كتبت، في أوائل مشاركاتي في نادي الفكر موضوعا بعنوان "دكتاتورية الرحمن وليبرالية الشيطان"، وما لبثت في ما بعد أن أعدت تنقيحه ونشره في موضوع عنوانه "عدالة الله" في موقع آخر
http://www.al3asefah.com/montada/index.php...indpost&p=54903
سأنقل بعض ما جاء في ذلك الشريط من أفكار ومداخلات للتأكيد أن "فقد نفسه" هو من فقدها لأوهام الحقيقة المطلقة.
---
أَنَاهُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى سِوَايَ
أنا هو الربّ الهك لا يكن لك ألهة سواي! ماذا لو عشق المرء حورية بارعة الجمال (كسارقة قلبي شيرين عبد الوهاب مثلا :D) فتنته بتألقها فأحببها حتى العبادة؟ ماذا لو اصبحتْ هذه الفاتنة الهه ومعبوده! ما الخطب في ذلك؟ كيف يهدم ذلك مجتمعا أو يسيء الى آخر.
عندما يدخل أحدكم المعبد الى ملكوت الإله، الا يحسّ انه دخل منزله في الوطن العربي الكبير. في المعبد نرى الها ورثناه عن آباءنا يملي علينا ما نعتقد وما نقول وما نفعل. الها الى مدى الحياة. يملي علينا ويسوس بالترغيب و الترهيب الى اطاعة مشيئته. والويل الويل إن خرجت عن ارادته .. فإلى جهنم وبئس المصير في غياهب اقبية التعذيب ...
اما الشيطان، فما أحلى وسوساته. يقول لنا "القلب يعشق كلّ جميل". يقول، الرب القادر على كل شيء لماذا هو قلق من المنافسة؟ كيف يمكن للأنسان أن يختار و هناك مرشّح وحيد للرئاسة؟ انتخابات على نمط كلّ الانتخابات الرئاسيّة في الوطن العربي ... و النتيجة هي هي، الفوز بـ 99.99999% من الأصوات ... لأن مراقبي الإنتخابات و حاصي الأصوات هو هادم اللذات و مفرّق الجماعات عزريل ملك الموت نفسه ومالك خازن النار ...
لا تَنْحَتْ لَكَ تِمْثَالاً، وَلاَ تَصْنَعْ صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ أَسْفَلِ الأَرْضَِ
ولماذا هذا التزمّت والعداء للإبداع الفني. متى كانت آخر مرّة نحت فيها إنسان تمثالا ثم اعتقد خطأ أنه خالقه؟ يوسوس الشيطان اللعين، راح فين الله الجميل الذي يحبّ الجمال؟ لماذا يضيع وقته الثمين لينحت في الصخر أحكاما تشابه أحكام قراقوش؟ اليوم يمنعك النحت، وغدا يمنعك من سماع الموسيقى، و بعده يمنعك التفكير، و بعده دخول المواقع الغير مرغوب فيها على الإنترنت .. و بعدها يرسل رجال مخابراته الذين يراقبونك دائما وأبدا .. واحد على الكتف الأيمن، وواحد على الكتف الأيسر ... يراقبون كل شاردة وواردة .. و بعدها يأتي ملك الموت و الزبانية و الأقبية المعتمة و التعذيب ..... آآآآآآآخ، كل هذا البلاء لأن فنان أراد رسم وجه حبيبته؟ لماذا يمنعنا الله من رسم الجمال؟
و جائت الإجابة في برقية سريعة من الرب:
أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ، إِلَهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ آثَامَ الآبَاءِ فِي البَنِينَ حَتَّى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ َ ... و هكذا يكون العقاب الجماعي أو لا يكون !!!
الرحمن يدين للشيطان بالكثير الكثير. لولا الشيطان، هل يكون معنى للإله كما نعرفه؟ ففي العقيدة المسحية، الله ضحّى بإبنه الوحيد لكي يخلّص البشر من الخطيئة الاولى .. والتي سبّبها الشيطان. فعبادة الرب و معرفة محبّته، إذا، مرتبطة بمفهوم الشيطان. وأسلوب الترغيب و الترهيب لم يكن لولا الشيطان. ... الشيطان، نعم، هو من يدلّ الناس على الصراط المستقيم. لولاه كيف نعرف الصراط المستقيم؟
لكن لنقف لحظنة معاينين لهذه الفكرة: حواء أكلت تفاحة سوّلها لها الشيطان، هل هذا معصية أو رفض للقيود التي لا معنى لها؟ لو اراد الله أن يضع قيودا فلماذا لم تكن قيود ذات معنى؟ لا تأكلوا من هذه الشجرة. لماذا لا؟ اعطني سببا وجيها واحدا، لماذا لا؟ هل لأن الله يريد إستحقار العقل الإنساني؟ هل كانت إجابة الشيطان أن نثور على ما هو غير منقطي؛ أن نثور على القيود الواهية. ذلك لأن الموضوع ليس موضوع اعتداء جنسي على قاصرين! هو فقط اكل ثمر شجرة .. و كان العقاب السجن الأبدي مع الأشغال الشاقة الى ابد الآبدين. يا الله، شكرا لك على محبّتك و عدالتك! الم نكن لنفضّل عدالة الشيطان؟ الا يجدر بنا أن نفضّل عدالة الإنسان؟ فجزاء اكل ثمرة محرومة في هذا الجحيم الإنساني الذي نعيشه لا يتجاوز التوقيف في المخفر ليوم وليلة. أما عدالة الله المحبّ الرحيم فالسجن الأبدي مع الاشغال الشاقة لحواء و كلّ ذريّتها ايضا ...
لكن محبة هذا الإله ومنطق عدالته لم يتوقّف عند هذا الحد. في الفهم المسيحي، ماذا فعل هذا الإله ليظهر محبّته لأولاد حواء الخاطئين بخطيئة أمهم؟ أخذ ابنه الوحيد و صلبه على جذع شجرة! دقّ في يديه مسامير، وفي قدميه لمسامير، و كلل رأسه بالشوك، و حمّله صليبا يزن طنّا يجرّه لأميال ... من فرط المحبة!
هل من المفترض بنا انّ نرى محبّة و جمالا في هذه الصورة؟ لنفترض أننا شاهدنا اليوم في موجز الأخبار على جهاز التلفزة نبأ عن فرد حمّلوه و عذّبوه ودقّوه على جذع شجرة كمثل ما فعل الرومان بالسيد المسيح. هل نخرّ على الأرض ساجدين من فرط التأثر بالمحبة ام من فرط الاستنكار للقساوة البربرية؟ كيف نرى صورتين مختلفتين في المشهد ذاته؟
الشيطان، ماذا فعل ليستحقّ سخطنا؟ هو يحاورنا بالتي هي أحسن. يقارعنا بالحجة و الدليل و ليس له علينا من سلطان سوى ما اقتنعنا به ورضيناه لأنفسنا. أما الإله، فالويل الويل إذا لم نلتزم ما يفرضه علينا من اوامر وأمور مهما كانت بلا معنى أو غير منطقية. وإذا لم نمتثل فهناك جهنّم و بئس المصير.
على فكرة، يحذرنا الإله ان لا نستمع للشيطان لأنه (الشيطان) يريد لنا الخطيئة التي ستؤدي الى نبذنا من ملكوت السماء الى جهنّم أو النار. لكنّ الله هو خالق جهنّم، فلماذا لا يمحيها من الوجود فيريح البشر من مخاطرها، و تستريح الملائكة من إدارتها؟
يذكرني الموضوع بقصيدة أرسلها لي مرّة بعض الزملاءـ تقول:
أيها الناس: لقد أصبحت سلطانا عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلال، واعبدوني.
احمدوا الله على نعمته،
فلقد أرسلني كي أكتب التاريخ، والتاريخ لا يكتب دوني.
كلما فكرت أن أعتزل السلطة ينهاني ضميري.
من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟
من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟
من ترى يصلبهم فوق الشجر؟
أيها الناس أنا أملككم،
مثلما أملك خيلي وعبيدي.
الزموا الصمت، إذا كلمتكم،
فكلامي هو إنجيل وقران كريم.
أوقفوا كل الأناشيد التي ينشدها الأطفال في حب الوطن،
فأنا صرت الوطن.
يا جماهير بلادي..
إنني روح نقي جاء كي يغسلكم من غبار الجاهلية.
صوروني وأنا أقطع كالتفاح أعناق الرعية،
صوروني عندما أحملكم فوق أكتافي لدار الأبدية.
أيها الناس، أنا المسؤول عن أحلامكم إذ تحلمون،
وأنا المسؤول عن كل رغيف تأكلون.
فجهاز الأمن في قصري يوافيني،
بما يحدث في بطن الحوامل.
اعذروني إن تحولت لهولاكو جديد.
أنا لم أقتل لوجه القتل يوما،
أنا أقتلكم كي أتسلى
واليّ ارواحكم تعود
اليّ أنا .. ربكم المجيد
عبادة الأوثان في التقرّب للرحمن
كتاب الخروج (20-4)
لا تَنْحَتْ لَكَ تِمْثَالاً، وَلاَ تَصْنَعْ صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ أَسْفَلِ الأَرْضَِ
ما يزعجني اليوم في الكثير من العرب هو شدة تملّقهم الزحفطونية. فنحن، ايها السيدات والسادة، شعب وثني. شعب يتقرّب للرحمن من خلال عبادة الأوثان ..
عندما أدخل صرح معبد من المعابد لا أتمالك نفسي من الشعور بالخشوع من عظمة المكان و رهبته. أدخل متأملا المعبد بسقفه العالي، و جدرانه المنمّقة، ادخل متأملا الثريّات المدلّات المتلألئة فأقول: يا الله! يا لهذا البذخ و يا لهذا الجمال. الله كما يبدو، يحبّ البذخ ويحبّ اللإسراف.
هذا الربّ المتواضع الذي لا يريد من عباده أو قطيع خرفانه شيئ، يتربّع على عرش ملكوته متأملا جمال معابده. يتربع منتظرا سجود الساجدين و قربان المضحّين. يجلس في بذخ وفي ترف، ناظرا الى رعيّته الفقيرة المعدمة تقدّم آخر قرش أدخرته على مذبح قدسيته الذهبي.
وأسير في حرمة العظمة الى الأمام، الى قبّة مطلية بالذهب والخزف فوق ضريح ولي أو إمام، أو أسير مبهورا بجمال تمثال للمصلوب يطلّ على المكانّ و بجانبه تصوير للأم الطاهرة تحمل طفلها في حنانوآخر للرب فاتحا يديه مستقبلا أفواج التائبين العابدين. أخرّ على ركبتيّ، أقول الأبانا، أو اقرأ الفاتحة على روح الضريح.
بالروح .. بالدم .. نفديك يا حافظ .. بالروح .. بالدم .. نفديك يا باسل ..
بذات الرهبة و الخشوع .. أتقدم من باب القصر الجمهوري متأملا معالم الحضارة والرخاء. متأملا ما صرفه الشعب على هذا الصرح المكين. متأملا السقوف العالية، والجدران المنمّقة، متخيّلا الثريات المدلّات المتلألئة. أتقدّم بخشوع. اتقدم الى تمثال لإبن الرئيس الفقيد ممتطيا فرسه كشهداء المعارك. أتقدّم بخشوع مطأطأً رأسي لعظمة المشهد. وأخرّ على ركبتي ملتمسا فضيلة الفاضل، و أقوم بالصلاة على وثن الفقيد ...