اقتباس:  نبيل حاجي نائف   كتب/كتبت  
ويمكن أن نضيف أن من أهم أسباب نجاح الغرب  
الغنى الاقتصادي الناتج عن وفرة الإنتاج الزراعي الذي أدى إلى نشاط التجارة والتبادلات بكافة أشكالها .  
فهذا كان الدافع والمحرك الأساسي لإنتاج منظومات معرفية وأخلاقية ( تنظيمية وقيمية ) متطورة وفعالة تحقق النمو والازدهار , وتجاري الأوضاع المزدهرة .
أي حدثت تفاعلات وتطورات وتم اصطفاء الأنسب لهذه الأوضاع .
وبالمقابل كانت غالبية المجتمعات العربية فقيرة الإنتاج الاقتصادي , نعم كان لدى الإمبراطورية العثمانية وفرة وازدهار اقتصادي كبير , وإذا دققنا في منظومته الأخلاقية والإجرائية فإننا نجد أنه قد رافقه أيضاً تقدم للمنظومة الإجرائية والأخلاقية .
وأنت تعلم أخي وليد , أن الذي أحدث القفزة الكبيرة في تقدم المنظومة الإجرائية والأخلاقية ( التعاملات والتبادلات بكافة أشكالها ) لدى الغرب , هو حدوث الثورة الصناعية بالإضافة إلى الاستعمار هو الذي ولد الوفرة واتساع التبادلات ( التجارية والثقافية . . . ) كمياً ونوعياً , ونشوء الرأسمالية التي هي من أهم أسباب تقدم الغرب .  
إن أي نمو وازدهار لأي بنية مهما كانت ( فيزيائية أم حية أم اجتماعية أم فكرية . . . ) يلزمه توفر العناصر والقوى ( البنيات التحتية ) الأساسية اللازمة لذلك .

اقتباس:فكافة الحضارات العريقة أنتجت منظومات فكرية وتشريعية وأخلاقية وإجرائية متطورة تلائمها وتساعدها .  

فهناك جدل أو تبادل تأثير ( تغذية عكسية ) يحدث بين الواقع المادي بكافة مستوياته من جهة , والفكر والثقافة من جهة أخرى , يؤدي إلى تطور الاثنين معاً . أي تطور الواقع المادي والاجتماعي وتطور الفكر والمنظومات التشريعية والأخلاقية والإجرائية معاً .

الزميل المحترم / نبيل
تحياتي ,,
أوافقك الرأي تماما في تبادل التأثير بين كافة منظومات المجتمع - و قد كنت في طريقي لمحاولة الإجابة عن هذا الموضوع حين طرحت الأسئلة:
[quote]لقد تغاضى المحدثون الأوائل عن طبيعة كل منظومة - من حيث:
- هل هي سبب أم مجرد نتيجة محتومة لمنظومة أخرى؟
- و هل من الممكن تبني منظومة ما منهم كمنتج نهائي قابل للتطبيق بدون المرور على شرط وجود هذه المنظومة؟
- بل و هل من الممكن بمكان تبني منظومة ما بعد العمل على تجزئتها و إنتقاء ما نرغب منها؟
- هل تقف تلك المنظومات جنبا لجنب فقط و بدون أي تأثير متبادل - بحيث من الممكن أن تعدل في إحداها - دون أي تأثير يذكر على
لكن وجب علينا - درءا للخلط - أن نفرق و بحزم بين تأثير منظومة ما على الأخرى من حيث كونه تأثير مساعد أم شرطي. و هو أول سؤال في الأسئلة المطروحة بعاليه.
و كمثال لبيان هذا الفارق - نستعيره من علم الكيمياء - فهناك في بعض التفاعلات الكيميائية - يوجد عوامل أساسية لا يكتمل التفاعل الكيميائي بدونها نهائيا (مثل عناصر حد المعادلة الكيميائية الأول) - كما يوجد ما يسمى بعوامل تنشيط التفاعل أو العوامل المساعدة (مثل الحرارة في أحيان كثيرة).
و في حالتنا فالمنظومة المعرفية العلمية - هي منظومة شرطية - لكل من المنظومات الأخلاقية / الإجتماعية - هذا حين نقصد بها المنظومة الليبرالية بقيمها الأخلاقية مثل الديموقراطية و حقوق الإنسان و .. إلخ و كذلك المنظومة الإقتصادية - هذا إن قصدنا بها منظومة إقتصادية منتجة و متسقة و ليست منظومة إقتصادية تعتمد على بيع الخام و تسول كافة مقومات الحياة.
فبدون الخلفية المعرفية العلمية - لن يستقيم إعتماد الليبرالية بقيمها كمنظومة إجتماعية / أخلاقية - بل و يصبح مجرد المحاولة لإعتمادها في مجتمع ذو خلفية معرفية دينية مثل مجتمعاتنا هو مضيعة للوقت.
و على غرار العوامل المساعدة بالتفاعلات الكيميائية يأتي دور منظومة مثل المنظومة الإقتصادية لكي تبادل باقي المنظومات التأثير إيجابا في عملية لا منتهية من التأثير و التأثير المقابل دافعا كافة المنظومات للتقدم.
فالعلوم تولد التكنولوجيا مثلا - و التي بدورها تدعم القوة الإقتصادية لكي يتم إنفاق المزيد على الأبحاث العلمية و التكنولوجية - و كلا المنظومتين يؤثر إيجابا في المنظومة الأخلاقية / الإجتماعية التي تعود بدورها للتأثير عليهما .... إلخ.

التقدم العلمي أحدث قطيعة معرفية غير مسبوقة في التاريخ - ليس فقط على المستوى المعرفي - بل على كافة المنظومات البشرية.
فأنت لو تتبعت طرف خيط أية منظومة متقدمة - فحتما ستجد الخلفية المعرفية العلمية في آخر هذا الخيط.
و إجتزاء أية منظومة بعينها و محاولة تبنيها بدون شرط وجودها هو درب من الخيال.

لك كل إحترامي ,,

على هامش هذا الموضوع

حالة غريبة من الإنتعاش نعيشها مع رائحة الدم و الموت. مع أخبار الخراب و الدمار. مع صيحات التخوين و العمالة و الدعارة التي نتقاذفها.
حالة غريبة من الإنتعاش - حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
يمكنك أن تشتم رائحة الإنتعاش في معظم السطور التي تتباكى على القتلى و التي تنادي بالإنتقام و التي تلقى بتهم الخيانة على الجميع.
حالة غريبة من الإنتعاش و النشوة في طلب المزيد من دماء الشهداء بالعشرات و المئات بل و الآلاف لكي نروي بها عطش أرضنا.
يمكنك أن تشتم رائحة الإنتعاش في كل سطور الجرائد الرسمية و القومية التي تتلقى مانشيتاتها من أجهزتنا الأمنية و السيادية ممتلئة بالنحيب و التباكي على أدياننا تارة و قوميتنا و عروبتنا التي تقف على محك الخطر تارة أخرى.
كما يمكنك أن تشتمها في المنشورات و الجرائد و الشرائط و الخطب الدينية التي تصرخ طلبا لرد المهانة و حث همم المؤمنين.

حالة غريبة من الإنتعاش حين يصمت صوت العقل - و يخاف المنطق و يختلط الحابل بالنابل و يسري قانون اللايقين.
حيث تتوارى عورات فشلنا بين أشلاء قتلانا و دماء أعداءنا.
حيث تتساوى صيحات القتال مع رغبات الإنتحار
و حيث نستطيع أن نبرر عجزنا عن الحياة بحبنا للموت.

[CENTER]تابع: متى و كيف بدأت الأزمة الحالية؟ و ما السبب المباشر فيها؟

تابع: المنظومة الأخلاقية الإجتماعية

كان نجاح المنظومة الأخلاقية الإجرائية الغربية في كونها منظومة متحركة - غير ثابتة و غير مقدسة - وضعها الإنسان و ليس الله - و لصالح الإنسان و ليس الله. و بالتالي فهي تمتلك خاصية ذاتية هائلة العبقرية على بساطتها و بداهتها - و هي القابلية للتجريب و التكذيب و التعديل - أي المرونة الكافية في طريقها الصعب لتمثل القيم الأخلاقية العليا لصالح أكبر قدر ممكن من البشر.

لقد تغير إذا جوهر المنظومة الإجرائية الأخلاقية تماما لصالح الحركة و ليس الثبات - فيما هو مناف و مضاد لطبيعة منظوماتنا الأخلاقية تماما.

و لكن لماذا تغير جوهر تلك المنظومة؟ و من هو الأب الشرعي لهذا التغيير؟

تغير جوهر المنظومة الأخلاقية القانونية لصالح الحركة و ليس الثبات و متخذا أكبر صالح ممكن لأكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع هدفا و لم يعد صالح الله و كتابه و كهنوته هدفا لهذه المنظومة.
لم يحدث هذا التغيير الجوهري هكذا بين عشية و ضحاها و من تلقاء نفسه. لم يحدث أن قرر المجتمع و فجأة التخلي عن كلام الله - لصالح ما يرى هو لنفسه.
بل حدث أن واقع سقوط كلام الله من عليائه - قد فتح الطريق للإنسان لكي يتكلم هو و يحدد مصالحه التي طالما هدرت لصالح الإله و كلامه شكلا و كهانه و الحاكمين بأمره فعلا.

لقد تتابع إنهيار الفرعيات و الأساسيات بالمنظومة المعرفية الدينية تحت معاول الإكتشافات العلمية المتتالية.
لقد إنهارت التفاسير و النظريات الدينية حول العالم الخارجي تحت معاول علوم الفلك الحديثة بدءا من جاليليو و غيره و علوم الفيزياء الحديثة.
و إنهارت نظرية الخلق تحت وطأة إكتشافات علوم البيولوجي و التقدم في علوم الحفريات و التاريخ.
و إنهارت حتى قدسية الأخلاق الدينية تحت معاول علوم النفس متمثلة حينئذ في مدارس التحليل النفسي و العلوم الإجتماعية.
و إنهار زيف المنظومة الإجتماعية الإقتصادية تحت التأثير الضاغط للماركسية و خلافها.
هذا بناهيك عن التأثير غير المباشر للعلوم و التي سبق توضيحه بهذا الشريط.

لم يعد من الممكن الإبقاء على المنظومة الأخلاقية الدينية حال إنهيار المنظومة المعرفية من تحتها.
و هذا لكون البنية الدينية تابعة بطبيعتها لقانون (الكل أو لا شئ).(*)
حيث تتراص منظوماته جنبا لجنب في نسق لا يقبل الإنتقاء - فالكل سليم أو الكل خاطئ. و سقوط أي منظوماته أو جزء منه يتبعه و بالضرورة سقوط الباقي.
فأخطاء الإله العلمية كانت كفيلة بسقوط أحكامه الأخلاقية تباعا. ناهيك عن تهافت هذه الأحكام أو عدم مناسبتها للأوضاع التي إستجدت حينئذ و لا تنفك تتغير للآن.

لم يحدث أن إنهارت المنظومة الأخلاقية بعامة للمجتمع الغربي بإنهيار المنظومة الأخلاقية الدينية. و هذا برغم التخوف المتحفظ من هذا الوضع. الذي يسمى بدوار الحرية.
لم يفلح هذا التحفظ المدفوع بالخوف من التغيير في الإبقاء على المنظومة المحتضرة - لأن مجرد الخوف المتحفظ لا يمثل دافعا في الإبقاء على منظومة اخلاقية فاشلة و غير مناسبة قد سبق و فقدت شرعيتها مع باقي المنظومات الدينية.
و في الواقع فلم يكن هذا التخوف بمحله - حيث أنه و على الأعم الأغلب بقيت القيم الأخلاقية العليا شبه ثابتة و ما تغير دائما هو المنظومة الإجرائية التي تتمثل تلك القيم.
أي أن الذي إنهار هو المنظومة الدينية الأخلاقية الإجرائية فقط و ليس القيم الأخلاقية بتاتا.
و قد كانت المرجعية العلمية جاهزة تماما لملئ الفراغ الذي تركته المنظومة الدينية الأخلاقية القانونية - و على أساس أشد ثباتا من ذي قبل - بل و غير مسبوق نهائيا.
لقد أخذت المنظومة الأخلاقية القانونية نفس أساس المنظومة المعرفية العلمية و هي المصلحة دافعا و التجريب لتحديد صحتها من عدمه هدفا.
لم يتم ربط المنظومة الأخلاقية القانونية هذه المرة بخطاب مقدس ثابت لتسقط بسقوطه و أصبح التغيير و الحركة فضيلة و ليس خطيئة - في عبقرية تجاوزت مشكلة الثبات المقدس و آثاره المدمرة.

كانت الحقيقة الموضوعية العارية هي الهدف للعلوم منذ البدء - بطبيعة ميكانيزم منهجها - و هذا بغض النظر عن أي تأثيرات أخرى.
و تباعا أصبحت الحرية (البحث و التعبير و .. إلخ) هي حصن العلوم و أكبر قيمة حماية لبنياته.

و تباعا ورثت المنظومة الأخلاقية القانونية الجديدة هذه الدوافع و الأهداف و القيم كأساس و دستور عام لمنظومتها الإجرائية.

الحق الموضوعي المجرد و الحرية تباعا هما دستور المنظومة القانونية الإجرائية و وسيلتها الناجحة لتمثل باقي القيم الأخلاقية العليا.

و بقدر نسبية الحق في العالم الحقيقي و العلم و السعي الدؤوب لزيادة نسبة اليقين منه مع الزمن - جاءت أيضا نسبية الحق في تلك المنظومة الأخلاقية الجديدة.
لم يعد هناك إذا حق مطلق - كل ما قاله فهو حق و إن كان خطأ صريح.

التغيير الحادث بين المنظومة الأخلاقية ذات المرجعية الدينية و الجديدة ذات المرجعية العلمية هو تغيير نوعي و جوهري شامل. على مستوى مجموعة القوانين و الإجراءات المنظمة للمجتمع - و لا يجب أن يغرنا أبدا وحدة القيم الأخلاقية العليا التي طالما كانت ثابتة.

فبينما كرست المنظومة الأخلاقية الدينية مجموعة تعاليمها و قوانينها الإجرائية لخدمة هدف حق مطلق ثابت لا يمكن أن يأتيه الفساد - بغض النظر نهائيا عن صحة تلك القوانين و ملاءمتها للواقع - بل و الكارثي بغض النظر عن كون نتيجة تطبيق هذه القوانين لم يخدم أبدا الغرض الذي تدعي سنها له - فكون الحق المطلق هو من سن هذه السنن - ففشلها يجب أن يعزى تباعا لمن تحكمه السنن و ليس لمن سنها. أو لإعتبار إختلاف الظروف التاريخية و المادية - فالقوانين و السنن ثابتة أيضا مع ثبات الحق المطلق الذي سنها.
و تباعا وجب قتل حرية البحث أو التغيير بهذه المنظومة أو خلفيتها.
و بتعبير آخر فالقدسية كلها أصبحت في المنظومة الإجرائية و ليس في هدفها السامي و هو القيم الأخلاقية العليا - حتى و لو أخل تطبيق هذه المنظومة الإجرائية بهدفه السامي في النهاية. فثبات المنظومة الإجرائية بثبات الحق المطلق لصاحب النص من خلفها هو الهدف.

نجد على العكس التام من ذلك - فالمنظومة الأخلاقية ذات الخلفية العلمية كرست مجهودها في إبتكار و تجريب مجموعتها القانونية غير الثابتة و التي تخدم - و بعكس المنظومة الدينية - الحق الموضوعي الخالص و بغض النظر عن أي إعتبار آخر - ناهيك عن عدم وجود أي قدسية من أي نوع في نصوصها - و تباعا فالحرية هي قدسها بعد الحق.
و بتعبير آخر فالقدسية في الهدف الذي تسعى لتمثله هذه المنظومة الإجرائية (القيم الأخلاقية العليا) و ليس في المنظومة الإجرائية ذاتها غير المقدسة و لا الثابتة - بل على العكس فالحركة من خصائصها في طريق تمثلها لتلك القيم.

أي أن كل من المنظومة الأخلاقية الدينية و المنظومة الجديدة ذات الخلفية العلمية يمثلان طرفي النقيض - و لا يمكن جمعهما بأي حال.
لقد إنخدع رواد التنوير الأوائل بوحدة الأهداف و القيم الأخلاقية العليا الواحدة - شكلا - بين منظومتنا الأخلاقية الدينية و المنظومة البراقة الوافدة الجديدة - و حاولوا ترويج المنظومة الواردة كمنتج نهائي مستقل و مقطوع عن سياقه على خلفية لا تقبل ذلك نهائيا كمن يخلط الزيت بالماء.

يتبع ,,

[CENTER]تابع: متى و كيف بدأت الأزمة الحالية؟ و ما السبب المباشر فيها؟

تابع: المنظومة الأخلاقية الإجتماعية

لم يستوعب المبشرون الأوائل بالحداثة هذا التغيير الهائل بين المنظومة الأخلاقية الدينية و تلك التي يبشرون بها.

فبالرغم من وحدة القيم الأخلاقية العليا لكلا المنظومتين و التي أغرت هؤلاء بمحاولة تمرير تلك المنظومة الوافدة لمجتمعاتنا إلا أنهم لم يستطيعوا تقدير التناقض الهائل بينهما:

فالمنظومة الأخلاقية الليبرالية تقف على أساس من الخلفية المعرفية العلمية الجديدة شديدة الصرامة و جوهرها الحركة الدائمة - لذا فهي شديدة المرونة و النسبية على صرامتها.
و لذا فقد جاءت المنظومة الأخلاقية الليبرالية لترث من أباها الشرعي جوهره المتحرك شديد المرونة و النسبية.و كما تغير مفهوم قيمة (الحق) بين الخلفية المعرفية العلمية و الدينية - فقد جاءت قيمة الحق في المنظومة الأخلاقية الليبرالية لترث نفس مفهوم الحق من أبيها الشرعي لكي يصبح الحق مصدره العالم الخارجي بالمعرفة العلمية التجريبية و يصبح اليقين به نسبي.
و تباعا جاءت قيمة أخرى و هي (الحرية) بمفهوم جديد أيضا يتمثل في طوق الحماية للأب الشرعي أولا (الخلفية العلمية) ثم للمنظومة الأخلاقية الليبرالية الجديدة ثانيا و هو مفهوم حرية البحث و التعبير و التجريب ... إلخ. و هذا بعد طول معاناة مع القيم القديمة الثابتة المقدسة وصلت لحد إعدام العلماء و الباحثين - إنتصرت بآخره الخلفية العلمية لكي يتم إشهار تلك القيم الجديدة كدستور للمجتمع الليبرالي المتحرك أبدا.

بينما تقف المنظومة الأخلاقية الدينية على أساس من الخلفية المعرفية الدينية المقدسة ذات الجوهر الثابت أبدا. لذا فهي شديدة التصلب.
و تباعا فالمنظومة الأخلاقية الدينية ذات جوهر ثابت بثبات قدسية النص. بل و مجرد التغيير أو الحركة في تلك المنظومة هو من الجرائم الكبرى فيما يعتبر خروج عن النص المقدس أو المعلوم من الدين بالضرورة.
و مفهوم الحق في هذه المنظومة هو نفسه في خلفيتها الدينية و هو ميتافيزيقي ثابت و مطلق اليقين و مصدره النص الإلهي و لا يخضع للمناقشة.
و بينما نجد الفكرة المحورية للدين و المتمثلة في الله لا تخضع أصلا للتجريب - نجد باقي قضايا النص و قد وجب حمايتها من هذا التجريب المدمر و هذا بتجريم قيمة الحرية بمفهومها في المنظومة الليبرالية تماما. و لكي يصبح مفهوم الحرية ملتويا مثل (الحرية هي العبودية لله و كلامه و رسله ... إلخ) أي نقيضها و هي الطاعة.

بوعي أو بدونه أخذ المحدثون الأوائل التشابه في ملفوظات القيم الأخلاقية العليا لكلا المنظومتين الأخلاقيتين حجة لتمرير المنظومة الوافدة:
- بغض النظر عن كون تلك المنظومة تقف على أساس من خلفية معرفية تمثل أباها الشرعي و عامل وجودها الشرطي.
- بغض النظر عن كون تلك المنظومة ذات جوهر متحرك مناقض تماما لجوهر كلا من خلفياتنا المعرفية و الأخلاقية الثابت المقدس.
- و أخيرا و ليس بآخرا بغض النظر أصلا عن الإختلاف التام بل و التناقض بين مفاهيم نفس ألفاظ و مسميات القيم التي ترأس تلك المنظومات من الأساس.

و جاء الفشل التام بالضرورة بعد تجربة قصيرة - لكي نمارس حالة من النكوص لقرون مضت.
و في الواقع فنحن لم نتمثل أبدا منظومة أخلاقية ليبرالية - و لم نتمثل أبدا أية تجارب ديموقراطية كما قد يبدو كذلك.
فهذه القشرة الرقيقة التي لبسناها على أجسادنا المتصلبة الخشنة قد تمزقت عند أول صدام حقيقي.

و بقى أن نحاول دراسة الميكانيزم الذي تبناه التنويريون لتمرير تلك المنظومة - و كيف تم الصدام المحتوم لحين فشل تلك المحاولات - بعد أن رأينا أسباب إستحالة هذا المزج الجائر بين المنظومتين.

يتبع ,,

مرحباً أخي وليد

حاولت الاضافة على هذه المداخلة والتي قبلها , ولكنني وجدت إضافاتي تحصيل حاصل .
صحيح أنه يمكن إضافة بعض الأفكار والشواهد وبعض التفاصيل ولكن يظل هذا غير أساسي .
فأنت بحثت طريقة انبثاق المنظومة الأخلاقية والاجرائية الحديثة بشكل موضوعي ودقيق جداً راعى أهم وأغلب العوامل الأساسية التي أدت إلى تشكلها, ورأي أن الفكرة التي تريد توضيحها تم توضيحها بشكل جيد .

لك كل احترمي ومودتي

مرحباً أخي وليد

حاولت الاضافة على هذه المداخلة والتي قبلها , ولكنني وجدت إضافاتي تحصيل حاصل .
صحيح أنه يمكن إضافة بعض الأفكار والشواهد وبعض التفاصيل ولكن يظل هذا غير أساسي .
فأنت بحثت طريقة انبثاق المنظومة الأخلاقية والاجرائية الحديثة بشكل موضوعي ودقيق جداً راعى أهم وأغلب العوامل الأساسية التي أدت إلى تشكلها .
ورأي أن الفكرة التي تريد توضيحها تم توضيحها بشكل جيد .

لك كل احترمي ومودتي

تابع

الزميل المحترم / نبيل

مجرد مرورك هو إضافة قيمة للشريط. يهمني رأيك على وجه الدوام.
و أستعير ما سبق أن قال لكم الزميل الفاضل / بهجت

اقتباس:مثل هذا التقدير يجعل ماعداه باهتا لا أثر له ، نعم نحن نخاطب الجميع و لكن ما يهمنا بالأساس هي النخب التي نبادلها الأفكار .

[CENTER]تابع: متى و كيف بدأت الأزمة الحالية؟ و ما السبب المباشر فيها؟

تابع: المنظومة الأخلاقية الإجتماعية

كيف مرر المحدثون الأوائل هذا الكم من التناقض؟ و كيف ظننا نحن - و إلى اليوم - بمرورنا بتجارب ليبرالية هنا أو هناك في هذا الزمن أو ذاك؟
بل و كيف نطالب اليوم بالليبرالية و الديموقراطية - أحيانا من الإسلاميين أنفسهم - كنظام أخلاقي قانوني - بدون أن يتغير شئ بعقولنا؟ كمن يطالب بمولود بغض النظر عمن يكون أباه؟

تم ذلك بإعتماد ميكانيزم متعدد المستويات:
1- إستخدم الأوائل - و مازلنا - تماثل القيم الأخلاقية العليا الفعلي أحيانا و اللفظي أحيانا و بدون المرور على تغير مدلولات الألفاظ إجرائيا - كماكانيزم مضمون لتمرير المنظومة الأخلاقية الجديدة.
و تم غض الطرف نهائيا عن التناقض الجوهري بين كلا المنظومتين.
2- كما تم إستخدام آليات موجودة سلفا بالفكر الإسلامي - سبق توضيحها بهذا الشريط - لتمرير أي تناقض على مستوى الصيغة النهائية لكلا المنظومتين (الشكل - القوانين الإجرائية المباشرة - القيم الأخلاقية الجديدة .. إلخ). و لإثبات و برهنة المنظومة الجديدة لتمريرها عبر منظومتنا الجديدة كأنها مولود شرعي لها - و ليست و على العكس من ذلك - النقيض العقلي لها.

فنجد على سبيل المثال مفاهيم مثل الديموقراطية - العقد الإجتماعي - حقوق الإنسان - حقوق المرأة و قد تم تمريرها عبر:
1- القيمة الأخلاقية العليا (العدل).
2- إستخدام آليات طالما قد أستخدمت قبلا مثل إبراز المواقف و السير و الأحاديث التي تؤيد ما يراد تمريره في دائرة الضوء - و كبت و كظم أي ما قد يتناقض معه في الجانب المظلم من القمر.

أليس الله هو العدل المطلق -> أليس كل ما يقوله عدل -> بالتالي فأي عدل يوافق كلام الله -> و بالتالي فما نرى جليا أنه عدل من حديث الديموقراطية و حكم الشعب و حقوق الإنسان و حقوق المرأة يتوافق مع كلام الله -> هو ليس بجديد فهو كلام الله إذا.
و قد تصل المتسلسلة السابقة - كما حدث بالفعل - لإستنتاج أن الغرب قد أخذ الإسلام موضع التنفيذ الفعلي - و هكذا حدث تقدمه العلمي و الإجتماعي - بينما تأخرنا بسبب عدم تنفيذ التعاليم حرفيا.
أو بمنطوق (الغرب إسلام بلا مسلمين - و الشرق مسلمين بلا إسلام).

و ظهر للضوء كلام الشورى في الإسلام و كيف كرم الله الإنسان و كيف كرم المرأة و أعطاها حقوقها .. إلخ. كما إختفى في الظلام كل ما قد يتناقض مع هذا الطرح.

لكن تناسى هؤلاء أن مفهوم العدل إجرائيا في الإسلام هو التنفيذ المطلق لكلام الله - مهما رأينا نحن بعقولنا القاصرة - أي أن العدل هو ذاته المنظومة الإجرائية (منظومة الأوامر و النواهي و السنن و .. إلخ) فالقيمة العليا (العدل) و المنظومة الأخلاقية القانوية الدينية قد توحدا في تشكيل لا يفترق.
فالعدل في الدين هو نفسه الإجراءات المناسبة للوصول إليه. و التي سنها هذا الدين. (الحاكمية لله).
و ليس العدل هو قيمة عليا - نسن قوانيننا الخاصة و المتغيرة حسبما الظروف المكانية و الزمانية - سعيا وراءها.

و بالتالي نعود و نناقض مفهوم مثل الديموقراطية مثلا حال إعتمادنا على هذا التدليس.
فمهوم مثل الشورى - لا يقترب من بعيد أو قريب من الديموقراطية الليبرالية.
فسواء جاء الحاكم بالشورى أو بالسيف فالأساس هو الحكم بكلام الله و سنة رسوله و ليس بما يتفق عليه المجموع. لكي يخدم مصالح المجموع.
و لا يصح تباعا مثلا الدفع بأنه طالما أعطى الدين للمرأة حقوقا لم تكن لها من قبله - نسبة لهذا الزمان - فلنا أن نكمل نحن إعطاءها المزيد - لمزيد من العدالة - نسبة لزماننا نحن.
فالدفع السابق يتضمن عدم العدالة المطلقة لما جاء به النص - مما يناقض الدين ذاته - و عودة لموضوع التفسير التفسير الزمني للدين أو التفسير منقطع السياق الذي لا يسمن و لا يغني من جوع.
و لن تكون مفاهيم المواطنة و حقوق الإنسان - هي ذاتها المفاهيم الليبرالية إذا - إذا ما أردت تطبيقها غير المسلمين مثلا (حتى من الرجال).

ليس من المستغرب إذا تحت مظلة هذا التدليس و التناقض أن ينص الدستور المصري مثلا على أن الإسلام هو مصدر التشريع - جنبا لجنب مع قوانين لا تمت للإسلام بصلة بل و تتناقض معه تماما.
و ليس بمستغرب إذا العجز المطلق و الرفض التام لمجرد فكرة محاولة إعادة كتابة الدستور المصري أو بعض بنوده - فإعادة الكتابة ستفتح أبواب الجحيم. و لن يتم تمرير التناقض الآن بأي حال.

و إحقاقا للحق - كانت العلامة الفارقة على طريق هدم هذا الفكر المدلس - هي كتابات سيد قطب.

فالرجل لم يحتمل هذا التناقض العقلي الصريح - و لم يقترف إثما يستحق عليه الإعدام - فنحن لو بدأنا من الإسلام مبدءا و مسلما - و رضينا به مصدرا لفكرنا و تشريعاتنا (كما ينص حتى الدستور الرسمي) لوصلنا لما وصل له سيد قطب - من جاهلية المجتمع الحديث و مبدأ (الحاكمية لله). لا يوجد تطرف في الأمر فقوانين العقل واحدة - و كل ما فعله الرجل هو إزاحة الستار عن التناقض العقلاني الواضح أصلا.

معاول سيد قطب كانت بداية هدم الخيال - و ليس الواقع - الليبرالي الذي تخيلنا أننا نعيشه.
سيد قطب لم يهدم - ولا حتى ينتقد - الفكر الليبرالي ذاته - بل هدم الخيال المدلس و الحالة غير المستقرة لمجتمع يحاول إعتماد منظومة أخلاقية و إجتماعية لا تتناسب و خلفيته المعرفية.

ماذا عن المنظومة المعرفية العلمية و كيف حاول الأوائل تمريرها ؟

[CENTER]تابع: متى و كيف بدأت الأزمة الحالية؟ و ما السبب المباشر فيها؟
المنظومة المعرفية العلمية و كيف حاول الأوائل تمريرها

كان من الضروري تمرير المنظومة المعرفية العلمية الجديدة لمجتمعاتنا بالرغم من التناقض الصارخ - و الذي أفرد له مداخلات منفصلة بهذا الشريط - بين الخلفية المعرفية الدينية و المنظومة العلمية - إلا أن تلك العملية قد شابها تشوهات مازلنا نعاني آثارها لليوم:
و للأمانة فالموقف كان و مازال شديد التعقيد - فالمنظومة الوافدة قاهرة - و غير قابلة للنقد أو النفي إلا من داخل نفسها - أي لا يمكن بحال الإكتفاء بنقدها أو نفيها من فكر ديني في عملية أشبه بفقدان العقل أو إنكار الرؤية و إنكار العالم من حولنا.
و في نفس الوقت فهي تصطدم مع منظومتنا الدينية على مستويات عدة منها المباشر و غير المباشر - كما تم توضيحه مسبقا أيضا.

أي و بإختصار فإن إنكار المنظومة الجديدة من المستحيلات - كما أن المنظومتان لا يتعايشان بعقل جمعي واحد بأي حال.

و بنفس منطق و آليات محاولات تمرير المنظومة الأخلاقية الإجتماعية تمت محاولات تمرير تلك المنظومة الجديدة و هذا بغض النظر عن كون تلك المحاولات التلفيقية واعية أم غير واعية:

- كان من المهم أولا و على مستوى غير مباشر نسبيا تفريغ المنظومة العلمية من جوهرها و هو الروح المنهجية العلمية و ملاكها الحارس ثانية و هو قيمة الحرية متمثلة في حرية البحث العلمي.
فالروح العلمية كما تمثل الأساس للعلوم - فهي تمثل العائق الأكبر و الصدام الأقوى مع منظومتنا الدينية.
و تم تمرير العلوم - و مازال - كمنتجات نهائية - غير مفهومة المصدر تدرس حفظا و كأنها مواد إستهلاكية مثلها مثل ما نستهلكه من تكنولوجيا أو خطوة لطريق المستقبل المهني ليس إلا.
و في هذا المقام كان لا بد من تفريغ المفاهيم الجوهرية لمنهج العلوم من مضموناتها - ليس هذا فقط - بل و قلبها رأسا على عقب.
ألا و هي مفاهيم الحركة الديناميكية و النسبية للحقائق في العلوم في مقابل الثبات الإستاتيكي لليقين المطلق لخلفيتنا المعرفية.

فمن الواجب أن ينقلب مصدر قوة دفع العلوم الجبار و هو الحركة و اليقين النسبي إلى مصدر ضعف لها في مقابل مصدر المعرفة المطلقة الذي نمتلكه.

و كان من الطبيعي إذا تحت وطأة هذا الخلط ألا نستطيع فهم ميكانيزم تطور علم ما - فنتخيل أن إحتواء نظرية علمية ما بأخرى هي تدمير للأولى فيما يعني خطأها و يالسعادتنا حال ظهور نظرية جديدة تنقد الأقدم لكي تحتويها بغرض مقاربة الحقيقة بشكل أفضل - فمعنى هذا خطأ النظرية الأولى و سيأتي زمن تظهر فيها نظرية ثالثة لتثبت خطأ الثانية و هكذا دواليك - فلماذا نتعب أنفسنا مع هؤلاء الأشقياء و نحن نمتلك الحقائق المطلقة؟

تم الخلط العمدي بين الديناميكية العلمية و نسبية اليقين و بين الفوضى التامة و العبث.

و هو خلط عمدي بالتأكيد - كون قوانين نيوتن للحركة مازالت تعمل على المقذوفات في الظروف الطبيعية بعد إكتشاف نظرية النسبية. فالمقذوفات لم تتمرد على نيوتن بحجة ظهور النسبية و تسقط بعيدا عما حدده لها.
و هو خلط عمدي بالتأكيد كون التطور الحيوي مازال يعمل قوانينه بعد إكتشاف الجينوم و الهندسة الوراثية.

أصبح الخلط هو شغلنا الشاغل - بين النقد للإحتواء وصولا لمكان أقرب و أعم من الحقيقة - و بين النقض و هو الخطأ التام للمنقود و كأنه لم يكن.
بين النسبية الموضوعية للعلوم - و النسبية الذاتية العبثية.

لكن و كما هو دائما الواقع بقسوته - تذهب جهود خلطنا المتعمد دائما أدراج الرياح - و لا يمكن أن يمثل أكثر من مخدر يدغدغ حواسنا حينا لكي نفيق على واقع نجد فيه أنفسنا لا نمتلك من أمور حياتنا إلا إستجداء منتجات هذا الفكر النسبي الذي نستعلي عليه.
عندما نفيق و نجد أن المقذوفات لم تتمرد بعد النسبية و لا بعد نظريات الكم أو لنجد التطور مازال يعمل قوانينه - و لنجد أن يقيننا المطلق لم يحدد لنا أين تسقط تلك المقذوفة و لو على وجه التقريب - حينئذ يلزمنا جرعة أخرى من هذا المخدر لكي لا نواجه أنفسنا أبدا.

فعملية الخلط العمدي عملية مستمرة - يلزمها إعادة إنتاج دائم لتيقى قيد الحياة.

- و نجد على مستويات أخرى مباشرة نسبيا إستخدام نفس آليات التلفيق الموجودة سلفا لدينا مثل إبراز النصوص و المواقف و السير و الأحاديث التي تؤيد ما يراد تمريره في دائرة الضوء - و كبت و كظم أي ما قد يتناقض معه في الجانب المظلم من القمر.
فمجرد نظرة للأحاديث و السير و النصوص المتداولة و المعتمدة لدى مجتمعاتنا يوميا ممثلة جل معارفنا في فترة من مائة عام لمائتين فقط في الماضي ثم اليوم نجد معظمها و قد إنزوى في الظلام و تم السكوت عنه و كأن لم يكن - و ضعف الإسناد أو الرواية أو .. إلخ - جاهز أبدا لكظم ما قد يظهر منه ثانية.
و في المقابل نرى نصوص أخرى و قد ظهرت لدائرة الضوء بعد لي أعناقعها و تحميلها ما لا يمكن أن تحتمل لكي تتوافق مع المنظومة الجديدة - أو لكي تحتويها و تدعي السبق عليها - و لم لا؟

و كعادتنا دائما فخلط مفاهيم الألفاظ من آلياتنا المفضلة - فنجد كلمات مثل (علماء) و قد أستخدمت لتطلق على كل من العاملين بمجال العلوم الحديثة الواردة - و على المشتغلين بسلك الكهنوت و رجال الدين. و كأنه مجال واحد.
و نجد لفظا مثل (العلم) و قد إستخدم للمعارف الدينية على السواء مع العلوم الحديثة - و أصبح للغرابة طلب العلم (الحديث) فريضة دينية في نفس الوقت الذي يجرم فيه جوهر و منهج هذا العلم و يتحول ملاكه الحارس و هو الحرية لشيطان يجب قتله في نفوسنا منذ الصغر.

و لا عجب أن نسمي رجل دين مثل الشعراوي أو بن باز عالما - و أن نتقبل منه تباعا أي إفتاءا علميا أو دينيا - فلا فرق.
و لا عجب إطلاقا - أن ننخدع في الخلط المركب - من رجال يحملون شهادات علمية في الطب أو الهندسة و يتحدثون في الدجل و الشعوذة بما لا يخص مجالات شهاداتهم من قريب أو بعيد و لا العلوم التي يتحدثون عنها من قريب أو بعيد - بل و الأدهى و الأمر فيما لا يخص حتى الدين من قريب أو بعيد فيما يسمى بالإعجاز العلمي في الدين أو العلم و الإيمان ... إلخ.

لكن و لمرة ثانية و ثالثة .. إلخ - تذهب جهود خلطنا المتعمد دائما أدراج الرياح - فعلى مستوى الواقع - لم ينتج هؤلاء المنظرين أي نظرية علمية حديثة - و لم ينقد أي نظرية قائمة و أيضا لم يأت بأي تكنولوجيا جديدة - بل و الأدهى لم يأت بأي شئ في مجال الدين أيضا.

يتبع ,,

[CENTER]تابع: متى و كيف بدأت الأزمة الحالية؟ و ما السبب المباشر فيها؟
المنظومة المعرفية العلمية و كيف حاول الأوائل تمريرها

المنهج العلمي و ليس العلوم بحد ذاتها - هي روح و سر التقدم العلمي الذي نرى منه آثاره و نتائجه و لا نستطيع تمثله و لا تطبيقه.
المنهج العلمي يمثل الوقود الدافع و الدائم لتقدم العلوم.

و لما كان المنهج العلمي الديناميكي هو أكبر مصطدم مع الخلفية الدينية الثابتة - فقد رأى المحدثون الأوائل تحييده و تفريغ كامل المنظومة العلمية التي يراد تمريرها لمجتمعاتهم منه. ثم إختيار ما تيسر من العلوم لتمريرها بعد ذلك و هذا بعد تقليم أظافرها و تطريم أنيابها و إستبعاد ما لا يمكن ترويضه منها.

حاول المحدثون تمرير العلوم في حد ذاتها منفصلة عن منهجها و
سياقها و دافع تقدمها - فكانت النتيجة أن أصبحت العلوم بالنسبة لنا مجرد سرد أو نثر ساكن نعامله معاملة الكتب الدينية "للحفظ فقط".

العلوم بالنسبة لنا دراسة و تدريسا هي فكر ثابت يجب حفظه و سرده و لا يحمل أية دلالات أخرى عن أصله و منهجه و طبيعته.
مثل راكب سقط سهوا من قطار شديد السرعة على أرض قاحلة - مفروض عليه فيها السكون و الثبات و العقم.

نحن نستذكر و ننجح و نتحدث و نعقد المؤتمرات عن الفيزياء و الكيمياء و الأحياء و الرياضيات .. إلخ - لكننا لا نستطيع تقديم أي جديد فيها - عدا المذكرات و المكافآت و الألقاب و الرتب العلمية.

و المشكلة ليست في درجات ذكاء نوابغنا - و لا في ندرة المصادر العلمية من الإبرة حتى العلوم النووية - بل في جوهر و طبيعة خلفية مجتمعاتنا المعرفية الإستاتيكي الثابت - و الذي تلتصق به أية معارف أو علوم ساقطة من سياقها لتأخذ معه صفته الساكنة فيما يسمى بحالة العقم أو الثبات State of Idle. فالبيئة الإجتماعية العامة بخلفيتها الحالية لا تسمح بالتقدم الجماعي نهائيا - و لن تسمح تباعا بالتقدم الفردي.

و لعلنا لا نستغرب الآن نبوغ بعضنا حين يتخذ وطنا مخالفا - فيمكن تشبيه وضعه على عكس المثال السابق - بمن ترك الأرض القاحلة و لحق بقطار سريع فأخذ عنه سرعته.

[CENTER]تعقيب[/CENTER]

البنية الإجتماعية هي بنية غاية في التعقيد - منظوماتها في حالة دائمة من التأثير البيني المتبادل في إحترام لقوانين لا يمكن تجاهلها وصولا لحالة الإستقرار الإجتماعي (الإستقرار الإجتماعي لا يساوي الثبات- فقد يكون مجتمع مستقر على الحركة مثل المجتمعات المتقدمة علميا أو مستقرة على الثبات مثل المجتمعات البدائية أو غير مستقرة نهائيا مثل مجتمعاتنا).

من بين منظوماتها ما هو مبني كاملا على فرض وجود منظومة أخرى - بحيث لا يمكن وجوده مسبقا على سببه الأساسي - لكن بعد ولادته الشرعية يأخذ دوره في التأثير و التأثر بباقي المنظومات - بما فيها المنظومة التي سببت وجوده.

و يمكن تشبيه البنية الإجتماعية بالقوى المتحكمة في إستقرار الجزيئات و الذرات أو المتحكمة في إستقرار الأجرام السماوية مثل قوى الجاذبية و القوى الكهروماغناطيسية و غيرها و التي تتوازن وصولا لحالة الإستقرار و حالة عدم توازنها يحدث الإنفجار و التشظي.

و يمكن تمثيل مجتمعاتنا بنفس المفاهيم الميكانيكية بحالة الإتزان غير المستقر (**) Unstable equilibrium و فيها يكون الجسم ثابتا مؤقتا لحال تأثير أي قوة إضافية و لو صغيرة جدا على مجموعة القوى المؤثرة فيه لكي يبدأ الإنقلاب على نفسه.

و من مفهومنا هذا:
- لن يمكننا تبني منظومة - مثل المنظومة الأخلاقية القانونية - بدون المرور على سبب تواجدها - و هي المنظومة المعرفية العلمية - ثم إنتظار أي رجاء كان.
و لذلك تمثل أغلب نداءات الديموقراطية الحالية بمجتمعاتنا دربا من العبث - و تصل لحد الفكاهة حين تصدر عن الجماعات الدينية.
- و لن يمكننا إستقطاع منظومات و إسقاط أخرى بحجة ما يناسب مجتمعاتنا - فهناك منظومات رئيسية مثل الخلفية المعرفية العلمية - لن يمكننا سوى تبنيها و هناك منظومات أخرى تعتبر نتائج تفاعل و لا يمكن تبنيها كمنتج جاهز نهائيا كالمنظومة القانونية الأخلاقية - بل و لا يمكن التكهن أو تنظيم نتائج هذا التفاعل سوى في حدود مقيدة. و تباعا فنحن لا نستطيع التكهن بما سيناسب مجتمعاتنا حالها.
- بل و لن يمكننا أبدا تجزئة منظومة و إنتقاء ما نريد منها و ترك الباقي. مثل أن نأخذ بعض نتائج و قشور المنظومة العلمية تاركين منهجها و جوهرها.

[U]فواقع الأمر هو إنعدام فرصة التغيير الإنتقائي نهائيا - فبعض المنظومات مثل الخلفية العلمية قبولها كاملة هو واقع قاهر و لن يلزمنا سوى إعمال النظر و إطلاق العقل لقبولها - و البعض الآخر هو نتائج لتفاعلات لن يمكننا تحديد مداها إلا بعضا من تنبؤ.[/U]

لم يكن الأمر بهذه السهولة و لا بهذا التسطيح الذي تبنيناه منذ بداية تفتحنا و صدمتنا الحضارية.
لقد خفنا من الإصطدام و قررنا التوليف و التوفيق و خلط النتائج بالأهداف و وضعنا رؤوسنا في الرمال - فكانت النتيجة هي العقم الشامل - فلا نحن ظللنا كما كنا - و لن نقدر - و لا نحن تغيرنا و تقدمنا.

لا يوجد شئ بدون ثمن - و لن نتمكن من سرقة النتائج بدون تعب و مشاكل - و الطريق مفتوح أمامنا - فيما يمكن أن يكون آخر مفترق طرق بتاريخنا كله.

و تحت ضوء ما سبق دعنا نعيد النظر مرة أخرى في بعض قضايانا الشاغلة و المحيرة أحيانا و المتناقضة أحيانا لكي نحاول تحديد ما هو حقيقي و مؤثر و ما هو زائف كل الغرض منه هو محاولة التغطية على التناقض الأكبر بعقولنا و تاريخنا كله.