أحييك أولا على علمك الجم وقدرتك على البحث ..

نبيل ... سؤالي هو :

متى تحولت وجهة الفلسفة من بحث عالم الغيب والعلة الأولى , إلى بحث مشكلة الانسان نفسه ..

وهل هناك فيلسوف بعينه كانت له بصمة واضحة في هذا الباب ؟ أم أنه مر بعدة مراحل ؟

وشاكر أفضالك .

بعد إذن، صديقي نبيل، اسمح لي يا صديقي داعية أن أكتب مشاركة صغيرة. أولاً، اسمح لي أن أقترح عليك أن تشتري كتاب زكي نجيب محمود قصة الفلسفة الحديثة، وهو كتاب عمله بالمشاركة مع الأستاذ العظيم أحمد أمين، فخر مصرنا، صاحب مؤسسة لجنة التأليف والترجمة والنشر. ثانيا، باعتقادي أن النقلة حدثت مع انتهاء حقبة اللاهوت المدرسي لتوما الإكويني ومع مجيء عصر فولتير وجان جاك سارتر حيث رأى الناس كيف أن الكنيسة خذلتهم ودفعت بعقليتهم للتواكلية وهنا يبدأ اللاهوت ينحي إلى البراغماتية. تقدرتقول أنه حدثت نقلة من ما هو thecentric أي مركزية الله إلى ما هو anthropocentric أي مركزية الإنسان وهذا هو سبب الصراع القديم بتاع جاليليو والخلاف حول مركزية الإنسان للكون. متى بدأ الفكر الفلسفي يأخذ في الميل إلى محورية الإنسان وهي مرحلة تقدر تسميها الـ Humanism و الفلسفة الهيومانية أو الفلسفة الإنسانوية حيث الكل يبدأ بالإنسان ويعود على الإنسان وهي اخترقت مجالات الدين حيث تجد مثلا في الرهبنة اليسوعية محورية الإنسان وكل شيء لخير الإنسان وفي الإسلام يقاربها مدرسة نصر حامد أبو زيد ومذاهب "التجديد". أكتر واحد تعلمت منه في هذه الناحية هو آمون العظيم زميلنا هنا.
(f)

مرحباً بالأخ داعية السلام مع الله

كنت أجبت مساء أمس عن سؤالك ولكننه لم يصل لتوقف الموقع عندي , وهذا كان ردي .

إن سؤالك هام وحساس لأن هذا التحول كان له تأثيرات كبيرة على أكثر من مجال .
والأمرين متداخلين ومرتبطين ببعضهم ولكنهم يهدفان إلى السعي للفهم أبعاد وجوده , وتمكين الإنسان من التعامل مع الواقع بفاعلية وجدوى أكثر من أجل تحقيق دوافعه .
لكن المنهج الأول وهومحاولة الانطلاق من الأسس والبدايات , ظهر أنه غير مجدي بسبب قدرات العقل المحدودة ومحدودية المعارف المتوفرة , فقد وضعت الكثير من التصورات والأفكار ولكنها كانت غير دقيقة .
بعكس المنهج الثاني الذي أدى إلى نتائج إيجابية , فالانطلاق من الواقع الفعلي والتوسع في فهم صفاته وخصائصه ثم توسيع مجالات الفهم ومحاولة العودة إلى البدايات والأسس لما هو موجود , حقق الكثير من النجاح, و هذا ثبت التحول وتم اعتماد المنهج الثاني .

أما متى بدأ
طبعاً هذا بدأ بالتدرج , وسوف أحاول أن أجري مراجعة لأحدد متى بدأ ومن بدأ أولاً .

والآن بما أن الصديق العزيز الديناميكي النشيط الموسوعي قد أجاب إجابة جيدة وأظن أنها كافية , فشكراً له .

مع تحياتي
للأخ داعية السلام مع الله
والأخ إبراهيم

شكرا جزيلا ابراهيم ..

شكرا جزيلا نبيل ..

وشاكر لكم جدا (f)

أعتقد أيضا أن التيار الالحادي لم يبدأ يأخذ شكله الجماعي ويتبلور كفكر الا بعد هذه النقلة الكبيرة .....

مش كده ؟

أستاذي نبيل: سعيد كل السعادة برؤياك وقراءة كل ما تكتب في مايتسير لي من وقت.(f)

أخي داعية:
مرحباً (f) وسؤالك هو:

اقتباس:أعتقد أيضا أن التيار الالحادي لم يبدأ يأخذ شكله الجماعي ويتبلور كفكر الا بعد هذه النقلة الكبيرة .....

مش كده ؟

يجب أن نكون مستعدين في البداية لأن نقر أن الإلحاد موجود منذ الأزل وهذا هو الصراع القديم بين عابدي الآلهة وجاحدي الآلهة. منذ البدء هناك مذاهب إلحادية ولربما أقربها هي الأبيقورية "لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت" وربما لم يكونوا إلحاديين. الإلحاد في بدئه هو القول بأن الإنسان يقدر أن يعيش بدون إله وأنه مكتفي بذاته. باعتقادي أننا كنا سنصبح جميعا ملحدين لو لم يتم غرس شيء في عقلنا الباطن يقول لنا إن الله هو خالق الكون. وباعتقادي كذلك لا الإيمان يوجد برهان عليه ولا الإلحاد كذلك. ولكن حتما بدأ الإلحاد يتبلور اكثر مع سيادة فلسفة سيادة الإنسان وأن عقله هو إلهه. ولكن ألم يخبرنا شيخي أبي العلاء أن العقل هو النبي الأصدق ولا إمام سوى العقل؟! باعتقادي معظم الناس بداخلها بقايا إلحادية بشكل أو بآخر ولكن أحدنا يكظمها والآخر يدعها تتنفس جنباً إلى جانب الإيمان فلا ينفي شيء مما يشعر. يمكن أن تقول إن مرحلة ما بعد التنوير والحداثة وما بعد الحداثة شهدت ازدهار لهذا النوع من التفكير وأحيلك مشكوراً لكتب قصة الحضارة لـ ويل ديورانت وهو يتحدث بسلاسة وعمق في آن عن هذه الحقبة.

(f)

شكرا لك ياابراهيم (f)

انا كنت سمعت ان هناك قبيلة تعيش في أدغال افريقيا بدائية جدا لم يختلط احد منها بالعالم الخارجي قط ..

هذه القبيلة عاش معها أحد باحثي الانثروبولوجيا فوجد أنهم يعتقدون في وجود اله كبير للعالم .

أيضا الطفل يعتقد هذا بدون أن نرسخه فيه , فهو يبدأ يسأل عن ( من أوجدنا ) وهو سؤال أكبر من تفكيره تماما ..

لذلك أعتقد أن الأرضية الناصعة البياض للانسان قبل طبع أي شيء فيها ( وهو مايسميه القرآن : الفطرة ) تقول : أن هناك موجد لنا وللكون . وأننا ( نميل ) لهذا الموجد وهذا الميل هو ( الحنيفية ) التي هي الاسلام .

ولذلك يقول الله تعالى في القرآن : فأقم وجهك للدين حنيفا الله التي فطر الناس عليها . لاتبديل لخلق الله ولكن أكثر الناس لايعلمون . ( سورة الروم )

الذي أريد أن أقوله أيضا ياابراهيم - حتى لاأطيل عليك - أن تأخر نمو الالحاد هكذا حتى أصبح تيار فكري منذ بضعة مئات فقط من السنين : دليل على أن هذا ليس هو أصل خلقة الانسان .

وانت عارف ان هناك ضغوط كبيرة أدت لتحوله من تفكير فردي الى تفكير جمعي كما قلت مشكورا .

:97:

اقتباس:الذي أريد أن أقوله أيضا ياابراهيم - حتى لاأطيل عليك - أن تأخر نمو الالحاد هكذا حتى أصبح تيار فكري منذ بضعة مئات فقط من السنين : دليل على أن هذا ليس هو أصل خلقة الانسان .

صديقي داعية:

مع احترامي لك، لا أوافقك بأن نمو الإلحاد جاء متأخر. هذا غير صحيح بالمرة. لا يقول بهذا أي علماء الأنثروبولجيا والمختصين بعلوم الإنسان ونموه وحضارته وعقائده. هذا الموضوع شغلني في الدراسة ولا نقدر أن نقول أن الإلحاد يسبق الإيمان أو العكس بل الأقرب للصحة أن الاثنان خرجا كتيارين يسيران في وقت متزامن؛ فهذا ينسب الأشياء للعلة الأولى والآخر ينسبها لقوانين الطبيعة أو أي مسبب آخر. أنا لست ملحد ولكن حرصا على الأمانة لا أقدر أن أنتصر للإيمان بعدم الصدق وأنا عارف من خلال دراساتي بالحقيقة وكنهها في مسألة الضمير الإنساني. اسمح لي صديقي أن أقترح عليك أن تحاول قراءة أبحاث هنري فرانكفورت مثل مغامرة العقل الأولى وكتاب غصن الذهب للسير جيمس فريزر وأيضا في الفلسفة اليونانية ستجد أن التيارين يسيران جنباً إلى جنب وفي صراع منذ البدء كما ترى الآن في القرن الواحد والعشرين؛ مع فارق أنهم لم يهرقوا دم إنسان لخروجه عن الاعتقاد بالآلهة في أثينا بحسب علمي.

(f)

* عندي مقالة للعالم الإيطالي بيتازوني يناقش فيها منبع التوحيد وهي بالانكليزية مترجمة عن الإيطالية لو تحب. من أجمل ما قرأت عن نشأة التوحيد.

ممكن تكون المشكلة هي فارق مصدر التلقي الرئيس بيني وبينك ياابراهيم , فأنا مؤمن بجميع رسل الله ورسالاته السماوية وأعتقد أن ماجاء فيها صحيح ( عدا التحريف اللاحق بالتوراة والانجيل ) ..

المهم أن ماجاء بهذه الرسالات السماوية القديمة قبل أن يظهر علم الانثروبولوجيا يناقض مايقول به هذا العلم يخصوص العقيدة والدين .

هنا : أيهما نحكّم ؟

أنا أرى أن علماء الانثروبولوجي كعلم ليس له دين يتأثرون بالاتجاه المادي للعلم كما تعلم , نقطة أخرى أن هذا العلم حدوده لايمكن أن تتعدى عشرة آلاف سنة , وماقبل ذلك لايمكن البت فيه الا عن طريق القرآن والتوراة.

القرآن والتوراة والإنجيل وكل هذه النصوص هي نصوص قديمة وتخضع لآليات البحث المعاصرة من جهة دراسة النصوص والثقافات وأخلاقيات الشعوب. ما وصلنا من علوم معاصرة هي أدوات طيعة سخرها لنا الله لخدمتنا حتى نرى كيف تكونت الأشياء وصارت إلى ماصارت عليه. لو عزلت علم الأنثروبولجي عن الكتاب المقدس مثلا لصارت دراسة الكتاب المقدس كما كان الحال عليه في القرن الخامس عشر. لكن الحمد لله أن الدنيا اتطورت و كما تقول جارتنا في البلد ( الطب اتقدم ياولاه! ههههه ) وهذا يعني أننا نرى الأمور بمنظور الدارسين الذين يملكون معيار الحكم بما أتاهم الله من عقل. نعم، الأنثروبولجي علم مادي والأمور الدينية تخرج في "سياق" مادي لا تنفصل عنه ولا يمكن أن تكون محلقة في أثير الأوهام بل هي لها كيان مادي محض ويتلاحم مع ما هو ألوهي غير منظور. لا ننقد ما هو غير منظور ولكن نقدر أن نشتغل على البنية المادية شغل "محترم".(f)

أيوه ياإبراهيم ... بس الجزم بأن جيل الانسان الأول كان متأرجح بين التوحيد والالحاد هو رجم بالغيب وأقرب الى العرافة والتنجيم ...

اذا نقدنا التوراة والانجيل نقد أعلى وخرجنا في النهاية بالقليل من النصوص السليمة فهذا لايطعن في ماأشرت لك اليه : وهو إن أقدم دليل علمي متوافر لنا هو الكتب المقدسة .

وعمت مساءا .