إن السياسة تفرق العرب و لكن الثقافة تجمعهم
الأخوة الأعزاء .(f)
أرحب بكل الزملاء .(f)
أود قبل التعليق على مداخلات الأصدقاء أن أوضح ألا حساسية لدي في نقد ثقافة المصريين أو غيرهم من الشعوب العربية بنفس الحرية ، فلو كانت لدي مثل هذه الحساسية ما طرحت الشريط بداية . إن السياسة تفرق العرب و لكن الثقافة تجمعهم ، و من هنا تكتسب الثقافة أهميتها الإستثنائية ، إني أعلم أن المؤشرات الثقافية العربية متدنية و متشابهة في ملامحها العامة ، فلا يوجد شعب عربي يحقق تفوقا ملحوظا ، و كم كنت أتمنى أن يوجد مثل هذا الشعب حتى نتبعه على مدارج الرقي و نكتسب الثقة في قدرتنا على إنتاج ثقافة جديرة بهذا العصر و بتاريخنا العريق كورثة لحضارات العالم القديم ، أما عن جمال عبد الناصر فهو ينتمي بتجربته الوطنية إلى التاريخ و لم يعد خيارا سياسيا ، لهذا يجب إخضاع تجربته للمعايير التاريخية الباردة و الهادئة بعيدا عن الإدانة أو التمجيد ، بهذا فقط يمكننا الإستفادة من دروس التجربة الإيجابية و السلبية على السواء .
كرداس (f)
بهاء .(f)
لا يجب أن نندهش عندما نسمع الرويات الشاذة عن وفاة عبد الناصر أو حياته ، فكثير من الروايات نسجت بواسطة أعدائه و ما أكثرهم حيا و ميتا ، و أيضا كثيرا منها نسجها محبوه و ما أكثرهم أيضا ، هناك ميل عربي و مصري أصيل لعدم تصديق الحقائق البسيطة و الشغف بالروايات الغامضة و المؤامرات الوهمية ، لقد نشر الوهابيون و الإخوان المسلمون روايات متعددة حول أصل عبد الناصر و جعلوا أمه يهودية و أحيانا جعلوا اليهودية هي مربيته ،وهذا يفسر في زعمهم خيانات عبد الناصر و تسليمه مصر لليهود !، مثل هذه الروايات ليست شاذة أو مجهولة المصدر فقد نشرها بعضهم مثل الكاتب الإخواني أحمد رائف في كتابه ( البوابة السوداء ) ، لقد زعم رائف أنه رافق عم عبد الناصر في المعتقل و كان في زعمه يشبه الوحش أو الشيطان ،و عندما سألوه إن كان هو خال عبد الناصر فأخبرهم أنهم لا يعرفون لعبد الناصر خال لأن أم عبد الناصر يهودية !، يجب دراسة مثل هذه الروايات لأنها تدل على طريقة تفكير الإسلاميين و أسلوبهم في التشهير ،و أيضا كيفية تقبل العرب للروايات الغامضة دون تميحص بسبب غياب العقل النقدي ، من البديهي أن الرواية كلها عارية من الصحة فأم عبد الناصر معروفة و كذلك عائلتها، وقد تربى عبد الناصر في منزل أخواله بالأسكندرية ،و قد روى هيكل قصة نشأة جمال عبد الناصر كاملة في ذكرياته المذاعة في قناة الجزيرة .
أما عن وفاة عبد الناصر فقد راجت أيضا الروايات الغامضة ، فهناك رواية تحدثت عن تجنيد مدلك عبد الناصر الخاص بواسطة المخابرات الإسرائيلية و أنه كان يدلكه بكريمات مسممة لا تترك أثرا ،و لعل أسخف تلك الروايات هي ما ذكرته هدى عبد الناصر إبنة جمال عبد الناصر نفسها في قناة فضائية عربية و اتهمت السادات صراحة أنه وضع السم لوالدها! ، و نذكر أن ابنة السادات ذهبت إلى القضاء شاكية هدى عبد الناصر ، هكذا نتذكر من قال :" الله احمني من بناتي أما اعدائي فأنا كفيل بهم نتذكر أيضا أن الحماقة أعيت من يداويها ، فلا السادات كان مجرما ولا كان عبد الناصر بريالة ،و لم يكن هناك من يستطيع كسر الحماية الأمنية حول عبد الناصر سوى عزرائيل وقد فعل ، هناك من يقول وما هي مصلحة هدى في اتهام السادات ، حسنا و بصراحة شديدة أشفق على ذكرى عبد الناصر من أن يحكم أحد عليه قياسا على ذكاء أولاده .
طالما استطردت إلى هذا الحد فلعله من الملائم كي تكتمل الصورة أن نستحضر تخاريف عصمت السادات حول تواطؤ قيادات القوات المسلحة في إغتيال عمه ، مؤامرة وهمية جديدة تفتقت عنها خيالات نائب في المجلس التشريعي بينما لا تصمد لأي نقد عاقل ، إن العقلية المؤامرتية الخرافية لا تستخدم مفردات مثل الإهمال الوظيفي أو التسيب الأمني ، فقط المؤامرة و الأيدي الخفية و وراء الأكمة ما ورائها ، تلك كلها ثقافة الخرافات و الأخيلة المنفلتة فالحكمة لدينا بالتجزئة و لكن الحماقة بالجملة .
و لنا عودة لإستكمال الموضوع .
.

لقد تحول الموضوع للدفاع عن ناصر:lol2:

يبدو ان قطيع الحزب يشبه اي قطيع اجتماعي آخر ، فهو عاطفي ولا يود ان يصغي لنقد رموزه .

اليس كذلك يا استاذ بهجت ؟

الأخ السيستاني .(f)
لابد أن نقر أن المثقف المصري لا يعرف سوى القليل عن العرب ، هذه المعرفة أشبه بالحب الرومانسي لا تأتي بأبناء ، المصري عادة يرى العربي كبطل مثالي ثم تنقلب هذه الصورة إلى النقيض فيراه بدوي متخلف ،و في الحالتين لن يعرف جاره و شريكه العربي المعاصر على حقيقته كإنسان له مميزاته و عيوبه ، إنسان و ليس ملاكا ولا شيطانا ، بل و المدهش أن كثيرا من المصريين لا يدركون الفروق الواضحة بين الشعوب العربية ثم يفاجئ كالمخدوع أنها ليست نفس الشيء ، هذه الرؤية النمطية شيء مزعج و معوق للمعرفة الحقيقية ، إن المصريين و العرب كلهم في حاجة لإعادة اكتشاف أنفسهم و إعادة اكتشاف الآخرين بواقعية ، عندئذ فقط سيكون للعرب أولاد! .. إني لا أحب المحاورات المعقمة التي يحاول فيها المصري أن يرضى غيره من العرب ولو على حساب قتاعاته الشخصية، أفضل أن نتصارح و نتجادل و نتشاجر على أن نكون أنفسنا فالنتيجة ستكون لصالح التفاهم المشترك ، هكذا يفعل الرجال الحقيقيون .
كل تقدير .

الأخت الفاضلة نسمة عطرة .(f)
يا سيدتي إن القرضاوي و السيستاني و الزنداني وغيرهم من الفقهاء لم يأتون إلينا بل نحن من ذهب إليهم ، فلا يَرُد سوى من يُنادى و يُجِيب إلا من سُئِل ، إنهم لا يتقدمون إلا بمقدار نكوصنا ولا يرتفعون إلا بقدر هبوطنا ، لا ألوم الفقيه الذي يعبث بغشاء البكارة أو الآخر الذي يقرر نوع المتحول أو الذي يقرر عوائد الأوراق المالية ، ألوم من يستدعيه إلى طاولة الطبيب و سرير المريض ، وديسك البورصة .
لم يكن القرضاوي بل علي بن أبي طالب الذي قال أنه دون ما يقولون وفوق ما يعتقدون ، أما القرضاوي و غيره من فقهاء الغيبوبة الكبرى فلن يروا أنفسهم أبدا دون ما نعتقد فيهم ، سيبقون .. سيبقون سادة هذا الزمان الرخيص و عرابيه طالما تخلينا عن حقنا في أن نعيش كأنفسنا عصرا ليست مثله كل العصور .
حسان المعري .(f)
أخي الفاضل .. لم يكن عبد الناصر مصريا متعصبا بل عربيا قوميا ، هذه حقيقة تاريخية يراها البعض في صالح عبد الناصر و يأخذها آخرون عليه ، في زمن عبد الناصر كنا ندرس أشباء مثل المجتمع العربي و القومية العربية و التاريخ العربي و جغرافيا الوطن العربي ، نتيجة جهود عبد الناصر ظل أبناء جيله على عروبتهم وولائهم للأمة العربية حتى الذين كفروا بالقومية العربية كحركة سياسية ، رغم هذا أعتقد أن عبد الناصر كان مخطئا عندما جعل صورة العربي أمام شعبه مثالية و لكنها غير واقعية ، لهذا كانت الصدمة هائلة عندما أفاق المصريون على واقعهم وواقع العرب .
النجم اللامع .(f)
الأخوة الأعزاء .
طالما أثرنا دور عبد الناصر في الثقافة المصرية ، أريد أن أقول أن عبد الناصر بالأساس صاحب مشروع نهضوي حقيقي ، نعم هو لم يكن مثقفا بل رجل فعل و حركة و ليس رجل فكر و تأمل ، مع مثل عبد الناصر لا يهمنا أن يمارس الثقافة بل أن يؤمن بأهمية الثقافة في مشروعه التنموي و أن يعمل من أجل رقيها و خدمتها ، في زمن عبد الناصر سجن المثقفون و لكن أقيمت كل المؤسسات الثقافية التي حملت مشعل الثقافة متوهجا بالرغم من شتاء الأصولية الثلجي ، عشرات المسارح ، معاهد المسرح و السينما و الموسيقى ، الهيئة العامة للكتاب ، قصور الثقافة ، فرق الباليه و الموسيقى السيمفوني ، دور النشر ،و ..... و .... وفقا لدراسة قام بها ناشرون أجانب قرأتها أخيرا فإن أكبر حركة ترجمة للكتب الأجنبية في العصر الحديث تمت في مصر و في زمن عبد الناصر ، و يذكر منها مشروع الألف كتاب وهو الذي أشرفت عليه مؤسسة فرانكلين ، أتذكر أن كثير من الكتب الجيدة كانت تباع بثلاثة قروش و الكتب الكبيرة ب5 قروش !.هذه الحقائق لا أهدف منها تمجيد عبد الناصر فهناك الكثير الذي آخذه على تجربته ، هذه التجربة التي تتصادم مع التقاليد الليبرالية التي أعتقد فيها ،و لكني أوردها من أجل الحقيقة و الأمانة التاريخية لا غير .

[SIZE=4]أنا رجل بلا قدر .. فكوني انت لي قدري .. نزار قباني .
الأخوة و الزملاء .
خلال الأسابيع الأخيرة كان لدي الوقت كي أتأمل موقف المثقفين المصريين من قضيتين شغلتا الرأي العام المصري ، هما ملاحظات فاروق حسني وزير الثقافة المصري عن تفشي ظاهرة الحجاب بين المصريات ،و الثانية قضية إستعراضات القوة التي قامت بها ميليشيات الإخوان في جامعة الأزهر ، في مجتمع صحي لا مكان لمثل تلك القضايا الشكلية التافهة ، ففي ذلك المجتمع لا يهرب الشعب إلى الماضي و يحتمي من الفقر و الضياع خلف قطعة قماش ، وفي ذلك المجتمع فالدراسة و ليست البلطجة ستكون شغل الطالب و همه و لا تكون السياسة أحد فروع الفقه ، و لكن المجتمع المصري مريض كغيره من المجتمعات العربية ، و مع المرض المزمن فكل أعراض الغيببوة متوقعة ولا تشغل أحدا سوى من يعيش انتظارا لمعجزة الشفاء وما أقلهم ، إن أسوأ ما يحدث لمصر ليست تلك الأحداث التي تنهال على رؤوس المصريين بل رد فعل النخب المصرية التي تتراوح بين البلاهة و الغيبوبة ، ربما كنت مبالغا و لابما كنت مخطئا و لكني توقفت عن مجموعة من الملاحظات أستكمل بها النقاط التي ذكرتها سابقا .

7. يرتبط الناصريون و الشيوعيون و الليبراليون منطقيا و تاريخيا بقضية العلمانية ، رغم هذا لا نتوقع أن يكرسوا أنفسهم لمهاجمة التنظيمات الدينية كل الأوقات فلهم أسبقياتهم و سياستهم التي لا نجادلهم فيها ، و لكن يحق لنا أن نندهش عندما نجد بعضا منهم يتحول إلى إخواني أكثر من الإخوان و جهادي أكثر من الجهاديين ، فبينما انتقد بعض عقلاء الإسلاميين المستقلين إستعراض القوة في جامعة الأزهر ،و بينما اعتذر القائمون على الإستعراض ولو على حياء و تردد ، نجد ناصريا مثل حمدين الصباحي يبارك تكوين ميليشات إخوانية في الجامعة و يبرر ذلك كونها رد على عنف الأمن ، بينما يمتلأ الاعلام المصري بمن يدعون أنهم ناصريين أو ليبراليين يكررون سخافات مهدي عاكف بأن تجمهر طلبة ملثمين يقومون باستعراضات القوة أمام إدارة الجامعة هو مجرد أمر عادي و تدريب بريء على (اسكتشات) !.
8. سقط عضو إسلامي في مجلس الشعب المصري مغشيا عليه أثناء جلسة تاريخية عاصفة تليق بالمصريين و مجلسهم الوقر ، لم يسقط العضو الإسلامي إنفعالا بجرائم إسرائيل في فلسطين ولا حتى بجرائم الأمريكيين و الحرب الأهلية في العراق فتلك كلها صارت أحداثا عادية ،و لكنه سقط انفعالا لأنه لم يتحمل ملاحظات وزير الثقافة ضد الحجاب السعودي قدس أقداس المصريين و مثقفيهم الجهابذة ، ارتعد العضو الورع خشية أن يلاقي ربه بدون حجاب يغطي وجه حريمه بدر البدور ،و لكن هذا النائب الورع لم يخجل ولو لبرهة أن يلاقيه ودماء المسلمين أصبحت بلا ثمن يريقها الإسرائيليون و الأمريكان و العرب أنفسهم ، ألوف الجثث المثقوبة و المبتورة و المتفحمة لم تحرك مشاعره ، فقط ملاحظات عارضة عن حجاب مشكوك فيه و حوله تلقيه أرضا ، لم يكن هذا الرجل التافه يقوم بفاصل تمثيلي رديء على ساحة مجلس الكوميديا السوداء وحده ،فسرعان ما لحق به أعمدة كبار في النظام نفسه الذي ينتمي إليه وزير الثقافة وراحوا يولون و يلطمون الوجوه و يشقون الجيوب على ما لحق بالحجاب المقدس من مهانة لا يغسلها سوى الدم المراق على جوانبه ، في كل مكان في العالم يتحرك التاريخ للأمام و لكن عندنا يعود للخلف ، إننا لم نغادر الفقيه القديم قيد أنمله و لكننا على الأقل لم نحتفظ بوقاره ، فحتى في أردأ الأزمنة لم نسمع أن أثار الحجاب خلافا أو اهتماما ،و لكن مثقفينا المغيبون في أفيون الغباء و الحقارة يسقطون أرضا من أجل الحجاب .
9. مشهد غريب لا يحدث سوى في المحروسة ، فنحن لا نتوقف عن الإشادة بقضاء مصر و قضاتها ، و بالفعل تمتلك مصر جهازا قضائيا هو الأعرق و ربما الأفضل عربيا ،و لكننا لم نعد نشاهد القضاة الكبار خاصة المتعاطفين مع الست المحظورة على منصات القضاء قدر مشاهدتهم يطلون علينا بطلعتهم الوقوره من الفضائيات ليحدوثنا في أمور من صميم السياسة التي يحظر القانون ممارستهم لها ، هؤلاء القضاة يؤكدون كل مرة انهم ممنوعون في الحديث عن السياسة أو التدخل فيها ثم يشرعون في أحاديث سياسية متصلة تشمل أحيانا ثرثرات تتناول نقد المقالات السياسية و توجهات المحررين !، في المقابل تقوم نقابة المحامين المخترقة بالإخوان المسلمين بتمثيل مسرحيات هزلية تسمى المحاكم الشعبية فيجلس مجموعة من السادة القضاء الواقف على هيئة محكمة لمحاكمة وزير الثقافة بسبب تصريحاته الشهيرة عن الحجاب، خلال تلك المحاكمة المهزلة التي يقودها إرهابي سابق أشهر توبته على يد أمن الدولة ( منتصر الزيات ) لا يتورع المحامون عن سب الوزير و التشهير به و لكنهم في النهاية يصدرون حكما ببرائته !، تسلية بريئة تذكرنا بما كنا نفعله و نحن أطفال عندما نتخيل أنفسنا محامين أو ضباطا أو زعماء لا يشق لهم غبار و هات يا هبل أزلي .. تماما كما يفعل أعضاء نقابة المحامين العتيدة التي رأسها سعد زغلول يوما .
للموضوع بقية .

المثقفين المصريين الذين أصبحوا كالفيران التي تتبع الزمار الذي يقودها إلى المحيط كي تغرق هناك
الزملاء .(f)
قبل أن أستعرض مجموعة أخرى من مظاهر الغيبوبة الثقافية التي نغرق فيها بشكل مستمر و بلا تبصر ، أريد أن أذهب أبعد قليلا حتى لا يعتقد أحد أنني أستهدف الإسلاميين الأبرياء دون سواهم ..
نعم الأمر سيكون أكثر وضوحا لو ذهبنا أبعد من المشهد الحاضر و إلى سنوات بعيدة في الماضي ، سيكون أكثر وضوحا لو تذكرنا أنه منذ 1961 و إلى اليوم أي خلال 45 عام استغرق المثقفون المصريون في نقاش عميق للغاية شارك فيه كل جهابذة القانون و التشريع و الترقيع ، خلال تلك الفترة الطويلة التي تعادل عمرا كاملا لدول و إمبراطوريات كان المصريون متفرغين لمناقشة سؤال غريب جدا هو تعريف العامل و الفلاح ، نعم .. من هو العامل ومن هو الفلاح ؟، ربما يعتقد البعض أن هذا نوع من الجدل عديم القيمة ،و لكنه في هذه الحالة سيفضح جهله و أنه لا يعرف شيئا عن الشعوب العريقة و الحضارات القديمة ، هو مثلا لا يعرف أن أهل بيزنطة قضوا زمنا أطول يتناقشون هل الملائكة ذكور أم إناث ، وهل في البداية كانت البيضة أم الدجاجة ، إن المثقف المصري بعيد النظر جدا لأنه يعلم أنه بمثل هذا النقاش سيدخل التاريخ مع أخيه البيزنطي ببيضته و فرخته و ملائكته و عماله و فلاحيه .
مشهد آخر قديم نوعا و ليس كله إسلامي .. إنقسم المثقفون المصريون بسبب اتفاقية السلام مع إسرائيل ، أغلبية رافضة سرعان ما ترك رموزها مصر و ذهبوا إلى إخوانهم العرب الرافضين التي كانت بلادهم و بالصدفة البحتة ممتلئة بالبترول و دولاراته !، أما الأقلية فكانت صامدة إلى جانب النظام لأسباب متعددة أندرها بسبب تأييد العملية السلمية التي فوجئ بها الجميع المعارض و المؤيد على السواء ، لم يمض وقت طويل حتى أغتيل السادات ، ورغم أن موقف مبارك من السلام هو نفسه موقف السادات ، فإن الصحفيين و المثقفين الذين عارضوا السلام لم يتوقفوا كثيرا عند تلك الحقيقة التي رأوها مجرد تفاصيل لا أهمية لها ، فانطلقوا فرادا و جماعات لخدمة نفس النظام الذي عارضوه ، لم يكتف هؤلاء المناضلون القدامى بتأييد النظام و لكنهم أصبحوا يتصدرون قائمة إعلامييه و سياسييه الداعمين للسلام الذي رفضوه من قبل ، لم يتغير شيء سوى أن الدول العربية التي تحمست للعمل ضد السادات ووفرت المال و الأعمال لمعارضيه توقفت عن دعم أعدائه فبعض تلك الدول تحولت عن موقفها كلية و تبنت خيار السلام ، أما الدول الأخرى فقد ملت القضية و مصر و إسرائيل و راحت تتلهى بالتقاتل مع بعضها البعض أو تخوض الحروب الداخلية .
لماذا لا نعود الآن مرة أخرى لنتابع الأداء الرائع لمثقفينا الأماثل في الأسابيع الأخيرة .
10. د . سعد الدين إبراهيم مفكر ليبرالي مصري و ناشط في حقوق الإنسان ، تصادم سعد الدين إبراهيم مع النظام لأسباب ربما ستظل مجهولة ، بالرغم من ( تكبير ) مبارك مع معارضيه إلا أنه كان ضيق الصدر مع سعد الدين إبراهيم و كلنا يعلم المحنة التي مر بها الرجل و تعاطفنا معه كمثقف و معارض شجاع ، لا يطالب أحدنا أن يكون سعد مسيحا جديدا فيبارك أعدائه و يتسامح مع النظام ، المفاجأة أن سعد الدين إبراهيم الجديد لم يكن له علاقة بالمسيح أو حتى الشيطان ، و لكنه استنسخ جحا عندما حاول إغاظة أعدائه فجلس على خازوق ، هكذا ينقلب على كل ما نادى به و عمل من أجله، لم تعد الليبرالية تهم سعد الدين إيراهيم فقد تفرغ للدعاية الشمولية ليس فقط للإخوان المسلمين بل و لكل الطيف الإسلامي على إمتداد العالم العربي المنكوب به و بغيره من مثقفي الغيبوبة الجدد ، في آخر لقاء شاهدته كان سعد الدين يؤكد أنه ما زال علمانيا و لييبراليا ،و أنه يرى أن مستقبل الديمقراطية و التغيير في المنطقة مرتبط بالإسلاميين و ضرب مثالا أحمدي نجاد و حسن نصرالله و أيمن الظواهري ! .
11. منصور حسن ليس فقط رجل أعمال و وزير أسبق للإعلام رافق السادات في زيارته التاريخية للقدس ، و لكنه أيضا عرف بكونه أحد نجوم عصر السادات و مرشحا محتملا لخلافته ، بعد إغتيال السادات آثر منصور حسن التفرغ لأعماله و البعد عن السياسة ، و لكنه يشعر الآن بحنين جارف إلى العمل السياسي ،و كمثقف مصري عتيد لم يجد ما يفعله سوى الانقلاب على كل تاريخه الذي ادعاه ، لم يفكر منصور حسن أن يعمل مستقلا أو ضمن أحد الأحزاب الشرعية ، و لكنه كمثقف فهلوي شد الرحال مباشرة إلى الإخوان أعداء الأمس عارضا نفسه كواجهة مدنية مقبولة لحزب جديد يفكرون في إنشائه حاليا ، و أيضا كغيره من الإسلاميين المتحولين كان عليه أن يبدأ مسيرته الظافرة بالتوبة تمهيدا للأسلمة التامة ، لهذا كتب مقالا ركيكا يطالب فيه بإلغاء اتفاقية السلام ، هل نلوم الآن مهدي عاكف عندما يمتطي أي من تلك البغال المصطفه أمامه للوصول إلى هدفه المعلن وهو إقامة إمارة طالبانية في مصر ؟ ،أليس الأنسب أن نلوم البغال لأنها تتراص في الإصطبل حتى دون أن تسأل عن مصيرها بعد الوصول إلى طالبان .
12. هناك جانب ملتبس لا تقدره القيادات القبطية المهاجرة عندما تتحرك داخل أروقة المؤسسات الأمريكية للضغط على النظام المصري ، إن المبالغة في معالجة مشاكل الأقباط و عرضها في سياق الاضطهاد الديني مثل الذي يحدث في إيران أو السعودية و السودان مثلا سيترجم إلى إدانات للنظام المصري و ضغوط عليه ،و هذا يصب بشكل أو آخر لصالح الأصوليات الدينية و الإخوانية ،ويخدم جهودها في الاستقواء على النظام بالضغوط الأمريكية ، هكذا نجد أن الجهود التي يبذلها أقباط المهجر يمكن أن تصب في النهاية لصالح الإخوان و من يهددون مواطنة المسيحيين في الصميم ، هذا ليس احتمالا بعيدا فالحماقة الأمريكية بادية في الآفاق و في العرب ، وعلينا أن نتأمل كيف قدمت أمريكا لإيران عدوها الأول في المنطقة أجل الخدمات بدمائها و أموالها في العراق ، فلولا تورط أمريكا في المستنقع العراقي و تحول جنودها إلى مجرد رهائن بيد خامنئي يضربهم بالسنة و الشيعة العراقيين كما يشاء ، لولا ذلك ما جرؤت إيران على تصنيع سلاحها النووي في تحد كامل للغرب و على رأسه أمريكا ، إن خلاف المسيحيين أو حتى عدائهم للنظام يجب ألا يصيبهم بالعماء فلا يرون مصالحهم ، عليهم أن يعوا جيدا أن النظام هو سلاحهم الرئيسي وربما الوحيد لمقاومة المد الأصولي الذي يهدد الوطن كله -و ليس المسيحيين فقط - بالهلاك ، فنحن نعلم جيدا أنه خارج النظام لا يوجد سوى الظلام و الإخوان ، أما قوى المجتمع المدني و أحزاب المعارضة و كفاية و شايفنكو و (اهرش لي) و ( زغزغني ) و غيرها من أوهام المثقفين فلا وجود لها خارج الصحف و نشرات الأخبار ، هذه النصيحة لا أوجهها للأقباط فقط بل لكل المثقفين المصريين الذين أصبحوا كالفيران التي تتبع الزمار الذي يقودها إلى المحيط كي تغرق هناك .. نموذجا جديدا لخطورة الحماقة و أنها أعيت من يداويها .

استاذي بهجت

قرأت موضوعك باهتمام شديد.

ولكن كيف الحل برأيك لهذا الواقع الثقافي المخزي والمثير للشفقة اذا ماكان المثقفين القادرين علي مقارعة المشروع الاصولي لايملكون الشجاعة الكافية للكتابة ؟ او لا يملكون الشجاعة الكافية للكتابة بغزارة؟

هل الذنب هو ذنب الشاب المقتنع بالفكر الاصولي ام الذنب هو ذنب الليبرالي الذي لم يملك الشجاعة الكافية للكتابة؟

تحياتي

اقتباس:د . سعد الدين إبراهيم مفكر ليبرالي مصري و ناشط في حقوق الإنسان ، تصادم سعد الدين إبراهيم مع النظام لأسباب ربما ستظل مجهولة ، بالرغم من ( تكبير ) مبارك مع معارضيه إلا أنه كان ضيق الصدر مع سعد الدين إبراهيم و كلنا يعلم المحنة التي مر بها الرجل و تعاطفنا معه كمثقف و معارض شجاع ، لا يطالب أحدنا أن يكون سعد مسيحا جديدا فيبارك أعدائه و يتسامح مع النظام ، المفاجأة أن سعد الدين إبراهيم الجديد لم يكن له علاقة بالمسيح أو حتى الشيطان ، و لكنه استنسخ جحا عندما حاول إغاظة أعدائه فجلس على خازوق ، هكذا ينقلب على كل ما نادى به و عمل من أجله، لم تعد الليبرالية تهم سعد الدين إيراهيم فقد تفرغ للدعاية الشمولية ليس فقط للإخوان المسلمين بل و لكل الطيف الإسلامي على إمتداد العالم العربي المنكوب به و بغيره من مثقفي الغيبوبة الجدد ، في آخر لقاء شاهدته كان سعد الدين يؤكد أنه ما زال علمانيا و لييبراليا ،و أنه يرى أن مستقبل الديمقراطية و التغيير في المنطقة مرتبط بالإسلاميين و ضرب مثالا أحمدي نجاد و حسن نصرالله و أيمن الظواهري ! .

استاذ الجميل والقدير : بهجت أفندى ( وكلمة افندى كلمة يونانية تعنى المعلم أو الأستاذ او المثقف - حتى لا يفهمه أحد أنها سخرية )

الحقيقة انا من محبين الأستاذ سعد , وكنت بتبعه بشدة فى المصرى اليوم ... لكن ما يقوله هو حقيقة , وتقرير أمر واقع !

الأوضاع الحالية فى مصر من بطالة أدت الى تفرغ , وفقر أدى الى يأس - فضلا عن صحافة ليست بالمستقلة ( على سبيل المثال هناك جرائد وشبهات حول صحف مشهورة بتأخذ دعم أمريكى , ومنهم المصرى اليوم لكن ليس عندى دليل على هذا الكلام ... وان كان فى صحف اخرى معروف انها بتأخذ دعم أمريكى ) فضلا عن صحافة مثل الوفد خصصت عدد لها للهجوم على جمال مبارك والحزب الوطنى )


كل هذا رمى الشعب بكل سهولة وبساطة , الى وضع - أعتقد ان أدق وصف سمعته من الفنان الجميل ( علاء ولى الدين ) عندما قال :

{ الواحد بقى يقف قصد الفكهانى , ويشوف التفاح الأحمر - ويقوله : سلاماً عليك نلقاك فى جنة الخلد }

أتمنى ان تتابع , وأنا لك لمن المتابعيين (f)

اقتباس:  ابن نجد   كتب/كتبت  
لقد تحول الموضوع للدفاع عن ناصر:lol2:

يبدو ان قطيع الحزب يشبه اي قطيع اجتماعي آخر ، فهو عاطفي ولا يود ان يصغي لنقد رموزه .

اليس كذلك يا استاذ بهجت ؟

الزميل العزيز ابن نجد .(f)
جمال عبد الناصر تحول إلى شخصية تاريخية و ليس مشروعا سياسيا ، آمل أن نتناوله بشكل موضوعي بارد بعيدا عن التحيزات معه أو ضده ، أما بالنسبة لهذا الشريط فليس معنيا بعبد الناصر بشكل خاص .
واسلم لكل خير .

[SIZE=4]إنك لو كتبت قصائدا تمدح بها الملك فسوف تكافئ ،ولكن لو كتبت قصائدا من أجل تحرير الناس فسوف تسحق . فولتير.

اقتباس:  طنطاوي   كتب/كتبت  
استاذي بهجت

قرأت موضوعك باهتمام شديد.

ولكن كيف الحل برأيك لهذا الواقع الثقافي المخزي والمثير للشفقة اذا ماكان المثقفين القادرين علي مقارعة المشروع الاصولي لايملكون الشجاعة الكافية للكتابة ؟ او لا يملكون الشجاعة الكافية للكتابة بغزارة؟

هل الذنب هو ذنب الشاب المقتنع بالفكر الاصولي ام الذنب هو ذنب الليبرالي الذي لم يملك الشجاعة الكافية للكتابة؟

تحياتي

الأخ الكريم طنطاوي .
إن إنزواء الثقافة الليبرالية و التنويرية عموما لا علاقة له بشجاعة الليبراليين ، و لكنه مشكلة أكثر تعقيدا مما تبدوا ، إننا في عصر يختفي فيه المثقف المستقل إنساني الإنتماء لصالح المثقف المؤسسي الإحترافي ، الآن يمكن لأكثر الإتجاهات الفكرية تخلفا و أشدها ظلامية و مجافاة للعصر أن تسوق نفسها كمشروع مستقبلي واعد ، إنها توظف أرقى العقول و تهيأ أفضل الإمكانيات التكنولوجية و الفنية من أجل نشر الخرافة و التخلف بأكثر الأشكال جاذبية و إغراء ، إن التمويل الجيد هو ركيزة الثقافة الأساسي ، ومن يمول الثقافة يحدد مضمونها ، في مصر ومنذ هزيمة 1967 توقفت الدولة عن إنتاج الثقافة و تمويلها ولو بقروشها القليلة ، تاركة هذه المهمة للجهود الشخصية ،و هكذا أصبحت الساحة خالية للفكر الأصولي الوهابي يصول و يجول فيها بلا منافس . هذه الحقيقة ستبدو أكثر وضوحا إذا تأملنا ملكية مجموعة من المؤسسات الخليجية التي تدين بالفكر الوهابي الأصولي لأهم مفاصل الجهاز الإعلامي العربي ، وهذا يتيح للفكر الأصولي إدارة و توجيه المعلومات بما يلائم أهدافه الخاصة ،و النتيجة الطبيعية أن بنية الثقافة الشعبية أصبحت في الوقت الحالي منتجا يتم تصنيعه وفقا لأشد المقاييس الأصولية تزمتا ، بينما تمولها أكثر العقليات جهلا و نفاقا و مفارقة للحضارة .
دعنا نسأل ماهي فرصة المفكر التنويري في نشر أفكاره ، بل ما هي فرص تكوين الفكر التنويري من الأساس ؟، تقريبا لا شيء ، فليس هناك قوى محلية أو دولية تمول الإعلام التنويري ، كما لا توجد مؤسسات إعلامية قوية تدعمه ، ماذا يدفع أي كاتب محترف كي يعرض نفسه للتكفير و تدمير مستقبله المهني ، ناهيك عن تهكمات الرعاع و الجهلاء و ربما الإعتداءات الإجرامية و في النهاية لن يجد ما يسد رمقه ، في الجانب الآخر يمكن حتى لمتوسط الموهبة إحراز نجاحات مرموقة و دخلا مرتفعا بمجرد أن يعلن توبته على يد النبي في الرؤية المباركة إن شاء الله ثم يبدأ في ترويج الفكر الوهابي الإخواني ، و صدقني ما أيسر هذا على أي إنسان متدني الذكاء يجيد القراءة و الكتابة لا غير ، لهذا لا نعجب أن يتحول الناشط الماركسي الرفيق محمد عمارة إلى المفكر الإسلامي الشيخ محمد عمارة ، حتى الكاتب الذي يكتب في الصحف المصرية المحلية تكون عينه ( مفنجلة ) على صحف الخليج و بالتالي يحاول أن يتفادى القائمة السوداء و يتمسك بقائمة المكافآت ، بل هب أن هذا الكاتب الفدائي قد وجد فعلا فأين يكتب أو ينشر أفكاره ؟.
في مصر هناك مجموعة من المثقفين المستنيرين و لكن لا توجد حركة تنويرية ، إن المفكر المستنير يتمتع بمنتجات الحضارة و لكنه يراها امتيازا لا يلائم العامة ، أما التنويري فهو ناشط سياسي يرى أن واجبه نشر الفكر التنويري و هذا التنويري لا يمكن أن يعمل مستقلا بل في إطار منظومة ثقافية حضارية وهي غير موجودة نهائيا في العالم العربي ، التنويريون لدينا يعدون على أصابع اليد وغالبا من الهواة يمارسون مهنا خارج دائرة الإعلام، إنهم يتصدون لعرض الفكر التنويري بشكل تطوعي و بدافع وطني إستجابة لنداء الضمير لا غير ، وهكذا فالتنوير يتم خلال ثقب إبرة كما عبر بحق د. رفعت السعيد ، إن الذي يبحث عن مكسب مادي أو موقع سياسي أو منصب كبير لن يفكر أبدا في الإرتباط بالفكر التنويري و لكنه سيتفرغ للحديث عن القيم التقليدية و الأخلاق الشعبية و الدين المظهري الطقوسي و أن الحجاب فريضة إسلامية و أن الإسلام دين و دولة .. مصحف و سيف .. الخ ،و بالقطع لن ينسى الداعية الإسلامي المجيد أن يلعن داروين و نظريته النجسة و أينشتين و نسبيته الشيطانية وفولتير الملحد الفاجر!.
و اسلم لكل خير

سيدي بهجت (f)

الدين رجع بقوه لأماكن كثيره من العالم والعرب ليسوا استثناءا ..
إنها دورات التاريخ يا عزيزي ..
الدول العظمى في اتجاهها إلى التدين والعالم تبع لها ..
إذا كان رئيس أقوى دوله في العالم يتصرف بوحي من الله كما يقول فمن حقي أنا كإنسان عادي أن لا أنبهر بالرئيس وإنما أنبهر بالله الذي يوحي إلى الرئيس وأعبده فلاشك أنه أعظم منه ..

ثقافة القوي تسود ..وربي وربك الله الذي بعث محمد .