أتوكل على الإنسان وأبدأ بتحليل (تحليل نصي من قبل العاقل) فأقول:
العاقل قبل كل شيء يعترف بأحد عباراته بأنه يحكم بشكل ما على نصي من خلال معرفته بي، لذلك فهو أيضاً وكما يقول (بقدر ما هي "ترسبات" معرفية وتراكمات عن شخصية الأخ طارق ، جعلتني أرى ما أرى )
ويبدو أنه بتحليله للنص لم يقدر التحلل من هذه التراكمات، وهذا أمر أصلاً يصعب حين يرتمي التحليل لشخص الكاتب بدلاً من الذهاب لنصه مباشرة.
ولم ينتبه العاقل بأنه بينما "أنا" أكتب على الدوام نصوصاً أمحور فيها نفسي بدون خوف أو وجل، بأني لم أقل بالأساس أني أكتب نصاً أدعي فيه الموضوعية، وأني قلت له سابقاً في موضوع آخر بأنه لا يمكن مثلاً في علوم الاجتماع تطبيق أدوات التحليل الفلسفي أو الرياضي. ولكننا بالعكس من ذلك نجد لدى العاقل/الكاتب بتحليله هاجس البحث عن نيّات "طارق"، فطارق الكاتب حاضر لديه بقوة، ويمكنني بسهولة أن أقول وبدون خوف من التسرع أو اللاموضوعية أني أرى بذلك إسقاطاً لمفاهيم تراكمت لدى صديقنا العاقل حول شخصي المتواضع.
فطارق كاتب النص أعلاه يعيد ويكرر في عباراته كلمات من قبيل "كما أني"، "أرى إذا"، "رأيي الخاص". فطارق أعلاه لا يخدع جمهوره المتلقي بل يذهب معه لتفكير ذاتي محض، يحرص حرصاً واضحاً على إيصاله بهذا الهدف. ذاك الهدف الذي يروم الحوار في نادٍ.
كلمات العاقل المنمقة برأيي الخاص إذاً لا تعبر عن تحليل موضوعي بل عن تراكمات تمخضت عن كلمات ليست ذات علاقة مع النص الذي يحلله في شيء.
يذهب بعد ذلك العاقل ليحمل النص ما لا يحتمل، ليتحدث عن المطلق من خلال فكرة فلسفية لا من خلال علاقتها بهدف النص أعلاه، فأنا لا أتحدث عن المطلق كشر، بل لدي، والمطلق كفكرة ذاتية هي ديدن الجميع، هل هناك شخص بذاته يرى بذاته رأياً نسبياً؟ هل يؤمن الشخص بالمواطنة ونقيضها مثلاً؟ لا وحق الكعبة، ولكني حين أؤمن بالمواطنة بمطلقها لا أعتبرها هي مطلقة بإيمان الآخرين بها، ذلك أني أعرف أن هناك من لا يؤمن بها.
وحين أؤمن بشر فكرة فلا أقول بأن كل من لا يؤمن بها حلت عليه اللعنات وكرهي؟ هناك فرق يا عاقل كان عليك أن تستبينه جيداً.
يستمر زميلنا العاقل بتحليل أقل ما أقول عنه بأنه "متراكم" بالتهافت، مع أني أعترف بتنميقه اللفظي الجميل وبالأسلوب الذي أعجبني أيما إعجاب.
فالعاقل يتحدث عن المواطنة التي يؤمن بها "طارق" كاختلاف يقارنه باختلاف آخر : أياً كان لا يتعارض مع المواطنة.
يا عاقل، هل فهمت أنت أصلاً ما قلته أنت؟
كيف خرجت معك بحق رب الكعبة هذه العبارة:
اقتباس:فالاختلاف ، إن لم يكن طائفيا ، يكون خيرا .. بينما إذا كان " طائفية" أضحى شرا محضا .
لم أقل هذا يا عاقل، ألا ترى بأنك "تراكم" الأفكار المسبقة الذاتية حولي وحول نصي؟
أين قلت بأن الاختلاف إن لم يكن طائفياً فهو خير، بل أنا أتحدث عن موضوع مركز حول شيء معين وهو الاختلاف الديني الطائفي، وأن الاختلاف فيه جيد وحتى من خلال الإيمان لا يهم. لقد قلت بأنه حين يكون ذا صفة طائفية ضمن التعريف المقتضب والذي شرحته أعلاه فهو شرٌّ مطلق "
لدي".
الاختلاف قد يكون شراً أيضاً في حالات كثيرة أخرى، كالقومية والنازية خير مثال عليه، لكنه ليس موضوعي، لكي لا أشتت.
تبقى قصة الجمهور؛
يبدو أن العاقل لم يقرأ ولا يقرأ إلا حين يجد بالكاتب جمهوراً يضع ذاته ضمنه، وهذه ليست حال الكاتب بشكل عام، ذلك أني لا أقسم جمهوري لأقسام وأحدد مسبقاً من سيقرأ ولمن سأقرأ.
جمهوري حين أتحدث عن السنة هم السنة وحين أقول شيعة هم الشيعة، وحين أتحدث عن المواطن فهم المواطنون.
لماذا أنت اعتبرته جمهور السنة؟ أوليس لأنك تعتبر نفسك سنياً ولأن جزءاً من هذا النص أصابك بشي ما؟ أي أنه لامسك؟
النص الذي يتحدث عن علاقة الأقليات بالإغبية لا يمكنه أن يخاطب الأغلبية وحسب، ولا يمكنه أن يهم الأقلية وحسب، بل هو يخاطب ذاك الشيء الذي قلت أنت نفسك بأن "طارق" يؤمن به، ألا وهي المواطنة والمواطن.
جمهوري هو المواطن وموضوعي هو علاقة الأقليات بالأكثرية ضمن التنوع الثقافي والخلفيات الثقافية. أما تحليلك فاسمح لي بأن أحكم عليه بشكل
ذاتي بأنه ناجم عن "تراكمات" في "لاوعي" عقل العاقل عن الكاتب/"طارق".
مع فائق تحياتي واحترامي لتحليلك من الناحيتين اللغوية والجمالية.
(f)