نظراً للنجاح الباهر الذي لاقته قصة "ابني الحمار" الموجودة على هذا الرابط :
http://www.nadyelfikr.net/viewthread.php?f...id=33&tid=42157
ونظراً للنصائح القيمة التي أبداها بعض أعضاء النادي في ذاك الموضوع ، لمنع الحمير من التفوق على بني آدم في عصر يثبت العكس، ولتشجيعي على متابعة المسيرة في هذه الحياة التي لا تليق إلا بالحمير، أود أن أسمعكم هذه القصة :
جارنا "أبو رائد" في المبنى المقابل لديه ولد نابغة...
كان كثيراً ما يثير غيرتي وأنا صغير حينما يردد على مسمعي : " ابني رائد اسم على مسمى، فقد اختاروه رائداً على القطر في الرياضيات"...
" ابني رائد، ذهب البارحة إلى بطولة الجمهورية في كرة الطاولة"...
"ابني رائد، اختاروه ليلعب في نادي الشرطة لكرة السلة"...
وعلى هذا المنوال، كان رائد متفوقاً في كل شيئ، وكما تقول أمي عنه :"يخزي العين، من وين ما ضربته بيرن !"... وهذا كان يثير غيرتي أكثر، خصوصاً أنها لا تصفني إلا بأنني مثل أبي :" لا للصيف ولا للضيف، ولا لغدرات الزمان"!!
سألني أبو رائد مرة إن كنت أتقن لغة فأجبته بكل غرور :الفرنسية، فأجاب :" ابني رائد يتقن أربع لغات : العربية بالطبع، والإنجليزية والفرنسية والروسية."
عندما نجح في الثانوية العامة، تصدر اسم ابنه رائد قائمة الأسماء، إذ كان من العشرة البررة الأوائل على القطر، مع أنني كثيراً ما كنت أراه يسامر أصدقاءه في الحارة، ويسهر معهم حتى منتصف الليل !
وأنا أدرس مثل الحمار على طاولتي...
لا تخافوا، فلست أنا الحمار المقصود بهذه القصة، فقد دخلت معه كلية الطب، وكنا نذهب سوية إلى الجامعة، ولكنه كان يعود قبلي، إذ كنت كثيراً ما أبقى للدراسة في المكتبة بعد المحاضرات...
ومع ذلك فابنه رائد تفوق على الجميع، ونجح بدون أن تنقصه مادة واحدة. بل كانت علاماته دوماً شبه تامة...
فعلاً هذا الرائد رائد، هذا ما كانت أردده في نفسي أمام لوحة الإعلانات عند تعليق علامات مادة ما... وأعتقد أن الكثيرين كانوا مثلي ينظرون إليه ويرددون نفس الكلمات بحسد أو غبطة...
تخرجت وسافرت لمتابعة دراستي في الخارج على نفقة والدي، أما ابنه رائد فقد فضل البقاء في البلد ليخدم -حسب قوله- أهل بلده، وليرد الجميل إليها...
ولا أعتقد على كل حال، أن وضع والده كان يسمح له بالدراسة في الخارج.
بقيت في الخارج للعمل، ومضت عشر سنوات لم أر رائداً أو أباه ولم يرياني، وشاءت الصدفة أن رأيت أحدهما الصيف الماضي عندما كنت في زيارة للبلد...
كنت أقف قرب بائع الخضار عندما أقبل أبو رائد ليشتري...
استقبلني أبو رائد بالأحضان، وما إن اطمأن على صحتي وشؤوني، حتى بدأ يحدثني مجدداً عن ابنه رائد...
كان رائد قد تخصص في طب الأعصاب، ويعمل في المشفى العام الرئيسي بالعاصمة.
كما كان متزوجاً وعنده ولدان أطلق على أحدهما اسم أبيه...
انتسب إلى جمعيات عالمية في الطب، وأحرز بحوثاً هامة في كيمياء الأعصاب.
قاطعه بائع الخضار سائلاً : " يعني كم ليرة يكسب في الشهر ؟"
أجابه أبو رائد :" عشرة آلاف !"
قال له (الخضرجي) :" إي الحمار الذي أنقل عليه الخضرة يكسبني أكثر من ذلك !!!! "
امتقع لون أبي رائد، وتغيرت تعابير وجهه، ثم استدار ليمضي دون أن يشتري شيئاً...
(f)