رسالة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى الرئيس الأميركي جورج بوش التي يقترح فيها عليه كيف يدار العالم, تذكر برسالة المرشد العام للاخوان المسلمين في مصر لاحد ملوك بريطانيا, في زمنه, يقول له فيها »اسلم تسلم وإلا سنقيم عليك الحد«.
مع الاسف فإن الخطاب الاعلامي الرسمي في ايران, وغير الرسمي, أصبح يتطابق مع خطاب صدام حسين قبل تحرير العراق, أو احتلال العراق بعد أن أصبح مقننا ومشرعا من قبل الامم المتحدة... خطاب نجاد هو خطاب صدام القديم نفسه, مع الاخذ في الاعتبار مقاييس النسبة والتناسب, مع ملاحظة ان خطاب الرئيس الايراني الحالي أعلى نبرة وأكثر تحديا, إذ ان نجاد يريد محو اسرائيل من الخارطة, كما كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر يريد ان يرميها في البحر, فرموه في القبر, وقبلا هزموه في سنة ,1967 وأخذوا قناة السويس وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة منه, وفوقها الضفة الغربية من الاردن. يومها لم تكن اسرائيل وحيدة في مواجهة التهديدات الناصرية, بل كانت معها الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا وسائر حلفائها في الشرق والغرب, بينما نحن كنا نعتمد فقط على حليف واحد هو هذا الكلام السخيف الذي نطلقه بين حين وآخر كشعار نتملق به شعوبنا, ونضحك بواسطته على مشاعرها وعواطفها, على نحو ما نلاحظ في خطاب »حماس« الفارغ والعاطفي.
كلام نجاد العالي يرتفع هذه الايام في اتجاه محو أميركا من الوجود ايضا لان العالم سيصبح أفضل في غيابها, ثم بعد ذلك نراه يتراجع ويقول أنه يريد السلام ويريد التفاوض معها, إنما لايريد لاحد ان يتدخل في شؤونه وشؤون المنطقة, وكأنها أصبحت ملكه وعائدة إليه. وعندما يعلن الاميركيون أنهم سيحمون مصالحهم في هذه المنطقة الحيوية, ووفق الاتفاقات الامنية الموقعة بينهم وبين دولها, نرى الرئيس الايراني يقع في التناقض حين يجيز لنفسه الاضرار بالمصالح الحيوية لأميركا والغرب بالمنطقة, ولا يجيز لها ان تتدخل لحماية هذه المصالح من تهديداته.
ان تناقض المواقف الايرانية في هذه الناحية يثير الشكوك حولها. فصدام حسين دخلوا عليه وأسقطوه لتناقض مواقفه وعدم نفيه بصدق لامتلاك أسلحة دمار شامل, وعندما نفى متأخرا وجود هذه الاسلحة في حوزته قالوا أنه كذاب, لانه سبق وهدد بتدمير ثلث اسرائيل وبالوصول الى المصالح الأميركية وتدميرها بقنبلة ذرية راح يلوح بصاعقها على التلفزيون ليخاف الجميع من تهديداته... صدام يومها أعطاهم المبرر لضربه, وعندما اختبرت قدراته في ميدان المواجهة العملية لم تصمد أمامهم اكثر من عشرين يوما.
من المؤسف أننا نحن من يخلق أجواء التوتر في المنطقة بسبب ان بعض يتولى أمورنا اناس ليسوا على قدر المسؤولية والخبرة. واليوم نرى هؤلاء الذين وسد الامر لهم وليسوا من أهله يتجلون في المشهد الفلسطيني حيث ان ثلاثين سنة من المفاوضات والضغوط على اسرائيل مهددة بالذهاب هباء , وهي ضغوط لم يكن يحلم بها العرب المهزومون, وعلى يد حركة »حماس« التي تريد إنهاء هذه الحقبة كلها تحت ادعاءات ومسوغات ثبت أنها أكبر من حماس وزعمائها, كما ثبت ان الوقت ليس وقتها, ولا الزمان زمانها ولا الظرف ظرفها... يضاف الى هذا المشهد الفلسطيني الباعث على الرثاء المشهد الايراني الذي تتجلى فيه نزعات الى المغامرة الصبيانية, وفشل في الانتقال من منطق الثورة الى منطقة الدولة, مع ما في ذلك من إيحاءات باستحالة تمتع الايرانيين بدولة حتى لا تظهر عورات النظام السياسية ومن يحاسب عليها.
أحمد الجارالله .. السياسة الكويتية
http://www.alseyassah.com/alseyassah/Main.asp