اقتباس:"أين تكمن إذن مشكلة المثقفين العرب أكانوا من اليسار أم من القوميين أم الإسلاميين؟ ألا تكمن في امتثالهم والتحاقهم بالأنظمة التي يزعمون انتقادها؟ وكأنهم يخافون من الديموقراطية ما دامت مطلباً أميركياً ويتهيبون من تحمل تبعاتها".منى فياض – النهار - بيروت .

1. الديمقراطية ليست مجرد إطارا للممارسة السياسية بل هي جوهر تلك الممارسة وروحها المبدعة ، لهذا كانت محورا لصراع عنيف في أوروبا خلال القرن العشرين كله . خلال ذلك القرن انقسم الفكر السياسي الأوروبي بين الديمقراطية و أعدائها الشموليين على اختلاف أطيافهم من قوميين نازيين وفاشيين و أيضا أممين ماركسيين ،و انتهت المعركة بنصر حاسم للديمقراطية الليبرالية ، مما دفع أحد المفكرين إلى إعلان نهاية التاريخ .
2. لم تعرف مصر أو العرب هذا الصراع ،ولم تبذل دولة عربية واحدة جهدا للحصول على الحقوق الديمقراطية ، بل ورثت الدول العربية عن الاستعمار أنظمة ليبرالية و ديمقراطيات هشة سرعان ما انهارت و حطمها العسكر و الطغاة بين تهليل الشعب و تكبيره .
3. في مصر حاول السادات أن يعطي نظامه شكلا أو ديكورا ديمقراطيا يجعله مؤهلا للتعامل مع الديمقراطيات الغربية خاصة الولايات المتحدة ، و بصرف النظر عن دوافع السادات فالتغيرات التي أحدثها في بنية النظام السياسي المصري هي كل ما أمكن للمصريين الحصول عليه من الحريات الليبرالية ، و من الجدير بالتأمل أن هذه الحريات لم يطالب بها أحد جديا أو يحفل بها الشعب الذي ينتظر الحاكم الإسلامي العادل كي ينفذ فيه الحدود السعودية .
4. منذ سقوط الاتحاد السوفيتي و مع التحولات الإقليمية العنيفة بعد 11 سبتمبر تسابقت كل القوى السياسية المصرية الحاكمة و المعارضة على السواء إلى تبني الخطاب الديمقراطي ، كنوع من الصرعة أو المودة الجديدة . ولم يتخلف عن ذلك السباق كهنة الفكر الشمولي كالشيوعيين و الناصريين و الإخوان المسلمين . فعل الجميع ذلك دون أن يشرح الماركسيون كيف يمكن أن تتعايش دكتاتورية البروليتاريا مع الديمقراطية الليبرالية ، أو يؤصل الإسلاميون ديمقراطيتهم بالقرآن و السنة كما يفعلون مع باقي طروحاتهم .
5. لم يتوقف أحد ليتشكك في الأمر فكان ذلك التغير يبدوا استجابة لاستحقاقات تاريخية و تيار كاسح في العالم كله ، و كانت الديمقراطية مثل أي شعار براق يتفق حوله الجميع و يختلفون حول مضمونه ، فالإسلاميون لا يرون من الديمقراطية سوى آلية الانتخابات التي ستحملهم إلى السلطة ، خاصة أنهم أصبحوا يجيدون اللعبة مدعومين برصيد مجاني يوفره الخطاب الديني ، هذا الخطاب الديني الغيبي هو فارس الحلبة في شعب عميق التدين شبه أمي سياسيا و ثقافيا . أما الماركسيون فلا يرون من الديمقراطية سوى أداة لدعم الاتحاد السوفيتي في صراعه ضد الإمبريالية و الرأسمالية و عملائهما بالرغم أن الاتحاد السوفيتي أصبح سابقا و ما تبقى منه صار جزئا من تلك الرأسمالية اللعينة !.
6. جاءت التجربة العملية لتكون اختبارا للديمقراطيين العرب دعاة الحرية ، فسقط الجميع في الاختبار و ملاحقه !. أيد الكثيرون من الماركسيين و القوميين (الديمقراطيين) ميليسوفيتش ( معتقدين أنه تيتو جديد !) رغم إدانة العالم المسيحي نفسه لجرائمه ضد المسلمين و ذلك لمجرد أن الولايات المتحدة تتزعم محاولات الإطاحة بنظامه الفاشي . و تبارى الإسلاميون و الماركسيون في دعم حكومة طالبان التي تكفر بالديمقراطية لمجرد أنها تتبنى سياسة ضد الغرب و ضد أمريكا تحديدا ،وهكذا أصبحت إمارة طالبان جنة الله على أرضه و معقل الإسلام وواحة الحرية و حقوق الإنسان . و جاء الدور على صدام حسين ليصبح بطل الحرية في العراق و قائدا ديمقراطيا منتخبا يوفر الكرامة و السعادة للشعب العراقي.ظل الديمقراطيون العرب معادين للديمقراطية في كل مكان تقريبا ، فانبرى دعاة تلك الديمقراطية الخاصة يدينون الانتفاضات الديمقراطية الشعبية في الفيليبين و إندونيسيا ثم جورجيا و أوكرانيا و راحوا يسخرون منها لأنها كلها مدعومة من الولايات المتحدة .
7. امتد هذا العداء المرضي للحرية ليكون موقف النخب العربية من انتفاضة الاستقلال اللبنانية يتفق في ذلك المثقف اليساري مع الناصري مع الإسلامي ، هذا لا يعني غياب شرائح من المثقفين الشباب وحتى الكبار الذين كانوا يدعمون انتفاضة الاستقلال اللبنانية من دون تحفظ ، فلم تستطع أصوات المرتعشين أن تحجب طويلا أعلام الثورة اللبنانية الجديدة ، ورغم حماس الشباب لبيروت الحرية انبرى السياسيون ( الديمقراطيون ) لإدانة المتظاهرين العملاء و دعم نظام الأسد الوطني الحر ، كل ذلك لأن الولايات المتحدة رأت أن تخرجه خارج لبنان فصار بطلا و مناضلا !.
8. لم يقتصر عداء النخب العربية على الديمقراطية في كل أنحاء العالم تقريبا ،و لكنه امتد للداخل أيضا ، فهم يعادون كل من يتجرأ و يخرج على سيناريو الديمقراطية الحكومية و يسبقون حتى أجهزة السلطة في الاغتيال المعنوي لكل من يمارس ولو حدا أدنى من الديمقراطية الحقة ، و هكذا كانت المعارضة المصرية هي أعلى الأصوات في إدانة سعد الدين إبراهيم و أيمن نور لأن أمريكا تحميهما من بطش السلطة و أيضا إدانة نوال السعداوي رغم عدائها لأمريكا ، و تمتد هذه الخدمة المجانية إلى كل من ترى الحكومة إدانته!.
9. لا تفسير لتلك الظاهرة سوى أن الحرية و الديمقراطية لم تكنا أبدا ولعا عربيا أو قيمة في حد ذاتها لدى النخب و لكنها مجرد أداة ..أداة ضد الولايات المتحدة الأمريكية .فالمصريون مثلا لا يمتلكون سوى منظار واحد لرؤية العالم ورؤية أنفسهم هو المنظار الأمريكي ينظرون به غالبا مقلوبا و نادرا معدولا إلى كل شيء .إن الحرية التي تعني حرية الضمير و الاختيار و التعبير السلمي ، والديموقراطية التي تحسم أمرها في صناديق انتخابات شفافة و حرة هي أشياء مثل الاقتران بكاترين زيتا جونس مجرد حلم عابر لا نفكر فيه بشكل جدي ، فنحن نعتقد أن العانس المشوهة بهانة بنت عبده الأكتع فقط تليق بنا !..
10. أوقن أن هناك تحيزات ثقافة في الشخصية العربية ( المصرية تحديدا ) أفرزت الدكتاتورية كمنتج طبيعي . نعم كثير من المثقفين بدأوا مخلصين لقيمهم السياسية و بعضهم دفع ثمنا باهظا لمواقفه ، و لكن معظمهم خاصة الجيل الأحدث تعلم جيدا من رأس الذئب الطائر ، و هكذا سرعان ما هاجر الجميع إلى عش النظم الظليل ، ففي غياب القضايا الكبرى مثل قضية الاستقلال الوطني تصبح القيم مائعة و نسبية ، إن الفكر السياسي العربي لم يصل بعد إلى التطور الذي يرى فيه أن الطغيان هو بمثابة احتلال داخلي ربما يكون على نفس خطورة الاحتلال الخارجي الذي يكون على الأقل سافرا ، لهذا كانت مقاومة الجماهير العربية لحكامها الطغاة هزيلة بينما قاومت الغزو الأجنبي بشراسة دائما .
11. إن لدينا مشكلة عميقة في مصر ليست نتيجة رفض الحاكم أي إصلاحات ديمقراطية حقيقية فقط بل بالأساس عدم حماس النخب الشعبية لإجرائها ، إن الذي يلوك شعارات الحرية عادة لا يدرك تبعاتها و لهذا فإن الجماهير تخشى الحرية الحقيقية لأنها تعني مواجهة الشعب لذاته بلا مشجب يعلقون عليه عيوبهم وما أفدحها . إننا أصبحنا مثل الطائر الذي يرفض أن يطير عندما يجد أن باب القفص مفتوح لأنه يتوهم أن النسر الأمريكي يملأ الفضاء وسوف يبتلعه لو غادر سجنه !. هل تعلم يا عزيزي أن أغلبية المثقفين المصريين تخلوا عن سعد الدين إبراهيم في محنته التي ما كان ليمر بها وهو طفل النظام المدلل لولا خروجه عن سيناريو الحكومة و توهم أنه في بلد حر ،و أن الذي مد يده لينتشل هذا الرجل ليس الحكومة الأمريكية كما يشيع ( الديمقراطيون ) المصريون بل الشعب الأمريكي و دوائر الضغط ، و أن صحيفة الواشنطن بوست هي التي وبخت بوش بسبب موقفه الرخو ، فلم يجد أمامه سوى ما نعرفه جميعا من شطب المساعدة التي قررها لمصر (120 مليون دولار ) لتعويضها عن خسائرها بسبب غزو العراق و بشكل مهين !
12. هناك خصوصية قطرية لكل شعب رغم وجود جذور عامة تحكم المزاج السياسي العربي ، فالمصريون لديهم قانونهم الخاص و لديهم ولعهم الحضاري بالتسلط !. لقد بدءوا العملية الديمقراطية منذ وقت طويل نسبيا ، ربما منذ ما يزيد عن 150 سنة عندما انتخبوا أول مجلس نيابي عربي في زمن الخديوي إسماعيل ،و لكنهم كانوا دائما ينفرون من التعددية خضوعا لثقافة متأصلة ، هكذا نشاهد المصريين يصطفون خلف الحزب الوطني لعرابي ثم خلف الحزب الوطني لمصطفى كامل ثم خلف حزب الوفد كل ذلك بينما كانت التعددية ممكنة و مطلوبة بل و يجري تحفيزها ، و بعد انقلاب 1952 تسابق المصريون جميعا كي ينحشروا و بدون أي تململ داخل معلبات التنظيمات الثورية الأحادية ، و حتى عندما أخذ النظام بتعددية ولو شكلية ظل المصريون في أغلبيتهم الساحقة يصطفون خلف حزب الحكومة رغم أن هذا الحزب حطم كل الأرقام القياسية في الفساد ، إن الولع بالتزاحم و الخوف المرضي من التفرد ليس مقصورا على السياسة بل يمتد إلى كافة المجالات حتى أصبح كل المصريين تقريبا يشجعون نفس فريق الكرة ( النادي الأهلي ) .
13. إن نفور المصري من التعددية و خوفه من الحرية الحقيقية موغل في تاريخه ، بل ربما تمتد جذوره عميقا في حضارة المصري القديم ،و يمكن للبعض تفسير ذلك التوحد باعتماد الحياة في مصر على نهر النيل مما يعني الامتثال لسلطة مركزية طاغية تتحكم في النهر .و لكن هذه الثقافة للأسف لم تعد تتلائم مع متطلبات العصر ولا مواصفات النظم السياسية الحديثة .إن النخب المصرية المفترض أن تقود التغيير لا تختلف كثيرا عن النظام المطلوب تغيره سواء في الفساد أو ممارسة آليات النفاق و خداع الذات و الآخرين ، بل و تستخدم نفس الخطاب التخويني و التكفيري ضد نفسها !
14. تحدثت بالأساس كمصري عن المصريين و لكني لا أرى أن الحال أفضل كثيرا في بلاد العرب .. ربما كانت أكثر ظلاما .في النهاية أقتبس لذات الكاتبة الصحفية منى فياض:

اقتباس:" إن المراقب لأداء النخب العربية وتعاطيها مع الشأن العام ومع المستجدات التي تحصل حولها لا يملك سوى تسجيل عدد من المفارقات. فبعد أن استكانوا طويلاً في مرحلة استجداء التغيير والمطالبة اللفظية بالإصلاح، لا يريدون، ولا يسعون إلى التحرك من اجل دعم مرحلة “التغيير الإصلاحي” هذه عندما تحصل مع ما تقتضيه من مهمات ومسؤوليات وما تتطلبه من تضحيات واستحقاقات."

بهجت

(كنوع من الصرعة أو المودة الجديدة . ولم يتخلف عن ذلك السباق كهنة الفكر الشمولي كالشيوعيين و الناصريين و الإخوان المسلمين )

وهذا اكثر ما يبشر بالخير ويعطى امالا ان عملية التحول بدا يرافقها النضج ا الانسانى اللازم لنشؤها

ليس هم من بدا يطرح الديمقراطية كخيار وكحل وسط تاريخى لتنظيم الحياة السياسية من جديد بل هذه ظاهرة تمس الجميع لا يوجد ارث جدى وذو قيمة لهذه المنطقة فى التطور والثقافة الديمقراطية.. نحن امام عملية جديدة ...( اما الظواهر القديمة فلم تكن الا حالات جنينية اولية)


لا يوجد احد بامكانه ان يقف ان يقف امام هذه القوى ليقول لهم شامتا ...ها انتم اخيرا اقتنعتم بوجهة نظرى.... وان وجد هكذا قوة سياسية ولو بشكل افتراضى فكل ما عليها فعله هو ان تفرح لهذا التحول


لا احد بامكانه ان يقدم نفسه انه حارس ورب الديمقراطية وفكرها فى المنطقة... وانا شخصيا ارى الانزياح الديمقراطى لهذه القوى التى ذكرتها ( الاخوان والقومين ) نحو الحل الديمقراطى واحد من اهم ثورات العقل السياسى العربى منذ عقود طويلة جدا فهذه قوية اساسية واكثر حسما فى حركة المجتمعات من حالات ليبرالية ترفية لا احد يهتم بها وليس لها القدرة على صناعة اجندة سياسية او اجتماعية على ارض الواقع........... هذا الانزياح لهذه القوى هو حدث خطير جدا ويشير اننا امام بداية تفاعل جدى جدا

(f)
بهجت
تواصل بمهارة تشريح الواقع بشكل محترف ومؤلم لكنه الواقع!
مبدئيا اتفق معك فالمشكلة تكمن فيما يسميه احمد صبحى منصور ومن قبله مالكوم اكس( عقلية العبيد)والعبد لايبحث عن الحرية ويخافها ويفر منها انه امن بكوخ حقير وفتات خبز ويظن ان الحرية ستحرمه من حياته البائسة الحقيرة وتلقى به على قارعة الطريق بلا مأوى!!!!
كنت اتحدث مع صديق منذ وقت وقلت له اننى اشعر بالاحباط لان النادى ورطنى فى عالم ليس عالمى واناس لا اقابلهم فى حياتى اليومية وهموم ليست همومى الحقيقية فانا اعيش فى واقع اخر مع اناس اخرين تحكمه اليات مختلفة كمثال تشاجرت قبل مرضى مع موظفة كبيرة فى مكتب عمدة المدينة بسبب مشكلة ما؟ وكان العمدة يمر بالردهة فتسأل عن سبب المشاجرة فقلت له احنا بندفع مرتباتكم عشان تخدمونا ولا عشان احنا نخدمكم انتم عالم زبالة,فقال اهدأ تعالى لمكتبى ماذا هناك؟
ذهبت لمكتبه وشربت قهوة واعتذر عن اداء عن الموظفة الردىء ووعدنى بفتح تحقيق؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
طبعا هذه هى حياتى الطبيعية التى اعيشها ويعيشها اهلى واقربائى
ثم اتى هنا للنادى فاشعر اننى بغرز فى مجور خرة عفوا للكلمة افلام ومشاكل وقضايا غير مثارة ابدا فى حياتنا,واتسال وانا مال اهلى مايولعوا بجاز وسخ!!! لكن يا اخى تظل جيناتك الوراثية تضغط عليك حتى تفسد عليك حياتك كلها وتجد نفسك مرغما غارس فى الخرة ومن يتمرغ فى الخرة................................
ولنا عودة

اهدا يا حكيم ودير بالك على صحتك الان

معظمنا يمر او مر بهذا الازدواج الثقافى الذى تعيشه هذا قد يزيدك ثراءا روحيا ويعطيك القدرة على النظرة الاكثر تاملية للواقع العربى فوجودك بعيدا يجعلك لدرجة ما اكثر موضوعية وحيادا عاطفيا لانك تكون منتميا للمجوعة لكنك بعيدا عنها مما يعطيك مسافة نقدية

أين ذهب الحكيم الرائي؟
هل من يعرف ؟

up