هل خلق اللـه المنطق؟
ما يقوله أنتي فيروس عالي الدقة وأنا أو أيده وأضيف
لقد قلت سابقاٌ
المنطق في رأي هو ناتج خصائص العقل وعمل آلياته , ودراسة العقل وعمله توضح طبيعة المنطق وخصائصه .
ولو كانت آليات عمل العقل و خصائصه مختلفة لكانت طبيعة المنطق مختلفة .
فالمنطق ليس شيء موجود بذاته بشكل مجرد متعالي .
فهو ناتج تكونّ , عند تكون دماغ متطور يملك لغة متطورة , لأن المنطق مرتبط وتابع للغة أيضاٌ
وأضيف التالي :
التفكير المنطقي والتكميم الفكري
إنني أقصد بتكميم الأفكار تثبيتها وتحديدها وتعيينها . وذلك لكي يتمكن العقل من التعامل معها .
وهذا هو أساس المنطق فالعقل يقف عاجزا أمام لا تناهي والصيرورة , وأي وجود مهما كان هو في صيرورة وهو لا متناهي . فالوجود غير معين ويقوم العقل بتعينه عندما يكممه .
وتثبيت الفكرة أو البنية الفكرية , هو منعها من التغير والحركة .
وهذا هو أساس مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض , وهما :
" – أ- تبقي هي – أ- " . " إما أن تكون – أ- هي – أ- أو لا - أ- وليس هناك وضع ثالث "
وتحديد البنية الفكرية هو فصلها عن غيرها , وتحديد حدودها وخصائصها وتأثيراتها .
أما تعيين البنية الفكرية فهو تعيين تأثيرات هذه البنية , بأي بنية تؤثر .
فعدم تعيين تأثيرات البنية هو عدم تعيينها , فتأثيرات أي بنية غير معينة بشكل مطلق , فتأثيرات أي بنية تابع للبنية التي تؤثر فيها .
فالعقل بتشكيله البنيات الفكرية المكممة يحول كيفيات الوجود ( مع العلم أنه لا يوجد في الوجود إلا اختلافات كيفية , و لا يستطيع التعامل معها ) إلى كميات يستطيع التعامل معها .
فهو يحول الاختلافات الكيفية إلى اختلافات كمية عند تشكيل البنيات الفكرية المكممة.
" فالعقل " ثبت وحدد وعين تغيرات الأشياء بالهويات ( البنيات الفكرية الإسمية ) , مثل الأسماء الخاصة مثل: زيد – عمر – دمشق , أو عامة مثل: شجرة – قطة- سيارة , . . . , أوبالبنيات الفكرية الإسمية العامة ( أو المجردة ) , مثل : الأسرة- الدولة- الاقتصاد- العلم – الفكر . .
وحددها بالكميات ( المقدار , والعدد ) . وبالمكان- فوق - تحت... . وبالزمان – قبل - بعد . وبالصفات والخصائص المحددة والتي هي تابعة للحواس المشتركة بين الناس مثل الألوان والأصوات .... .
وكذلك ثبت وحدد وعين الصيرورات , وحددها بالأفعال ( أو البنيات الفكرية التحريكية ) , مثل: كبر- صغر- صار- نما- أكل- ضرب- عمل- فرح- . . . ., وبالبنيات الفكرية التحريكية المعقدة مثل: التعاون – الصداقة - الحرية – العدالة - الديمقراطية...., وبذلك استطاع العقل تثبيت وتحديد الكثير من صيرورة الأشياء.
بعد ذلك قام" العقل " بالتحريك الفكري ( أو المعالجات الفكرية أو التفكير ) لهذه البنيات الفكرية المكممة التي شكلها . خطوة, خطوة . أي التحريك الفكري للهويات الاسمية , بواسطة الهويات الفعلية أوالتحريكية , وكذلك باستخدام قواعد النحو الأخرى أحرف العطف والجر ....
وذلك باستعمال آليات التفكير المتعددة , مثل الاشراط ( إذا كان " كذا " يكون " كذا " ) , والذي يعتمد عليه مبدأ السببية . وباستعمال التصنيف والتعميم , والقياس , والمقارنة , والتقييم , والحكم . والاختبار , والتصحيح . لكي تتطابق , أو تقترب النتائج بين النموذج , والأصل .
إن التكميم الفكري كما ذكرنا هو تحويل كيفيات وخصائص الأشياء وتغيراتها إلى بنيات فكرية ثابتة , محددة , معينة , تسمح بتعامل العقل معها بفاعلية ودقة. فالأشياء أو بنيات الوجود تؤثر في الجهاز العصبي , فتتحول إلى تيارات عصبية محددة كميتها وشدتها وخصائصها , والدماغ يقوم بالتعامل معها ( معالجتها ) . فأساس عمل الجهاز العصبي مكمم . لقد قام " العقل " بتمثيل أشياء وحوادث الوجود , ببنيات فكرية مكممة .
وكذلك اللغة لدينا هي تمثيل البنيات الفكرية ببنيات فكرية لغوية ثابتة محددة معينة وموحدة , يتم التواصل بها بين الأفراد . ولقد استعملها دماغنا أيضاً في معالجته البنيات الفكرية . فكل جملة هي بيان لعلاقات أي هي تصف أو تمثل صيرورة جزء من الوجود.
إن هذا هو الذي أدى لحدوث قفزة هائلة لقدراتنا على معالجة الأفكار عن باقي الكائنات الحية , وبناء التنبؤات الدقيقة . فالفيل والحوت وبعض الدلافين يملكون خلايا دماغية أكثر منا , ولديهم قدرات معالجة فكرية خام أكبر من قدراتنا . ولكن ليست أنجع من طرق معالجتنا . فنظام التشغيل في دماغنا أفضل وأنجع نتيجة استعمال البنيات الفكرية اللغوية المتطورة جداً لدينا , وهذا ما حدٌ كثيراً من فاعلية معالجتهم للبنيات الفكرية التي يتعاملون بها , فذاكرتهم أفضل وأدق ( والذاكرة من أسس قدرات التفكير ) , ولكنهم يتعاملون مع بنيات فكرية خام , لأنها لم تمثل بدقة ببنيات فكرية لغوية. ويمكن تشبيه الفرق بيننا وبينهم , بأن طريقة تفكيرنا رقمية وهي عالية التكميم نتيجة اللغة المتطورة . و طريقة معالجاتهم التي يمكن اعتبارها غير رقمية .
بذلك استطاع عقلنا تشكيل " نموذج للوجود وصيرورته " باستعمال البنيات الفكرية المكممة والممثلة ببنيات لغوية , والتي تمكنه من تحريك أو مفاعلة هذا النموذج إلى الأمام إلى ( المستقبل أو التركيب ) . أو إلى الخلف ( إلى الماضي أو التحليل ) . وذلك بسرعة أكبر من سرعة تغيرات الواقع الفعلية . وبذلك فُتح الزمن في هذا النموذج الذي صنعه للوجود . فالعقل عندها يستطيع السير فكرياً عبر الزمن إن كان إلى الماضي أو إلى المستقبل .
أنواع ودرجات التكميم الفكري
للتكميم درجات أو مستويات , أي يمكن أن يكون ضعيفاً وغير دقيق , ويمكن أن يكون دقيقاً , ويمكن أن يكون تاماً أو مطلقاً , مثال على ذلك , ضعف تكميم درجة الاحتمال .
فكما كان مفهوم العدد محدود لدي الإنسان البدائي , الذي يعرف فقط واحد اثنان ثلاثة كثير . كذلك أغلبنا يقول عن الاحتمال ممكن أو محتمل , ممكن جداً , نادر , حتمي , مستحيل , وهذا تكميم ضعيف لدرجة الاحتمال . فيجب تعيين درجة الاحتمال بعدد محدد وإن لم يمكن فبنسبة محددة بعدد . فأغلبنا لا يدرك نسبة الاحتمال بشكل جيد , فاحتمال نسبته واحد بالعشرة يختلف كثيراً عن احتمال واحد بالألف ويختلف بشكل كبير عن احتمال واحد بالمليون , ومع ذلك لا يدرك أغلبنا مقدار هذا الفرق . فشاري ورقة اليانصيب والتي احتمال ربحها واحد بالمئة ألف أو واحد بالمليون , يقول إن الربح ممكن , وقد ربح فلان وفلان , ويمكن أن أربح أنا , ولا ينتبه إلى نسبة الاحتمال الشبه معدومة . أن غالبيتنا تعبر الطريق وتركب السيارة والطائرة. . . وبثقة , مع أن هناك احتمال بحدوث الأخطار بنسبة واحد بالمئة ألف أو بالمليون فنحن ندرك هذه النسبة الضعيفة جداً . إن التعيين الدقيق لنسبة الاحتمالات هام جداً وهذا لا يعرفه أغلبنا .
مثال على تكميم العقل للكثرة
هناك مثل يقول" لا يمكن حمل بطيختان بيد واحدة " هذا صحيح في الوضع العادي . ولكن يمكن حمل بطيختان أو أكثر بيد واحدة إذا ربطت معاً أو وضعت في وعاء لتصبح مجموعة واحدة .
وهذا ما يفعله العقل عند التعامل مع الكثرة , فهو لا يستطيع التعامل إلا بالوحدات المحددة , لذلك هو يستعمل آلية تشكيل المجموعة ( أي الوحدة ) بجمع عدة وحدات متماثلة أو متشابه في بنية واحدة , فبذلك يستطيع التعامل معها وتحريكها ومفاعلتها مع باقي البنيات . وطريقة تشكيل المجموعات هي نفسها التعميم الذي يتضمن ضم أو جمع عدد من البنيات الفكرية في مجموعة واحدة , لأنها تتضمن بعض الصفات أو الخصائص المتماثلة أو المتشابهة.
فالمجموعة أو الفئة هي طريقة تكميم استعملها عقلنا في تعامله مع الكثرة , وأعادها للوحدة الواحدة , ليستطيع التعامل معها . فهو لا يستطيع التعامل مع الكثرة , إذا كانت غير معينة برقم أو كمية . فالتعيين برقم أو بكمية أو بخاصية يزيل عدم التعيين .
إذاً استعمل عقلنا الفئات أو المجموعات أو الأسماء العامة وكذلك الأعداد والصفات , لكي يتعامل مع الكثرة .
الكم والكيف
إن الكيف بالنسبة لنا مرتبط بأحاسيسنا بشكل أساسي , فهو تابع لأنواع أحاسيسنا وخصائصها , وهو مرتبط بالممتع والمفيد والجميل وبكافة أنواع الأحاسيس , وتشكيل العقل للكم فقد أتى لاحقاً نتيجة معالجة واردات الحواس بشكل متطور .
لقد ككم العقل المقدار بالعدد , وكمم المكان بالمسافات والاتجاهات والسطوح والحجوم , وكمم الزمان بالوحدات الزمنية والاتجاه قبل وبعد أي الماضي , والحاضر , والمستقبل , وكمم قوة المؤثر بمقدار شدتها أو درجتها , وكمم الأحاسيس بتحديد نوعها , أو تصنيفها . والكم ليس بحاجة إلى تصنيف , فتعيين الكم هو تصنيف له.
والعقل عندما يشكل البنيات الفكرية يكون ذلك بناءً على تكميم الكيف.
وكل موجود ليس له واردات حسية يصعب على العقل تشكيل بنية فكرية له , والأفكار التي تنتج عن معالجة البنيات الفكرية هي التي توجد بنيات فكرية ليس لها أصل واقعي .
هذا بالنسبة للبنيات الفكرية الشيئية , أما البنيات الفكرية التحريكية مثل الأفعال , فتكمم بتصنيفها حسب أنواعها أوصفاتها أو خصائصها .
البنيات الفكرية الرياضية
قد شكل عقلنا البنيات الفكرية الرياضية , والتي هي بنيات فكرية تامة أو مطلقة التكميم . فالبنيات الفكرية الرياضية الشيئية ( الهويات الرياضية الاسمية ) مكممة بشكل مطلق .
فالأعداد وهي التي نستطيع بواسطتها التعامل فكرياً مع الكثرة هي كميات مثبتة ومحددة ومعينة بشكل كامل , فالعدد ( 2 ) يعني شيئين أو وحدتين أو زمنين أو حادثتين... متماثلتين ومتطابقتين بشكل تام , ( مع أن هذا غير موجود في الواقع , فهناك دوما فروق بين أي شيئين أو أي وحدتين , يتم إهماله ) . وهذا مكن من القياس والمقارنة بشكل تام . وكذلك كممت البنيات الرياضية الهندسية النقطة والمستقيم والزاوية والمثلث... بشكل تام , وكذلك باقي البنيات الرياضية .
و كممت الرياضيات أيضاً التغيرات والصيرورة بالبنيات الرياضية التحريكية , مثل عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة , والجزر والتربيع , والمساواة وعدم المساواة , والمعادلة , والتفاضل والتكامل والتناهي ......الخ.
وكافة البنيات والعمليات الرياضية مكممة بشكل تام , والبنيات الرياضية تتوسع وتنمو وتتطور باستمرار فقد نشأت فروع ومجالات كثيرة .
وإذا قارنا المنطق بالرياضيات . نجد أن المنطق يكمم الأفكار بشكل تام مثل الرياضيات , ولكنه لم يكمم إلا عدد قليل جداً من البنيات الفكرية الشيئية أو التحريكية , بعكس الرياضيات التي استطاعت تكميم الكثير من البنيات الواقعية عندما مثلتها ببنيات رياضية مجردة .
فالمنطق يعتمد السببية البسيطة المختزلة , ويعجز عن التعامل مع السببية الموسعة أي عندما يكون هناك عدة أسباب تؤدي إلى النتيجة وليس سبب واحد , والرياضيات استطاعت التعامل مع السببية الموسعة بواسطة استخدام المعادلات التفاضلية , وكذلك يعجز المنطق عن التعامل مع السببية الجدلية أو التغذية العكسية أي عندما تعود النتيجة فتؤثر في المقدمة .
لذلك : " الرياضيات . الرياضيات . الرياضيات , المنطق منذ زمن لم يعد كافياً " .
مع تحياتي ومودتي للجميع
|