الزملاء الأكارم وليد ومالك ، أشكر تجاوبكم ولي عوده لمناقشة ما تفضلتم به ..
قبل ذلك لي سؤال للزميل بهجت : حسب قراءتك الدقيقة - وهي دقيقة بحق - لطبيعة تجاوبنا مع الأمر ، هل نحن جزء من حالة عامة نتلاقى بها مع الضفة الأخرى للمحيط ، أو حالة خاصة أفرزتها طبيعتنا الثقافية وجذورنا التراثية ؟
وإن كنا كذلك ، فأين السبيل ؟!

وللجميع تقديري

الزميل المحترم و الأخ الأكبر / نبيل (f)

شرفت الشريط, و في إنتظار مداخلاتك القيمة.

الزميل المحترم / مالك (f)
الزميل المحترم / حسان (f)

[CENTER]صدام الحضارات أم صدام المصالح و السياسات؟

قبل أن نحاول الإجابة دعنا نبدأ بالسؤال ذاته "صدام الحضارات أم صدام المصالح و السياسات؟" ماذا يعني و ما هو الفارق بين الحالتين؟

قد يبدو من صيغة التساؤل و كأننا أمام حالتين متناقضتين فرض أحدها قد يجب الآخر و قد يكون ذلك مقصودا.

حسنا. ما هي السياسة؟

لعل التعريف المناسب قد يكون أنها الطرق و السلوك الذي يسلكه مجتمع ما للوصول لأهدافه.
أي أن السياسة هي الوسائل التي يرتضيها و يعتمدها ذلك المجتمع لكي تضمن له - في إعتقاده - الأهداف التي حددها لنفسه.

و الآن ماذا يحدد تلك الأهداف؟ ثم بعد ذلك ما الذي يحدد الوسائل و الطرق (السياسات) المناسبة للوصول لتلك الأهداف؟

و فارق أهداف المجتمعات المختلفة لا تخطئه عين. حتى و إن بدت السياسات التي تعتمدها تلك المجتمعات متشابهة. فالقوة العسكرية بوجه عام قد تكون لأغراض توسعية عدوانية و قد تكون لأهداف حماية الوفرة الإقتصادية و التوازن. و قد يسعى مجتمع ما للسلاح النووي بغية تدمير الآخر أو السيطرة عليه بينما يسعى مجتمع لذات السلاح كرادع.

كما أنه و بالنسبة لمجتمعات تسعى لنفس الهدف المشترك - يمكن أن تجد إختلافا شاسعا في الطرق (السياسات) التي يتخذها هذا أو ذاك و التي يعتقد فيها ضمانا لوصوله لتلك الأهداف. فكما قد أسلفنا في مثال الوفرة الإقتصادية كهدف - قد يتخذ مجتمع ما الغزو و العنف وسيلة لذلك بينما قد يسلك مجتمعا آخر طريق التنمية الصناعية أو الزراعية .. إلخ.

بل قد يبدو الأمر أكثر تعقيدا من ذلك - إذ أن ما قد نعتقد أنها أهداف مشتركة لكل البشر كونها مصالح أساسية - مثل القوة و الوفرة الإقتصادية - قد تصبح في مجتمعات ما مجرد وسائل لأهداف أسمى من وجهة نظرها ولو مؤقتا.
فألمانيا النازية إتخذت كلا من الإقتصاد القوي و التنمية الصناعية و العلمية جميعا كوسيلة لتحقيق هدفها النازي.
و نفس ألمانيا الآن قد يبدوا فيها الوفرة الإقتصادية كهدف أكثر منه وسيلة. بينما القوة و السيطرة العسكرية إنتهت من كونها هدف أو حتى وسيلة لهدف آخر.
بل أن ما قد يبدو غرائزا أساسية مثل التملك و السيطرة و التي تظهر كدافع سلوكي في الأفراد و المجتمعات على وجه الدوام نجدها و بالتأكيد غير مطلوقة العنان بل يحدها و يقننها الخلفية الأخلاقية لهذه الأفراد و المجتمعات بحيث تعمل في إطارها - و خرق تلك الأطر بتلك الدوافع قد يصل لدرجة التجريم. و قد يصل الأمر ببعض الأحيان لتحييد تام لتلك الغرائز في مقابل هدف أعلى و أسمى من وجهة نظر الفرد أو المجتمع.

و الآن - إذا كانت السياسات ليست فقط مجرد طرق و وسائل سلوك المجتمع لتحقيق أهدافه. بل و تتغير من مجتمع لآخر لذات الأهداف فعلى ماذا إذا يقع تبعية تحديد الأهداف و تقنين المصالح بل و وضع السياسات المناسبة لكلا من الأهداف و المصالح؟

تقف البنية الأخلاقية بوضوح وراء كل ذلك. فهي التي تحدد الأهداف العليا للمجتمعات و هي التي تحدد كذلك الوسائل المشروعة للوصول لتلك الأهداف.
و التفاعل بين البنية الأخلاقية و المصالح هو تفاعل مستمر حيث يحدث دائما تغذية متبادلة بين الطرفين و بعضهما البعض أو بينهما و مؤثرات خارجية وصولا لوضع مستقر.

من الطبيعي - بل و الصحي - أن تتشكل البنية الأخلاقية لتتوافق مع المصالح بأطيافها بحيث تقننها و تؤطرها و تضع السياسات و قواعد السلوك المناسبة وصولا لتحقيق متزن لتلك المصالح. فالمصالح تساهم في تشكيل القواعد الأخلاقية - لكي تأخذ الأخيرة زمام السيطرة على الأولى.
و من الطبيعي كذلك أن يحدث تغيير في المصالح ذاتها أو في الطرق المتاحة للوصول لها تحت تأثير خارجي مثل معرفة جديدة أو لظروف ضغوط خارجية مثل توازن القوى - و هاهنا تحدث تغذية عكسية بحيث يتم تعديل البنية الأخلاقية (ممثلة في القواعد - القوانين - الدساتير .. إلخ) توافقا مع هذا التغيير.

فالإسترقاق كمثال بعد أن كان يمثل المصلحة - أو من وسائل تحقيق مصالح إقتصادية أو سيطرة - قد تم القضاء عليه في الغرب بفعل تغيير تام في البنية الأخلاقية - راجع أساسا للتغيير الجذري في البنية المعرفية للمجتمع - بينما تم القضاء عليه في بلدان أخرى كالمملكة العربية السعودية لسبب مخالف تماما و هو الضغوط الخارجية - فيما يظل لا يشكل إنتهاكا لبنيتها و قواعدها الأخلاقية و المعرفية قبلها بأي حال من الأحوال. و ليس من المستغرب بمكان عودته حال تغير الظروف.

لكن هذا التأثير المتبادل بين المصالح العامة الأساسية و بين البنية الأخلاقية - و المفترض فيه السلاسة - قد يحدث أن يتصلب تماما - كون البنية الأخلاقية للمجتمع غير قابلة للتغيير و هذا حال كون البنية أو الخلفية المعرفية للمجتمع - و التي تتأسس عليها تلك البنية الأخلاقية و تستمد منها الشرعية - هي بنية غيبية مقدسة - كالمجتمعات ذات الخلفية الدينية.
هنا تصبح الكلمة العليا للبنية الأخلاقية سواء وافقت المصالح أو حتى عارضتها - بل و تصبح قوانين و سياسات تلك البنية الأخلاقية - و بعد أن كانت تخدم تلك المصالح في زمن ما - تصبح أهداف و سياسات تلك البنية و كأنها هي المصالح ذاتها - حتى و إن أدت للتهلكة.

أما و نحن نعلم أن المقصود في عبارة "صدام الحضارات" هو صدام البنيات التي تمثل تلك الحضارات و تميزها عن غيرها و أولها البنية / الخلفية المعرفية و يتبعها باقي البنيات مثل الأخلاقية - الإقتصادية .. إلخ.
فواقع الأمر أن العبارة "صدام الحضارات أم صدام المصالح و السياسات؟" قد لا تمثل تناقضا بالمرة أو حالتين مختلفتين يمكن المفاضلة بينهم كما قد توحي به تلك العبارة عن عمد أو غير عامدة.

يتبع ,,

اقتباس:هل يمكن إنتاج نموذج جديد للإسلام لا يصطدم مع الحاضر؟

زميل وليد (f):
لا اريد ان اقطع وصل افكارك ,, لكن ارى ان مناقشه هذه القضيه ملحه قبل ان نخوض -من كوننا عربا- في مساله صدام الحضارات
وانا هنا لا احاول فرض اي شيء وليس من حقي هذا , متطفل يبحث عن حلول فقط.
تقديري :97:

هذا زمن تراجيدي ، و في مثل هذا الزمن نحاول أن نتفادى النهايات التراجيدية.
الزملاء الأكارم وليد ومالك ، أشكر تجاوبكم ولي عوده لمناقشة ما تفضلتم به ..
قبل ذلك لي سؤال للزميل بهجت : حسب قراءتك الدقيقة - وهي دقيقة بحق - لطبيعة تجاوبنا مع الأمر ، هل نحن جزء من حالة عامة نتلاقى بها مع الضفة الأخرى للمحيط ، أو حالة خاصة أفرزتها طبيعتنا الثقافية وجذورنا التراثية ؟
وإن كنا كذلك ، فأين السبيل ؟!

وللجميع تقديري [/quote]

الزميل المحترم حسان .(f)
لم أفهم تماما ما هو المقصود بالسؤال هل هو طبيعة الإستجابة العربية لنظرية التصادم الحضاري أم طبيعة العلاقة بالغرب ، لهذا سأضع بايجاز رأيي في كلا من القضيتين .
أما بالنسبة للتجاوب مع أفكار صمويل هانتنجتون فملاحظاتي ليست مقصورة فقط على ردود الزملاء و لكنها قديمة تمتد إلى متابعتي للمناقشات حول النظرية منذ طرحها و إلى اليوم ، فمنذ البداية كانت هناك آراء تهاجم النظرية كونها جزءا من مؤامرة أمريكية خاصة و أن صمويل هانتنجتون على علاقة معروفة بالمخابرات المركزية ، مثل هذا الرأي سمعته من يساريين كالسيدة فريدة النقاش ومن إسلاميين كالعريان ، و لكن من النادر أن يكون نقد النظرية عربيا على أساس موضوعي فمعظم من ينتقد النظرية لم يقرأها ، ومما يستحق الملاحظة أن النظرية لم تجد قبولا من معظم النخب الأمريكية ذاتها بما في ذلك الرئيس الأمريكي وقتها ( بيل كلينتون ) الذي عارضها في حوار مشهور حول النظرية ، كل هذا النقد أدى إلى تنحي النظرية التي لم تعد إلى الحياة كعمل أكاديمي له مصداقية عالية سوى بعد حوادث 11 سبتمبر .
أما عن العلاقة مع الغرب فأرى أن إنسان بسيط مثلي لن يكون قادرا على الوصول إلى إجابة ترضيه و ترضي الآخرين في الوقت ذاته ، كل ما أستطيعه هو أن أساهم في هذا الحوار و غيره باذلآ غاية جهدي ، مستحضرا اجتهادات سابقة لي في هذا الموضوع تحديدا ، وهو موضوع يشغلني كثيرا ، فمصر لا تحظى بالعوائد البترولية العالية ، و هي بالتالي لا تملك ترف التسكع في دهاليز التاريخ و النوم كتنابلة السلطان ، وهذا ما يفعله العرب الآن للأسف متجاهلين تراثهم الكبير .
هذا زمن تراجيدي ، زمن التحولات الكبرى و التحديات الكبرى ، في مثل هذا الزمن نحاول أن نتفادى النهايات التراجيدية ، و أن نستكشف شعاع الأمل في الليل المطبق البهيم ، كل ما نستطيعه الآن أن نوقد شموعا جديدة تجعل المهمة أسهل للآخرين ، و أن نساهم في تشكيل عقل جديد لعالم جديد غير مسبوق .
نحن في مفترق الطرق و أمامنا طريقان ، أحدهما هو الإسلامي الجهادي الذي ترعاه الوهابية الإخوانية ، هو ببساطة تحكيم التراث الفقهي و متلازماته التراثية ، في عالم تراه واحدا لابد أن يسوده الإسلام كمصدر وحيد للحقيقة ، هذا الطريق سيقودنا إلى مواجهات عالمية كبرى ، الطريق الثاني هو الحداثة ذات المرجعية الإنسانية ،وهو اتجاه تعددي يدين بالعلمانية الليبرالية و علينا أن نختار .
بالرغم من أن الإسلام هو الثقافة الوحيدة الكبرى التي لها مشاكل متجذرة و عميقة مع الحداثة فإنني شخصيا لا أعتقد أنه من الضروري أو المفيد أن نتصارع مع العالم كله ، أو أن الصراع مع هذا العالم هو صراع إغريقي حتمي لا يمكن تلافيه ، إن الإسلام هو مجموعة من التقاليد الثقافية التاريخية و ليست كلها معادية للحداثة و المعاصرة ، لهذا علينا تنقية ثقافتنا بحيث تلائم العصر ، إن إصرار المسلمين على تمسكهم بالنموذج الأصولي للإسلام و تكوين شموليات دينية شيعية و سنية سيقودنا حتما إلى مواجهات مدمرة كبرى لا تكافؤ فيها ، مثل هذه المواجهة حماقة عمياء محكوم علينا فيها بالهزيمة النهائية .

[SIZE=4]الجنود الذين يحملون نفس الكتب في معاطفهم يتقاتلون أيضا.

عزبزي وليد .
كل تقدير و مودة .(f)

اقتباس:  Waleed   كتب/كتبت  
فواقع الأمر أن العبارة "صدام الحضارات أم صدام المصالح و السياسات؟" قد لا تمثل تناقضا بالمرة أو حالتين مختلفتين يمكن المفاضلة بينهم كما قد توحي به تلك العبارة عن عمد أو غير عامدة.

لا أعتقد أن المقصود هو أن صدام الحضارات هو نفسه صدام المصالح و السياسات ، قالتصادم بين مصالح الجماعات المختلفة داخل نفس الحضارة قائم ، و الجنود الذين يحملون نفس الكتب في معاطفهم يتقاتلون أيضا ، ربما الفرق الوحيد هو أن الصراع داخل نقس الحضارة يمكن تفاديه أو تقنينه خلال مساومات عقلانية rational compromises و هذا لا يمكن تحقيقه بين الحضارات المتناقضة تلك التي تنتمي لحقب تاريخية متباعدة أصبح بينها قطيعة ابستومولوجية ، كما هو الحال بين الحضارة الإسلامية أو بقاياها المعاصرة و بين الحضارة الكونية غربية المنشأ ، نعلم أن الحضارة الغربية المعاصرة حفلت بتناقضات حادة في المصالح أدت إلى أخطر حربين عالميتين شهدتهما البشرية ، بل إن تلك الحضارة تحديدا هي الأولى التي استخدمت أسلحة التدمير الشامل الكيماوية و النووية ، و لكنها رغم ذلك و بسبب وجود معايير مقايسة مشتركة من العقلانية و البراجماتية أمكن لها في النهاية إبتكار صيغة جديدة للتعايش السلمي على سطح الأرض ، هذا الحل لا يمكن تصوره بين الحضارة العالمية التي نصر كونها غربية متجاهلين طابعها المعولم و بين الحضارة الإسلامية الي تقوم في نموذجها الأصولي السائد على فكرتين هما إحتكار الإسلام للحقيقة المطلقة و واجب المسلمين الإلهي في فرض هذه الحقيقة على العالم كله ، و الخلاف الوحيد بين مناظري الحضارة الإسلامية و قوادها هو هل تحقيق ذلك يكون من أجل إنتصار كلمة الله و إذلال غير المؤمنين برب الإسلام و العالمين أو من أجل تهيئة المسرح لظهور المهدي المنتظر و عودة المسيح و قيام الساعة .
أردت من هذه المداخلة توضيح رأيي في الفرق بين صراع المصالح داخل نفس الحضارة / الثقافة و صراع المصالح بين حضارات مختلفة و متناقضة ، راجيا الا اكون قد قطعت استطراد الشريط ، و دافعي الأساسي هو تنشيط الموضوعات الفكرية لإحداث توازن بينها و بين الموضوعات السياسية ، فالحوار قد يعوق استطراد الأفكار على نحو ما و لكنه يعمق الطرح دائما ، وهذا الحوار و المداخلات حتى المخالف منها كثيرا ما أتمناه في الشرائط التي أطرحها ،و أرجوا أن يكون ذلك رأيك أيضا .

اقتباس:  مالك   كتب/كتبت  

اقتباس:هل يمكن إنتاج نموذج جديد للإسلام لا يصطدم مع الحاضر؟

زميل وليد (f):
لا اريد ان اقطع وصل افكارك ,, لكن ارى ان مناقشه هذه القضيه ملحه قبل ان نخوض -من كوننا عربا- في مساله صدام الحضارات
وانا هنا لا احاول فرض اي شيء وليس من حقي هذا , متطفل يبحث عن حلول فقط.
تقديري :97:

الزميل المحترم / مالك (f)

أولا, أحب أن تتأكد أنه و على العكس مما أسلفت - فمن الفرص السعيدة و النادرة أن يتداخل من هم مثلك لكي يثروا أي موضوع و يملأوا ما قد يعيبه من فراغات.

كما أرجو أن تعذرني في تأخري عن الرد و هذا لسببين أولهما أنني لست سريع التفكير و الكتابة بطبيعتي و الآخر رغبتي في أن تعرض هذه المداخلة لأطول فترة زمنية ممكنة.

أعلم تماما مدى أهمية التساؤل أعلاه و تباعا سبب ما توليه من إهتمام له.

لكني قد أختلف معك في الأولوية - ليس تبعا لتصنيف الأهمية - بل لتصنيف التتابع الزمني.

فالبحث عن مخرج - لن يتأتى إلا بعد تشخيص الأزمة. فنحن لن ننشغل أبدا بهذا السؤال و بالجدية اللازمة حال كوننا لا نعترف بثمة تعارض بين الحضارة بمفهومها الحالي و بين النموذج الحالي للإسلام. و تباعا تأويلنا للصدام الحالي بما لا يجعل لنا فيه من ناقة و لا جمل لا يمكن أن يدفعنا لمجرد التساؤل عن جدوى مجرد محاولة التجديد.

فنحن لو ظللنا على حالنا من الإعتقاد الراسخ بأن خلفيتنا الدينية (بما هي عليه) لا تتعارض مع الحداثة - بل و في خطاب آخر تحوي الحداثة كلها ما ظهر منها و ما لم يكتشف بعد - فلا يوجد ما يدعوا للتساؤل أعلاه.
و بالمثل لو بررنا التصادم الحالي بما يخرجنا كطرف من المعادلة - فعلى العكس مما قد يبدو - سوف يدفعنا ذلك دفعنا لإيقاد نار الصدام - حال أنه يلزم لإخراجنا من المعادلة كطرف فاعل أن نظل بها كطرف مفعول به - أي وضع دفاع شرعي عن النفس.

تكريس التناقض المعرفي و ليس تدليسه أو التغطية عليه هو بداية طريق يؤدي للتساؤل المصيري أعلاه.

و عود على بدء, فالتساؤل أعلاه هو قمة لجبل جليد شديد الضخامة. و كما قد أسلفت لا أدعي إجابة وافية عليه.
قد شرفت بالإشتراك في الشريط القيم للزميل المحترم بهجت عنوانه "مستقبل الدين في عالم ليبرالي" حيث تبنى سيادته رؤية أن الثقافة تقرأ الدين و ليس العكس - بينما كان لي وجهة نظر مخالفة.
لكن أعتقد أنه و لضخامة هذا الموضوع - فأعتقد أنه مازال هناك الكثير من وجهات النظر و الطروح من مختلف الأطياف الفكرية.

أقترح - بعد إذنك و إذن المحترم بهجت - أن نعيد طرح هذا التساؤل بالشريط سالف الذكر و الرأي لكم ,,,

لك مني كل إحترام و تقدير ,,,

اقتباس:  بهجت   كتب/كتبت  
لا أعتقد أن المقصود هو أن صدام الحضارات هو نفسه صدام المصالح و السياسات ، قالتصادم بين مصالح الجماعات المختلفة داخل نفس الحضارة قائم ، و الجنود الذين يحملون نفس الكتب في معاطفهم يتقاتلون أيضا ، ربما الفرق الوحيد هو أن الصراع داخل نقس الحضارة يمكن تفاديه أو تقنينه خلال مساومات عقلانية rational compromises و هذا لا يمكن تحقيقه بين الحضارات المتناقضة تلك التي تنتمي لحقب تاريخية متباعدة أصبح بينها قطيعة ابستومولوجية ، كما هو الحال بين الحضارة الإسلامية أو بقاياها المعاصرة و بين الحضارة الكونية غربية المنشأ

الزميل المحترم و الأخ الأكبر / بهجت

لعلي أسأت توضيح وجهة نظري و لك عميق الشكر لإلقاء ضوءك على ذلك.

قصدت نفي التناقض بين صدام الحضارات و صدام السياسات / المصالح و هذا بوصفهما حالتين تجب أحدها الأخرى بحيث لا تجتمعان. و ليس نفي الإختلاف في طبيعتهما.
و قد يوضح الإقتباس القادم من مداخلة سابقة لي في هذا الشريط ما أقصد أكثر:

اقتباس:و بطبيعة الحال فإنه لا يمكن تحييد المصالح السياسية / الإقتصادية كدافع (رئيسي أو ثانوي) لأي صدام كان و بغض النظر عن طبيعته. لكن هل من الممكن رد جميع أطياف الصراعات للمصالح السياسية / الإقتصادية بصفته الدافع الرئيسي؟ و تباعا إعتبار العامل الديني مجرد آداة بيد عامل السياسة / الإقتصاد. و هل بإعتمادنا هذا الفرض نكون قد أفرغنا الخلفية الدينية من محتواها و تغاضينا عن حقيقة أنه نصوصا شبه ثابتة تشكل مع تفاسيرها خلفيات معرفية و قانونية و دوافع أخلاقية؟

فما قصدته هو نقد لمحاولات مضنية لرد و تبرير الصدام الحالي بين حضارة الإسلام و الحضارة الكونية / الغربية - رد ذلك للصدام السياسي و صراعات المصالح فقط.
و يتلخص هذا الموقف في السؤال الموحي "صدام حضارات أم صدام مصالح و سياسات؟" و الذي يوحي دائما بنفي شبهة الصدام الحضاري عن الوضع الحالي. و توحي صيغة هذا التساؤل بأن أحد الحالات نافي للآخر و كأنهم وضعين متناقضين لا يجتمعان.
و حيث أنه كما أسلفت في الإقتباس أعلاه و كما تفضلتم بتوضيحه - لا يمكن وجود حضارات أو حتى فئات في مجتمع واحد لا تتصادم فيه المصالح - فالسؤال "صدام حضارات أم صدام مصالح و سياسات؟" سوف يوحي للسامع بوجود إنفرادي للصدام السياسي و صدام المصالح فقط - تبعا لما أوحى به من قبل بأن الحالتين متناقضتين و لا تجتمعان.

فصدام المصالح و السياسات قائم بالفعل - و سوف يظل قائما بغض النظر عن وجود صدام حضاري من عدمه. لكنه و في الإطار الحضاري الحالي كف عن أن يكون صداما دمويا.

لك مني كل إحترام و تقدير ,,,

تسجيل متابعة لهذا الموضوع الرائع

(f)

لدي تعليق عن استغلال مصطلح صدام الحضارات من أجل دفن بعض المشاكل الداخلية في بعض الدول، والقضاء عليها تحت هذا الشعار.

لنأخذ مثالاً الحركة التي حصلت في ضواحي المدن الفرنسية في نهاية عام 2005 وتم إحراق عشرات آلاف السيارات خلالها، وبقيت الحركة أسابيع طويلة أتعبت الفرنسيين حكومة وشعباً.

لقد صنف بعض الفلاسفة الفرنسيين هذه الحركة ضمن صراع الحضارات، واستغلوها لمحاربة ثقافة نشأت في ضواحي المدن الفرنسية ونقدها.
هذه الثقافة هي خليط من الثقافة العربية المغاربية والثقافة الفرنسية.
ولكن المؤسف أن هذه الأحياء تعاني فقراً مدقعاً بسبب سياسة تاريخية فرنسية منذ إنشائها، وهي عزل هذه الأحياء عن المدن الفرنسية...

ما حصل كان بوضوح صدام طبقات لا صدام حضارات...
عندما كنت أطرح السؤال لمن حولي من الفرنسيين عما يجري، كانت أجوبة من أتى منهم من طبقات فقيرة بتأييد هذه الحركة، وحتى ضرورة تحولها إلى ثورة حقيقية شبيهة بالثورة ضد الملكية. وكانوا يذهبون حتى إلى التعبير عن رغبتهم في المشاركة بهذه الأعمال لو كانوا ما يزالون صغاراً في السن.

أما من أتى منهم من طبقات موسرة فكان جوابه دوماً الاستنكار والقول بأن معظم من يقوم بهذه الحركات هو من أصل عربي.
سكان هذه الأحياء معظمهم من الأجانب لأن الهدف من إنشائها كان إيواء العمال الأجانب بأسعار معقولة، ولكن سرعان ما تحولت هذه الضواحي إلى ملاجئ للفقراء من الفرنسيين وكل الأصول. ومن أتى من أصول عربية فيها ذاب في هذا المجتمع، أثر وتأثر.... لا يمكن أن نقول بعروبته لقدم عهده بفرنسا، وإنما هو فرنسي بإطار ثقافي متأثر بالعروبة والإسلام...
ومع ذلك فإن من شارك في تلك الأعمال كانوا من جميع الأصول، وجمعهم شيئ واحد: انتماؤهم إلى الطبقة الفقيرة.

الصدام الحضاري خارجي وقد وجد منذ الأزل، ولكنه كان مدمراً قي معظم الأحيان وتمثل في اختفاء مدنيات بأكملها كما حصل ببغداد مع المغول.
وهوً أقل قيمة من الصدام الطبقي الذي أسس لثقافات جديدة، وأعطى دوماً دماءاً جديدة تساهم في بناء الحضارة الإنسانية.

لذلك، يجب ألا نقع في الخلط بين هذين المصطلحين. ويجب التمييز بين الصدامات الداخلية التي تأتي من منطلق فكري أو طبقي، والصدامات الخارجية التي هي في معظمها حضارية.
ولا أعتقد أن أي صدام ثقافي داخلي قد يمكن إطلاق مصطلح حضاري عليه، بل هو فكري أو طبقي أو الاثنان معاً.

الزميل المحترم / طارق القدّاح

شرفت الشريط و أشكرك على المجاملة و التشجيع.

Array
لدي تعليق عن استغلال مصطلح صدام الحضارات من أجل دفن بعض المشاكل الداخلية في بعض الدول، والقضاء عليها تحت هذا الشعار.
..
..
..
الصدام الحضاري خارجي وقد وجد منذ الأزل، ولكنه كان مدمراً قي معظم الأحيان وتمثل في اختفاء مدنيات بأكملها كما حصل ببغداد مع المغول.
وهوً أقل قيمة من الصدام الطبقي الذي أسس لثقافات جديدة، وأعطى دوماً دماءاً جديدة تساهم في بناء الحضارة الإنسانية.
لذلك، يجب ألا نقع في الخلط بين هذين المصطلحين. ويجب التمييز بين الصدامات الداخلية التي تأتي من منطلق فكري أو طبقي، والصدامات الخارجية التي هي في معظمها حضارية.
ولا أعتقد أن أي صدام ثقافي داخلي قد يمكن إطلاق مصطلح حضاري عليه، بل هو فكري أو طبقي أو الاثنان معاً.
[/quote]
الزميل المحترم / أبو إبراهيم

المشكلة الكبرى في التعرض للظواهر الإجتماعية بالدراسة هي شدة التعقيد و التداخل.
والأكبر من ذلك أن المشكلة لن تكون فقط في الخلط بين المصطلحات المختلفة (مثل الصدام الطبقي و الصدام الحضاري) بل و غالبا في وجود تلك الحالات مختلطة بالفعل و تعمل معا في إتجاه واحد أو عدة إتجاهات و بنسب مختلفة.
و مما يزيد الأمور تعقيدا أكثر مما هي عليه أن عملية الخلط بين المصطلحات تلك ليست دائما عفوية أو عن جهل بل أحيانا مقصودة و مغرضة و تصب في مصالح أي من الأطراف.

ففي المثال الذي أوردتموه سيادتكم - و إن كان السبب المباشر لهذا الصراع طبقي إقتصادي - إلا أنه من العسير نزع الصدام الحضاري من السياق - على الأقل من ناحية أحد الأطراف.
و في نفس المثال نجد أن الخلط متعمد بين الصدام الطبقي و الصدام الحضاري. فمن مصلحة الحكومة أن تشيع خطاب الصدام الحضاري مع التغاضي التام عن الصدام الطبقي و هذا للتغطية على فشلها الإجتماعي.
و في حالات أخرى - كالصدام الحضاري الحالي بين الغرب و الشرق - تجد عالمنا الإسلامي يبذل كل الجهد في التأكيد على أن الصدام هو صدام مصالح و سياسات مع التغاضي التام عن الصدام الحضاري.
و في كل الأحوال فذلك الخلط مقصودا كان أو غير مقصود إنما يضرم النار في البؤر الساخنة أصلا و لا يساهم في إطفائها.

للجميع كل تقدير و إحترام ,,,