[CENTER]
يا أيها الشهداء لا تنتفضوا[/CENTER]
[CENTER]
(1)
عندما مات الحسن الثاني ملك المغرب، قرّرت إسرائيل تسمية 70 موقعاً (ميادين وشوارع ومتنزهات وحدائق) باسم الملك الحسن الثاني، وإصدار الطابع التذكاري الأول لسنة 2000 موشحاً بصورته، وذلك تكريماً لخدماته لإسرائيل، والتي بلغت حد السماح للموساد الإسرائيلي بتسجيل كل المناقشات والمداولات التي جرت في مؤتمرات عربية وإسلامية على مستوى القمّة.
ويعلّق على ذلك الأستاذ محمد حسنين هيكل: (لقد كانت التعليقات التي تكررت في الصحف الغربية كلّها .. وكذلك في الصحف الإسرائيلية .. تذهب جميعاً إلى رأي مؤداه أن الدليل الحي على غياب – أو غيبوبة – الرأي العام العربي هو ذلك الفرق الهائل بين المعلومات المثيرة التي نُشِرَت في العالم بعد إعلان وفاة الملك الحسن – مركّزة على علاقاته مع إسرائيل وبالذات جهاز الموساد – وبين العناوين المؤثرة التي ظهرت عن جنازته وسالت دموعاً ساخنة على صحف العالم العربي وموجات إذاعاته، وشاشات تلفزيوناته وفضائياته) (هيكل، كلام في السياسة، ص 391).
أما الملك حسين ملك الأردن فقد (ذهب – يوم 25 سبتمبر 1973 – إلى مقابلة سرية مع رئيسة وزراء إسرائيل (قبل أيام من 6 أكتوبر 1973) وحذّر جولدا مائير أن مصر وسوريا تدبران لشنّ معركة مفاجئة ضد القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان) (المصدر السابق، ص 131).
وقد بكى الأردنيون أيضاً – ومعهم العرب – بدموع ساخنة والدهم الملك حسين. أي تماماً كما يبكون الآن حبيبهم صدام حسين.
يا للغباء والانحطاط .. يقول الشاعر:
من عادة الناس للأصنام تعبدها من حطة الناس لا من رفعة الصنمِ
[CENTER]
(2)
يا شهداء العراق لا تنتفضوا ..
يا أطفال حلبجة والأنفال ونساءها .. لا تبتئسوا.
يا أطفال بلد الذين تم دفنهم مع أبائهم أحياءً في رمال السماوة .. لا تحزنوا.
يا أبناء المقابر الجماعية لا ترتجفوا حزناً وألماً.
أيتها المغتصبات .. ويا كل امرأة دخلت الأمن العامة والاستخبارات والمخابرات والأمن الخاص وغيرها .. وتم خلع ملابسها أو تهديدها بالاعتداء عليها .. لإجبارها أو لإجبار زوجها أو ابنها أو أبيها أو أخيها على الاعتراف أمام الجلادين ..
وأخصّ منهن الشابتين اللتين لا أعرف اسميهما أو مصيرهما .. واللتين كانت معلقتين بالقرب منّي في سجن الشعبة الخامسة .. ولم يكن يستر جسديهما سوى قطعتين .. لا تغضبوا ..
فهذه الأمة تعيش في غيبوبة .. لا تفرق بين خير وشر .. ولا صديق وعدو .. ولا جلاد وضحية. مصدر معلوماتها الإشاعات التي تبثها الفضائيات ومنتديات الشتائم في الإنترنت ..
أمة لا تقرأ .. وإن قرأت لا تفهم إلا ما يناسب غرائزها ..
أمة تعيش في حداثة رثّة .. حيث تستعمل أحدث الابتكارات وتفكر بعقلية القرون الوسطى.
أمة تعتقد بأنها أحسن الشعوب وأعظمها وأكملها رغم أنها تقع في ذيل أية قائمة عالمية حول التعليم والتنمية والبحث العلمي وحقوق الإنسان وحقوق المرأة .. الخ.
جموع من الناس لم تعد في الواقع تشكل أمة ولا شعوباً ولا حتى قبائل .. هي أكثر الناس كلاماً عن الأخلاق والقيم .. ولكنها في الواقع أقل الأمم قيماً ومبادئ .. إنها أمة تمجد الجلادين والقتلة، وتضطهد الضحايا ..
الجلادون لا يحتاجون عندها إلى أي دليل على عدالتهم وتدينهم ووطنيتهم .. أما المقابر الجماعية والقتل والتعذيب .. حتى عندما يكون المتهم مجرماً معروفاً كصدام وكبرزان وعواد البندر .. فإنك لو جئت بكل الأدلة .. فما تقوله هو من صناعة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية ..
الشعوب الأخرى مشغولة بالتنمية وتدخل إلى القرن الواحد والعشرين بخطى ثابتة .. أما هي فمشغولة تبحث عن قرآن الشيعة، الذي يختلف عن قرآن السنّة، لتبرر به ذبح الشيعة واستباحة أموالهم وأعراضهم .. والمفارقة أنها حتى بعد ألف وأربعمائة سنة لم تجد لهذا القرآن من أثر ..
يقول علماء الاجتماع: أنظر إلى الأشخاص الذين يقدرهم المجتمع، تعرف الاتجاه الحضاري السائد في ذلك المجتمع ومصيره ..
فأي اتجاه حضاري في هذه الأمة التي رموزها الزرقاوي وصدام وبرزان وطه الجزراوي .. وأمثالهم !!
[CENTER]
(3)
أقول لشهداء العراق .. لو سمعتم ما يقوله الرعاع وهم يمجدون صدامهم .. لضحكتم بملء أشداقكم .. وأخال المتنبي كان يقصد أولئك الرعاع حين قال بيته الشهير:
وليس يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهـار إلى دليل
فهناك ثلاثة مقالات ..
فبعضهم يقولون – كما هو الحال بالنسبة للموقع الرسمي لحماس (شبكة فلسطين للحوار) – بأن صدام وقد نطق الشهادتين، قد غفر الله ذنوبه جميعاً، وحشره مع الشهداء ..
أنا لا أريد أن أناقش هذه المقولة التي توزع الإيمان والكفر على الناس .. ولكنني أقولها وللاستهزاء لإخواننا الفلسطينيين على موقع شبكة فلسطين للحوار، وكل مواقعهم الأخرى، إن الشيعة – ومنذ ألف وأربعمائة سنة – ينطقون بالشهادتين، فلماذا تعتبرونهم – وعلى موقعكم هذا بالذات – كفّاراً يجوز للمسلمين انتهاك أعراضهم والاستيلاء على أموالهم واستباحة دمائهم !!
ثم أنني أدعوكم إلى الالتزام بفتوى شيخكم أبو عبد الله الحنبلي، الذي أفتى بعدم جواز أخذ المساعدات من إيران (الرافضية المجوسية اليهودية)، (الفتوى موجودة على موقع شبكة فلسطين للحوار) .. وللتذكير هنا فأن الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف، قد قال في فيينا في تشرين الأول 2005، بأن 70٪ من العمليات الفدائية في الضفة الغربية ضد إسرائيل ورائها إيران.
أما القول الثاني .. فهو يرى أن صدام قد قاوم الأميركيين وأنهم قد أعدموه انتقاماً منه ..
لقد جاءت المخابرات الأمريكية بالجنرال نورييغا حاكماً لبنما. ولكنه وقد أخذ يتاجر بالمخدرات، زحفت عليه القوات الأمريكية وألقت عليه القبض – في كانون الثاني 1990 – حيث أودع أحد السجون الأمريكية. وكان نورييغا قد وزّع السلاح على الشعب ليقاتل القوات الأمريكية الغازية، ألا أن أحداً من البنميين لم يقاتل أبداً، بل ما أن سقط نورييغا، حتى نهبت الجماهير قصوره ..
وصدام وهو يصطدم مع حلفائه السابقين، أو بالأحرى عندما أزاحه أسياده، بدا وكأنه (نورييغا) العراقي. أما الفرق بين الرجلين، فنورييغا البنمي لم يبكه أحد، لا في بنما ولا في أمريكا اللاتينية. بعكس نورييغا العراقي الذي بكته حشود الرعاع العربية، والمرتزقة من الكتّاب والصحفيين، وغلاة الطائفيين.
إن أمريكا لم تكن موافقة على إعدام صدام – وأنا هنا أتحدث عن معلومات مؤكدة سمعت بعضها شخصياً من رئيس الوزراء نوري المالكي – لكن المالكي اشترط بصلابة وبإصرار على الرئيس الأمريكي بوش، في لقائه بالأردن، إعدام صدام. بل أن المالكي قال – وقد سمعت ذلك منه – بأنه سيذهب لينفذ بنفسه حكم الشعب بصدام إذا ظل الأمريكان على رفضهم لإعدامه، وأن إعدامه لابد أن يكون قبل نهاية 2006، مهما كان الأمر ..
أما القول الثالث .. وهو الذي يردده غلاة الطائفيين .. ومفاده أن الشيعة قد أعدموا صدام في عيد السنّة .. وأن صدام رمز السنّة وشهيدهم.
لقد كان لدينا نظاماً للإعدام، صادر في العهد الملكي، يحرّم الإعدام في الأعياد الدينية والرسمية، ويمنح المحكوم بالإعدام حقوقاً كثيرة ومفصّلة، منها الحق في مقابلة أهله أو أي شخص آخر، وأن لا يتم ضربه أو إيذائه .. الخ. وقد ألغى نظام صدام 27 مادة من هذا النظام، من بينها المادة التي تمنع الإعدامات في العطل والأعياد .. وكان يتم إعدام الكثير من الشهداء في العراق، في الأعياد أو أيام الجمع، ناهيك عن حرمانهم من مقابلة أهلهم أو ترك وصية، بل ولم تُسلّم جثث 99٪ منهم لأهلهم، والتي تم إلقائها في الصحراء أو الأنهار .. ولكل منّا قريب أو صديق، لم يتم تسليم جثته ..
ولذلك أقولها بألم، ما كان لسرسري كصدام، أن يكون له قبراً، أياً كانت المبررات.
وسيبقى جرحاً في الضمير العراقي، أن أهلنا وأطفالنا ونساءنا الشهداء، من الشيعة والسنّة والأكراد والتركمان ليست لهم قبوراً .. وهم الذين، أحذيتهم أشرف من صدام وأبيه، ومن حزن عليه وأبيه ..
لقد جاءت الموافقة على إعدام صدام، من المحتل الأمريكي، وبعد ضغوط وتهديدات، من الجانب العراقي، في اليوم السابق للعيد، وقرر المالكي بشجاعة وشرف، أن ينفذ الحكم قبل نهاية العام 2006، وفي اليوم الذي كان صدام قد ألغى منع الإعدام فيه واستباحه .. علماً أنه لا يوجد نصّ ديني يحرّم ذلك، وأن السعودية نفسها لطالما أعدمت الكثيرين بعد صلاة الجمعة، بل وأعدمت الكثيرين في عيد الفطر، في حالات عديدة.
على أي حال، صدام لم يُعدَم لأنه سنّي، ولا لأنه تكريتي، ولا لأنه بعثي، ولا لأنه صدام ولا لأنه شيء آخر .. صدام أُعدِم لسبب واحد وحيد، هو أنه مجرم.
أما أن يهتف شرطي بهذا الشعار أو ذاك، فالناس أحرار في التعبير عن مشاعرهم .. وبالتأكيد لو أن ابن الشهيد الشيخ عبد العزيز البدري، أو عدداً من أنصاره، كانوا حاضرين لهتفوا باسمه .. وأيضاً لو كان أبناء رشيد مصلح التكريتي، أو مدحت الحاج سرّي، أو محمد مظلوم .. أو غيرهم من شهداءنا السنّة.
أما أنا فلو كنت حاضراً، لهتفت باسم كل شهداء العراق، من الشيعة والسنّة والأكراد والتركمان، من الإسلاميين والقوميين والشيوعيين والبيشمركة والمستقلين، بل والبعثيين، من الذين تصدّوا لسفالة صدام وجرائمه، كفليح حسن الجاسم، وكرياض إبراهيم العاني وزير الصحة .. وأمثالهم. أما البعثيين الذين شاركوه جرائمه ثم تآمروا عليه وتآمر عليهم، كناظم كزار ومحمد فاضل وعبد الخالق السامرائي وعدنان حسين وأمثالهم .. فأنا لست معنياً بهم ..
إن صدام، عندما يجري عملية إعدام علنية، وهي بحكم طبيعة نظام صدام الأمنية قليلة جداً، كان يأتي ببغايا (اتحاد النساء التابع للحزب) ليزغردن وينثرن (الجكليت) على الحزبيين، الذين يقومون بإعدام الضحايا، لأن صدام اشترط لحصول كل بعثي، على درجة عضو شعبة فما فوق، أن يعدم شخصين فأكثر.
أما الحكومة الحالية فقد عاملته أفضل مما يُعامل المحكوم بالإعدام، في الدول الغربية، فلم يحلقوا رأسه، ولم يلبسوه بدلة الإعدام، ولم يغطوا وجهه بكيس أسود. ناهيك بأنهم لم يضربوه أو يعاملونه بقسوة .. بل عاملوه كإنسان.
ثم أن الأمريكان، وكعادة السجون الأمريكية، في حالات الإعدام، حقنوه بحقنة مهدئة، فتحوّل في لحظات من جبان رعديد، كان يقاوم ويتوسل ألا يسلموه للعراقيين. مدعياً بأنه الوحيد الذي يستطيع أن يهزم القاعدة والشيعة وإيران وأن يحافظ على تدفق النفط إلى الغرب .. الخ. لقد تحوّل – بعد الحقنة – إلى إنسان رابط الجأش، صلب، شجاع، وطلب فوراً وجبة طعام شهية، أكلها بنهم. ثم رفض أن يذهب – بناء على طلب السجانين – إلى الحمام ليتبوّل، حتى لا يتبوّل على نفسه خلال العملية. ثم أخذ يقرأ – وهذا الأمر قد حدث للمرة الأولى – في القرآن. ثم اقتادوه إلى المقصلة، وبقية القصة معروفة.
[CENTER]
(4)
إن لدي ثلاث كلمات لثلاث جهات، للشعب العراقي، وللحكومة العراقية، ولإيران ..
أقول للشعب العراقي بسنّته وشيعته .. إن لدي تصوراً – أتمنى ألا يكون دقيقاً – بأن الإرهاب الطائفي، يدفعكم دفعاً، إلى أتون حرب طائفية مدمرة .. أنكم حتى بعد عشرين سنة، ستعودون إلى نفس النقطة التي بدأتم منها .. أي أن الحرب الطائفية لن يكون فيها رابح أو خاسر .. الكل سيخسرون.
أقول للحكومة العراقية، إن الحكومة التي لا تثق بنفسها تنهار .. إن الأداء الرسمي، الذي تراوح بين الصمت والتبرير والتنصل، كان ضعيفاً وبائساً .. الأمر الذي جرّأ الكثيرون، في الداخل والخارج، على تحدي الحكومة واستفزازها .. كذلك جرّأ بعض الحكام العرب، على إعطاء العراقيين دروساً في حقوق الإنسان والقيم الدينية ..
وأقول لإيران .. وفّروا أموالكم للتنمية في بلادكم .. لا تبددوها على حماس أو غير حماس .. العرب لا يريدون تحرير فلسطين .. إنما يريدون رأس إيران ..
هذه الأمة تكرهكم، منذ تحولتم إلى التشيّع، في القرن السابع عشر الميلادي .. وأنتم عدوّها الأول .. قبل إسرائيل وقبل أمريكا .. وقبل الشيطان .. وقبل أي شيء ..
إسرائيل لم تقتل في تاريخها إيرانياً، ولم تحتل منكم أرضاً، وكنتم – أيام الشاه – وإسرائيل حلفاء .. مشكلتكم مع إسرائيل هي القضية الفلسطينية .. أما الفلسطينيون فمشكلتهم أنكم أرفاض أنجاس .. وهم يقولون – على شبكة فلسطين للحوار – أننا لا نريد إيران حتى لو حررت القدس !!
أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي قال أن الدول العربية تحالفت معنا ضد إيران وحزب الله .. وذكر بالاسم دولتين جديدتين قد انضمتا إلى هذا التحالف .. هما السعودية والإمارات ..
العرب، ولا أحد غيرهم، هم الذين – بأموالهم ومقاتليهم – هزموا الاتحاد السوفييتي، مصدر تسليحهم الوحيد، وحليفهم الاستراتيجي ..
وغداً فإن حرب أمريكا المقبلة على إيران، سيلعب فيها العرب دوراً أساسياً. فهزيمة إيران هي مطلب عربي قبل أن تكون مطلباً أمريكياً أو إسرائيلياً ..
فيا أيها الإيرانيون .. عيشوا بسلام واتركوا العرب وشأنهم .. فهؤلاء قوم تعودوا أن يحالفوا أعدائهم ويحاربوا أصدقائهم .. ثم أنهم لا يضرون عدواً ولا ينفعون صديقاً
كتابات - جعفر الحسيني
http://www.kitabat.com/i23816.htm