لا أحد يستطيع أبدا أن يتطلع، عن قصد أو عن غير قصد، إلى بلوغ ما هو أسمى من ذلك الهدف، إنه هدف يتعدى الطاقة البشرية، ألا وهو: ـ تقويض الخرافات التي تجعل حجابا بين الخالق والمخلوق، وإعادة صلة القرب المتبادل بين العبد وربه، ورد الاعتبار إلى النظرة العقلية لمقام الألوهية المقدس، وسط عالم فوضى الآلهة المشوهة التي اختلقتها أيدي ملة الإشراك.

لا يمكن لإنسان أن يقدم على مشروع يتعدى حدود قوى البشر بأضعف الوسائل، وهو لا يعتمد في تصور مشروعه وإنجازه، إلا على نفسه ورجال لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، يعيشون في منكب من الصحراء. ما أنجز أحد أبدا في هذا العالم ثورة عارمة دائبة، في مدة قياسية كهذه، إذ لم يمض قرنان بعد البعثة حتى أخضع الإسلام، بقوته ودعوته، أقاليم جزيرة العرب الثلاثة، وفتح بعقيدة التوحيد بلاد فارس، وخراسان، وما وراء النهر، والهند الغربية، وأراضي الحبشة، والشام، ومصر، وشمال القارة الأفريقية، ومجموعة من جزر البحر المتوسط، وشبه الجزيرة الإيبيرية، وطرفا من فرنسا القديمة.

فإذا كان سمو المقصد، وضعف الوسائل، ضخامة النتائج، هي السمات الثلاث لعبقرية الرجال، فمن ذا الذي يتجاسر أن يقارن محمدا بأي عظيم من عظماء التاريخ؟

ذلك أن أكثر هؤلاء لم ينجح إلا في تحريك العساكر، أو تبديل القوانين، أو تغيير الممالك؛ وإذا كانوا قد أسسوا شيئا، فلا تذكر لهم سوى صنائع ذات قوة مادية، تتهاوى غالبا قبل أن يموتوا.

أما هو فقد استنفر الجيوش، وجدد الشرائع، وزعزع الدول والشعوب، وحرك ملايين البشر فوق ثلث المعمورة، وزلزل الصوامع والبيع والأرباب والملل والنحل والنظريات والعقائد، وهز الأرواح.

واعتمد على كتاب صار كل حرف منه دستورا، وأسس دولة القيم الروحية فشملت شعوبا من كل الألسنة والألوان، وكتب في قلوب أهلها ـ بحروف لا تقبل الاندثار ـ كراهية عبادة الأصنام المصطنعة، ومحبة الإنابة إلى الواحد الأحد المنزه عن التجسيم.

ثم دفع حماسة أبناء ملته لأخذ الثأر من العابثين بالدين السماوي، فكان فتح ثلث المعمورة على عقيدة التوحيد انتصارا معجزا، ولكنه ليس في الحقيقة معجزة لإنسان، وإنما هو معجزة انتصار العقل.

كلمة التوحيد التي صدع بها ـ أمام معتقدي نظم سلالات الأرباب الأسطورية ـ، كانت شعلتها حينما تنطلق من شفتيه تلهب معابد الأوثان البالية، وتضيء الأنوار على ثلث العالم. وإن سيرة حياته، وتأملاته الفكرية، وجرأته البطولية على تسفيه عبادة آلهة قومه، وشجاعته على مواجهة شرور المشركين، وصبره على آذاهم طوال خمس عشرة سنة في مكة، وتقبله لدور الخارج عن نظام الملأ، واستعداده لمواجهة مصير الضحية بين عشيرته، وهجرته، وعمله الدؤوب على تبليغ رسالته، وجهاده مع عدم تكافؤ القوى مع عدوه، ويقينه بالنصر النهائي، وثباته الخارق للعادة عند المصائب، وحلمه عندما تكون له الغلبة، والتزامه بالقيم الروحية، وعزوفه التام عن الملك، وابتهالاته التي لا تنقطع، ومناجاته لربه، ثم موته، وانتصاره وهو في قبره، ـ إن كل هذا ـ يشهد أن هناك شيئا يسمو على الافتراء، ألا وهو: الإيمان، ذلك الإيمان الذي منحه (ص) قوة تصحيح العقيدة، تلك العقيدة التي تستند إلى أمرين هما: التوحيد، ونفي التجسيم: أحدهما يثبت وجود البارئ، والثاني يثبت أن ليس كمثله شيء. وأولهما يحطم الآلهة المختلقة بقوة السلاح، والثاني يبنى القيم الروحية بقوة الكلمة.

إنه الحكيم، خطيب جوامع الكلم، الداعي إلى الله بإذنه، سراج التشريع.

إنه المجاهد، فاتح مغلق أبواب الفكر، باني صرح عقيدة قوامها العقل، وطريق عبادة مجردة من الصور والأشكال، مؤسس عشرين دولة ثابتة على الأرض، ودعائم دولة روحية فرعها في السماء، هذا هو محمد، فبكل المقاييس التي نزن بها عظمة الإنسان، فمن ذا الذي يكون أعظم منه؟

http://www.aawsat.com/details.asp?se...article=356759



وبينما أنا أمضي قدما في بحثي في موضوع " محمد بعيون ألمانية " .. صادفت هذا الموضوع ، فأحببت نقله .

كما أن محاولة إبراز نظرة مخالفة لنظرة أصحاب الكاريكاتورات هو جهد مطلوب ، لمنع أي محاولة للاصطياد في الماء العكر.

فقبل أيام ، في مجلة البيان ، كان " محمد عمارة " يعقد حلقات عن صورة محمد في الغرب ، واقتبس من جيته مقولته : " أنك أول ما تمسك بالقرآن تشعر بالنفور منه " وتوقف ها هنا ، دون ان يكمل : " وما إن تبدأ بقراءته حتى لا تستطيع مفارقته " .


شكرا

بظهر الكاتب اعجابا منقطع النظير بشخص نبي الاسلام محمد، والواقع أن أحدا لا يمكنه إن أخذ بظروف الزمان والمكان، والصراعات التاريخية وما تحمله من تبدلات، مع لفتة موضوعية، إلا ان يظهر الاعجاب بشخص هذا الرجل.. لكن الملفت في هذا الموضوع هو التركيز على شخص محمد .. وعلى شخصه فقط.. متناسيا ما صاحب تلك الشخصية من ظروف اجتماعية وشروط زمانية ومكانية لعبت أكبر دور في إنجاح "مشروعه".. فعلي سبيل المثال انطلق محمد من مكة، ولمكة مركز الصدارة والقيمة عند العرب، فهي محجهم ومقصدهم، ومركز ثقلهم الاقتصادي، والثقافي – سوق عكاظ مثال على هذا – وبالتالي فلها دور الريادة والقيادة غير المباشرة على قسم كبير من اهل الجزيرة في ذلك الحين، ثم ان زدنا على هذا الطبيعة الحاكمة على العقلية العربية التي تنحو نحو البداوة، وسلطة
العشيرة واساليب السلب والنهب وما الى هنالك مما هو معروف، لوجدنا أن العرب كانوا مجهزين وجدانا وإعدادا لعمليات الاجتياح لما احاط بهم من امبراطوريات، وكل ما كان يلزمهم هو التنظيم – والتنظيم على ما هو معروف لم يكن مفقودا ما بين القبائل، بل كان هناك الاحلاف والعهود والمواثيق والعقود الى غير ذلك -، ثم ان أضفنا ذلك الحس العالي لدي العرب بالانتماء، والذي ربما قد لعب دور في تعزيزه نظرة الشعوب الأخرى الاستعلائية بحق العرب، وغير ذلك، لخرجنا بأن العرب على الرغم من التبعية المباشرة وغير المباشرة التي كانوا يرزحون تحتها ويدينون بها لتلك الامبراطوريات، كانوا ينزعون اتجاه الاستقلال، وبالتالي فحكما كانوا معبئين روحيا بمقابلها، - واذكر انني قد قرأت أن أحد رجالات مكة قد عاد من قصر كسرى أو قيصر تحت عنوان "ملك مكة" فما كان من اهل مكة الا ان سخروا منه ونبذوه ان لم يقتل أو ينفى بحسب ما اذكر -، ثم ومع توحيد تلك القوى وتنظيمها، وهي بالاصل كانت على أهبة التنظيم والاعداد على ما ذكرت، بحكم أسس عديدة قد لا يتسع المجال لذكرها... ومع ما صاحب الامر من ترهل اصاب امبراطوريتي الفرس والروم لاسباب عدة ليس اقلها الحروب المستعرة التي نشبت بينهما .. لخرجنا من هذا كله،انه لو قدر لغير محمد ان يلعب نفس الدور ويتزين بحكمة محمد وبعد نظره، لكان قام بنفس الوظيفة كاملة .. وما حركات التنبؤ التي فاضت بها الجزيرة العربية في اواخر أيام محمد وبعد وفاته الا تعبيرا صادقا عن هذا الامر ..

تحياتي
(f)

هناك نوعان من التفسير التاريخي ، كلاهما لا أميل إليه : الأول ، يركز في شخصية القائد ، ليرفعه خارج الزمان والمكان ، محولا إياه لأسطورة .. ومقتصرا عليه فقط في صنع الأحداث . الثاني - وهو الذي تفضلت به غرامشي ، تفسير الحدث بكل الأحداث المرهصة له ، مهمشا دور الإنسان تماما في صنع الحدث.. مما يجعل الأمر وكأنه حتمي الوقوع . وكلا النوعين من التفسير ، لا يبدآن من التاريخ ، بل ينتهيان إليه . فالأول يبدأ من الشخص ، من محمد .. لكنه لا يتسائل : أي محمد ؟ هل هو محمد الفتى الذي عاد من ديار بني سعد ؟ ام محمد الذي يرعى لقريش الغنم بدراهم معدودات ؟ ام محمد الذي يذهب بمال خديجة متاجرا به في الشام ؟ ام محمد قبل أن يموت بلحظات ؟ فهو حين يتكلم عن تاريخ محمد يضع نصب عينه فكرته الأخيرة عن محمد .. فتكون نظرته للتاريخ محددة بحدود هذه النظرة .

أما الثاني ، فهو يبدأ مما حدث نتيجة دعوة محمد ، ومن خلال هذه النتيجة ينظر للأحداث التي "حتمت " مثل هذه النتيجة ، فتحدث هنا عمليات إزاحة .. وتحوير وتهميش لوقائع أساسية .. وإبراز لوقائع ثانوية .

وحتى لا نغرق في التنظير ، ساعطيك مثالا واحدا من كلامك . فانت كي تظهر الأسباب التي " حتمت " انتصار محمد ، قمت بإرجاع جزء كبيرمن هذه الأسباب إلى كون محمد من مكة ، قبلة العرب ومركزهم التجاري . ووقعت في عملية إزاحة مكانية لبدء انطلاق الدعوة المحمدية ، من " يثرب " إلى " مكة " .

بل إنك في تعليلك لتلك " الحتمية " لم تتطرق ليثرب أبدا ، التي آوت محمدا بعد أن طردته مكة ، ونصرته وآزرته .. حتى سمو " الأنصار " .

أخيرا ، لو كان العرب مع مكة .. حيث ذهبت ذهبوا ، لكانوا معها حين رفضت محمدا .. ولم يفدوا عليه في عام الوفود الذي سبق فتح مكة .


شكرا لك

دراسة جميع الظروف التى تحيط بالرسول الاعظم تدل ان نجاحه بنشر دعوته معجزة ليس لها مثيل فى العالم .
فالمجتمع الجاهلى و الدين الوثنى و الولاء القبلى و العشائرى و النظام الطبقى و رسوخه و العامل العسكرى و الاقتصادى و السياسى كلها كانت ضد ظهور دين الاسلام و ضد الدعوة المحمدية .
و اى ظرف من هذه الظروف يكفى وحده ان وجد للقضاء على اى فكرة وليدة او اى دين جديد .
فالمجتمع الجاهلى لا يمكن ان يتقبل فكرا جديدا ابدا مخالفا له .
الدين الوثنى لا يقبل الى جانبه دين التوحيد .
الولاء القبلى و العشائرى كفيل برفض الدعوة تنافسا بين القبائل و تفويتا لفرصة تشريف الهاشميين .
النظام الطبقى لا يرضى و لا يسمح برفع طبقات مسحوقة من العبيد و الموالى الى درجة اعلام و ابطال و رموز من رموز الدعوة كبلال و عمار و غيرهم
العامل العسكرى كان ضد الاسلام حتى بعد فتح مكة .
فقبل فتح مكة كانت المواجهة العسكرية اساسا مع قريش و هى ليست اقوى القبائل عسكريا
و كانت القوة العسكرية القرشية بيد المخزوميين .
و لكن الاسلام تغلب عليهم .
بعد فتح مكة صارت المواجهة الاسلامية مع الثقل العسكرى الحقيقى فى جزيرة العرب و هى قبائل هوازن و ثقيف
و تغلب الرسول الاعظم عليهم .
العامل الاقتصادى كان فى اقصى درجات التردى اذ تمت محاصرة الهاشميين و تفقيرهم كما حوصر المسلمون و منعوا من اصطحاب ممتلكاتهم و اموالهم و تم الاستيلاء عليها فى مكة .
و فى المدينة يسيطر اليهود على الوضع الاقتصادى بل فى الجزيرة و هم اعداء للرسول الاعظم
و لكنه تغلب على هذا العامل ايضا .
العامل السياسى ايضا ضد الدعوة المحمدية المباركة
اذ ان حلف قريش كان يشمل معظم القبائل العربية التى تربطها ع قريش اواصر عميقة جدا
و استطاع الرسول الاعظم اختراق الحصار السياسى فارسل من المؤمنين الى الحبشة حيث حققوا اول انتصار سياسى دولى .
ثم بدات حرب التحالفات مع القبائل العربية و انتزاعها من حلف قريش و تحقيق هزائم سياسية متتالية لقريش .

و هكذا نجد ان دراسة الظروف التى تحيط بالرسول الاعظم علميا و منطقيا لا يستطيع عاقل ان يتوقع لها النجاح و الانتصار بالمنظور المادى
و لو انك عرضت هذه الظروف على اى محلل او مفكر فانه سيجزم بفشل ثل هذه الدعوة بناء على المعطيات المتوفرة .
و بذلك فان نجاح الرسول الاعظم معجزة بكل ما تحمل الكلمة من معنى .

اللهم صل على محمد و ال محمد
لا فتى الا على و لا سيف الا ذو الفقار

اقتباس:  على نور الله   كتب/كتبت  
دراسة جميع الظروف التى تحيط بالرسول الاعظم تدل ان نجاحه بنشر دعوته معجزة ليس لها مثيل فى العالم .

اعتقد ان هناك رجالا لهم انجازات اعظم من محمد، او على الاقل تماثله. بوذا و سقراط مثلا لهم انجازات و تأثير على الحضارة الانسانية أعظم و اعمق بمراحل مع انهما لم يقودا جيوشا و لم يسيطروا على دول. و لا ننسى ان محمد جاء في مرحلة متأخرة نسبيا.

ثم أعطني فكرة واحدة أصلية جاء بها محمد. لا يوجد اي فكرة اصلية او مبدأ جديد او مفهوم عقلي نادر جاء به. باختصار محمد لم يأت بجديد بل نسخ ممن سبقوه.

أعود وأذكر أن لا أحد ينكر تميز محمد، لكنه بالنهاية ابن بيئة اجتماعية محددة، وبالتالي، فتصرفاته جميعها خرجت ملائمة وموائمة لتلك البيئة، وغير شاذة عنها .. وهنا بالتالي – وبعيدا عن التنظير - لا أرى من ضرورة لتفرقة وفق سياق أي منهج أو تفسير، فما قدمته آنفا أتى على سبيل التمثيل لا الحصر، وبالتالي فلم يلغ ما لمحمد من دور، لكن بالمقابل لم يعطه وجه الاعجاز – ان صح التعبير-، بل يمكن حصر ما جرى معه بوجوه عدة قد يكون أبرزها: بعد النظر والقدرة على الاستشراف أخذا بالمعطيات الموجودة، مخاطبة الوعي السائد بما يتناسب مع العمل وفق مقتضيات ذلك الوعي وما هو حاضر من مفاهيم قيمية واجتماعية وما الى هنالك.. فلو أخذنا على سبيل المثال تجربة محمد في المدينة المنورة، لا يمكن ان نأخذها مقتطعة عن زمانها ومكانها، فيثرب أولا كانت تمثل مركزا له أهميته على طريق القوافل، ثم كانت تضم الاوس والخزرج واليهود.. لا يمكن ان نصف علاقة الاوس بالخرزج حينها بالودية، كما ولا يمكن أن نصف علاقة اليهود مع القبيلتين بتلك الصفة أيضا، فقد لعب اليهود على ما ينقل لنا التاريخ على التناقضات ما بين القبيلتين في سبيل التصدر والزعامة على يثرب، من هنا وأخذا بان اليهود بالنسبة للعرب "أغيار"، فمن الواضح ان اهل يثرب من الاوس والخزرج ما كانوا ليطمئنوا على ذلك التفوق اليهودي، من هنا، فقد يفهم ان واحدة من اسباب هجرة محمد إلى يثرب تمثلت بتلاقي المصالح بينه وبين من سمي بعد ذلك بـ"الانصار".. والا فما هو التفسير "الموضوعي" لاسلام مدينة بكاملها بتلك الفترة القياسية.. ومن وثم فهناك امر آخر.. هل كانت علاقة محمد أو أصحاب محمد باليهود علاقة ودية منذ اليوم الاول لدخوله يثرب؟؟ صحيح ان محمد قد عقد معهم عقود ومواثيق .. لكن كم عدد الآيات القرآنية التي تنزلت لنصرة المسلمين على اليهود في تلك الفترة .. من مثل (غلت أيديهم) وغيرها؟؟

بالنسبة لمكة، فقد وضحت في مداخلتي السابقة انه بسبب موقعها ومكانتها كان لها نوع من القيادة "غير المباشرة" دون ان تكون مركز القيادة الفعلية للعرب، وهو أمر مفروغ منه ومعروف .. ومع هذا، فلا يمكن لأحد الانكار أن الأنفة التي تميز بها العربي وبعدها ما يمكن وسمه بحس المصلحة لديه كانت معيارا وبوصلة لمواقفة، وما معركة الاحزاب التي اجتمع بها العرب لنصرة قريش – بمقابل عام الوفود ان اردنا قياسا – الا تعبير عن هذا الحس.. وهنا لا يمكن أيضا أن أهضم الاسلام حقه لما فيه من شرائع اصلاحية لذلك المجتمع، فكل هذه الاسباب، مضاف اليها قوة ذلك الدين المتصاعدة لعبت دور باشهار الوفود اسلامها وغير ذلك ..

الحديث قد يطول عزيزي .. والشواهد كثيرة جدا.. طبعا اعود وأكرر انها لا تلغي اهمية محمد وعظمته، ولكن بالمقابل لا يمكنني أن اسأل، انطلاقا من زمان الرجل ومكانه "من هو أعظم منه؟"

تحياتي
(f)

يتبع مع الزميل علي نور الله

في البداية .. الديانة التي كانت غالبة على الجزيرة العربية، والتي تمثلت بعبادة الاوثان لم تكن تلغي وجود إله أكبر وأعظم من تلك الاصنام، وما تلك الاصنام بعرف ذلك الدين البدائي الا لتقربهم الى الله زلفى، وان اضفنا الديانات الاخرى التي انتشرت في الجزيرة العربية لخرجنا بمحصلة واضحة ان الاله الابراهيمي كان حاضرا في ذاكرتهم..

وعليه إن أخذنا القول.. مع التركيز على ما سبقه:

اقتباس:فالمجتمع الجاهلى لا يمكن ان يتقبل فكرا جديدا ابدا مخالفا له .
الدين الوثنى لا يقبل الى جانبه دين التوحيد .

هل كان الامر فعلا كذلك؟ الجواب أن الديانة الوثنية التي انتشرت لم تكن بذات شريعة واضحة او ملزمة، بل كانت أقرب إلى الديانة الصورية، تمسكت بها قريش لما تنعكس عليها من فوائد اقتصادية جمة، وما طلبهم من محمد ان يعبد الههم عام، ويعبدون ألهه عام الا شاهد على ذلك.

ثم بالنسبة للولاء القبلي أو العشائري الذي تفضل به الزميل الكريم بالقول:

اقتباس:الولاء القبلى و العشائرى كفيل برفض الدعوة تنافسا بين القبائل و تفويتا لفرصة تشريف الهاشميين .

وهل حمى محمدا شئٌ ابان مكوثه بمكة لفترة 13 سنة غير ذلك النظام القبلي والعشائري؟

اقتباس:النظام الطبقى لا يرضى و لا يسمح برفع طبقات مسحوقة من العبيد و الموالى الى درجة اعلام و ابطال و رموز من رموز الدعوة كبلال و عمار و غيرهم

الشواهد التاريخية كثيرة، والثورات التي قام بها العبيد والموالي على السادة هي من تجليات الاجتماع البشري، هو أمر طبيعي جدا، لا اود التوسع كثيرا سعيا لضبط الموضوع، لكنه ليس بالامر الغريب او الاستثنائي، انظر الى سبارتكوس على سبيل المثال ..

لا أريد الدخول هنا بتفصيل المجتمع العربي آنذاك، وماهية السلطات الموجودة به، ومنجزيتها .. فالامر قد يطول

اقتباس:العامل العسكرى كان ضد الاسلام حتى بعد فتح مكة .
فقبل فتح مكة كانت المواجهة العسكرية اساسا مع قريش و هى ليست اقوى القبائل عسكريا  
و كانت القوة العسكرية القرشية بيد المخزوميين .
و لكن الاسلام تغلب عليهم .
بعد فتح مكة صارت المواجهة الاسلامية مع الثقل العسكرى الحقيقى فى جزيرة العرب و هى قبائل هوازن و ثقيف  
و تغلب الرسول الاعظم عليهم .

... أخذا بقولك أن الثقل العسكري بعد فتح مكة كان لهوازن وثقيف .. الا يعتبر 12 ألف مقاتل حشدهم محمد في غزوة حنين ثقلا عسكريا؟؟ قد تقول قد هزموا، ونصر محمد رغم ذلك.. أقول هو تفصيل لا يلغي الوفرة بالعدد من جانبه .. وبالتالي الفيصل حينها كان أرض المعركة .. وان أضفنا الى الامر "مؤتة" لوجدنا ان من يرسل جيشا لقتال الروم الاعز والاقوى من هوازن وثقيف حكما لن يألو بالا في قتال عرب.. (هذا ان سلمنا طبعا بالاعتبار ان هوازن وثقيف كانت الاقوى عسكريا)..

اقتباس:العامل الاقتصادى كان فى اقصى درجات التردى اذ تمت محاصرة الهاشميين و تفقيرهم كما حوصر المسلمون و منعوا من اصطحاب ممتلكاتهم و اموالهم و تم الاستيلاء عليها فى مكة .
و فى المدينة يسيطر اليهود على الوضع الاقتصادى بل فى الجزيرة و هم اعداء للرسول الاعظم  
و لكنه تغلب على هذا العامل ايضا

.


العامل الاقتصادي في ظل وجود محمد بمكة نعم .. لكن بالله عليك.. أولى معارك المسلمين "بدر" .. الم تكن واحدة من دوافعها حماية قريش لقافلتها؟؟ الم يرسل محمد أصحابه لمهاجمة القوافل وقطع طريق التجارة على مكة؟... العامل الاقتصادي لم يكن ثابتا بمعيار واحد في خلال الدعوة المحمدية.. حوصر محمد وظلم وعانى الاذى والاضطهاد بمكة نعم .. لكن في المدينة قلب الحال ولم ويبق على ما كان..

اقتباس:العامل السياسى ايضا ضد الدعوة المحمدية المباركة  
اذ ان حلف قريش كان يشمل معظم القبائل العربية التى تربطها ع قريش اواصر عميقة جدا  
و استطاع الرسول الاعظم اختراق الحصار السياسى فارسل من المؤمنين الى الحبشة حيث حققوا اول انتصار سياسى دولى .
ثم بدات حرب التحالفات مع القبائل العربية و انتزاعها من حلف قريش و تحقيق هزائم سياسية متتالية لقريش .

وهل ننسى ما للنجاشي من ثأر على العرب ومكة؟؟ هل نسينا ما جرى على أبرهه؟ ... قد يكون إبرهه قد استقل باليمن بطريقة او بأخرى نعم .. لكن امتداده من من؟؟ .. ثم في ظل الحيرة التي تتبع فارس .. ومملكة الغساسنة التي تتبع الروم.. الا يحق للنجاشي ان يسعى لموطئ قدم في الجزيرة؟؟ واين ؟؟. في مكة..
ثم .. الا ترى ان ديانة التوحيد تتوائم مع ديانة النجاشي المسيحية بمقابل مما ساد في الجزيرة من ديانة وثنية؟ الا يمكن للنجاشي ان يدعم اتباع ذلك الدين الذي هو بحيز التكامل - لم يكتمل الدين بعد حينها - ان يرى بهؤلاء امتدادا لدينه وصدى له ؟

هذا طبعا في ظل الدعوة المكية .. اما بظل الدعوة المدينية فاختلف الامر ولا حاجة بي الى الشواهد


تحياتي
(f)

عزيزي جرامشي

أعتراضي عليك ليس لاهوتيا ، بقدر ما هو اعتراض منهجي ، يتناول الحدث التاريخي .

دعني أصيغ الإشكال بهذا السؤال : من يصنع الحدث التاريخي ؟

هناك عدة اجابات ، أنت - بحسب كلامك - تريد أن توضح أن ما قام به محمد ليس أمرا خارقا أو معجزا ، وهذا أمر لا نختلف فيه ، فطالما أن ما قام به محمد يعتبر "حدثا تاريخيا " ، فكونه حدث يعني بالضرورة أنه لا يحمل قيمة تختلف عن باقي الأحداث التاريخية ، وأنه يخضع لنفس آليات التفسير التي تفسر بها باقي الأحداث .

لكنك في معرض توضيحك هذا ، قمت بإرجاع الحدث بكامله إلى " الظروف " و" البيئة " .. إلى " مكانة مكة " و " النظام القبلي " و " مشاكل يثرب " .... مما يجعلك تخرج بخلاصة ، تراها جد طبيعية ، مفادها : " في تلك الظروف ، أي شخص يملك أبجديات الصفات القيادية يستطيع القيام بما قام به محمد " . أنت بهذا التفسير ، تلغي "شخصية " محمد ، كصانع للحدث ، تهمشه تماما .. كما - وعلى العكس منك - يرجع على نور لمحمد كل صناعة الحدث ، مؤكدا على أن البيئة - بعد أن وصفها - لا يمكن أن تنتج دعوة كدعوة محمد ، لكنه هو " المتفرد " قد جعل من تلك الدعوة : ممكنا ، وبالتالي يصبح متسقا مع نفسه عندما لا يستطيع أن يصف هذه الظاهرة إلا بكونها " معجزة " ، تدخل في صنعها الله نفسه .

هنا تصبح " الظروف " و"الشخصية " قطبان يتجاذبان صناعة الحدث ، تقترب أنت من أحدهما بينما يقترب الزميل على نور من القطب الآخر ، ويبقى " الحدث" وحده ضائعا بينكما . وهذا هو بالضبط ، ما عنيته عندما أكدت على أنكما تنتهيان للتاريخ ، لا تبدآن منه .

أنا لا أقول أنك أنت - أو على نور - على خطأ ، بل كل ما أحاول توضيحه هو أنكما تتبنيان منهجا قاصرا على الإحاطة بالحدث ، يختزله في بعد واحد .

منهجك أنت يلغي دور الإنسان في صناعة التاريخ ، وبالتالي يفتح مجالا كبيرا للامسئولية ، بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك ونتلمس في هذه الرؤية جذورا أشعرية ، مع النقل " الفاعل " من الله إلى " الظروف المحيطة .

بالمقابل ، منهج علي نور يلغي التاريخ نفسه ، محولا إياه إلى مسرح يديره الله ، دون أي التفات للخصوصيات والظروف ..إلخ .


شكرا