تحياتي للجميع...

هل من مجيب على سؤالي عن ماهية السرقة الأدبية بالضبط؟؟

و أنا صغير قمت بكتابة قصيدة صغيرة استوحيتها من إحدى قصائد المتنبي و عرضتها على أستاذي في المدرسة فقال أن ما فعلته كان سرقة أدبية...

أنا الآن أكتب أشعارا مستوحاة من الشعراء الكبار كمجنون ليلى و عنترة بن شداد و غيرهم، أستوحي منها المواضيع و بعض الكلمات العربية التي لا أعرفها و ربما الأوزان في بعض الأحيان، هل ما أفعله سرقة أدبية أم ماذا؟

(f)

أخي الفاضل كمبيوترجي

لا أعرف ما هو "تعريف السرقة الأدبي" لكن ما مرَّ علي من حالات للسرقة، هو أن تأخذ نصاً بالحرف والكلمة وتنفي عنه اسم صاحبه وتنشره باسمك
وللاسف حدثت هذه معي مرة.

وحالة ثانية أن تقرأ نصاً تعجبك بعض الجًمل وتدخلها في نص أنت كتبته.

للسرقة أنواع، ولكن أيضا هناك "تناص" والتناص يختلف عن السرقة، وهذا يحتاج إلى شرح مطول.
إن شئت تحدثتُ عنه

دمت بخير

تحياتي ديانا و شكرا للرد...

أنا و الله إذا استخدمت شيئا لم أكتبه أظهر للقاريء أنه اقتباس ...

لربما كان ما أفعله "تناص" الذي لم أفهم معناه تماما و لكنني فهمت بعضه و أرجو أن توضحي لي لو سمحت...

تحياتي (f)

اخي كمبيوترجي
الشرح حول التناص شرح مطول، لكني سوف أتحدث باختصار وأتمنى إن قلته سيجانبه الصوار بسبب قصوري في الشرح أن يتم تصحيحه ممن له باع في هذا الموضوع

التناص هو اعتماد نص على نص آخر، وأعتقد بأن قصيدة "لا تصالح" للشاعر المدهش أمل دنقل، كانت نوعاً من أنواع التناص، إذ اعتمدت على "الوصايا العشر" في مقتل كليب.



وكي تتجنب أخي أن تتهم بالسرقة، إن أردت أن تقول شيئا قاله غيرك، أن تضعه بين علامتي تنصيص
"......"

دمت بخير

شكرا جزيلا آنستي على الشرح المختصر...

(f)

الأخت الفاضلة / دينا
الأخ الفاضل / كومبيوترجي



قصيدة الخروج


أخرج من مدينتي , من موطني القديم
مطرحا أثقال عيشي الأليم
فيها , وتحت الثوب قد حملت سري
دفنته ببابها ثم اشتملت بالسماء والنجوم
أنسل تحت بابها بليل
لا آمن الدليل , حتي لو تشابهت علي طلعة الصحراء
وظهرها الكتوم
أخرج كاليتيم
لم أتخير واحدا من الصحاب
لكي يفديني بنفسه , فكل ما أريد قتل نفسي الثقيلة
ولم أغادر في الفراش صاحبي يضلل الطلاب
فليس من يطلبني سوي ( أنا ) القديم
حجارة أكون لو نظرت للوراء
حجارة أصبح أو رجوم
سوخي إذن في الرمل سيقان الندم
لا تتبعيني نحو مهجري نشدتك الجحيم
وانطفئ مصابيح السماء
كي لا تري سوانح الألم
ثيابي السوداء
تحجري كقلبك الخبئ يا صحراء
ولتنسني آلام رحلتك
تذكار ما اطرحت من آلام
حتي يشف جسمي السقيم
إن عذاب رحلتي طهارتي
والموت في الصحراء بعثي المقيم
لو مت عشت ما أشاء في المدينة المنيرة
مدينة الصحو الذي يذخر بالأضواء
والشمس لا تفارق الظهيرة
أواه , يا مدينتي المنيرة
مدينة الرؤي التي تشرب ضوءا
مدينة الرؤي التي تمج ضوءا
هل أنت وهم واهم تقطعت به السبل
أم أنت حق ؟
أم أنت حق ؟

القصيدة للشاعر صلاح عبد الصبور



ليكن النقد تطبيقيا فقد سئمنا من النقد النظري الذي لا يهتم بالتطبيق ولذلك فسوف
نري من خلال تحليل القصيدة معني التناص وسوف أتلو ذلك بقصيدة أخري من نفس
الموضوع لشاعر آخر لأوضح ما فيها من تناص وطريقته المختلفة عن هذه القصيدة

لو تأملنا في قصيدة صلاح عبد الصبور سوف تجد أن الفكرة الأساسية
التي يريد الشاعر معالجتها هي فكرة الهروب من حياته القديمة إلي حياة
أخري جديدة , لم يوضح لنا الشاعر تفاصيل الحياة القديمة التي يريد هجرانها
إلا في لمحات بسيطة مثل :

( مطرحا أثقال عيشي الأليم – فكل ما أريد قتل نفسي الثقيلة – تذكار ما اطرحت من آلام )

فكيف توسل الشاعر لتحقيق الفكرة
وجد الشاعر ضالته في قصة هجرة الرسول محمد من مكة إلي المدينة المنورة التي وردت
في كتب السيرة النبوية فقام بعمل تناص واع معها فهناك من التناص ما هو غير واع

والآن أنظر للقصيدة في ضوء هذا
ما هي نقاط الاتفاق بين خروج الشاعر وبين هجرة الرسول
وماهي نقاط الاختلاف بينهما

نقاط الاتفاق هي فكرة الخروج لتغيير جوهري
عند الرسول كانت الهجرة فاتحة جديدة لحياة المسلمين وإقامة الدولة الإسلامية
وعند الشاعر يريد أن يخرج خروجا روحيا من حياة قديمة يمكن أن نعرف تفاصيلها
من مجمل أعمال الشاعر في قصائده الأخري التي يتحدث فيها عن مجمل حياته الروحية
إلي حياة روحية جديدة
و هجرة الرسول كانت فعلا ماديا هو نقلة في المكان استتبعت تغيرا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وانسانيا بينما عند الشاعر هو تغيير روحي فقط
الفرق بين الهجرتين أن ما حدث في هجرة الرسول كان بعد الهجرة أما عند الشاعر
فهو فعل الهجرة نفسه , هو الرحلة ذاتها من ذاته القديمة إلي ذاته الجديدة , يقول :

إن عذاب رحلتي طهارتي
والموت في الصحراء بعثي المقيم
لو مت عشت في المدينة المنيرة

نقاط الخلاف في خروج الشاعر وهجرة الرسول

( لا آمن الدليل حتي لو تشابهت علي طلعة الصحراء )
والرسول كان له دليل في الهجرة يريه الطريق
وذلك لأن خروج الشاعر هو من ذاته القديمة التي يريد أن يخرج منها إلي ذاته
الجديدة فهو فعل روحي بحت ويخاف أن يفشي الدليل سره لذاته القديمة التي
تطارده

( لم أتخير واحدا من الصحاب
لكي يفديني بنفسه , فكل ما أريد قتل نفسي الثقيلة
ولم أغادر في الفراش صاحبي يضلل الطلاب )

في الهجرة كان أبو بكر الصديق هو صاحب الرسول الذي يفديه بنفسه كما
حدث في الغار عندما أخذ يتحسس المكان خوفا من آفة تؤذي الرسول مثلا
وترك الرسول علي بن أبي طالب في فراشه لتضليل أهل مكة

وعند الشاعر لم يفعل من ذلك شيئا , لماذا ؟

( فليس من يطلبني سوي " أنا " القديم )
تأكيد آخر بأنه خروج روحي بحت

هذا التناص علي المستوي العام , مستوي الفكرة ومستوي التناول
وعلي مستوي الصياغة نري تناصا آخر علي مستوي الفكرة الجزئية
والصورة التي تشكل لبنة لبناء النص

أنظر إلي قوله

( حجارة أكون لو نظرت للوراء
حجارة أكون أو رجوم )
هنا تناص مع الكتاب المقدس والقرآن
عنما خرج لوط من القرية الآثمة نصحته الملائكة بعدم النظر إلي الوراء إلي
المدينة عند وقوع العذاب في الكتاب المقدس تحولت زوجة لوط إلي عمود من
الملح ( تكوين 19 : 27 ) وفي القرآن ( فأسر بأهلك بقطع من الليل و لايلتفت
منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم ) هود : 81 وكذلك الحجر : 65

ثم أنظر إلي قوله

( سوخي إذن في الرمل سيقان الندم
لا تتبعيني نحو مهجري نشدتك الجحيم )
هنا تناص مع قصة سراقة بن مالك الذي تتبع الرسول محمد في الهجرة لكي يرده
لقريش طمعا في الجائزة ( المائة من الإبل )
في نصوص السيرة أن فرس سراقة عثرت به ثلاث مرات
الذات القديمة تحاول رد الشاعر عن خروجه علي الحياة القديمة أنها تطارده بحيلة
الندم ولكنه يأمرها أن تسوخ سيقانها في الرمل كما كان يكبو فرس سراقة الذي
كان يطارد الرسول


نعود إلي التناص علي المستوي العام
هناك فارق جوهري بين مدينة الرسول التي هاجر إليها ومدينة الشاعر
مدينة الرسول كانت مدينة حقيقية لها وجود خارجي
مدينة الشاعر مدينة روحية
( مدينة الصحو الذي يذخر بالأضواء
والشمس لا تفارق الظهيرة
أواه يا مدينتي المنيرة
مدينة الرؤي التي تشرب ضوءا
مدينة الرؤي التي تمج ضوءا )

إنها مدينة إبداعه الروحي وخلاصه الإنساني الفردي
إنها اليوتوبيا الذاتية التي يحلم بها والتي يتخلص فيها من كل الهم الإنساني

سؤال الشاعر الأخير
( هل أنت وهم واهم تقطعت به السبل
أم أنت حق ؟
أم أنت حق ؟ )

يرينا عمق أزمة الشاعر الذي يقطع الرحلة فهل سوف يصل إلي مدينته
الروحية أم لا ؟


سوف أعقب بنص آخر فيه طريقة أخري من التناص في نفس الموضوع
ولكن بطريقةأخري

إن أسعف الوقت



كوكو

أستاذك هذا حمار لاهم له إلا تحطيم المواهب الشابة واقناع الطلبة انهم حمقى ليس لهم إلا أن يحفظفوا ما كتب غيرهم ويطيعوا اذا أمروا . من الواضح أنك بينت حين كتبت محاولاتك عن تأثرك بشعر من حاولت أن تستوحي منهم ، وهذا أسلوب معروف يتبعه حتى أكثر الأدباء المعاصرون شهرة .

وأري وردة الاشتباك



كنت أقرأ وجه الرياح , وأسأل رمل البطاح . وخلفي – علي أول
الجسر – يدنو جواد سراقة . ما من رفيق يخاف علي ( أقول له
لا تخف يارفيق ) و لا ذا الجواد ورائي يكبو , وما من حمام يضلل
أعين هذي الوكالات , ما من حمام سوي طائر أطلقته عيوني إلي
البحر , عل النوارس تأخذه للضفاف البعيدة , عل الضفاف البعيدة
تخرج هازجة بالشجر
لم يكن رافلا في اخضرار البلاط سوي شجر الإنحناء , وحامول
هذي الحقول تمدد كالأخطبوط فلا يعرف القمح , لا يعرف الفول ,
لا يعرف الأرز كيف الفكاك , ولا يثمر الوقت في أقبية الزقاق سوي
أحجية النواح , أيطلع من خلف هذي الهضاب نشيد العصافير أم ..
شجر
في انتظاري ذبل
شجر , في انتظاري يبيد
وأنا ..
- في انتظار الشجر –
يهطل العمر مني برمل ..
وبيد
أو كنت أراه يغادر يوما فيوما أراضيه , يسترق الماء من أرض
إخوته , ينحني في البلاط بفئ وبقل , يشيد دغل الخرائب , لا سوأة
شغلته ولا قاطعته العصافير , لا هطلت فوقه بالحجارة , هل كنت
يوما أحط علي غصنه , هل كنت أدري غيابي / حضوري وأين يروح
الشجر الطيب , أين يغيب الكلم الطيب , هل خلف هذي الهضاب ,
أيصنع فلكا خلف الهضاب وطير عيوني يحط عليه , أخلفي – علي أول
الجسر – يكبو جواد سراقة , أم أنها – علي آخر الجسر – قامت جذوع
النخيل , وقام الصليب , وهذي عيون وكالاتهم ..


شجر
يستدرج نحو الفخاخ شجر
وأري وردة
تختبئ ..
تتفتح حين اشتباك الشجر


وأري سرطان العلاقات / امشاج حرب مخبأة بيننا , وأراها –
أصابع هذي الوكالات – تدخل عامدة وتخبئ بين الخلايا غرائز
أخري فينقاد , طوعا وكرها , فراش الحقول , رجال المطافئ ,
والعسكر المسخ / أشباه جنود , صبايا المدارس , جاران بالجنب
كفان معروقتان , ممرضتان تقاسمتا ليلة العيد سهدا , لجان الزكاة ,
اتحاد الشبيبة والكرة , اللاعبون , مدرستان مسافرتان لدولة نفط ,
فتاتان خارجتان نهارا إلي الإثم , رابطة الأدباء , هواة التعارف ,
راقصة تتثاءب قطتها في السرير , جناة / ضحايا , جموع المصلين ,
تلميذتان لأرملتين موظفتين , وطفلان من أبوين وأمهما لا تحب اثنتين
صديقتها وصديقتها , يالهذي الأصابع من يفلت الآن منها ويلحق
بالركب خلف الهضاب , ومن يفلت الآن منها / ينازلها أينما اختبأت
ويشجر بيد الزحام نباتات أخري , يسمي الشوارع أسماء أخري ,
ويأتي بوقت من الغيب لا تشهد الأرض من بعد ذلك عوراتها
..............
...........



وأراني جريحا / فرح
راحلا في الصفاء تجاه الشجر
وأراني سجينا / مرح
واقفا في العراء ببحر وبر
وعلي آخر الأفق
يضحك قوس قزح
وعلي آخر الجسر يركض كل البشر



وزقاق يولول : يا عابرين علي جثتي , بلل من حياء يكللني , وعلي
عيني رمد , وذباب من الفقر والقهر , أوردتي ينضح الحزن منها
صديدا , وماء المجاري يفيض فتختبئون بداخلكم , والعصافير تبني
بيوتا من العشق , تبني علي شرفة الفجر , تبني .. وتملأ أفقا من
الوقت بالرقص والزقزقة


وزقاق يولول : ياعابرين علي جثتي , وجع من غياب يحاصرني ,
ويضاجعني ثم يضربني آه يضربني , دمعة الحزن تجري
وتفجؤني قطرة من ندي فأطل إلي آخر الجسر , ليس سوي أوجه
البطش والغش والأسئلة

كان لي نكهة من فخار
كان لي قمر من أغاني , وأفئدة الناس كانت
حدائق دفء / ضحك شموس /
...... ولي غضبة لا تلين
أرأيت الذي ينهر الفجر حين يطل , فكيف يخون
أرأيت الذي يملأ البيت إفكا
وذعرا
ورقص مجون
أرأيت – يقول الزقاق - إذا أظلم الصبح , واشتعل
الرأس شيبا علي مصرع الفل
والياسمين , فقلت : أري ......
وأري وردة تختبئ ..
تتفتح حين احتدام المنون



لم يعد أول الجسر خلفي , ولا آخر الجسر بات أمامي , ضحكت ,
ضحكت , وكان الجواد – بقبضته الجسر – يعدو تجاه الهضاب
وحيدا صرخت فما خرج الصوت مني , تحسست أذني وعيني
وقلت خذيني , يا وردة الاشتباك خذيني , وكان الزحام يشكل جسرا
جديدا , وخلفي - علي أول الجسر – يدنو جواد ابن مالك





القصيدة للشاعر علي منصور من ديوان وردة الكيمياء الجميلة
ديسمبر 1987 حسب الشاعر نفسه
والديوان منشور سنة 1993


سوف نري بعد حين ماذا فعل الشاعر وكيف أحدث التناص أثره
في القصيدة


طابت ليلتكم


كوكو

أصدقائي (f)
لا أعتقد أنّ في الأدب سرقة واضحة العالم.
فالمعنى مطروح ولكل شاعر أو أديب طريقته في إعادة صياغة هذا المعنى بصورة جديدة ومبتكرة فإمّا أن ينجح ويعطي جديدا وإمّا أن يفشل فيعطي رديئا

فيما يلي مناظرة حول هذا المضوع يطرح للنقاش

تحياتي للجميع ما رأيكم في هذه المناضرة التي تمت أمام سيف الدولة الحمداني دون ترتيب لها.؟


مُناظَرَةُ أَبِي فِراسٍ الحَمْدانِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي

كَما ذَكَرَهُ البَدِيْعِيُّ في الصُّبْحِ المُنْبِي، وابِراهِيْمِ اليازِجِي

في العِرْفِ الطَّيِّبْ.



*فِيْما كانَ سَيْفُ الدَّوْلِةِ في مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عَدَدٌ غَفِيْرٌ مِنَ العُلَماءِ والقُوَّادِ مِنْ جُمْلَتِهم الأَمِيْرُِ أَبي فِراسٍ، أَقْبَلَ المُتَنَبِّي وأَلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ القَصِيْدَةَ الَّتِي مَطْالَعُها:

وا حَـرَّ قَلْبـاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بِجِسْمِي وَحالِي عِنْدَهُ سَقَمُ


مالِي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدِي
وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الأُمَمُ

*شَعَرَ أَبو فِراسٍ، أَنَّ هُناكَ اغْتِمازاً لَهُ فِي قَوْلِ المُتَنَبِّي:"وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الأُمَمُ"، لَكِنَّهُ سَكَتَ عَلَى مَضَضٍ. وَتابَعَ المُتَنَبِّي الإِنْشادَ فَقالَ:


يا أَعـْدَلَ النَّاسِ إِلاَّ فِي مُعامَلَتِي
فِيْكَ الخِصامُ وأَنْتَ الخِصْمُ والحَكَمُ


أُعِيـْذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صـادِقَةً
أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فِيْمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ

*فَقالَ أَبو فِراسٍ، لَقَدْ مَسَخْتَ قَوْلَ دَعْبَلِ:


وَلَسْتُ أَرْجُو انْتِصافاً مِنْكَ ما ذَرَفَتْ
عَيْنِي دُمُوْعاً وَأَنْتَ الخِصْمُ والحَكَمُ

وَبِصَدَدِ البَيْتِ الثَّانِي صَرَخَ:" مَنْ أَنْتَ يا دَعِيَّ كِنْدَة حَتَّى تَأْخُذَ أَعْراضَ الأَمِيْرِ فِي مَجْلِسِهِ"، فاسْتَمَرَّ المُتَنَبِّي مُنْشِداً:

سَيَعْلَمُ الجَمْعُ مِمَّنْ ضَمَّ مَجْلِسُنا
بِأَنَّنِي خَيـْرُ مَنْ تَسْـعَى بِهِ قَدَمُ


أَنا الَّذِي نَظَـرَ الأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
وَأَسْـمَعَتْ كَلِمـاتِي مَنْ بِـهِ صَمَمُ


*فَقالَ أَبو فِراسٍ، قَدْ سَرَقْتَ هَذا عَنْ عَمْرُ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الوَرْدِحَيْثُ يَقُوْلُ:


أَوْضَحْتُ مِنْ طُرُقِالآدابِ مااشْتَكَلَتْ
دَهْراً وَأَظْهَـرْتُ إِغْرابـاً وإِبْداعا


حَتَّى فَتَحْتُ بِإِعْجـازٍ خُصِصْتُ بِهِ
لِلْعُمْيِ والصُّمِّ أَبْصـاراً وَأَسْماعا


*وَلَمَّا انْتَهَى المُتَنَبِّي إِلَى قَوْلِهِ:

الخَيْـلُ واللَّيْـلِ والبَيْداءُ تَعْرِفُنِي
والسَّيْفُ والرِّمْحُ والقُرْطاسُ والقَلَمُ


*قالَ أَبو فِراسٍ:"ماذا أَبْقَيْتَ لِلأَمِيْرِ إِذْوَصَفْتَ نَفْسَكَ بالرِّياسَةِ والكِياسَةِ والسَّماحَة، تَمْدَحُ الأَمِيْرَ بِما سَرَقْتَهُ مِنْ كَلامِ غَيْرِكَ، أَما سَرَقْتَ هَذا مِنَ الهَيْثَمِ بْنِ الأَسْوَدِ النَّخْعِيِّ الكُوْفِيِّ المَعْرُوْفِ بِأَبِي العَريانِ العُثْمانِيِّ:


أَناابْنُالفَلاوالضَّرْبِوالطَّعْنِ والسُّرَى
وَجُرْدِ المَذاكِي والقَنَـا والقَواضِبِ




*فَقالَ المُتَنَبِّي:


وَما انْتِفاعُ أَخِي الدُّنْيا بِناظِـرِهِ
إِذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُ


*فَقالَ أَبو فِراسٍ وَهَذا سَرَقْتَهُ مِنْ قَوْلِ مَعْقِلِ العُجْلِي:


إِذا لَمْ أُمَيِّـزْ بيْنَ نُوْرٍ وَظُلْمَـةٍ
بِعَيْنَيَّ فَالعَيْنَيْـنِ زُوْرٌ وَبـاطِـلُ



وَمِثْلُهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بْنِ مُرَّةِ البَكْرِيِّ:


إِذا المَرْءُ لَمْ يُدْرِكْ بِعَيْنَيْهِ ما يَرَى
فَما الفَـرْقُ بَيْنَ العُمْيِ والبُصَراءِ

*فَضَجِرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ مِنْ كَثْرَةِ المُناقَشَةِ في القَصِيْدَةِ، فَضَرَبَ المُتَنَبِّي بالدَّواةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ المُتَنَبِّي:

إِنْ كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا
فَما لِجُرْحٍ إِذا أَرْضـاكُمُ أَلَـمُ

*فَقالَ أَبو فِراسٍ:"وَهَذا أَخَذْتَهُ مِنْ قَوْلِ بَشَّارٍ":

إِذا رَضِيْتُمْ بِأَنْ نُجْفَى وَسَرَّكُمُ

قَوْلُ الوُشاةِ فَلا شَكْوَى وَلا ضَجَرُ


*فَلَمْ يَلْتَفِتْ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى قَوْلِ أَبِي فِراسٍ، وَرَضِيَ عَلَى المُتَنَبِّي فأَدْناهُ وَقَبَّلَهُ، وأَجازَهُ بأَلْفِ دِيْنارٍ.




**** ****


محبتي ومودتي(f)
محمد الدرة