رواية تحت سـكّـين الرقـابة الـسـورية

رواية "أبنوس" لكاتبتها روزا ياسين حسن نالت قبل فترة قصيرة جائزة حنا مينا" الأدبية في سوريا. "تكريماً" للرواية ولصاحبتها، قامت وزارة الثقافة السورية بنشرها، لكن بعدما مرّرتها تحت سكين الرقيب الذي انتزع منها كل المقاطع والجمل التي تشكل في رأيه مسّاً بالمحرّم السياسي والديني والجنسي. هنا مقال في أحوال هذه الرواية و"جائزتها"، وفي أحوال الرقابة السورية مطلقاً.

[SIZE=6]كان الزمن زمن الطوابير التي تقف ساعات وساعات من أجل الحصول على علبة محارم ورقية، أو كيلو من السكّر، أو صفيحة سمنة، عندما استيقظ أهل مدينة السويداء السورية على المشهد التالي: تمثال السيد الرئيس في الساحة الرئيسية، ازداد صفيحة سمنة فارغة، عُلِّقت في يده المرفوعة.
أجدني على الدوام مدفوعاً بغريزة روائية من أجل التقديم لكل ما يحصل من مهازل في حق الوطن والمواطن السوريَّين. نعم، هي حكاية صفيحة السمنة الفارغة، حكايتنا. وحكاية النصب الكبير الذي يعجز عن حملها. أيضاً وأولاً، حكاية الثقافة السورية، وما يُرتكب في حقها من مآثر وروايات.

لا تفوّت وزارة الثقافة السورية، حالها حال شقيقيها اتحادَي الكتّاب والصحافيين، فرصة لإذلال المثقف السوري، والنيل من كرامة كتاباته. لذلك لا أجد نفسي مضطراً لسوق الذرائع والحجج، وما أكثرها، للحديث عن الحال التي وصلت إليها ثقافتنا بمقصّ وزارتنا العزيزة. مثلما لا أجد الحجة الكافية لتبرير استمرار قطّاع طرق الثقافة السورية في مناصبهم وإماراتهم.



"أبنوس" الوزارة

"أبنوس" هو اسم الكتاب الصادر حديثاً لدى وزارة الثقافة، لكاتبته روزا ياسين حسن. هذا الكتاب قام مقص الوزارة بتقليم أظافره كي لا يخدش صنم المحرمات والممنوعات، جنسية أكانت أم دينية أم سياسية.

الكتاب رواية تدور بعض حوادثها في مدينة اللاذقية أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، حيث كان الاقتتال الطائفي على أشده بين "الإخوان المسلمين" وما يمثّلون، والسلطة الحاكمة وما تمثّل.

لذلك سيستبدل الرقيب، على سبيل المثال وربما الغرابة، عبارة "مدينة اللاذقية" بتعبير "المدينة"، كلما استطاع ذلك، كي يُبقي مكان الحوادث عاماً ومشوّشاً. مثلما سيحذف كل عبارة ذات دلالة دينية لطائفة معينة، حتى تلك التي تتحدث عن استغلال شيخ ما للنساء اللاتي يطلبن التخلص من الأرواح الشريرة.

على ذلك، سيكون حذف العبارات والمفردات الجنسية والسياسية والدينية تحصيل حاصل في هذه الرواية الفائزة بـ"جائزة حنا مينا" التي تمنحها الوزارة نفسها. وعلى ذلك، لا بأس بقتل إحدى شخصيات الرواية فنياً، من طريق تجريدها صفاتها تحت طائلة العيب والمحرّم: مقص الرقيب، مثلاً، سيقطع لخليل الخانجي عضوه الذكري كي لا يمارس شذوذه الجنسي مع الحيوانات، وربما حرصاً على عينه اليسرى التي فقدها جراء هذه العادة!

هكذا يصبح من أسهل الأشياء والإجراءات، بل من ضروراتها الرقابية القمعية والمتخلفة، سلب الشخصية صفاتها الروائية الشاذة كي تكون هذه الشخصية نموذجاً لمواطن صالح ومثالي يقتدي به القراء السوريون.

الرواية التي تبدأ من حيث تنتهي، تقوم بطلتها أنجيلا، بعدما انتقلت إلى العيش في دمشق، بالكتابة عن زمن (مضى؟) في مدينة اللاذقية يوم كان "الإخوان المسلمون" موجودين في كل مكان للقنص والتفجير، وحيث الشوارع "مقفرة وموحشة كأزقة نائية في منتصف الليل (...) وحدها الكلاب الشاردة تدور ودوريات الأمن والشرطة في سيارات الجيب العسكرية".

في تلك الأيام كانت أنجيلا طفلة صغيرة تذهب إلى قرية تُدعى عالية لزيارة جدة جدتها، سامعةً الحكايات عن اغتيال هنا، وتفجير هناك، واعتقال في كل مكان.

هذه الحكايات ستعود أنجيلا لتراها وتختبرها كضحية في تفجير المدرسة، وفي اعتقال الأب، وفي إطلاق النار على الجد، وفي رحلة الهرب إلى القرية، التي دُمِّرت في ما بعد بمياه السد.

صندوق الأبنوس الأسود الذي كان إرث النساء عن ناظلي خانم، يتناقلنه واحدة بعد أخرى، كان مصدر حيرة لدى أنجيلا بطلة الرواية، فما الذي تفعل به حين يؤول إليها؟

والدة ريما استخدمته كمنضدة، ومريم خبأت فيه أثواب والدتها ورسائل زوجها. وحدها أنجيلا صنعت منه رواية. هذه الرواية التي أراد رقيب وزارة الثقافة إفراغها من معناها: هل لذلك وجب علينا تعليقها على باب الوزارة كصفيحة السمنة الفارغة؟

يتداخل الزمن في الرواية تداخل "المحرمات". تسعينات القرن العشرين هي المفصل الافتراضي بين زمنين: زمن انتهاء الحدث الممتد بين آخر أعوام السبعينات وبداية الثمانينات، وزمن ابتداء السرد المستغرق كامل القرن العشرين.

إذاً، هي رواية الخوف والمخابرات والاعتقالات، ورواية العوز الأمني والاقتصادي، وقبل ذلك العوز الإنساني. هي رواية الذي لم يُكتب. وفي كلام آخر، رواية الممنوع والمحرّم في سوريا.

أيضاً، هي رواية امتزاج الديني مع الجنسي، والعلني مع السرّي. وبعد لمسات وزارة الثقافة: الممنوع مع الكتابيّ.



الرد الخليع

رغم أن لجنة تحكيم الجائزة أجازت نص الرواية بالكامل، فقد قرر مدير دائرة التأليف في الوزارة غير ذلك، فحذف مقاطع كاملة من منها.

"عندما وصلت، تقول روزا حسن، إلى يدي النسخة الأولى من روايتي اكتشفت أن هناك بعض المقاطع والجمل محذوفة بالكامل، كما تغيّر اسم المكان من اللاذقية إلى المدينة، وهناك بعض المشاهد الجنسية، تم حذفها واقتطاعها من السياق في شكل صارخ، إضافة إلى حذف كل ما يتعلق بفجور أو شذوذ إحدى الشخصيات المحورية في الرواية".

العجيب أن مديرية التأليف والترجمة في الوزارة ردت على تصريح الكاتبة بأن وزعت ورقة مطبوعة تحتوي على عبارات اعتبرتها جنسية خليعة فاقتطعتها من الرواية، معتبرة أنها كفيلة أن تردّ على ردّ الكاتبة!

بعد ذلك أصدر وزير الثقافة محمود السيد تعليمات تقضي بمنع الموافقة على أي نص يحتوي على عبارات "تخدش الحياء العام"! هذا الوزير كان تحدث، في حفل توزيع الجائزة، عن "منحى تعزيز الإبداع وأصحاب المواهب"، و"توفير الأجواء التي توفر للمواهب التشجيع والتعزيز والرعاية"، من دون أن ينسى الحديث عن "الصهاينة أعداء الحياة الذين يعملون لا على قتل المواهب والقابليات فقط، بل على تدمير الحياة للأحياء"!



موهبة تعدد المواهب

الحديث عن حال الثقافة لدينا هو حديث شجون لا يبدأ بالإقطاعيات الممنوحة لطغمة من الأميين وعديمي الموهبة، ولا ينتهي بمقص الرقابة المسنون بألسنتنا ورقابنا. في كل يوم مأثرة جديدة قديمة، وارتفاع أصواتنا لا يعني شيئاً طالما الطرَش هو فن الممكن. كم هم الكتّاب والمثقفين السوريون الذين كتبوا عن رئيس اتحاد الكتّاب العرب علي عقلة عرسان مطالبين بإقالته، وكم وزن الحبر الذي سُفك على ممارسات رئيس اتحاد الصحافيين صابر فلحوط، وكم مساحة الصفحات التي تناولت مسؤولي وزارة الثقافة ورقبائهم، وكم... وكم... وكم؟ وسنبقى نحصي على هذا المنوال عشرات الأسماء من القائمين على شؤون ثقافتنا دونما أمل يرتجى من زحزحة أحدهم عن كرسيه. حتى أصبحنا لا نسمّي مؤسساتنا ونشراتنا الثقافية بأسمائها، لكن بأسماء مالكيها. فإذا أردنا، مثلاً، أن نقول اتحاد الكتّاب قلنا الأستاذ ع. ع. ع، وإذا أردنا القول ملحق "الثورة" الثقافي قلنا حسين عبد الكريم... وهكذا دواليك.

اللافت في هؤلاء المسؤولين اشتراكهم في موهبة تعدد المواهب: معظم مسؤولي الثقافة لدينا هم من الذين لا يتركون نوعاً أدبياً أو ثقافياً دون ارتكابه. الأسباب قليلة وواضحة بالطبع وتتلخص في زيادة إيراداتهم المادية من مال المؤسسات التي يتحكمون بصناديقها ورقابها، ولإبقاء الجهوزية الدائمة لشغل كل المناصب أو المقاعد المتاحة. فبعض الكتّاب مثلاً هو عضو في جمعية الشعر، وجمعية الرواية، وجمعية القصة القصيرة، وجمعية القصة القصيرة جداً... وما أسهل استخدامنا عبارة "الى آخره" في مواضع كهذه، ومن دون أدنى شعور بالذنب.

على سبيل المثال والتندّر، فإن رئيس اتحاد الكتاب السيّد علي عقلة عرسان هو من جماعة الموهوبين بالجملة: مسرحي، والدليل ما يحصل في الاتحاد من مسرحيات، وشاعر له دواويين، وروائي له روايات، وقاص له مجموعات قصصية، وصحافي له الافتتاحيات، وكاتب مسلسلات تراجيدية للتلفزيون، وطبعاً مسلسلات كوميدية للكتّاب، ومشترع له في كل يوم قانون، وقاضٍ له أحكامه المبرمة... وأخيراً هو مسلٍّ وكركوز، إذ لا تكاد تخلو أمسية من نكتة سمجة صنعتها يداه، وقراراته الاتحادية.

هؤلاء من أمثال ع. ع. ع، يجعلون العمل في كل المؤسسات الثقافية السورية تواطوءاً ضد الثقافة السورية، على مثال ما يُتهم الذين يعملون خارج المؤسسات الرسمية بالعمالة والارتهان للخارج.



توت توت

أجدني مضطراً، في سبيل الشرح والتبسيط، لاستخدام مثال وقح كنموذج للكتب التي تحترمها الرقابة السورية، وترفض المساس بها. بل وتقوم بتكريمها بواسطة عشرات المقالات المشيدة والمحتفية.

وبالطبع لن يكون هذا الكتاب - العيّنة سوى "رواية" من روايات أحد المسؤولين الثقافيين، من أصحاب موهبة تعدد المواهب أيضاً، وهو الروائي والشاعر والقاص والصحافي، وكاتب المسلسلات التلفزيونية، ومعدّ البرامج الوثائقية، وعضو جمعية الشعر في اتحاد الكتاب، ورئيس تحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة "الثورة" الأستاذ حسين عبد الكريم.

نعم، هو ذلك كله. وقد تجلّت مواهبه هذه مجتمعةً في الرواية التي تحمل عنوان "شجرة التوت".

ولكي لا تفوت القارئ متعة الاطلاع على هذه الرواية الجليلة، لا بد من اختيار جملة واحدة من كل صفحة لاستعراض النبوغ الأدبي اللذي وصل إليه مسؤولو الثقافة لدينا.

إذاً، في ما يلي تحف بديعة من رواية "شجرة التوت"، الصادرة لدى اتحاد الكتاب العرب 2003، لحسين عبد الكريم. والتي كُتِب عنها في الصحافة السورية، تملّقاً لنفوذ صاحبها، ما لم يُكتب في روايات توني موريسون وأمبرتو إيكو:

"رأيت شجرة التوت تمشي في اتجاه بيتنا" (ص 5)، "بلغت أعماقنا رائحة أوراق التوتة" (ص 6)، "عاد إلى جذع التوتة ومسحه بكفيه" (ص 7)، "أسعد الشحاذ يتفيأ شجرة التوت" (ص 8)، "أخذته الدهشة إزاء جذع شجرة التوت القوي" (ص 9)، "قوة وكبر هذه التوتة" (ص 10)، "أغصان التوتة لم تبخل برفيفها الحنون الدائم" (ص 11)، "قرب شجرة التوت يلتقي الجيران" (ص 16)، "جذع شجرة التوت الراسخة" (ص 17)، "أفق شجرة التوت" (ص 20)، "في جهات شجرة التوت طائر أخضر الجناحين يحلّق في سماء التوت ويغرد تغريداً جميلاً" (ص 23)، "هذه التوتة كبيرة وواسعة الأغصان وممتلئة بالطيور" (ص 25)، "شجرة التوت البرية العتيقة" (ص 26)، "رائحة شجرة التوت" (ص 28)، "شجرة التوت الواضحة" (ص 29)، "شجرة التوت تفرش أغصانها فوق المصطبة" (ص 30)، "شجرة التوت البرية ليست شجرة عادية، تتبدى للناس في حالات مختلفة، ولكل حالة دلالة بعيدة، إن بدت خضراء فذلك دلالة خير، وإن بدت شاحبة ذابلة فذلك نذير سوء" (ص 31)، "شجرة التوت تظهر جيداً للجيران" (ص 32)، "نسيت سمر أن تودع شجرة التوت" (ص 35)، "شجرة التوت الواسعة" (ص 36)، "البقاء في دنيا شجرة التوت" (ص 37)، "شجرة التوت علامة خير وحياة لكل القرية" (ص 38)، "حلمت أنني شاهدت شجرة تهوي وتقتلعها ريح قوية" (ص 39)، "شجرة التوت تتسع في الأفق وتمتد" (ص 40)، "جلست الدجاجات في ظل أغصان التوتة" (ص 41)، "الالتفات إلى شجرة التوت" (ص 43)، "احتمت بسرعة بأغصان شجرة التوت من حر الهاجرة الشديد" (ص 44)، "رأيت في نومي شجرة التوت تهوي، وتقتلعها رياح عاصفة" (ص 45)، "شجرة التوت غريبة الأطوار والأحوال، وتظهر بأشكال وهيئات مختلفة" (ص 46)، "شجرة التوت لم يُضِعْها ظلام العشاء" (ص 47)، "الوقوف إلى جوار جذع التوتة" (ص 48)، "تغريد الطيور يملأ أفق التوتة" (ص 50)، "شجرة التوت أراها على غير حالها من الخضرة وطيب الرائحة" (ص 51)، "شاهد في نومه أن شجرة التوت مقطوعة" (ص53)... وهكذا، وهكذا إلى نهاية الرواية.

لا شيء سوى شجرة التوت (ربما كي تستحق الرواية عنوانها). أحداث روائية مشوقة ومثيرة: التوتة واسعة الأغصان وقوية، وتقف على بساط من العشب الأخضر، والنسيم العليل يداعب أغصانها، وخيوط الشمس الذهبية تلامس أوراقها. ناهيك بأن الطيور البريئة تسكنها، وتزقزق فيها زقزقة حلوة، ولا ندري هل الجدول العذب قريب منها، أو هل الفراشات الملونة تزورها في الصباح المشرق!



تنبيه مهم

لمن يظن أن وزارة الثقافة، أو اتحاد الكتّاب، أو اتحاد الصحافيين، أو الصحف الرسمية، تماثيل للثقافة السورية: الرجاء، ممنوع تعليق صفائح السمنة الفارغة!

مقطع من الرواية

استلقت الجدة على البلاطة الحامية في الزاوية لتسحب حرارتها آلام ظهرها المبرحة. بدا وجهها العريض أكثر سمرة، وأنفها الأفطس يزداد كبراً وهي تغلق عينيها مستمتعة بدفء البلاطة، وقد بدا من انتظام أنفاسها أنها رحلت في غفوة عميقة. كانت الفرصة سانحة كي تتسلل أنجيلا من باب الحمّام الخشبي المكسو بالطحالب إلى الممر الطويل المعتم الذي يفصل حجرات الحمام الصغيرة عن بعضها. كان ثمة صوت لا مبال وحاد يتصاعد من إحدى الحجرات بأغنية غنجة:

رنة خلخالي يمّا... رنة خلخالي...

لحقت أنجيلا الصوت وهي تتكئ على الجدار كي لا تنزلق قدماها العاريتان على الأرضية. اقترب الصوت وكان يصدر من الباب المجاور المغلق. أخذت نفساً عميقاً وحبسته. راحت تشفّ، تستحيل شبحاً لا لون له وهي تلصق عينها بثقب المفتاح لتراقب خالدة تسكب الماء على جسدها المكتنز والمتربع على دفء الأرضية. كانت نغماتها تتزامن وقرقعة طاسة الحمام النحاسية حين تصطدم بجرن الماء الحجري. ذكّرها ذلك بتلصصها على والديها حالما يلج حازم الحمام وتتبعه مريم بعد دقائق لتغلق الباب بهدوء خلفها، ظانة أن أنجيلا لم تنتبه. كانت تلصق عينها بثقب المفتاح أيضاً وتراقب. تكون مريم عارية وكذا حازم دون سرواله الداخلي الأبيض. جسداهما يتقاربان ويتباعدان، وصوت ارتطام مياه الدش بالأرض يطغى على أي صوت آخر. البخار يعبق بالمكان ويعيق جلاء الرؤية أمامها. لكن شعر والدتها المسترسل يلتصق بظهرها حيث تحط ساعدا والدها. صورة لن تغيب عن ذاكرتها البتة. لكن التلصص لم يكن هواية فحسب، ربما كان حاجة. في الموزع المفضي إلى المرحاض طالما انتظرت والدها، وحال دخوله كانت تنقض إلى الداخل لتلقي نظرة على الشيء الذي من المفترض أن يحمله والدها بين ساقيه. لكنه دوماً كان أسرع، ودوماً استطاع إخفاءه بكفيه. التلصص لفتاة مثلها كان الطريق الوحيد للمعرفة.

كانت خالدة تكمل غناءها:

الكل قالوا اسم الله... اسم الله...

يبان طرف مؤخرتها السمراء مسطحة على الأرض. كانت وحدها، وشبيهة إلى حد بعيد بحورية. لم تستطع أنجيلا أن تكمل المشهد بجلاء من ثقب المفتاح، فحاولت فتح الباب ببطء دون إثارة ضجة، لكن الباب ذا المفاصل الصدئة صدح بترنيمة حادة كباب قلعة مهجورة لم يفتح منذ سنين. أحست أنجيلا أن القيامة ستقوم، وسمّرها الرعب مكانها، لكن خالدة لدهشتها استدارت وكشرت عن أسنانها بابتسامة ساخرة. ثم همست: لماذا أتيت دون مشايتك؟ ستتزحلقين. لم تنبس أنجيلا بكلمة. لبثت تراقب ذاهلة خطوط الكحل وقد ساحت مع الماء على وجهها فبدت كدموع سوداء. كان ثمة تجاعيد دقيقة حول فم خالدة وعينان لطيفتان تضيقان مع كل بسمة، لكنها تمتلك نظرة غريبة أخاذة. مدت خالدة يدها بالطاسة.

_ مالك يا صغيرتي؟ هل تستحمين معي؟

_ لست صغيرة.

_ آه كم عمرك الآن إذاً؟

_ تسعة أعوام... ترين لست صغيرة.

هزت خالدة رأسها بغنج جعل أنجيلا تتشجع وتقترب لتلاصق جسدها العاري على الأرض. ردت خالدة شعرها المخصل إلى الوراء قبل أن تساعد أنجيلا في خلع سروالها الداخلي الأبيض والمبتل بالماء تماماً. علّقته على الصنبور، وطفقت تدلق طاسات الماء عليها وعلى أنجيلا، وهما تضحكان دون سبب.

_ ثدياك يشبهان ثديي أمي.

ضحكت خالدة مداعبة شعر أنجيلا الأحمر الطويل.

_ شعرك جميل يا صغيرتي. آه عفواً لست صغيرتي. هذا الشعر سيجعل الرجال يجثون أمام قدميك يوماً.

_ ستقلق جدتك عليك هيّا.

لم تستطع أنجيلا أن تنبس ببنت شفة فقد اقتحمت أم ابرهيم عليهما غرفة الحمام فجأة، كانت شاحبة عارية وغاضبة بشكل غريب، فيما يتأرجح ثدياها المتهدلان يمنة ويسرة بشكل مثير للضحك. جرت أنجيلا عبر الدهليز إلى البراني، وألبستها على عجل ثيابها دون سروالها الداخلي الذي بقي داخلاً على الصنبور.


ماهر شرف الدين

هذه ابنة بوعلي ياسين
وهي من الطائفة الحاكمة ولذا لن يستطيعوا فعل الكثير
تحياتي