يمان زيتوني
أثار رفع لاعبي المنتخب الغاني لعلم إسرائيل احتفالاً بتحقيق انتصارهم الأول في تاريخ النهائيات على حساب المنتخب التشيكي القوي غضب الشارع الرياضي العربي الذي استنكر هذا التصرف الغريب بشدة.
ووسط الزوبعة الإعلامية التي أثيرت حول هذه القضية والتكهنات التي حاولت تفنيد الدوافع التي جعلت لاعبي بلد يمثل المسلمون 30% من سكانه إلى رفع علم أسوأ كيانٍ عرفه البشر وأكثرهم ظلماً، حاولت أن أبحث عن سبب منطقي لمثل هذا التصرف الغريب فلم أجد علاقة تربط لاعبي غانا بإسرائيل إلا احتراف أربعة من لاعبيها في أندية الدوري المحلي هناك.
توقفت هنا لأتساءل: هل يعقل أن يكون تصرفاً عفوياً تلقائياً تعبيراً عن امتنان أولئك المحترفين لأنديتهم التي أعطتهم الخبرة الكروية الكافية لتحقيق انتصار مؤزر على منتخب أروربي عتيد مثل التشيك؟! لا، لا يعقل أن يشعر محترفوا إسرائيل بالإمتنان لذلك الدوري الضعيف الذي لا يجرؤ عاقل على مقارنته بدوريات القمة الأوروبية كالدوري الإيطالي والإسباني والإنكليزي.
وإذا ما أعدنا النظر في تشكيلة غانا بالتحديد، لوجدنا عدد من لاعبيها يحترفون في أندية المقدمة في أوروبا، كلاعب الوسط مايكل ايسيان الذي يلعب لتشلسي الإنكليزي، والمدافع صامويل كوفور الذي وصل ذروة المجد بعدما فاز بدوري أبطال أوروبا مع بايرن ميونخ الألماني قبل أن ينتقل إلى روما الإيطالي، ولاعب الوسط ستيفان ابياه الذي بدأ مسيرته في الـ "كالتشيو" الإيطالي قبل أن يحط رحاله في فناربخشه التركي، ومع ذلك لم نر ايسيان يجول في الملعب رافعاً علم إنكلترا، ولا رأينا كوفور يحتفل مع زملاءه رافعاً علم إيطاليا أو ألمانيا، ولا حتى ابياه يلوح بالعلم التركي الأحمر.
والغريب في هذه القضية أن لاعبي غانا المحترفين في إسرائيل يعيشون عن قرب مآس الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، ويشاهدون بأم أعينهم الانتهاكات الإنسانية التي تجرم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ومع ذلك لم يترددوا برفع علمها بدلاً من رفع العلم الغاني.
والمثير هنا أن عدد من كبار لاعبي أوروبا الذين لا يملكون خلفية كافية عن الوضع في فلسطين المحتلة رفضوا اللعب ضد المنتخب الإسرائيلي لما تقوم به إسرائيل من انتهاكات في حق الإنسانية، وعلى رأسهم حارس المرمى الفرنسي فابيان بارتيز الذي رفض السفر للأرض المحتلة للعب ضد إسرائيل في مشوار بلاده في التصفيات معللاً امتناعه اللعب ضد منتخب يقتل الأطفال الأبرياء.
ومن الأمثلة الشهيرة أيضاً، تحرج اللاعب الفرنسي الجزائري الأصل المشاركة مع منتخب بلاده أمام إسرائيل، وانتقال اللاعب السويدي زلاتان ابراهيموفيتش من اياكس امستردام الهولندي إلى يوفنتوس الإيطالي هرباً من جماهير الفريق المحبب لدى يهود هولندا.
في المقابل، رأينا لاعبي غانا أمس يحتفلون بفوز بلادهم برفع علم دولة أجنبية ضاربين بعرض الحائط مشاعر زملاءهم من مسلمي الفريق وحماس مشجعيهم في الدول العربية والإسلامية، وما أكثرهم، بل ومشاعر الجماهير الغانية التي أؤكد أنها تفضل رفع علم بلادها بدل من علم دولة أجنبية مهما كانت.
على الرغم من أني لم أجد رقماً محدداً لنسبة اليهود في غانا، إلا أن من المعروف وجود بعض العائلات ذات الأصول اليهودية في إفريقيا. وحتى لو كان اللاعبون يهوداً، فلا يعد ذلك مبرراً لهم لرفع علم لا يمثل يهود العالم، بل يمثل دولة اتخذت من العنف والخيانة والغدر والاغتيال مذهباً في تحقيق مطامعها ومآربها في المنطقة.
لم يعترض أحدنا عندما شاهدنا لاعبين نصارى يؤدون الصلاة بعد تسجيل هدف، ولم نسمع أي انتقادات غربية على سجود لاعبينا العرب والمسلمين أيضاً، فهي في النهاية شعائر دينية يفترض فيها حرية التعبير. أما عندما يأتي الأمر إلى دعم، بل والفخر برفع علم دولة قائمة على سفك الدماء واغتصاب أراضي الغير، فالأمر حينها يتحول من شعائر دينية إلى مواقف سياسية، أو لنقل عواطف سياسية تعبر عما في صدور أصحابها.
وأتسائل هنا، هل كان الإتحاد الدولي لكرة القدم والذي يحظر على اللاعبين إظهار مواقفهم وانتماءاتهم السياسية سيلتزم الصمت كما التزمه مع لاعبي غانا لو رفع لاعبو السعودية أو تونس أعلام العراق وفلسطين في ميادين اللعبة؟ أم أن إقحام السياسة في الرياضة صار حكراً على من يؤازر إسرائيل فقط؟
يبقى السؤال المحير هنا: لماذا احتفل لاعبو المنتخب الغاني برفع علم إسرائيل؟ هل هو تصرف "مدفوع الحساب" كما وصفه البعض؟ أم تعبير عن امتنانهم للدوري الإسرائيلي؟ أم هو فعلاً تصرف عفوي لا يراد من ورائه شيء؟
http://www.alarabiya.net/Articles/2006/06/18/24850.htm