{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مذكرات صحفي ميت(حميد زيد/المغرب)
azurite غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 79
الانضمام: Mar 2005
مشاركة: #1
مذكرات صحفي ميت(حميد زيد/المغرب)

اليكم مقتطف من ابداعات الشاعر والكاتب المغربي حميد زيد صاحب ديوان (السلاحف تتكلم الفصحى)منشورات كاربون 14 كيبيك ،كندا.




[CENTER]مذكرات صحفي ميت[/CENTER]


حميد زيد
( المغرب )

في حياتي قبل أن أموت، لم أكن كباقي الناس أزاول مهنة، ففي حدود سنواتي التي عشتها جهلت ما العمل الذي علي القيام به، لم أتقن أي حرفة، وكان عمري يتقدم بسرعة كبيرة، ما يجعل التعلم أمرا مخجلا.
وفي يوم من الأيام قررت فجأة أن أصبح صحفيا، بالصدفة صرت، واشتغلت في النهاية بعد طول عناء.
أنا الذي نسيت لأني كنت مشغولا، أن كل البشر، عليهم أن يعملوا ليحصلوا على قوتهم، استيقظت، ثم فتحت باب البيت، بيتنا، ووجدت حرفة في الشارع، عن طريقها حصلت على راتب.
لكن خيبتي كانت لا تبتعد عني كثيرا إلا لتعود إلي وتجلس إلى جواري، ملتصقة بي كما لو كنت حبيبها، فلم أستمر طويلا في مهنتي، ثم قطعت الشارع راجلا، وفتحت باب البيت، بيتنا، ووجدت غرفة، دخلت إليها، وبعد قليل مت، وأنا أغط في نوم عميق، يوم عيد ميلادي الثلاثين.

اكتشفت متأخرا أني لا أصلح بالمطلق لمزاولة مهنة الصحافة.
لقد كان رأي كل رؤساء التحرير الذين اشتغلت في جرائدهم سيئا للغاية في قدرتي على الاستمرار بهذا المجال، إذ حسب رأي واحد منهم، بإمكاني أن أكون مثلا صاحب شركة أو مديرا، ينتظر من الآخرين أن ينفذوا أوامره، بينما جالس أنا على كرسي وثير لا أبرح مكاني.
آخر رأى أني لا أصلح لشيء بالمرة، ومن الأفضل لي ولراحة الجميع أن أبقى عاطلا، لا أفعل شيئا بالمرة هذه.
كان رؤسائي يقولون إني لا أليق بالصحافة، وهي أيضا لا تناسبني، دماؤنا لا تتشابه، وأنه علي قبل فوات الأوان اختيار عمل مختلف، ينسجم مع إمكاناتي.
لم أصدق في البداية كلامهم، وكنت أعتقد مع نفسي، أني أنسحب من الجريدة تلو الأخرى، لأسباب مبدئية، وكم كنت مخطئا !
رأسي كانت سلة تطفح بالعيوب، ومزاجي عكرا كان، يسبب لي مشاكل لا تحصى، وبتأثيره لا أستقر في مكان، إلا ويلكزني بأن علي أن أنصرف.
فطنت إلى أني مصاب بالفصام وبتهيؤات، تظهر لي جميع من حولي أشرارا ومتواطئين، يتلقون رشاوى، إلى أن فهمت، قبل أن أرحل بمدة، وبشكل متأخر كما العادة، مرضي النفسي، الذي يتلخص في كوني أريد أن أجعل ذاتي قديسا، ولأنسجم مع حالتي غير الطبيعية، كنت أختلق مبررات وأتهم رئيسي وزملائي بالنذالة وانعدام الشرف !
لهذا لم يتجرأ أحد إعطائي شهادة تثبت أني كنت صحفيا، خوفا علي طبعا، من تصديق انتمائي إلى هذه الأسرة، وحتى لا أزعج أفرادها بدخيل فاشل مثلي ومختل عقليا زيادة.

لقد أحببت الصحافة وأنا حي، لكني لم أتمكن من ممارستها كما يحلو لي، أما وأنا في العالم الآخر، فلن أتأخر في إصدار جريدة خاصة بي، وحدي، وإذا ذهبت إلى الجنة، وهو أمر محتمل جدا، لأني لم أستفد من الحياة، سيسمح الله لي حتما بقول ما أريد وبالطريقة التي أريدها دون رقابة.

إضافة إلى شكوكي التي لا أساس لها من الصحة، فقد كنت أشتغل وأكتب ببطء مثير للخنق، علما أن مهنتي تتطلب السرعة، لأنها مرتبطة بالخبر والتأريخ لليومي، كما يقول المثقفون.

هكذا مع مرور الوقت، صرت مقتنعا في داخلي، أني لا أملك ذرة أمل في أن أكون محررا، وأني ورقة خاسرة في كل هيأة تحرير تصبو إلى التألق والنجاح، ثم انتهيت عابرا في جريدتين، ظانا انفتح باب العالم لي، مع ما ميزني من غرور، بينما صدمت حين كان ذلك آخر باب أدخل منه، وأغلق علي إلى الأبد، حيث لا منفذ للخروج.

عادة عندما يصبح الواحد صحفيا، فهو يتبجح باللقب، وتتغير مشيته، ويبحلق في السماء، بدل أن ينظر تحت، حيث توجد الأخبار.
أما أنا فلم أكن أجاري أصدقائي في غرورهم، في حين كنت مزهوا بأشياء أخرى لا علاقة لها بالصحافة، كأن أمدحني أو أشتمني، دون حاجة للاستعانة برأي شخص غريب، أو نقد يأتي من أحد ما.
كل ما كتبته في الصحافة كان عني، كنت ألاحق أخباري الحية في كل مكان وأنقلها إلى الجريدة، وهو سبب آخر جعل مني صحفيا فاشلا، لأن الصحافة كما تم إخباري، هي متابعة ونقل أخبار الآخرين، بينما لم أستطع تحمل الأمر، وكنت أتساءل ما الذي يميز نجوم الكرة والوزراء والمطربين وغيرهم حتى ندبج حولهم المقالات، بينما أنا الذي يتعب، لا أتمكن من القيام بذلك، ويمنعونني أن أكتب عني.

قبل موتي تركت الصحفيين يتداولون فيما بينهم لغة ممجوجة، من قبيل أن الصحفي لا يفصح عن مصادر خبره، بينما أنا كان لساني يسبقني، أفشي السر بمجرد خروجي من المكتب. كما تنافسوا في الحصول على السكوبات، التي تعني أيضا كما فهمت ما يسمونه السبق الصحفي، فافتخروا بأسرارهم التي لم تكن لتغير شيئا من الواقع، وادعوا أنهم يملكونها حقا.
طوال مشواري الصحفي، القصير طبعا، لم أحصل على سكوب واحد، لأني خائب، ولأني كنت أعرف أن المسألة برمتها مجرد خداع في خداع، فالبلد على حاله منذ قرون، ولا يمكن لأي سر مهما كان مهما وكبيرا أن يزحزحه من نومه العميق، وحتى لو توصل زملائي إلى خبر يتمتع ببعض الجدة، فإنهم يبالغون، ويجعلون من الحبة قبة، بينما في الحقيقة، كانوا لا يملكون أي شيء، لكن الناس يصدقونهم، وهم يصدقون أنفسهم.
لقد كنت أومن أن الأسرار في علم الغيب، وإذا كانت موجودة، فهي عند الله وفي ملكه، وليست في رؤوس الصحفيين، ماداموا من جنس البشر، ومغلوبين على أمرهم مثل بقية الخلق.

هناك سبب آخر أكد لي بالملموس أن لا علاقة لي بهذه المهنة، تجلى في عدم توفري على أجندة عامرة بأرقام الهواتف الثابتة والمحمولة، في الوقت الذي زملائي كانوا يتوفرون عليها، وكانت تقاس عظمتهم الصحفية بمقدار ما يجمعون من أرقام، لذلك لم أقدر على مجاراتهم، لأني ببساطة لا أحب أن أسجل في أجندتي هواتف أشخاص لا أعرفهم، وأشعر باقتراف ذنب في حقي إذا ما وجدت رقم مستشار جماعي أو زعيم سياسي حتى، مكتوبا لدي، ومع ذلك فقد كنت أتوفر على أرقام لا يستهان بها، لأصدقاء وصديقات أحتاجهم في أشياء لا علاقة لها بعملي الذي كنت فاشلا فيه.

قبل أن أموت كنت متيقنا أن نهايتي لن تكون بالضرورة نتيجة الفشل.
كثيرون مثلي يفشلون لكنهم يبقون أحياء، يعيشون صحبة خيبتهم دون أدنى مشكل.
لذلك لم أشك أن الفشل قتلني.
الفشل بريء ولا دخل له.

ظهر فشلي الصحفي عاريا ومفضوحا، في المردود المادي الذي كنت أحصل عليه، والذي كان ينتهي بعد مرور أسبوع واحد فقط على تسلمي الراتب الشهري.
لقد كنت متطلبا في نفقاتي، محاولا أن أظهر بمظهر شاعر يدخن الكاميل، لأغري الفتيات المودرن، لكن خطتي لم تنجح كثيرا، إلا في حالات قليلة، مع بنات حشاشات ومغفلات، يدخن سجائري الغالية والمكلفة، ويتركن العلبة فارغة بجملها السخيف، إذ يفطن لحيلتي ويتظاهرن لا مباليات بشعورهن المنفوشة وملابسهن التي تجعلهن يبدين كما لو خرجن من منازلهن على عجل ولم يجدن الوقت الكافي للنظر في المرآة.
مرات كثيرة كنت أتساءل لماذا أحب هذا النوع القذر من البنات وأترك النظيفات الماشطات شعرهن، وكنت أجيبني لأني غبي وأقذر منهن.
بعد أن يلعبن لعبتهن معي كانت ثروتي الشهرية تتبدد، دون أن أجني من وراء ذلك أرباحا كنت أخطط لها، ثم أقعد أنفث دخانا ملوثا بمشاكلي التي لا تحصى وأتأمل العالم كحكيم.

كنت أشعر بتواطؤ الجميع ضدي، بسبب راتبي الصحفي الهزيل، وكنت أتوهم أن الجريدة التي أشتغل داخلها، لا تكتب عن أرباب العمل الذين لا يطبقون الحد الأدنى للأجور، إلا من أجل تغطية جريمتها نحوي، بغرض إخفاء الطعنة ودمي الذي يسيل، مادمت أنا أيضا، لم أكن أتقاضى الحد الأدنى، فتفتعل معارضتها للظلم الذي يحيق بالعمال، لستر الظلم الذي يحيق بي شخصيا. صرت نتيجة ذلك أتعاطف مع أرباب العمل وأحقد على مشغلي.

أثناء ما أصابني، سمعت عن صحفيين، يكتبون مقالات عن أشخاص، بمقابل يضاف إلى ما يحصلون عليه من الجريدة، ففكرت أنا الآخر في الحصول على نصيبي، متسائلا إلى متى سأبقى مفلسا، واتخذت قرارا حاسما أن أقبل أول رشوة تعرض علي، أن أشتغل مداحا بقلمي لمن يعطي أكثر، أي فنان تشكيلي، أي مخرج سينمائي، أي رجل سياسة، دون إلغاء الشعراء من اللائحة، وبما أني كنت مكلفا أساسا بالصفحات الثقافية، فقد فضلت الرسامين لأنهم ينفحون أكثر، لأتحول في غفلة من أمري إلى ناقد فني يهتم بالجماليات، وينبهر للتأثير الغريب لموسيقى كناوة في خلق لوحات أعجوبة لم يجد بمثلها الزمان!
لكن لصدمتي لا أحد أعارني اهتماما، وحتى لا أثير حولي الشكوك، لم أسأل زملائي الصحفيين، عن الجهات التي يمكنها أن تكافئني، مقابل ما أسديه من خدمات، فحملت سري في نفسي بلا جدوى، كدست عددا كبيرا من الاستجوابات والمقالات المادحة، دون أن أنال درهما واحدا.
لا أحد رأى أني جدير بالحصول على رشوة.
فمت أيضا.
لم يبق لي شيء لم أفعله، سوى أن أصرخ في مكبر للصوت، أني صحفي نذل ومستعد لاقتراف أي فعل شنيع، كي أتسلم مظروفا سمينا من تلك الأظرفة التي أسمع بها.
مرات قليلة فقط، شربت قهوة سوداء، على حساب أشخاص حاورتهم، أو قناني بيرة من مبدعين ظننت أنهم يعزونني كصديق، لأكتشف بعدها أن كرمهم فائض لرغبتهم فحسب أن أصنع منهم أساطير لم تعد موجودة إلا في كتب الجن والمعجزات.
ومت دون أن أعرف الطريقة.
مت وفي حلقي غصة.

لم يؤثر فشلي الصحفي على علاقتي مع أصحاب المهن الأخرى، على عكس مدرائي الذين غسلوا أيديهم من أي أمل في أن أصوب اعوجاجي.
لم يشك النادل الذي كنت أجلس في المقهى التي يعمل بها أني صحفي وناجح أيضا، مادمت أحمل حقيبة بها كتب وجرائد كثيرة، ومادام اسمي كان يذيل بعض مقالاتي، التي إن لم تتحدث عني أجعلها بلا طعم، كما لو كنت أكتبها مرغما، أو كما لو أن شخصا شريرا وفظا يصوب نحوي مسدسا ويهددني بأن أكتبْ وإلا قتلتك.
لم يشك سائق الحافلة التي كنت آخذها ذاهبا إلى عملي، وكان يعرفني جيدا ويناديني بالأستاذ، لم يشك أني صحفي.
البنات والأولاد والقراء والذين كانوا يرسلون لي دعوات لتغطية برامجهم لم يشكوا.
الشرطة أيضا لم تشك.
الشرطة خاصة لم تشك. فكما يبدو كان رجالها يكنون لي حبا واحتراما كبيرين بفضل مهنتي، إذ غير ما مرة أوقفتني دورية من دورياتهم، وأنا عائد إلى البيت سكران، وبمجرد سؤالي عن ماذا أعمل، أجيبهم سعيدا بأني صحفي، فيخلون سبيلي ويعتذرون على الفور.
لم أعرف في الحقيقة سببا لهذا الهيام، مع كوني في علاقتي مع السلطة أشعر دائما بالخطر، والشرطة مثلت لي دائما وحشا سيلتهمني، وشكلت تجسيدا مرعبا لخطر يتهددني.
لكن قبل موتي، وبعد أن تحولت إلى صحفي، صار رجال الشرطة لطفاء معي بشكل لا يتصور، يعاملونني معاملة خاصة، كأننا من أسرة واحدة، حتى أنهم يتنازلون، من شدة حبهم لي، عن خدمتهم للشعب، ليتحولوا إلى خدام للسيدة صحافة.
لقد خلصت إلى نتيجة، أنه لا يمكن لإنسان في المغرب أن يسكر وهو مطمئن، دون أن يكون صحفيا، وإذا طوعت لأحد نفسه أن يشرب دون حمل هذا اللقب، فعليه حينها أن يستعد في أي وقت لمرافقتهم وقضاء ليلة حزينة في ضيافتهم.
إنها مهنة جميلة تسمح لأصحابها أن يسكروا دون متاعب وبالمجان.

في ليلة غير تلك الليالي، وأنا سكران دائما، ورجلاي تلعبان وتهربان مني، فأحاول اللحاق بهما، حاولت أن أجرب مع الشرطة مهنة ثانية، اعتقدت أني أزاولها هي الأخرى، قمت بذلك على سبيل التسلية فحسب، وقلت للشرطي الذي أوقفني :
أنا كاتب.
رد علي بعنف، أن علي أن أطلع أولا إلى سيارتهم وأرافقهم إلى المخفر، وهناك يمكنني أن أحكي كما يحلو لي، ثم دفعني بشدة،
حيث زملائي من سكارى ومشردين ولصوص وآخرين لم أتبين هويتهم ومهنتهم، ينتظرونني لتبدأ الرحلة، والمدهش حقا أنه لم يكن بينهم أي صحفي، باستثنائي طبعا، إذ كنت متنكرا في زي كاتب.
كم خجلت مني لما سألوني هل أنا كاتب عمومي.
عندها تأكدت بالملموس والتجربة، أن الشرطة تحب الصحفيين وتكره الشعراء، وفكرت أن أبلغ هذا الأمر الخطير لرئيس الكتاب، ليرجع لي حقي، وكرامتي الممرغة في التراب.

لكن قبل أن أفعل، وقبل أن يتدخل رئيسي، مت.

03-29-2005, 10:26 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مذكرات عنصر مخابرات سوري بسام الخوري 2 2,242 03-14-2011, 11:10 PM
آخر رد: أسامة مطر
Video لماذا يقبل شبان الخليج على المغرب؟ tornado 2 1,771 10-25-2010, 01:35 AM
آخر رد: الحوت الأبيض
  مذكرات زوج سعودي Assyria 5 3,254 08-03-2009, 06:55 AM
آخر رد: fares
  صحفي بيعمل لقاء مع دكتور في مستشفي المجانين بهاء 1 1,062 03-11-2009, 02:48 PM
آخر رد: بهاء

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS