج من حزام هذه الطائفة لي يتعامل مع مختلف اطياف مجتمعه, ولست هنا في صدد تأكيد فضل أي شخص في عالمية هذه الرسالة و ما اريد قوله ان جهوزية هذه الرسالة للعالمية هو السبب الرئيسي لانتشارها, و حتى المحمديين يتكئون على هذه الرسالة و يعتبرون ان النبي محمد جاء متمما لرسالة المسيح.

لم اكن ارغب في الرد, اذ لا اريد تحميلك مشقة القراءة او الرد و انت في حال المرض التي اتمنى تخرج منها باسرع وقت و اتم العافية, و لهذا ارجوك صادقا ان لا تتكلف مشقة الرد او حتى تحية حتى تشعر بتحسن كامل و عافية تامة.

كامل محبتي

اقتباس:هذا بالظبت ما يحاول الكتاب ان يتطرق له (فلسطينية المسيح) هذا هو بيت القصيد, لا اريد ا ابدو مدافعا عن الكتاب و ليس هذا مقصدي و لكن الوصف البيئي اذا جاز التعبير لحركة المسيح و وصف المجتمع الزراعي الذي لم يتغير بشكل جذري حتى عهد قريب ,و انتمائي الى الارض التي حضنت هذا الرجل ( و هذا شرف ليس لي فضل بحصوله طبعا). و لكن هذه الامور قربت المسيح مني اصبحت ربما افهمه اكثر و افهم نتيجة حركته في واقعه و اسقاطها على واقعي, و هذا ما جعلني اشعر بنقاوة اكثر في محبتي لهذا الرجل.

يا أخ Relative:

أشكر لك أمنياتك الطيبة لي بالشفاء. اليوم شعرت و كأني أجتاز قمة و الفضل في ذلك يعود لتحسن الجو.. الجو يلعب لعبته معي و لكن ماذا نعمل؟! هيك حال الدنيا.
لو أنت فلسطيني فأهلا و سهلا. أحب في الفلسطينين خفة الدم و خاصة لما أسمع عبارات مثل: يحرق عرضه يا زلمة :lol2: أو يلعن ربك :lol2: و أحب اللهجة الفلسطينية خاصة عندما تكون فيها عبارات مثل: الشاب هاظاك. لا أحب المدللين و لا المرفهين.

بالنسبة لمسألة المسيح ستجد هناك تيارين متطرفين: تيار صهيوني يجعل المسيح صهيوني متناسين أن الأرض التي ولد فيها المسيح في ذاك الوقت لم يكن أبدا اسمها "اسرائيل" و لا "إسراطين" كما يقول القذافي :10: و لكن جميع البحاثة و الأركيولوجيين الغربيين يعرفونها بإسم: فلسطين المسيح.

التيار الثاني المتطرف هو تيار القومجيين السوريين و الذين يريدون "لطش" التاريخ لصالحهم حتى إن أبو الهول طلع سوري و أنا مش دريان. هذا مرفوض. هذا منتشر عند طائفة السريان. الأقباط مثلا يجعلون من المسيح رجل قبطي فمه صغير صغنطوط بالكاد تنفرج شفتيه عن ابتسامة صفراء عكرة و يميل للحزن و الكآبة، شكله يغُم، الله يسد نفسه! يظهر كثيرا و كأنه إمرأة بلحية.. مخنث جداً! كما ترى كل واحد يصنع المسيح على مزاجه.. لكن من هو المسيح الحقيقي؟ المسيح الحقيقي يأتي عندما تقرأ الأناجيل بشكل عادي و دون رغبة مسبقة في صناعته بشكل ما ليوافق المزاج و الهوى و الإقرار الكامل ببشريته في المقام الأول.

شكرا لك على فرصة الحوار و أتمنى لك أسبوع جميل.:wr: