كسر الخواطر لم يجبر خاطر أحد ....
كسر الخواطر لم يجبر خاطر أحد ...
مسلسل كسر الخواطر النص التلفزيوني الثاني للكاتب و الممثل الشاب محمد أوسو , كوفىء عن نصه الأول "بكرا أحلا" بجائزة أولى في مهرجان دمشقي خاص بالأعمال التلفزيونية السورية , لم يكن عمل محمد أوسو بكرا أحلا أفضل الأعمال في ذلك المهرجان , و لكن الجائزة كانت لفتة تشجيعية من لجنة المهرجان لكاتب صغير السن بدأ يصعد أولى الدرجات ,أبتلع أوسو الجائزة و ظن أنه يستطيع أن يمرر في كسر الخواطر كل ما مرره في بكرا أحلا بدليل الجائزة التي ترقد بسلام على سطح مكتبه , فأعاد أحداث و كرر شخصيات و "فتق" حوارات و تهاضم بذات الطريقه التي خفف فيها دمه في بكرا أحلا, أعطته الجائزة طاقة ليمارس شطحات و قفزات عالية فوق المجتمع الذي يكتب عنه ,فجاءت بنتائج معاكسة و أصبح من الواجب "تنبيهه" في مهرجان هذا العام تحسبا مما قد "يرتكبه" في رمضان القادم.
أراد محمد أوسو أن يكتب نصا عن طبقة تعيش في قعر المجتمع , و أن يغلف بؤسها المدقع بإضافة جوانب طريفه على كل الشخصيات و على كل الأحداث بما يشبه الإعتذار المسبق عما قد يراه المشاهد من بؤس,فوقع في فخ أفتعال الضحك و جعل المشاهد ينتظر القفشات المتوقعه بين جملة الحوار و التي تليها, فضاعت ملامح البؤس في الخلفية الضاحكة المبالغ فيها , و اصبح هذا البؤس مجرد عنصر ضروري لتكتمل عناصر النكته , يذكر أسلوب التنكيت هذا بالطريقة التي يتحدث فيها سجاني أجهزة الأمن و هم يغلفون حديثهم عن الألم بالضحك , فيسمون الضرب بالفلق بساط الريح و الضرب بالكرابيج غداء الشيراتون.أدار الكاتب ظهره لمشكلة ابطاله و ظن أنه أن "خفف دمائهم" سيعوض عن "فقر الدم المدقع" الذي يعيشون فيه.
أنهى الكاتب مسلسلة عند الحلقة الخامسة و العشرين , طبعا لم ينسى أن "يحل" جميع مشكلات أبطال خلال القسم الثاني من الحلقة الأخيرة بمجموعة مشاهد عجول, فعاقب "بشكل تقليدي" المسيء أبو الميس بجعله يعيش بقية حياته على عجلات , و قسى بشدة على رمزيه بدفعها الى ممارسة "الرذيلة" و الكذب ,أما أبطاله المفضلون مطيع و سلطة فتابعوا حياتهم الرتيبة "بثبات و نبات و خلفوا صبيان و بنات",التوقف عند الحلقة الخامسة و العشرون و المفروض أن رمضان ثلاثون يوما, قد يكون إفلاسا و نضوب مبكر بعد أن أستنزف الكاتب جميع الأحداث التي يعرفها و النكات التي يحفظها,فأضطر أن يخرج عن تقليد رمضان الثلاثيني, و كان يجدر به أن يتوقف قبل ذلك بكثير بعد أن يختصر الكثير من المشاهد الزائدة , و الحشوات غير الضرورية .
أحس معظم ممثلو العمل بأن النص دون مستواهم , و شخصياتهم المكتوبة على الورق غير مكتملة التكوين و بعضها بدون ملامح على الإطلاق رغم انها شخصيات رئيسية ,كشخصية المهندسة المقاولة المشرفة على أعمال الأبينة ,ظهرت في البداية بتركيز شديد ثم صرف النص نظرا عنها ,و شخصية الأم المصابة بالزهايمر , و كان من المفروض أن يضيف الزهايمر أبعادا درامية على الحدث و لكن النص لم يوظف من الزهايمر أكثر من شكله الخرف المثير للشفقة او الضحك,شعور الممثلون بضحالة شخصياتهم ,دفعهم لفرض ذواتهم عليها , فحمل يعضها أكثر مما ينبغي أن يحمل كشخصية رمزية , التي تطرفت بها امل عرفة اشد التطرف و بالغت بردات أفعالها التي وصل بعضها الى الإفتعال, و شخصية مطيع التي أداها الممثل وائل رمضان و التي تتحمل معظم الثقل الدرامي , أداها وائل بنفس مسدودة و تعالي واضح , و قد ظهر أنه يتصنع حمل سبحة التقي و يتصنع الحب و لا يتقن المسكنة .سائق التاكسي "فادي صبيح" و غريم مطيع على قلب رمزية كان الأكثر أستقرار و إقناعا و ظهر كسائق تكسي حقيقي لولا إصراره على وضع المنشفة حول رقبته طوال فترة ظهورة على الشاشة,صالح الحايك والد مسره , يبس قسمات و جهه على تعبير واحد و لم يفلج بجعل لازمة"عرفت عليي كيف" جزءا أصيلا من حديثه ,مسرة و التي يفترض أن تكون بسمة المسلسل المشرقة أستسلمت أمام مبالغات أمل عرفة و قدمت نفسها لقمة سائغة أمام أدائها الإفتعالي , فلم نلحظ أي مجهود حقيقي من قبلها يبرز الفتاة المقموعة.
يبدو أن المخرج نذير عواد لم يكن مسيطرا تماما على الأستوديو الذي يديره و بدا في بعض المشاهد بأنه ترك الحبل على غاربة في المسلسل , فلم تبد على المشاهد لمسات المخرج في ظل سيطرة كاملة للممثل على المشهد فبالغ معظمهم و شذ عن حدود الشخصية التي يقررها النص دون أن نلمس تدخل واضح من المخرج يردع الممثل عن شططه ,و هذا ما ساعد أكثر في جعل النص يبدو ضعيفا , و ظهر الضعف أكثر في إدارة المشاهد المزدحمة بالممثلين كمشاهد "الخناقات" , فعل كل ممثل ما يحلو له و تحرك بأي مساحة أتيحت له , دون مراعاة لمساحة شاشة التلفزيون و لا لمساحة العدسة,بالغ المخرج أيضا في أنتقائه لأماكن التصوير فجعلها شديدة الشحوب بما لا يتناسب مع الصورة الباسمة التي يحاول النص أن يرسمها,و بالغ في إحكام "الحجاب" حول بعض الفتيات بشكل غير مناسب لسلوكياتهم كزوجة سلطة التي قبلت بالزواج بشخص ألتقته لأول مرة رغم أنها شكل حجابها يدل أنها محافظة بشدة.
لم يرغب الكاتب و لا المخرج أن يكون مسلسلهم للتسلية فقط , لعلهمن خططوا لشيء أكبر من ذلك . كتصوير بيئة منخفظة التواجد الإجتماعي أو تقف على أرصفة التهميش , و لكن الهامش ظهر كخيار و رغبة لدى هذه الطبقة و ليس كواقع إجباري, برفض مطيع تودد المهندسة و رفض "سلطة" العمل رغم أتقانه بعض المهن , و تهافت الفتيات على الزواج بأي ثمن , و حتى طموح رمزية جاء بهامش لا يتعدى حدود طبقتها رغم "أمكانياتها الكبيرة",و تفاقم أمر الهامش المفروض على هذه الطبقة عندما "قتل" النص زوج مسرة , فعاد بها الى حيث تنتمي و كأن الوحل الذي تعيش فيه هذه الطبقة أمر مقدس لا يجوز تجاوزه.
المسلسل عادي لا يحمل أي ميزة و لا أي تميز ,هالة شوكت كانت جيدة و قديرة و حجمها أكبر بكثير من حجم الدور و حتى من حجم المسلسل كله , سلمى المصري ظلمت نفسها بقبولها لهذا الدور , الذي سلط عليها لونا باهتا سرق جمالها و تلقائية أدائها و ظهرت كما ظهر الجميع حبيسة أمل عرفة ,و أخشى أن زمن سلمى المصري بدأ بالإنحسار ,و تدرج أداء الأخرون من العادي فما دون , لم يقدم هذا المسلسل أية إضاقة لا لممثلية و لا للدراما, و أنتزع من كاتبه جائزة العام الماضي .
أفضل ممثل فادي صبيح "سائق التاكسي"
أفضل ممثله هالة شوكت
أسوأ ممثل محمد أوسو
أسوأ ممثلة أمل عرفة
|