يقول الزميل العميد :
اقتباس:الزميل الختيار
القرآن عادةً لا ينقل كلام المتحاورين حرفياً ، بل يؤدي المعنى .
هذا جيد
سأعود إلى نقطة موسى و هارون .
تقول :
اقتباس:وليس السبب هو تكلف السجع كما توهم الزميل الختيار ، بل السبب هو أن السحرة كانوا مجموعة ، فمن البديهي أن تختلف عباراتهم ، فبعضهم قال " رب موسى وهارون " والبعض الآخر قال " رب هارون وموسى " ، فنسب قول البعض إلى الكل في سورة ، وقول البعض الآخر إلى الكل في سور أخرى ، وهذا زيادة في البيان والتوضيح ، ناهيك على أنَّ العبارتين متطابقتان في المعنى تماماً ، وهذا يسقط التكلف من أساسه .
تبرير جميل و ذكي أيضاً ، لكن هل هناك ما يدعمه في القرآن ؟ أم هي حالة فريدة فقط في حالة هؤلاء السحرة ؟
فالقرآن عندما ينقل كلام جماعة ، ينقل فكرتهم و لا ينقل كل جملة كما قالها كل شخص أو مجموعة قليلة ضمن الجماعة .
مثلاً ، أنظرمعي إلى هذا الحوار بين موسى و قومه :
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً
قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68)
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
(ص 11)
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا
قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71)
تجد أن قومه قالوا كلاماً نقله القرآن عنهم .
مثلاً أول جملة نقلها عنهم هي :
قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً
فهل تظن أنهم جميعاً قالوا هذه الجملة بنفس اللحظة و الطريقة ؟
أم بعضهم قال مثلاً :
هل تستهزيء بنا ؟
أتسخر منّا ؟
هل أنت جاد ؟
إلخ
و القرآن نقل فحوى كلامهم و صاغه بلغته ، و لم ينقل كلامهم حرفياً ، لأنهم لا يمكن أن يتحاوروا معه على طريقة الهتافات الجماعية ذات الصيغة الموحدة .
مثلاً عندما يهتف جيش فيقول "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" ، فإننا نفهم أن الهتاف كان موحداً و أُطلِق من حناجر عشرات و ربما مئات الأفراد بصيغة موحّدة ، و لكن أن يكون حوارهم مع موسى بهذه الطريقة الموحدة فهو ما لا يدعمه العقل و لا المنطق .
لأن الكلام الجماعي الموحد يجب أن يكون مرتّب بشكل مسبق حتى يتسنى للجميع ترديده بذات الوتيرة و النفَس و التنغيم أيضاً .
و من هنا يمكننا أن نقول أن القرآن عندما نقل كلام السحرة بتقديم موسى على هارون ، و هو تقديم أهمية لاصطفاء موسى بالكلام و كون هارون بمثابة الوزير له ، أقول أن القرآن عندما قدّم موسى على هارون كان ينقل معنى كلام السحرة ، و هذا يكفي في كل القصص الواردة ، لكن في سورة طه حين قدم هارون على موسى ، ليس بهدف النقل الحرفي كما قلتَ لكلام الجميع ، بل لأجل السجع .
هنا أقتبس كلام السيوطي في هذا الشأن حيث قال في كتابه "الإتقان" :
"وتقديم موسى على هارون لاصطفائه بالكلام وقدم هارون عليه في سورة طه
رعاية للفاصلة"
و نعود للسؤال الأول ، فإن أخذنا بتفسيرك أن القرآن نقل تنويعات كلام السحرة ، فهل نقلها في حوارات أخرى ؟
هذا هو السؤال .
مسألة ثانية لا تقل أهمية عن هذه ، و هي أن الحوار بين الأطراف في قصة موسى و فرعون و السحرة ، له عدة أشكال مسجوعة ، هذه تحتاج إلى تفصيل و تروٍّ حتى أستطيع إيصال فكرتي .
لنراجع قصة موسى و هارون في السور الثلاث التي ذكرتها (الأعراف، الشعراء، طه) ، :
[SIZE=5]
الأعراف :
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104)
(ص 164)
حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (108)
قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)
قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)
قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118)
فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ (119)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121)
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)
قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125)
[SIZE=5]
الشعراء :
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (33)
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38)
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ (39)
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)
فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (43)
فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)
فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50)
إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52)
[SIZE=5]
طه :
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (45)
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (53)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (54)
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)
قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى (68)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
------------------
حين نراجع الحوارات السابقة ، نجد أن هناك جدال بين موسى و فرعون و السحرة ن و لكن هل يُعقَل أن فرعون كان يبحث عن التقفية وراء كلام موسى أو موسى يبحث عنها في تعقيباته عليه ؟
مثلاً :
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52)
هل يُعقل أن فرعون و موسى كانا يلعبان لعبة تسجيع لفظي ؟
بل هل يُعقَل أن يتابعهما السحرة بلعبة التسجيع هذه ؟
فيقولون :
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
هل يُعقَل أنهم كانوا في جدالهم يهتمون بالمحسنات اللفظية و السجع ؟
طبعاً المنطق يقول أن هذا من نسج خيال كاتب القرآن ، و هو الذي كان يسعى إلى هذه المحسنات اللفظية ، و لو راجعت الآيات التي لوّنتها بالأحمر و البنفسجي و الكحلي ، تجد نفس العبارات كيف غيّرها القرآن لتخدم أسلوبه في السجع ، هذا الذي لا تريد أن تقرّ به يا عزيزي ، و هو أوضح من جرم الشمس .
سأكتبها لك هنا لتراجعها مرة أخرى :
قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) الأعراف
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) الأعراف
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) الشعراء
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) الشعراء
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) طه
-----------
قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) الأعراف
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) الأعراف
قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) الشعراء
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) الشعراء
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) طه
-----------
قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) الأعراف
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) طه
قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (43) الشعراء
---------
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121)
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) الأعراف
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه
[SIZE=5]
الاستنتاج :
نلاحظ من الحوارات السابقة بين موسى و فرعون و السحرة محافظة على السجع من كاتب القرآن ، و ذلك لأنه ينقل ذات الجملة بأكثر من طريقة حتى توافق سجع السورة بأكملها .
كذلك نلاحظ اختلافات في رواية القصة ، فمرة فرعون الذي يقول للملأ و مرة الملأ الذي يقول لفرعون أن موسى ساحر عليم و يريد أن يخرجهم من أرضهم ، و غيرها من الاختلافات الواضحة و التي عرضتها بصورة سريعة موجزة فقط كي أوضّح أن القرآن يسعى وراء السجع بشكل واضح و لا أدري كيف يمكن أن ينكره أحد .
لاحظ كيف قال "سجّدا" في سورة طه لتوافقها مع السجع في حال الوقوف عليها و إن لم تكن آية منفصلة ، بينما قال "ساجدين" في الأعراف و الشعراء لتوافقها مع سجعهما .
ربما أعود لاحقاً لهذه القصة و غيرها لمقارنتها ببعضها في القرآن في موضوع مستقل .
تحياتي