الذوادي ورحلة نضال
رحل المناضل أحمد الذوادي حاملاً في قلبه وطناً
إعداد: زهرة الحمدان
غيب الموت أمس شخصية سياسية بارزة واسما مضيئا في تاريخ الحركة الوطنية والسياسية البحرينية منذ الخمسينات ومؤسسا بارزا في جبهة التحرير الوطني في عام 1955 اول حزب يساري في الخليج، وهو ناشط عمالي قدير تشهد له منابر المؤتمرات في المحافل الدولية، عشق تراب وطنه وذاق مرارة النفي والسجن من اجله ومرارة المرض وهو عائد الى وطنه...
الى تراب وطنه يعود بعد 68 عاما هي عمره الذي أفناه وقضاه بين اقبية السجون ووحشة المنفى من اجل مبدأ وقضية ومن اجل وطن حر وشعب سعيد. أحمد الذوادي من مواليد 1938م من سكنة المنامة وازقتها، ولد من عائلة فقيرة ومتدينة واستطاع بصبره وجلده وحكمة أخيه خالد ان يكمل الابتدائية، لينخرط في العمل السياسي وعوده لايزال اخضر يافعا، ليبدأ المشوار الصعب الذي اكده الذوادي نفسه في اكثر من مناسبة، حيث يقول انه لو خير له ان يختار مشوار حياة من جديد لما اختار شيئا آخر.
في عام 1955 ساهم مع رفاق له في تأسيس جبهة التحرير الوطني، التي لاقت تجاوبا كبيرا ونفوذا بين أوساط الشعب من مختلف قرى ومدن البحرين مع مبادئها في التعبير عن هموم الناس وتطلعاتهم، وقد تزامن ذلك مع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 وتصاعد الحس الوطني والقومي لجميع الشرائح والطبقات لتستغل هذه الفترة ذريعة لشن حملات الاعتقال الواسعة في صفوف كوادر الجبهة. بين العامين 1957 و1958 صعدت الحركة السياسية فيها من امكانياتها لتصل الى مرحلة من التوازن مع الاجهزة الامنية، حيث استفادت الجبهة من التعرف على الاساليب التي تتخذها الجهات الامنية في التربص بالوطنيين والحيلولة دونها.
وبعد عام 1958 شهدت الاجهزة الامنية تطويرا في اجهزتها من خلال الاستعانة بالخبرات المدربة لتحكم سيطرتها وتقمع أي تحرك وطني.
وتعرض أحمد الذوادي للاعتقال في عام 1961 لأول مرة حيث امرت السلطات بنفيه الى خارج البلاد فغادر الى قطر التي منعت دخوله فذهب الى الكويت وامضى فيها قرابة 10 أشهر بعدها غادر الى لبنان وبقي فيها حتى اواخر عام 1964، ومن ثم غادر عائدا الى البحرين وكانت العودة طبيعية دون مشاكل نظرا إلى انتهاء فترة النفي التي لا تعلن مدتها في العادة ليعمل في شركة عبدالرحمن الزياني مجددا.
في عام 1966 وقعت انفجارات في سيارات لاثنين من ضباط الامن مما اثر على الوضع الامني سلبا واتخذت السلطات جميع الاجراءات لملاحقة الوطنيين واتصلت بأسرة احمد لمطالبتها بخروجه من البحرين بشكل فوري، فغادر البحرين الى الامارات المتحدة وبقي فيها سنة ثم توجه الى مصر واصبح ممثلا رسميا وحيدا لجبهة التحرير الوطني وتم نسج علاقات جيدة مع مختلف الحركات الوطنية والمشاركة في المؤتمرات التضامنية ومؤتمرات الاحزاب الوطنية والتقدمية. وبعد رحيل جمال عبدالناصر كانت هناك تلميحات بالتخفيف من حدة النشاط السياسي ولو انها لم تمارس كضغوط. وفي 1971 خرج الذوادي من مصر وعاد الى بيروت وشكلت تلك المرحلة فترة هامة في تاريخ التنظيم الحركي والسياسي واصبح للجبهة قاعدة تنظيمية عريضة ومجلس تضامن من مختلف الحركات الوطنية في العالم. وفي 1973 عاد الى مصر مرة اخرى وبقي فيها حتى جرت انتخابات المجلس التأسيسي في البحرين وبعدها المجلس الوطني (البرلمان) في عام 1975 وتم انتخاب شقيقه المرحوم خالد الذوادي نائبا في البرلمان وتم إصدار جواز سفر له وعاد الى البحرين في ظل الانفراج السياسي الجزئي في تلك الفترة، وعمل موظفا لكنه لم يبق طويلا، ففي عام 1974 شهدت البلاد اعتقالات واسعة شملت عددا من الوطنيين والناشطين السياسيين، وألقي القبض على الذوادي بحجة تشويه سمعة البحرين في الخارج وبقي في المعتقل حتى عام .1979 في نفس عام 1979 استقر في البحرين فترة، وتزوج من الشاعرة حمدة خميس في عام 1980 ورزق بابنته مريم وانتقل للعمل مع شقيقه خالد وتعرض شقيقه لمضايقات من اجل فصله من العمل لكن ذلك لم يتحقق ففضل الخروج من البحرين في عام 1983 واستقر في دولة الامارات مع زوجته التي انجب منها ابنهما (قيس). 1986 كانت فترة قاسية على التنظيم في الداخل ولكن الذوادي لم يعش تلك الفترة لكونه بعيدا عن الحدث وتلقى التنظيم ضربة قاسية وجهت الى الكوادر وخاصة الشابة منها حيث استشهد الدكتور هاشم العلوي في السجن خلال تلك الحملة. وفي 1987 انتقل الذوادي الى سوريا ولبنان وكانت الساحة اللبنانية تشتعل بالحرب الاهلية وعاصر كوادر الجبهة تلك الفترة مع اشقائهم اللبنانيين وخرجوا منها بعد الاجتياح.
عاد الذوادي الى البحرين في مارس 2001 وقام بكتابة العديد من المقالات في الصحافة المحلية التي تناولت الجانب المحلي، وذكر في مقالاته (عاشت البلاد نقلة نوعية وهذه حقيقة يجب الإقرار بها، وانتقلت البلاد من حكم الى آخر لكن علاقة الحكم بالناس اختلفت بشكل كبير). وكان أمله ان يتعزز دور المجلس التشريعي كسلطة تشريعية لتغدو الحياة الديمقراطية جزءا من حياة المواطن ويمارس حقوقه وحريته من خلال تلك الديمقراطية.
قصة الذوادي مع المرض:
فوجئ الذوادي بإصابته بسرطان القولون في عام 1995 وهو في سوريا واجريت له عملية واستمر في العلاج الكيماوي والوقائي مدة خمس سنوات واكتشف بعدها انتقال المرض الى الكبد ونصحه الاطباء بمتابعة العلاج في فرنسا حيث اجريت له عملية اخرى في الكبد ولكن المرض انتقل الى الرئتين.
ورغم مرضه ظل متواصلا مع زملاء دربه في جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي رغم ابتعاده القسري عن مهامه التي عاش من اجلها.
رفيق دربه عبدالجليل النعيمي يرثيه:
اشعر بالفعل بأني فقدت رفيق درب عزيزاً علي وعلى الكثير من الزملاء الذين عايشوه، وعزيزاً على الحركة الوطنية في البلاد منذ الخمسينات وحتى اليوم.
شعبنا يعرف هذا الانسان الذي يعد عنواناً للتضحية والنضال الدؤوب من اجل أهداف محددة وواضحة لا يحيد عنها. اتسم بالتواضع والتسامح في تعامله حتى مع من يضمر له غير الود أحيانا. في سيرته النضالية اليومية أو كتاباته ترك لنا ارثا يستفيد منه من يودعه اليوم ومن سيأتي بعدنا من الأجيال.
لهذا الانسان سمعته الكبيرة الطيبة ليس في اطار حدود البحرين وحدها بل في منطقة الخليج والجزيرة العربية ومن عرفوه منذ الخمسينات ومن حركة التحرر الوطني العربية والعالمية وكذلك الحركة العمالية العالمية. عرفته وعرفت قدمه المحافل والمؤتمرات الدولية المكرسة للتحرر والتقدم الاجتماعي. بكلمة واحدة نحن أمام معلم من معالم بلدنا يستحق التكريم والتخليد.
عبدالرحمن النعيمي يرثي أبوقيس:
قبل سفره الأخير الى ألمانيا وبالرغم من الألم الشديد الذي يشكو منه، وعدم قدرته على الوقوف والمشي فقد كان مصرا على الحوار حول الأوضاع السياسية الراهنة، وحول المشروع الإصلاحي. لم اعرف له هموما خاصة، في المنفى وفي الوطن، سوى هموم الوطن والامة، وحيثما كان موجودا فهو مع المناضلين ضد الإمبريالية الأمريكية والصهيونية وهو مع المناضلين من اجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فان أصدقاءه كثيرون في البلدان العربية وعلى المستوى العالمي.
آمن بحق شعبه في الاستقلال والديمقراطية منذ الخمسينات عندما قرر مع رفاق له ان يؤسس جبهة التحرير الوطني وآمن بالناس، البسطاء، الفقراء، العمال، الفئات الأكثر انسحاقاً، الذين يصنعون التاريخ بعملهم وجهدهم وبالتالي لابد ان يكون لهم حزبهم، الذي يسترشد بالمبادئ والقيم التي تعبر عن مصالحهم.
وكان صادقا في مسيرته النضالية الطويلة التي امتدت أكثر من نصف قرن، أبحر فيها الى العديد من البلدان العربية والأجنبية لينقل لهم رسالة شعبه والطبقة العاملة، بأن هذا الشعب يريد الاستقلال والحرية والديمقراطية وانه على استعداد لتقديم التضحيات الكبيرة من اجل هذه الاهداف النبيلة.
رحلت يا أبا قيس وقد عدنا الى ارض الوطن.. بعد ان ترحمنا على رفاق فارقوا الحياة في المنافي كعزيز ماشاء الله،، وبالرغم من طموحاتك في وطن حر وشعب سعيد فإن التيار الكبير الوطني والديمقراطي الذي تنتمي اليه سيواصل رفع الراية من اجل غد افضل نحلم ونعمل من اجل تحقيقه.
المنبر التقدمي ينعى فقيد الشعب أحمد الذوادي
أصدر المنبر الديمقراطي التقدمي بيانا نعى فيه فقيد الشعب والشخصية الوطنية البارزة أحمد ابراهيم الذوادي، الذي انتقل إلى رحمته تعالى صباح أمس عن عمر ناهز الـ 68 عاما.
أفنى أكثر من 50 عاما منها في النضال من أجل الاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي. وفي هذه المناسبة يعاهد أعضاء المنبر قائدهم بمواصلة درب نضاله الطويل.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/Articles.a...=170989&Sn=BNEW