اقتباس: إسماعيل أحمد كتب/كتبت
افتتاحية صحيفة "الجمهورية" الحكومية المصرية
الأربعاء 23 آب/ أغسطس 2006
بيتهم من زجاج.. ويقذفوننا بالطوب!
كتب المحرر السياسي:
فاجأنا السفير السوري بالقاهرة بخطبة عصماء في اجتماع وزراء الخارجية العرب انتهج فيها نفس الخط الذي بدأه رئيسه بشار الأسد الثلاثاء الماضي وتاجر فيه بالنصر الذي حققته المقاومة اللبنانية وحزب الله. مؤكداً أنه النصر الذي رفع هامة الشعوب العربية التي يحكمها أنصاف رجال. مع أن السفير ورئيسه وبلده كانوا في مقاعد المتفرجين طوال الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
لكن السفير السوري قال كلاماً آخر القصد منه الاسقاط والتجريح علي الجيوش العربية. وذلك عندما أفتي بأن المقاومة اللبنانية فعلت ما لم تستطعه الجيوش العربية في تاريخها!!
والحقيقة إن الإخوة في سوريا كما هو واضح يتحدثون في اتجاهات مختلفة.. فالرئيس بشار يشتم ويهاجم وينتقد ويسلخ. ثم يجيء وزير إعلامه ليقول إن الرئيس السوري لم يقصد مبارك ولا المصريين في كلامه!! منوهاً أن العلاقات بين الدولتين استراتيجية ومصيرية. وأدلي الوزير بتصريحات لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط في دمشق اعتبرتها من المحسنات البديعية التي يجيدها الإخوة السوريون فهم أهل كلام. ولم يكونوا أبداً أهل فعل.
ثم دخل السفير السوري علي الخط عندما حضر اجتماع وزراء الخارجية نيابة عن وزيره "المعتذر" وألقي "معلقته" كما لو كان "أبو فراس الحمداني" الذي سجنه الروم عشرة أعوام وجمعوا فديته من الشعب. وتصور السفير أن هناك حفل زفاف وعليه أن يقدم "نقوطاً" للرئيس بشار. ولماذا "لا يزايد" هو الآخر ويقف في خندق واحد مع رئيسه. الذي لم يرتد يوماً ثياباً عسكرية إلا عندما قرروا ترقيته في الحزب ليكتسب الشرعية!! لكن الشرعية لا تتحقق بمجرد زي عسكري. وإنما لابد للإنسان أن يخدم في القوات المسلحة ليستطيع التحدث عن المعارك. والأمور العسكرية. وتقييم الموقف الاستراتيجي.
علي أية حال الرصاصات التي أطلقها السفير السوري مجاملة لرئيسه. ارتدت إلي نحره فوراً.. فإذا كان يعاير الجيوش العربية. بالمقاومة اللبنانية. فإن جيش بلاده يندرج تحت هذه الجيوش. لكن ربما يكون السفير السوري علي حق.. فجيش بلاده هو سبب نكبات كثيرة حاقت بالأمة العربية. فقد استغاث السوريون بنا في مايو 1967 وزعموا أن هناك حشوداً إسرائيلية ستهاجمهم. وأرسل عبدالناصر الفريق محمد فوزي لاستطلاع الحقيقة. واعترف الرجل في مذكراته انه لم ير حشوداً أو جيوشاً إسرائيلية.
كما أن كافة صور الاستطلاع الجوي لم تظهر هذه الحشود.. لكن شهامة عبدالناصر المعروفة دفعته لانقاذ السوريين. وكانت النكسة التي ضاع فيها جيشان عربيان "بدون حرب" بسبب معلومات خاطئة.
ويبدو أن السفير السوري نسي أن جيش بلاده "استغاث" مرة ثانية بالمصريين يوم 8 أكتوبر وقال المرحوم حافظ الأسد للسادات "الحقني". وشهامة المصريين دائماً تكلفهم الكثير. فكان القرار السياسي المصري هو سحب الفرقة الرابعة المدرعة من غرب القناة لشرقها لتخفيف الضغط علي سوريا. بعد أن استعاد الإسرائيليون الجولان وبدأت دباباتهم تتحرك في اتجاه دمشق.. ونتج عن الانقاذ المصري لسوريا.. ثغرة "الدفرسوار" الشهيرة!
الجيش المصري يا سيادة السفير فعل الكثير لانقاذكم علي مر التاريخ.. أما جيشكم البطل الهمام. حامي الديار فسجله ناصع في قتل اللبنانيين.. وقبل توقيع اتفاق الطائف عام 1989 أزهقتم أرواح اللبنانيين في حصاركم للجنرال المتمرد ميشيل عون. وقتلتم الآلاف من أبناء شعبكم في حلب وحماه. عندما تمردوا ضد حكم الأسد الأب.. وليس سراً أنكم خططتم لاغتيال بعض الشخصيات الفلسطينية بعد الاختلاف معها عقب توقيع أوسلو.. هذا جيشكم الذي تعتبرونه خارج نطاقة المقارنة مع أي جيوش عربية.
لذلك.. فإذا كنت تقصد بالجيوش العربية جيشكم فقط فأنت محق. أما إذا كنت تقصد الجيش المصري فالأفضل أن تعتذر وفوراً.. فمصر أكبر من هذه اللعبة التي تلعبونها.. يسبها أحد ثم يعتذر آخر.. ثم يتطاول عليها ثالث. ويعود رابع ليقول لا نقصدكم.. مصر "الكبيرة" يا سيادة السفير لا تود أن تدخل في مهاترات ولا أن تمن علي أحد. لكنكم تضطروننا لذلك.
سيادة السفير انتقد من تشاء لكن ابتعد عن الغمز واللمز. خصوصاً وأن بيتكم من زجاج. وتقذفون الناس بالطوب.. وطبيعي أن يردوا عليكم بجرانيت.. والجرانيت كان الحجر المفضل عند "الفراعنة"!
الشعب المصري الشقيق يملك روح فكاهة يحسد عليها ، ونتيجة للظلم التاريخي وضيق التباين الطبقي نجد هذا الغنى اللفظي وتلك القدرة على تلوين الأمور بغير ألوانها ، ولعمري إن كاتب المقال أحد هؤلاء ولعل ضيق ذات اليد هو ما دفعه للإسترزاق من نظامه بكتابة مثل هذا المقال الردحي الذي يذكرنا بعصر سيئ الذكر "أنور السادات" ، هذا العصر الذي كانت السمة السائدة فيه هي المراوغة والمواربة بكل شيئ.
لعل صغير كاتب المقال جعله ينسى أو يتناسى أو ربما كان نطفة بعالم الغيب أيام ارتكب السادات ملحمته الكبرى بإنقاذ سورية..
فقد دخلت سورية ومصر الحرب بهدف واحد وبقيادة مشتركة هدفها تحرير أكبر قدر من التراب العربي...
إلا أن السادات العاشق "للغرانيت اليهودي" كأجداده الفراعنة كان ولعله لازال من قبره حاقداً على الإقليم الشمالي وسكانه الذين طردوا عبدالحكيم عامر "لفساده" بعد أن كرهوا أنفسهم من كلمة "إنحنا بتوع امتيازات" من سورية واستغنوا عن الأمل بالوحدة حتى ولو كانت هذه الوحدة بين أغنى دولة بالمنطقة "أيامها" وبين دولة كانت من أفقرها ...
أيامها كان أنور السادات بما عرف عنه من خبث وكذب يمارس هوايته "الشمبانزية" بالتقافز على أوتار التناقضات السياسية لعله يجد لنفسه "فراغا" يشغله.
إذا أرنا الحديث على الطلاق السوري المصري لا بد لنا من الحديث عن أوضاع البلدين أولاً فسورية كانت الدولة الوحيدة التي حققت تقدماً على جبهتها مع إسرائيل وهي أغنى دولة بالمنطقة قبل ظهور "المازوت بدول المازوت" كما كانت تعيش تقلبات سياسية نتيجة لنظامها الديمقراطي الذي لم يتمكن من إيجاد شخصية قوية قادرة على إمساك الأمور بحزم ، بينما كانت مصر تعيش فقراً عجيباً غريباً ولكنها تعيش ملاحماً بطولية وإنجازات هائلة ومخاطر جمة تجلت بالعدوان الثلاثي الذي فشل بحمد الله وبحمد خرشوف الذي خبط طاولة الأمم المتحدة "بحذائه" مهددا بضرب باريس ولندن بالسلاح النووي السوفياتي إن لم يتوقف هذا العدوان فوراً.
ايامها نزل الشعب السوري إلى الشارع وقدم تبرعات يمكن اعتبارها تبرعات لا كالمهازل التي جاد بها سعد الحريري بتبرعه ببناء ثلاثة جسور هدمتها إسرائيل بينما نجد ثلاث من الأثرياء اللبنانيين يتعهد كل منهم على حده ببناء جسرين أو أكثر.!!! ، أيامها كان النسوة السوريات تخلعن ذهبهن وتقلن ما نفعه؟!!!
بمثل هذه الظروف ذهب ثلة من سياسي سورية للطلب إقامة الوحدة مع عبد الناصر الزعيم !!!!رغم تحفظ بعض القيادات السياسية على هذه الوحدة بحجة عدم التكافؤ ولتبان هذا نورد القصة التالية:
يروى أن الرئيس المرحوم شكري بك القوتلي خلال أحد زيارات الرئيس جمال عبد الناصر لسورية قبل الوحدة كانا بزيارة لأحد المحافظات السورية تعطلت بهم السيارة الرئاسية بمنطقة النبك فاستضافهم أحد أعيانها الأثرياء وحين دخلوا منزله الذي بدا من خارجه بسيطا رغم مساحته الشاسعة إلا أنه كان اقرب إلى القصور الملكية منه للمنازل ، فانتحى ناصر بالقوتلي متسائلاً عن صاحب هذا القصر المنيف فأجابه بأنه أحد أعيان المنطقة. فقال له ناصر: كيف يمكنك أن تحكم شعباً يحمل هذا الكم من الثراء؟!!! المال يجب أن يكون للدولة فقط والشعب يجب أن يمتلك ما يكفيه دون مبالغة.
وللديمقراطية السورية شأن وأي شأن فلأول وأخر مرة يتنازل رئيس الجمهورية طائعاً عن منصبه لرئيس آخر فقد تنازل الرئيس شكري القوتلي عن رئاسة سورية لجمال عبد الناصر طائعا فرحا وإن كان متوجساً بهدف إنجاز الوحدة وقال له ما اعتبره ناصر نكتة:
سيادة الرئيس كان الله بعونكم على حكم دولة تحتوي أربعة ملايين زعيم "عدد سكان سورية أيامها" .
حدثت الوحدة وفرح الشعبان ورقصوا وغنوا وبدأت مرحلة الإنجازات المصرية التي ورثها حزب البعث:
1- حل الأحزاب "كلها" علماً بأنها هي من طلب الوحدة.
2- تعطيل البرلمان.
3- تأميم المصانع.
4- ما سمي ظلماً بالإصلاح الزراعي.
5- دمج ميزانيتي البلدين.!!!!!!!!!
عين عبد الحكيم عامر قائداً للإقيلم الشمالي "سورية" واستزلم قواداً من بحسيتا "وهي منطقة للعاهرات هو عبدالحميد السراج ليعينه سوطاً على الشعب السوري الذي عانى وعانى ولكن حين حدث الطلاق السوري المصري "وكان يجب أن يحدث لعلة بالتوازن" كانت ميزانية الإقليم الشمالي بمصر تم تهريب سيئ الذكر عبدالحميد السراج من سجن المزة لمصر حيث منح اللجوء السياسي ولازال قابعاً بها حتى اليوم ، حقق الرئيس جمال عبد الناصر بما حدث وأدرك أبعاد الغصة السورية فأمر قواته بالعودة هذه القوات التي كانت قادرة على إلحاق الهزيمة بالانفصاليين، واعتقل الضباط السوريين المقيمين بمصر ومن ضمنهم حافظ الأسد ولكنه ما لبث أن أطلق سراحهم لإدراكه حقيقة الظلم الذي وقع على سورية والسوريين وحقيقة إدراكه إن ما يصلح لسورية لا يصلح لمصر وأن الـتأميم هذا الذي بدا كإنجاز واختراع مصري كان إنجازاً كارثياً لازالت سورية تدفع ثمنه حتى اليوم .
لقد أدرك الرئيس جمال عبد الناصر بحسه القومي أن سورية البلد الحي التي أحرزت أكثر من 16 انقلاب خلال أقل من 11 سنة يستحيل حكمها بالحديد والنار وإن حكم هذا الشعب يتطلب حذاقة و إدراكاً عميقاً لمتطلبات هذا الشعب المرفه والتواق نحو الأفضل.
وصل السادات إلى الحكم وليته لم يصل فقد كان ناصر قد أعاد بناء قواته المسلحة تقريباً فيما كانت سورية تحاول بناء قواتها تعويض الضابط المعتقلين لتهم مختلفة...
في عام 1973 حدثت الحرب بتنسيق بلغ أعلى درجات السرية وما أن أحيط الزعماء العرب بنية الحرب حتى طار حسين ابن طلال "صاحب الأردن" لإسرائيل لتبيهها فسخرت منه غولدامائير وقالت له روح يفتح الله ...
ولكنها ومن قبيل الحرص أرسلت طيرانها لقصف دمشق فقصف محطة كهرباء التكية وبعض الأهداف الإستراتيجية بدمشق التي لم تطلق إلا مدفعيتها المضادة للطائرات.
الفرق بين السوريين والمصريين:
حين تم اختيار توقيت الحرب كان المصريين يفضلون الليل لعبور خط بارليف بينما كان السوريون يفضلون الصباح الباكر لأن الشمس تكون خلفهم فتساعدهم بالرؤية كون معركتهم برية وهكذا تم اختيار الساعة 2 ظهراً واندلعت الحرب بنية صادقة من ناحية السوريون وبخبث ودناءة من ناحية السادات الذي ما أن اجتاز خط بارليف حتى أمر قواته بالتوقف لعدم وجود غطاء جوي لها "مخالفاً خطة الحرب" تاركاً سورية تحارب لوحدها!!! وما أن اطمأنت إسرائيل لأداء رجلها الصادق أنور السادات وطموحاته المحدودة وحقده على السوريين وأنه لن يتقدم على جبهته حتى ركزت كل ثقلها على الجبهة السورية نافثة كل أحقادها مستذكرة أن هذه الجبهة هي نفس الجبهة اليتيمة التي هزمتها بحرب 1948 حين انهزمت الجيوش العربية قاطبة إلا الجبهة السورية التي حقد تقدماً لازال موضع نقاش حتى تاريخه.
فنحن كسوريين لا بد لنا أن نشكر إخواننا المصريين:
نصائحهم لزعمائنا التي لازالوا يطبقونها...
كما لازلنا نشكر لهم ولجيشهم ولساداتهم إغاثتهم بحرب تشرين!!!!!!!!!!!..........
نحن كشعب لازلنا نشكر للمصريين كرمهم بالنصائح ...
وإن كان لابد لنا أن نشكر فلا يفوتنا أن نشكر كاتب المقال على نكأه هذه الجراح التي كنا نحاول تناسيها...
ولكن ما باليد حيلة
فذيل الكلب أعوج ولو وضعوه بالحكم قرابة الثلاثة عقود.