عمارة يعقوبيان
قبل ساعات قليلة انتهيت من قراءة رواية بعنوان (عمارة يعقوبيان) , تحتل هذه الرواية الارقام الاولى في المبيعات في مصر حاليا , و هي بالفعل تستحق ذلك لروعة الاسلوب و اقترابها كثيرا من الواقع المصري المعاش , تدور احداث الرواية في فترة حرب الخليج الثانية و بداية العدوان الثلاثيني على العراق , تتمحور الرواية حول مجموعة من الشخصيات من طبقات اجتماعية مختلفة و متباينة على نحو مشوق و يحاول ان يشمل التباينات الطبقية الكبيرة في المجتمع المصري و افرازاته على اللاوعي المصري من خلال نظرة الناس من الطبقات المختلفة لبعضها البعض(كلهم في عمارة واحدة) , من هذه الشخصيات مثلا تظهر شخصية زكي بك الدسوقي ابن رئيس الوزراء الوفدي ايام الملكية و خريج باريس , شخص من نبلاء مجتمع ما قبل الثورة و الذي قضت ثورة يوليو على احلام عريضة و مشروعة من اجل مستقبل سياسي , يتميز زكي بك بحس فكاهي و دماثة خلق رغم سنه المتقدمة نوعا ما و كون الحظ عانده و الظروف وقفت ضده و حرمت من الكثير , شخص زير نساء لكن ليس بالمعنى الممقوت المألوف , صاحب تجارب نسائية واسعة فكانت النساء ما حفظ له كثيرا من بريق النبلاء و مما كان سببا في تعرضه للاهانة يوما ما على غير ما توقع , كانت النساء و الخمور ببساطة حياة زكي بك , بثينة السيد ابن العائلة البسيطة حاصلة على دبلوم تجارة كانت تحلم بحياة هادئة هانئة لكن الاحلام شيء و الواقع المرير شيء اخر , اضطرت بعد وفاة والدها للعمل لتعيل اسرتها , و لكن اين ستعمل فذهبت للمكاتب و المتاجر للعمل كسكرتيرة او محل الملابس , اه نسيت ان اقول ان بثينة كانت تتميز بجمال اخاذ و جسد مثير ( حاول المؤلف الايحاء بان بثينة تمثل الكثير من بنات مصر عبر وصفه جسدها و مواطن الاثارة فيه و هي ذاتها مواطن الاثارة للفتاة المصرية غالبا مثل حجم الصدر و الردفين مع تجنب الاشارة الى لون البشرة الذي يتمايز كثيرا بين المصريات , من النوبية السوداء بشكل اقرب الى الافارقة الى الى بنت المنصورة الشقراء بشكل اقرب الى الاوروبية و ما بين اللونين طبعا ) , ارتبطت بثينة بطه ابن البواب حبها الاول و الذي سرعان ما انهار لاسباب تفصيلية يمكن اجمالها انهم لم يملكوا مصيرهم فالمجتمع قسى على بثينة قيراط و على طه اربع و عشرين , بثينة الفتاة المثيرة كانت هدفا لكل من تعمل عنده فقاومت , قاومت كثيرا لكنها استسلمت في النهاية , خرت طهارتها صريعة امام خنجر الفقر الحاد و تزداد حدته كل يوميا مصقولا بالفساد الفولاذي البنية و الفروق الاجتماعية المفروضة عليها قضاءا و قدرا , حاتم رشيد شخصية متناقضة و متزنة بشكل يشكل لغزا حقيقيا حول ما وراء شخصية حاتم , ابن العائلة العريقة , والده من كبار قانونيي مصر و العالم باسره و والدته الفرنسية مترجمة في السفارة , يتقن اربع لغات حية ,شاب ذو طلة فرنسية توحي بمثقف كبير (وهي حقيقة), رئيس التحرير لصحيفة تصدر بالعربية و الفرنسية , ناجح كصحفي بكل المقاييس و نجم مجتمع و في الوقت ذاته لا يمضي اجمل لحظات يومه الا في احضان عبدربه القروي جاهل ضخم الجثة , مجند قادم من الصعيد , و السبب ان حاتم بيه شاذ سلبي (كوديانا بلغة الشواذ) و عبدربه شاب ظاهرة عليه معالم الفحولة فيتودد له المخنث حاتم ليملئ عليه نصفه الانثوي و هو نقطة ضعفه , لقد وجدت في هذا الجزء من الرواية نوعا من الغموض في مغزاه اتمنى ان يوضحه لي من قرأ الرواية من الزملاء,طه شخصية محورية اخرى , تمثل سقوطا تراجيديا للكثير من زهرة شباب مصر باتجاهات مختلفة مثل طه احدها , بل اخطرها لما له من ذيول اجرامية فظيعة عانت منها مصر و الكثير من الدول العربية , طه شاب متفوق رغم الظروف الصعبة حصل على مجموع عالي في الثانوية و تقدم لامتحان ضباط الشرطة فاجتازها كلها الا امتحان الهيئة الذي استحق اجتيازه لكن كونه ابن البواب كان سبب الرسوب , بدون مقدمات هذ هو السبب (عين عينك) , مما سبب له ازمة نفسية حاول تجاوزه بالانتساب للجامعة لكن سقط فريسة للمتطرفين الاسلاميين , اعتقل فنال تعذيبا قاسيا جدا اثرت عليه نفسيا بشكل انقلابي نوعا ما , تحول الى ارهابي بمعنى الكلمة , الشيخ محمد عزام الذي بدأ حياته فقيرا معدما تحول بعدها الى ثري كبير , مليونير ثم ملياردير بفضل المنصب كعضو في مجلس الشعب و الذي وصل اليه بفضل صديقه و شريكه كمال الفولي , كمال الفولي مركز ثقل سياسي و فاسد كبير في الوقت عينه , مثال للانتهازية فمن مطبل اشتراكي زمن الناصرية الى ليبرالي راسمالي زمن الانفتاح الساداتي , مع الحكومة على طول فاصبح قطب سياسيا لا يمكن تجاوزه .
في عمارة يعقوبيان حاول علاء الاسواني اختزال خمس و سبعين مليون مصري في شارع سليمان باشا (طلعت حرب لاحقا) , استخدم ايحاءات ايروسية الطابع لجذب القارئ خصوص في بداية الرواية , لقد كتب النقاد عن الرواية الكثير و لا اعتقد انني املك الكثير لاضيفه , لكنها رواية تستحق القراءة و هي فعلا (مكسرة الدنيا) ...........
|