نصر المجالي
نصر المجالي من لندن: مع التجديد لكل من العقيد ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد ، والقائد الفعلي لقوات الحرس الجمهوري مناف طلاس نجل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، فإن مصادر المعارضة السورية بدأت فتح ملفي الرجلين اللذين ينتظر أن يكون لهما دورا مهما في تحريك العجلة السياسية السورية محليا وخارجيا، وتقول مصادر المعارضة إن كلا من ماهر ومناف سيتعاونان في المرحلة المقبلة بشكل وثيق مع عرابين أمنيين من كبار رجال الاستخبارات هما اللواء بهجت سليمان واللواء المتقاعد هشام بختيار الذي آل إليه منصب رئيس مكتب الأمن القومي في التغييرات التي شهدها حزب البعث في مؤتمره العاشر الذي اختتم أعماله قبل يومين، حيث تمت إطاحة بعض رموز الحرس القديم.
وكانت معلومات نشرت في وقت سابق هذا العام والعام الماضي عن دور مهم لكل من ماهر الأسد ومناف طلاس في إجراء بعض الاتصالات الخارجية بهدف الوصول إلى إقناع الولايات المتحدة في حوار إيجابي مع دمشق، ومن ضمن هذه المعلومات التي لم يتم التركيز عليها في حينه، فإن تقارير استخبارية فرنسية وبريطانية، مصدرها المخابرات الأردنية، أكدت أن ماهر الأسد اجتمع مرة واحدة على الأقل في السفارة الأميركية في العاصمة الأردنية مع رجال أعمال إسرائيليين موفدين من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون.
وطبقا لتلك التقارير ، فإن الاجتماع تم في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) في العام 2003 بطلب من ماهر الأسد شخصيا، وكان المجلس الوطني للحقيقة والعدالة في سورية وهو حركة معارضة قال في تقرير له إنه كان حصل على معلومات من أوساط أردنية قريبة من مجلس الأعيان الأردني ، إن ماهر الأسد " كان قد فرّ بتاريخ 26 من الشهر المذكور من سورية الى الأردن مع ضابطين في الحرس الجمهوري هما العميد بشير قره فلاح والعميد محمد سليمان ، وهما من دورة باسل الأسد ومجموعته الخاصة".
وأضافت المعلومات أن ماهر الأسد، طلب من الملك عبد الله الثاني نقل رسالة إلى الإدارة الأميركية تفيد باستعداده لـ "الإطاحة بشقيقه وإبرام صفقة سلام مع إسرائيل " . وطبقا لما أكده هذا المصدر "فإن الملك عبد الله سافر إلى واشنطن في اليوم التالي واجتمع بالرئيس جورج بوش الذي استلم الرسالة بحضور كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي آنذاك . لكن المخابرات العسكرية التابعة للبنتاغون نصحت الرئيس بوش بعدم التجاوب معه باعتباره متورطا في أعمال إرهابية في العراق ، وهو أراد بخطوته هذه ( أي الاتصال بواشنطن ) اللعب على حبلين وتضليل الإدارة الأميركية" .
وهذه المعلومات أيضا، كانت أشارت إليها صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية، حيث نشرت في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام 2004 تقريرا أشارت فيه إلى أن ماهر الأسد عقد اجتماعا مع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية إيتان بنتسور، وعرض عليه قيام شقيقه الرئيس بشار بزيارة إلى القدس لمحادثة شارون لإنهاء كل القضايا العالقة بين البلدين والشروع في محادثات تفضي إلى اتفاقية سلام. لكن الصحيفة قالت في تقريرها إن شارون رفض ذلك.
وحسب (هاآرتس) فإن رفض شارون جاء بسبب أن سورية "قدّمت طلباً غير معقول وغير مقبول على الإطلاق"، وقالت الصحيفة، وهي تساءلت ، كما ورد في مقال الصحافي الإسرائيلي ألوف بين، الذي نشر في 17 ديسمبر 2004 "هل عرض ماهر الأسد، قبل سنة ونصف، أن يقوم شقيقه، الرئيس بشّار الأسد، بزيارة إسرائيل مقابل شرطٍ غير معقول وغير مقبول على الإطلاق؟ وما هو الطلب "غير المعقول الذي يمكن أن تطلبه سورية من إسرائيل حتى قبل البدء بمفاوضات السلام؟ "لم يكن الشرط السوري تقديم تنازل إسرائيلي مسبق في ما يتعلّق بمرتفعات الجولان" وإنما طلباً "غير معقول وغير مقبول على الإطلاق"... ويضيف المقال نقلاً عن أحد المسؤولين الإسرائيليين:: "تصوّر لو أن وكيل شركة بيع عقارات يعرض عليك شقة للبيع، ثم يطلب منك دفعة مسبقة قيمتها مئات الألوف من الدولارات حتى قبل إتمام الصفقة".
وأضافت (هآارتس) في تقريرها إنه "حينما تم إبلاغ الطلب السوري إلى شارون، فقد استنتج أن الأسد ومبعوثية ليسوا جدّيين وأمر بوضع حدّ للاتصالات"، وهي قالت آنذاك أيضا "وما يزال المسؤولون الذين شاركوا في هذه الإتصالات مع السوريين مختلفين في ما بينهم حول ما إذا كان العرض السوري فرصةً ضيّعتها إسرائيل أو وهماً لا أساس له في الواقع"، وتشير الصحيفة أيضا إلى أن وجهة النظر السائدة كانت في مكتب رئيس حكومة إسرائيل، هي أن الأسد يُصدِر تلميحات عن السلام "من أجل إثارة الرأي العام ضدنا" وخَلق نقاش داخلي في إسرائيل.
وإليه، يعود المجلس الوطني للعدالة والحقيقة في تقريره السابق إلى القول إن ماهر الأسد، حسب ما كان أكده مصدر فرنسي، زار باريس وبرفقته أحد أقرب المقربين منه في الحرس الجمهوري ، وهو العميد مناف مصطفى طلاس، في الفترة من 4 إلى 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي واجتمعا مع مسؤولين فرنسيين، كما أنهما اجتمعا في أوتيل ماريوت الواقع في جادة الشانزيليزيه، مع أحد الموظفين الكبار في مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي بحضور رفعت الأسد عم الرئيس السوري، الذي قدم من ماربيا في إسبانيا لهذا الغرض.
ويقول المجلس إن هذه المعلومات تتقاطع مع الاعتقاد السائد بأن ماهر الأسد ، الذي سبق له وأطلق النار على زوج أخته اللواء آصف شوكت بسبب ذم هذا الأخير لرفعت الأسد، إنما ينسق تماما في جميع خطواته عمه رفعت الأسد "إلى درجة أن هذا الأخير هو من نصحه بفتح خط ساخن مع الإسرائيليين والأميركيين عبر عمّان والدوحة". يذكر أن اللواء الدكتور رفعت الأسد أعلن قبل ثلاثة أسابيع اعتزامه العودة من منفاه إلى دمشق معلنا عن عزمه العمل على تنفيذ خطة إصلاحية تحمي سورية من أية اعتداءات كما حصل بالنسبة للعراق.
لكن المعلومات تشير إلى أن ماهر الأسد وعمه رفعت فشلا حتى الآن في إقناع أي من صانعي القرار في واشنطن أو تل أبيب بأنهما يمكن أن يشكلا قيادة قادرة على التغيير في سورية، خصوصا وأن المطروح الآن لم يعد فقط ترميم النظام وإصلاحه ، بل التفكير بإمكانية اقتلاعه من جذوره كليا عندما تتأكد جهات القرار في الغرب أنها متأكدة من تنفيذ ذلك ، مستفيدين بذلك من الدرس العراقي.
وإذ ذاك، فإنه تأكيدا لذلك، فإن صحيفة (هاآرتس) كانت ذكرت في تقريرها المشار إليه آنفا أنه كانت توفرت مزيد من التفاصيل حول الإتصالات (غير المباشرة، في ما يبدو) التي تمّت قبل سنة ونصف السنة بين المدير العام للخارجية الإسرائيلية، إيتان بنتسور، وماهر الأسد. وقالت مصادر في القدس في حينه إنه" رغم بيانات النفي، فقد كان هنالك فعلاً أحاديث عن زيارة رئاسية يقوم بها بشار الأسد للقدس، ولكن كان لدى السوريين شرط للقيام بهذه الزيارة. ولم يكن الشرط السوري تقديم تنازل إسرائيل مسبق في ما يتعلّق بمرتفعات الجولان، وإنما طلباً "غير معقول وغير مقبول على الإطلاق". ، وفقاً للعارفين. ويقول أحدهم: "تصوّر لو أن وكيل شركة بيع عقارات يعرض عليك شقة، ثم يطلب منك سلفة قيمتها مئات الألوف من الدولارات حتى قبل إتمام الصفقة".
وختاما، فإن النتيجة كانت هي "إن البيئة العامة السياسية-الديبلوماسية تساند، بدورها، هذا الموقف. فالتقارير الواردة من واشنطن تفيد أن الإدارة الأميركية حانقة على دمشق لأنه بات واضحاً الآن أن عمليات الإرهاب الجارية في العراق تُدار من سورية، وفي مثل هذه الظروف، لا تملك واشنطن مصلحةً في إعطاء الشرعية للأسد بواسطة مفاوضات سلام".
http://forum.shrc.org/arabic/bb/Forum4/HTM...TML/009200.html