نصر الله من جديد...
نصر الله ..مرة جديدة
حديث نصر الله اليوم جاء قريبا من مرافعات النيابة , توخى فيه أن يحشد أدلة ووقائع , تابع طريقته السابقه في الإبتعاد عن الإنفعال و الحماس,تحرر من الورق المكتوب و أنطلق مستعينا بروؤس أقلام كتبها أمامه , فجردها نقطة فنقطة , أخطأ مرة في العد فقال "النقطة الثانية" و كان يجب أن يقول النقطة الثالثة لأنه عدد نقطتين سابقين حين كان يتحدث عن الجغرافيا و القتال الميداني , و لكنه خطأ من يحصر إهتمامه فيما يقول , و ليس خطأ الوجل المتعجل,و لا يمكن أن نقارن خطأ تعداديا بسيطا, بخطأ أبو الغيط حين قال "منع وقف إطلاق النار",خطأ أبو الغيط و خطأ نصر الله يسحبان المراقب الى مقارنة "خطأ" حزب الله بأسر جنديين و "خطأ" مصر بموقفها من المعركة.
أعترف حسن نصر الله بطريقة ذكية بخسارة "أراض" في الجنوب, لم يصور الأمر على أنه أندحار أو تراجع ميداني, بل نبه الى أن المعركة معركة مغاوير غير مهتمة بالأرض , و الهم الأكبر هو أيقاع الأذى بالقوات المعادية و إعطائها جزءا من الجغرافيا, هو جزء من معركة المغاوير التي يقوم بها حزب الله,و لم ينسى أن يذكر بمعارك سابقة سجل فيها حزب الله أنتصارات محدودة في مارون الراس و بنت جبيل , لكي تكون آخر أنطباع يستقر في ذهن من يتلقى خطابه,و كاد في هذاالجزء من خطابه أن يتحوب الى مراسل تلفزيوني بتفصيل حيثيات المعركة , و نوه الى صعوبة التصوير , و كأنه يقرأ ما يجول في خاطر كل متحمس يبحث عن دليل مصور يبقى حماسة متقدا.
تحلى نصر الله بحس الدعابة و هو يتحدث بسخرية و تهكم عن "منجزات" إسرائيل العسكرية , و حصرها في أنجاز قانا و أنجاز إنزال بعلبك, و هو بذلك يريد أن يحرم إسرائيل من أي ميزه, بتسلطيه الضوء بطريقته المتهكمة على قصد إسرائيل بإستهداف المدني المحايد , و فشل مخابراته الذريع ,و ربما كان يريد أن يشير بطرية خفيه الى أن هذه المخابرات مخترقه , و لا يصل الى إسرائيل من معلومات ألا ما يريد حزب الله أيصاله,و هو محق في ذلك فحزب الله يبدو قلعة منيعة عالية الأسوار من حيث التكتم و السريه , أما قمة سخرية نصر الله فكانت بوصفة بيريز "بالخرف" و أتبع بوصف لا يقل طرافة لأولمرت بالأحمق الغبي,و هنا أراد بهذه العبارات أن يتدخل في شوؤن إسرائيل الداخليه بتقويض ما تلقاه الحكومة الإسرائيلية و بالتالي لزعزعة الثقة بها ,و لعله أراد أن يعطي مادة خصبة لأعضاء الكنسيت الإسرائيلي المعارضون و مادة إعلامية طريفة تلهو بها "يدعوت أهرنوت و هأرتس".
أظهر نصر الله أن مفاجأته أنتهت, و ماوعد به حققه, و عد صمود رجاله في الجنوب جزء من تلك المفاجآت,ووقف طويلا عند السفينة "ساعر 4.5", ليظهر أن ما قدمه من مفاجأت كاف و لم يبق في جرابه المزيد,و هنا نستنتج بأنه يريد القول بأننا يجب أن نتوقع كل ما سيحصل ولو كان موافقة على دخول قوات عازلة الى الجنوب,و كسا قوله المبطن بتهديد من العيار الخفيف بأن قصف بيروت سيقابله قصف لتل أبيب,و كان تهديدا حرص على أن يكون هادىء أقرب الى المهادنة , محاولا أن يتجنب في هذاالتحديد قصف بيروت , و هو يعرف أن قصف بيروت سيجعله يخسر بعضا من أصوات البيروتيين الذي لم يتعرضوا "حتى الأن" لقصف بالقول أو الفعل" من إسرائيل.
شطحة نصر الله كانت بخطابه الموجه الى العرب , لم يتمالك أبتسامة مرة و هو يتحدث عن تحويل تدمير لبنان من جريمة إسرائيلية الى مأساة إنسانية ,و كان جارحا في توجيه أتهامات غير مباشرة الى بعض العرب بالمشاركة "الأدبيه" في إستمرار الحرب, و بدا غريبا عندما قال "بأن بعض العرب يمكن أن يساهموا بوقف الحرب لو أرادوا ذلك",و قد تجاوز في حديثه عن العرب تجاوز كل خطاباته السابقة فتخلى عن لهجته الفاتره , فتحمس و هو يعلن خيبة أمله الشديده بتركه وحديا,و كانت هذه المرة الوحيدة التي يتحدث فيها بإنفعال أفقده بعض التركيز على روؤس أقلامة المدونة أمامه.
نصر الله سيحرز مزيدا من النقاط بنجاحه في توجيه الخطاب و محافظته على ملامح العاقل الواثق من النصر , و لم يخفي تطلعه الى أن يكسب نقاطا في الشرارع الإسرائيلي نفسه , بإظهار قدر من التعاطف مع مدنييه , و قالا بكش صريح بأن هدنة الثمان و الأربعين ساعة التي أقرتها إسرائيل "قبضت" ثمنها تقليل على الصواريخ المتساقطة على إسرائيل , وقد ابدى "تفهما" لموقف الإسرائلي الذي يرد فرصة ليخلي جريحا أو مدنيا,من غير المؤكد أن نصر الله سيلاقي نجاحا بخطابه الى الإسرائليين و لكنها محاولة جرئية منه "للعب" بنفس أسلوب إسرائيل , و العجينة التي لا تلتق فقد تعلم.
لهجة المنتصر واضحة ,و كان يقصد أن لا يتحدث عن "اللغط" الذي يجرب في مجلس الأمن و عن قرب التوصل الى إصدار قرار دولي جديد,أراد أن يوحي بأنه غير معني بكل ما سيصدر فهو قد حصد النصر و كل مما ستؤدي أليه الأيام القادمة غير داخل بجساباته , فالذي "ضرب ضرب و الذي هرب هرب".
|