الفجر المصرية .
حالة من الرعب تجتاح منطقة المعادي والمناطق المحيطة بها، مصحوبة بشائعات فضلاً عن عدد من الحوادث الغامضة التي يجري فيها الاعتداء علي البنات والسيدات بنفس الطريقة، جعلت من «سفاح المعادي» شبحاً يثير الرعب، ويدفع النساء والفتيات لاستمرار التلفت حولهن أثناء السير والتوجس من أي شاب يقترب منهن، بعض السيدات بدأن في حمل زجاجات الاسبراي والفلفل الأسود للدفاع عن أنفسهن بعد أن فشلت أجهزة الأمن حتي الآن في القبض علي السفاح الذي حمل عدة أسماء منها «سفاح البنطلونات الجينز» أو «سفاح الأماكن الحساسة»، حيث أثير أنه يهاجم الفتيات اللاتي يرتدين الجينز، لكن اتضح أنه يهاجم السيدات والبنات في أي صورة، وأولي ضحاياه كانت ترتدي الخمار وآخرهن محجبة.
الشائعات ساهمت في مضاعفة الرعب من السفاح المجهول الذي يبدو مجرماً غير طبيعي وغير تقليدي، لكن الشائعات تتناسب مع حجم الجرائم التي يرتكبها، التي بدت أحد أكبر التحديات لرجال المباحث ومدير الأمن اللواء إسماعيل الشاعر أحد أنجح رؤساء المباحث في العاصمة، الذي اعتبر الحادث تحدياً شخصياً دفعه إلي عدم مغادرة مكتبه نهاراً أو ليلاً فضلاً عن متابعته الميدانية للجرائم، رجال المباحث الذين ينتشرون في شوارع المعادي والمناطق المحيطة بها يحملون صوراً تخيلية للفاعل مأخوذة من شهادات الضحايا يفتشون ويعملون بكثافة لحل لغز السفاح الغامض الذي أثار الرعب في المعادي والمناطق المحيطة بها، خاصة أن المعادي من المناطق ذات الكثافة الأمنية العالية بكونها تضم عدداً من السفارات ومقار إقامات البعثات الأجنبية والأجانب بشكل عام.
المفاجأة في الأمر أن الحادث الأول الذي ارتكبه السفاح جري منذ أربعة أشهر، لكن جهات الأمن اعتبرته أمراً فردياً وتعاملت معه بروتينية، بالرغم من غرابته.. والآن وصل عدد الضحايا إلي خمس - حسب إحصاءات الشرطة - وأكثر من هذا العدد، حسب احصائيات الشائعات أو المصادر الطبية التي ربما حسبت أعداد المصابين في حوادث اعتداء سكاكين أو أسلحة بيضاء.
نبدأ من آخر الضحايا، ممرضة في مستشفي المعادي للقوات المسلحة «فاطمة - 27 سنة»، وصلنا إليها بأعجوبة بعد اختراق حصار أمني شديد بعد عودتها مباشرة من المستشفي، حيث تلقت العلاج بعد إصابتها، تقيم في عرب المعادي، وهي منطقة خلف عزبة فهمي التي شهدت حادثاً قبل يوم واحد، كانت قوات الأمن تحيط بالمكان وتواجد عدد كبير من قيادات الأمن والأهالي الذين تجمعوا أمام منزل فاطمة، وعندما وصلنا إلي غرفتها كانت ترقد محاطة بأقاربها وجيرانها الجميع في حالة ذعر وخوف. كانت يدها مربوطة وإصابة أخري في خدها الأيمن كانت منهارة نفسياً وهي تروي قصة تعرضها لعدوان السفاح: خرجت من باب شقتي في الدور الثالث الساعة السادسة والنصف متوجهة إلي عملي في مستشفي المعادي، وبعد أن أغلقت الشقة علي زوجي وابني «عمرو» فوجئت بشخص يقف خلفي مباشرة وقبل أن افتح فمي كتم أنفاسي بيده، حاولت إخراج «مشرط» كان في جيبي للدفاع عن نفسي، لكنه أخرج مطواة وقال لي «كده أنا هوريكي يالا نتسلي مع بعض»، وجه طعناته إلي جنبي وصدري وخدي ويدي، وظل يكتم أنفاسي وعندما رفع يده صرخت بأعلي صوتي، لكنه قبل أن يغادر قال لي «راجع لك تاني».. واختفي، بينما أنا كنت أنزف بشدة.
تم نقل فاطمة إلي مستشفي قريب من بيتها، حولها إلي مستشفي المعادي العسكري التي تعمل به، وبعدها حملها أهلها إلي منزلها، رأينا القميص الذي كانت ترتديه غارقاً بدمائها. فاطمة تقول إنها لم تر وجه المجرم، لأنه كان يضع كوفية تغطي وجهه، ولم تظهر منها سوي ذقنه أو «سكسوكة» في مكان طابع الحسن.
المثير أن السفاح قبل أن يهاجم فاطمة بيومين هاجم أخري في منزل مجاور في عز الظهر، وفي مدخل العمارة المجاورة عندما كانت فتاة في الثانية والعشرين تنزل من منزلها، فرأت شخصاً يقف في مدخل العمارة وعندما اقتربت كتم أنفاسها بيده وأخرج مطواة حاول طعنها لكنها أمسكت بيده فحاول أن يقطع أصابعها وفعلاً أصابها بجروح خطيرة في أربعة من أصابعها، قبل أن يصيبها في وجهها، الفتاة ذكرت نفس المواصفات التي ذكرتها فاطمة، واتفقت معها علي أنه ليس طويلاً ويبدو ماكراً وذكياً لأنه نجح في تضليل الأمن، وعاد إلي نفس المنطقة ليرتكب جريمته، لعلمه أن الشرطة لن تتوقع منه أن يعود إلي نفس المكان، وأن الشرطة سوف تنتظره في أي مكان باستثناء المكان الأول، خاصة أنه قبل ذلك كان يهاجم ضحاياه في مكان وبعدها في مكان آخر بعيد نسبياً.
الفتاة تم نقلها إلي مستشفي جراحات اليوم الواحد في المعادي، حيث أجريت جراحة لأصابعها ووجهها، وكانت إصابة الوجه أمراً جديداً لم يسبق له فعله، الفتاة عندما سمعت الصراخ من منزل فاطمة بعد يومين أصيبت بانهيار عصبي نقلت علي أثره للمستشفي.
منطقة عرب المعادي التي شهدت جريمتي السفاح الأخيرتين وتحديداً في عزبة فهمي، هي منطقة مزدحمة تقع خلف محكمة البساتين ونيابة المعادي، وسكان المكان من الطبقات الشعبية والفقيرة، والمنازل لا تزيد علي أربعة أدوار وسطها محال بقالة ومقاه، ومنطقة الحوادث حارات ضيقة لا يمكن للحارة أن تستوعب أكثر من سيارة، وهو أمر يثير الدهشة فهذه المنطقة المزدحمة الضيقة نجح المجرم في الاختباء والهروب منها مرتين دون أن يراه أحد.
بالعودة إلي الحادث الأول علينا الرجوع أربعة أشهر إلي الوراء، ففي يوم 7 سبتمبر الماضي كانت السيدة «اعتدال» الموظفة بحي المعادي وهي خارجة من عملها متوجهة إلي منزلها كانت ترتدي الخمار، وتقول: كان 14 شعبان وكنت صائمة، استأذنت من عملي في الثانية والنصف وأثناء عودتي لمنزلي في شارع 77 أمام مستشفي الريان، كان هناك ثلاثة أولاد يلعبون الكرة في الشارع، قابلني شاب طويل اسمر كان يرتدي قميصاً أحمر وبنطلوناً داكناً، كان يسير في مواجهتي مر بجانبي ثم عاد مرة أخري وضربني في جنبي، في البداية تصورت أن الكرة خبطتني وشعرت بألم شديد ورأيت الدماء تسيل مني، وأغمي عليّ، لأفيق في المستشفي وكل ما اتذكره أن الجاني كان يجري بسرعة شديدة، وكل ما اتذكره أنه كان اسمر ونحيفاً وطويلاً، وليس في ملامحه ما يثير الخوف أو الشك.. علمت أن زملائي الذين خرجوا من الشغل هم الذين حملوني للمستشفي، وحاولوا البحث عنه في المنطقة لكنهم لم يعثروا له علي أي أثر، وقال الأطباء إن الطعنة كانت قريبة من الكلي بثلاثة سنتيمترات فقط، وجرح بعمق 7 سنتيمترات، وعرض 3 سنتيمترات.
انتقل الموضوع إلي قسم المعادي ثم البساتين، ولأنني كنت أول حالة لم يلق الأمر اهتمام رجال المباحث، ويومها أخبرتهم أنه كان يسير علي قدميه، وقلت للضباط إنني ليس لي أعداء من جيراني أو زملائي حتي يفكر أحدهم في إيذائي، وأنا متزوجة ولي ثلاثة أبناء وكبري بناتي مدرسة والأوسط في الجامعة، والأصغر في الابتدائية، ثم إنني ارتدي الخمار ولا يوجد سبب يدفعه لإيذائي.
ضباط المباحث لم يتوصلوا إلي شيء حول المجرم وانتهي الموضوع، لكنهم عادوا ليسألوني بعد عدة الحوادث مرة أخري، وهو أمر جعلني أعيش في رعب.
السيدة «اعتدال» رفضت أن تلتقط لها صوراً وقالت: بلاش أنا خايفة يعرفني ويقتلني لأنني ارشدت عن أوصافه.
هذا هو حال جميع الفتيات والسيدات في المعادي اللاتي أصابهن الرعب بعد أن تعددت اعتداءات السفاح الذي لا يفرق بين فتاة وسيدة أو بين محجبة وأخري ترتدي البنطلون، وحتي الأطفال لم يسلموا منه، وكان حادث «منة الله إبراهيم» التلميذة في الصف الأول الإعدادي «11 عاماً» خير دليل، التي خرجت من مدرسة مصطفي كامل في حدائق المعادي مع زميلاتها، وقابلهن الشخص وطعن الفتاة في مكان حساس، وتركها تنزف واختفي، ونقلت إلي المستشفي وقالت وهي تصفه إنه في العشرينيات من العمر وأدلت بأوصافه.
لكن أوصاف المجرم تضاربت لدي الضحايا، الأمر الذي جعل هناك توقع بوجود أكثر من مجرم أو عصابة، فقد تطابقت الأوصاف التي أدلت بها منة الله مع أوصاف الضحية الأولي «اعتدال»، لكنها تختلف عن الأوصاف التي أدلت بها الضحية الأخيرة.. فالأول أسمر وطويل وشعره خفيف وأذنه كبيرة وحواجبه عريضة.
أما المجرم في الحوادث الأخيرة ليس طويلاً ولديه ذقن خفيفة أو سكسوكة ويرتدي كوفية، بعض الشهود قالوا إنه شاب أسود اللون.. وهناك من قال إن لديه شارباً وشعره طويل ومثبت بالجل، في حين الثاني شعره قصير وخفيف، كل هذا جعل البعض يظن أن هناك أكثر من سفاح، وهو أمر يضعه رجال المباحث في أذهانهم وهم يسعون وراء «شبح السفاح» في شوارع المعادي وحدائق المعادي والمناطق المحيطة، وتم القبض علي المشتبه فيهم وإجراء عمليات تفتيش تجري في عدة أماكن.
هناك أيضاً من بين الضحايا «عليا» وهي فتة عمرها «13 سنة» طعنها السفاح أثناء سيرها في شارع اللاسلكي بالمعادي الجديدة، حيث ضربها في بطنها، وهناك «ندي - 16 سنة» و«إنجي» - 16 سنة» أصابهما المجرم في أسفل البطن والفخذ.
الشرطة عثرت علي 5 حالات حتي الآن، لكن الرقم يصل في بعض الاحصائيات إلي 12 حالة، فيما تصل الشائعات إلي أنها 67 حالة.. وهذا التضارب مرده الشائعات التي تنطلق يومياً في مناطق مختلفة من المعادي وحدائق المعادي والمعادي الجديدة وحتي دار السلام والبساتين، وذكرت بعض الشائعات أن هناك وفيات من بين الضحايا، فيما ترددت أخري حول وقوع اعتداء أمام المحكمة الدستورية أو أماكن أخري، لكن لم يثبت شيء من ذلك.. هذه الشائعات هي أكثر ما يثير قلق أجهزة الأمن والمباحث التي تتعامل مع مجرم من طراز خاص، فهو يعتدي علي ضحاياه بلا سبب أو رابط أو أي علاقة بينه وبينهن، ثم إنه ينتقل بسرعة ويختفي، الأمر الذي يجعله أقرب إلي شبح.
هذه التفاصيل هي التي دفعت لتشكيل فرقة من أكبر ضباط المباحث في جنوب القاهرة تحت قيادة رئيس مباحث العاصمة، وإشراف مدير الأمن الذي كان رئيساً لمباحث القاهرة قبل أن يتولي مديرية الأمن.. «الشاعر» قرر إلغاء الراحات ويتابع لحظة بلحظة عمليات البحث، ويتعامل كضابط مباحث محترف يصعب عليه تصور جريمة بهذه البشاعة بدون حل.
وبالرغم من أن المباحث تنصب كمائن وتجري عمليات تفتيش واشتباه، فإن ذلك يتم بمراعاة حساسية منطقة المعادي التي تضم بعثات أجنبية وسفارات، وقد تم القبض علي بعض السودانيين للاشتباه، لكن تم الإفراج عنهم، خاصة أن السودانيين يقطنون بكثافة في هذه المناطق.
الضحية الأخيرة للسفاح الممرضة فاطمة تقول إنها لم تر وجهه، لكنها تعرف صوته ولو سمعته في أي مكان سوف تعرفه.
الشرطة تقول: إنها أصبحت قريبة من السفاح الذي لن يفلت بجرائمه، ولابد أنه مجرم غير طبيعي لأنه يهاجم الفتيات والنساء بلا سبب، ربما لأنه لديه عقدة ما، ننتظر أن نعرفها بعد القبض عليه.
-----
الوفد المصرية
بعد أن فشلت أجهزة الامن في القبض علي سفاح المعادي الذي طعن 5 سيدات وأصابهن إصابات بالغة وفر هارباً.. اضطرت سيدات وفتيات وطالبات المعادي الي حمل السلاح الابيض في حقائبهن خوفاً من هجوم السفاح الذي فرض حظر التجوال في شوارع المعادي. اضطرت سيدات وطالبات المعادي الي حمل »المطاوي« و»الكتر« في حقائبهن واعتباره أداة جديدة من أدوات شنطة اليد وحقيبة المدرسة لزوم الدفاع عن النفس
---