{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مذكرات إله متعب جداً
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
مذكرات إله متعب جداً
مخلوقاتي.. أحبابي.. دعوني أولاً أعرّفكم بنفسي وبلقبي الذي حزتُ عليه بجدارة فائقة. أنا إله الذكور المبدع الذي كان يعتقد أنه حَبَكَ أروع لعبة في هذا الكون، وهي الحياة وتصور إنها عملٌ من أجَلِّ وأعظم إنجازاته.



صدقوني يا مخلوقاتي الهشّة.. لم يكن من السهل علي قبول مهنة إله، كما أنه ليس فخراً أبداً أن أعترف أمامكم بأني الآن إله متعَبٌ جداً. كثير من مخلوقات هذه الأكوان، وبالتحديد البشر، لا يعرفون ما هو الإله، ولا يُدركون ماهية وظيفته، ولا يقدّرون الخَلق، ولا يُقيّمون نعمة الحياة. هذه إشكالية كبيرة ما زلنا نحن مجتمع الآلهات والآلهة نبحث عن حلول لها. أخفقنا كثيراً، وما زلنا نخفق في توضيح دورنا الحقيقي للمخلوقات، وفي شرح ماذا تعني هذه السرمدية الكونية.



قبل أن أبدأ بسرد مذكراتي عليكم، رأيتُ أنه من الأفضل أن أذكر لكم شيئاً من سيرتي الذاتية قبل أن أرشح لمنصب إله. منذ فجر التكوين-كما تعلمون- والأسطورة الإبداعية المذهلة، ما هي سوى سيرة ذاتية للآلهات والآلهة، سواء كانوا أوثاناً ملموسين جامدين، أو رموزاً محسوسة مجردة.



حكايتي بدأت حين ولِدتُ من رحم قوة خارقة مذهلة. وجدتُ نفسي وكأني طفل صغير لأم جبارة، لديها أحلام وأمنيات وخِطط لا تُصدق، ولا يمكن أن تخطر ببال احد. نسجَت لي تلك القوة شبكة من الفرص النادرة، وفتحت لي أبوابا جميلة، ومهدت لي ُسبلاً مثيرة، وأقحمتني في تجارب مثرية لكي تجعل مني إلهاً رائعاً مخلداً. وبالمناسبة، أنا لم أكن تجربتها الأولى ولا الأخيرة، لكنني إحدى تجاربها الناجحة.



في بداية الأمر لم يكن لدي تلك الرغبات ولا حتى الطموح في أن أكون كما أرادت لي تلك القوة. لكن بعد أن خضتُ دورات تدريبية، تطورت مهاراتي بشكل عجيب، وصرتُ الأول (مكرر) على دفعتي بحكم ذكائي الخارق، وبديهتي السريعة، ونباهتي المتجددة، وعبقريتي المتقدة. كنت أعمل وأحقق النجاح تلو النجاح في جميع المجالات بشكل مذهل، وأطلب المزيد بدون كلل أو ملل. آنذاك اكتشفت أن القدر رسم لي طريقاً لا مفر منه وهو أني سأكون إلهاً عظيماً في يوم ما. بالمناسبة، أنا لم أكن الوحيد ذا المميزات المذهلة، بل كانت هناك الإلهة التي تُدعى إلهة الإناث. كانت تنافسني في كل شيء بنعومة، وتتحدى ذكائي برقة، وكثيراً ما كانت تتغلب وتتفوق علي بجدارة أنيقة. نحن الإثنان نلنا تقديراتنا بنجاح مبهر معاً، وتوجّناه بمرتبة شرف راقية.



بعد تخرجنا من الدورة الإلهية، قررت القوة الخارقة المدبرة، أن أعمل مع إلهة الإناث، لأننا نمتلك قدرات وقوى لم يمتلكها أحد غيرنا قط. توسمت القوة المدبرة فينا خيراً، وشَعرَت بأننا سنشكل فريقاً ناجحاً، لأن لدينا المؤهلات اللازمة. سلّمتنا القوة مشروعاً ضخماً، وزودتنا بجميع الأدوات والطرق التي نحتاجها لنجاح ذلك المشروع. وأعطتنا مدة محددة لإنهائه. كان المشروع عبارة عن إنشاء كوكب من العدم، وتحويله إلى مسكن لمخلوقات حية. الجميل أنها تركت الخيار لنا فيما نراه صالحاً وغير صالحٍ للمشروع..



كنا نحن الاثنين مكملين لبعضنا البعض. قراراتنا توافقت، وخططنا الجهنمية كانت تصب بشكل فعّال في خدمة الهدف. شكّلنا وعجنّا معا كوكباً قابلا للحياة، وكان ذلك أهون الأمور، لأن الكون مليء بتلك الكواكب المعتمة الحية، والوصفة كانت سهلة التنفيذ. المقادير أيضاً كانت متوفرة، والظروف سانحة. خـلقُ الكوكب لم يستغرق معنا وقتاً طويلاً ولم يتطلب مجهوداً كبيراً، كان في منتهى البساطة "كخَبز قطعة كعكة" كما تقولون أنتم البشر.



بعدها، أنا وإلهة الإناث اقتسمنا المهام، وصار كل واحد منا يعمل بجدية ومثابرة. إلهة الإناث كانت حريصة جداً في عملها. كانت تهتم بأدق التفاصيل في صياغة مخلوقاتها الأنثوية. كانت تتروى، وتتحرك بتريث مصبوغ بهدوء جميل، وذوق رومانسي راق. كانت، وهي تصنع إناثها، تراعي قضايا ميكروسكوبية كثيرة، وتصرف وقتاً في حيثيات بسيطة ودقيقة وأحيانا معقدة. كانت تؤمن بأن الاهتمام بالشؤون الصغيرة أمر أساسي لنجاح أي مشروع كان، وأن كل صغير يصبح له دور كبير إذا نحن أعطيناه ما يستحق من مجهود وطاقة ووقت ومساحة للحركة.



أنا على الضفة الأخرى كنت عكسها تماماً، كنت أركّز على الصورة الكبيرة. كانت التفاصيل والحيثيات الدقيقة أموراً ثانوية في صنع مخلوقاتي الذكورية، لأني أعتقد أنها ستأتي كتحصيل حاصل مع الوقت، وإن لم يأت بعضُها فهذه دلالة صريحة على عدم أهميتها. كنت أحس أن الهدوء والتريث والبطء أشياء تفقدني تأججي ومثابرتي وتطفىء شعلة إبداعاتي. إن خوض التجربة بحماس وبسرعة وبنجاح يمدني بشعور بالمجد لا يضاهيه شيء. حين بدأت بسبك الذكور لم أكن أهتم كثيراً بخلجاتهم الدقيقة الناعمة، ولا بأمورهم الميكروسكوبية التي أراها مملة أحياناً. فلسفتي في الخَلق تتلخص في أن النتاج النهائي هو الأهم، واختباره على أرض الواقع يحدد كم من التفاصيل سيحتاج أن أعتني بها أو أعالجها فيما بعد.



عملنا سوياً بانسجام. كان كل واحد منا له فلسفته في الصنع. كانت خبرتي مكملة لخبرتها، ونصفي مكمل لنصفها، وإبداعي مكمل لإبداعها. مرت القرون وانتهينا من المشروع في الزمن المحدد له. بعدها حان الوقت لتدوير الساعة. كنا ندرك جيداً أنه بعد أن تتحرك تلك العقارب، لا مجال لإعادة الصياغة، لذلك أمددنا مخلوقاتنا بمقومات خاصة لتدعمهم وتساعدهم على التكيف مع متغيرات الحياة وتقلبات مناخها.



تبوأت (القوةُ المدبرة) العرشَ. أدت الطقوس المعروفة عندما يتم إحياء إحدى الكواكب السائرة في الأكوان الأزلية. دقّت الساعة معلنة بدء نبض الحياة على ذاك الكوكب النَضر. سارت عجلة الزمن بالوتيرة المتوقعة. كل شيء كان على خير ما يرام في تلك الدنيا، وكل مخلوق كان متوجهاً إلى المسار الصحيح الذي يناسبه ويتلاءم مع مؤهلاته. غمرتني الفرحة كما غمرت رفيقتي إلهة الإناث. كنا حينها أروع إلهين عرفهما التاريخ. احتفلنا معا بكؤوس الشمبانيا وبرقصات الملائكة.



لكن لم تكن هذه هي النهاية السعيدة لقصة ذاك الكوكب الجميل. توقعاتي لم تكن في محلها، فبعد عبور قرون من الزمن أخذت مخلوقاتي الذكورية تحوِّل دورة الحياة الرائعة إلى صراع بشع ومرّوع من أجل وَهَم البقاء. لم أتصور أن الآلهة تُخطيء يوماً في حساباتها، لقد انتابني شعور بالقلق والخيبة. صرتُ أفتش في آليات صنعي والطرق التي أعرفها لأصحح العطب الذي أصاب مخلوقاتي الذكورية قبل أن تحل كارثة.. هل العطب في العقل؟ هل هو في القلب؟ أم أن النفس من الأساس لم تكن متعافية ونقية..؟؟ لا أدري ما الذي جعل منهم مخلوقات غير سوية..لا أدري كيف لمخلوقات بهذا الذكاء والإبداع والتفوق أن تتسبب في تلويث ذلك الكوكب المتألق وتهديمه..لا أدري..لا أدري..



كنت دائماً أتباحث مع إلهة الإناث عن النتائج التي توصلنا إليها ..كان تحليلها لما يجري هو أن التفاصيل كانت مهمة جدا... الآن صارت تظهر تداعياتُها على خَلقها وخَلقي...



بدأت أشعر برجفة.. انتابني ألم غريب.. أحتاج لأن أتوقف عن الكتابة.. سأتواصل معكم غداً.. أو ربما بعده.. فأنا أحس الآن بأني إله متعب متعب جداً...



وللحديث بقية...

metransparent.com
05-14-2006, 07:37 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #2
مذكرات إله متعب جداً
يا أخ arfan:

ينقصك قراءة كتاب أثق أنه سيعجبك جدا و له نفس عنوان موضوعك و اسم الكتاب هو "مذكرات الله" LE MEMORIE D'IDDIO, 1911 للمفكر الإيطالي جيوفاني بابيني و قد أمتعني جدا هذا الكتاب. باقدر أبعت لك إياه إذا بدك بس بالانكليزي مش بالعربي و يمكن تترجموه و تنشروه عنكم.

بالمناسبة، مقالك المبدع الجميل هذا، من/ ما هو مصدره؟ أنا مهتم بهذا النوع من الكتابات؛ فشكرا جزيلا لك.
05-15-2006, 01:32 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #3
مذكرات إله متعب جداً
شكرا


http://www.metransparent.com


روزا باركس
05-15-2006, 05:40 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #4
مذكرات إله متعب جداً

ألف شكر. سأبحث عن كتابات روزا باركس.

(f)
05-15-2006, 07:10 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مذكرات آسرة لجندي عراقي عن حرب الخليج الأولى وليد غالب 7 3,911 07-11-2010, 12:50 PM
آخر رد: على نور الله
  وثائق التآمر الإيراني على العراق : قراءة في مذكرات مسؤول بالأمم المتحدة عزالدين بن حسين القوطالي 31 5,826 09-17-2008, 02:53 PM
آخر رد: عزالدين بن حسين القوطالي
  شمعون بيريز: نتيجة الحرب كانت انهياراً نفسياً كبيراً جداً أبو خليل 12 2,032 03-27-2007, 11:49 AM
آخر رد: أبو خليل
  مذكرات ارهابي arfan 3 764 08-31-2006, 02:42 PM
آخر رد: arfan
  مذكرات إله متعب جدا (2) arfan 1 460 06-26-2006, 04:17 PM
آخر رد: arfan

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS