عودة إلى معجزة سورة المسد
بسمك اللهم
لو أنا سلمنا بأن هذه السورة جاءت حقا لتثبت أن قيمة الشخص أمام إله محمد تعتمد على حسن إسلامه وليس على قرابته من محمد أو على مكانته الإجتماعية وإذا كان إله محمد يحتاج مثالا عمليا ليثبت هذه القاعدة ليخاطب من أقفل ربه على عقولهم (على صدورهم) بمثال واقعي يتجاوب مع قدر فهمهم، إذن فما ذنبي أنا، لقد اختارني إله محمد بجبروته وقدرته اللامتناهية أن أخدم القرآن والمسلمين وذهبت بذلك ذبيحة قربانية لتثبيت إعجاز القرآن. من هذا المنطلق ليس عندي شك أن إله محمدا، أن كان عادلا حقا، سيثني علي ويدخلني فسيح جنانه عندما أقف بين يديه ويجعلني جارا لإبن أخي محمد في قصره المشرف على أنهار الخمر واللبن والضفاف التي تستحم عليها الحور العين. ولعله من النافل أن أقول أنه ليس بوسعي حتى بعد مرورأكثر من ألف وثلاثمئة عام أن أعلن إسلامي والسبب في ذلك ليس رغبتي ولكنه ينبع من الأسباب التي شائها الجبار المحيط إله محمد وهي أولا عدم نقض القرآن حتى لا ينفجرالكون بانفجار اللوح المحفوظ وثانيا تقديم المثل الحي للمسلمين عن قاعدة مهمة في دينهم.
وفي هذه المقطع القصير (لم يكن هذا الفن من فنون الكتابة موجود أيام حياتي في رحاب مكة فالمعذرة على عدم الجودة) أحاول أن أبين بمثال حي إشكالية وضعي مع محمد وإلهه. وبداية أحب أن أذكر أن جبريل والملائكة والجن وكل الأمور الغيبية فيما يلي هي نسيج من خيال محمد ومن تراث البيئة التي عشناها معا، ومن الثابت بعلم بني الأصفر أنه ليس لها أي صحة في الواقع.
بعد أن لمزني و نابزني إله ابن أخي محمد بلقب "أبي لهب" مغيرا المعنى الضمني لهذا اللقب من "صاحب الوجه المشرق" إلى "صاحب نار جهنم" وبعد أن نابز زوجتي أم جميل بلقب "حمالة الحطب" وطوق رقبتها النضرة بحبل غليظ من مسد ضاقت مكة بي مع أني كنت أعلم الناس بشعابها وشعرت أن "روحي" تكاد تفارق جسدي، وفي ليلة مؤرقة من ليالي مكة أشعلت فيها ملائكة الدفاع السماوي بطاريات شهبها المحرقة باتجاه نجد في أثر شياطين جن نصيبن، ولم يكونوا قد أسلموا بعد، وكانت تحاول أن تسترق السمع إلى خبر السماء الدنيا، فتفاعلت قذائف جهنم الموجهة بأجسام النصيبيين النارية فأخذت أسرابهم تجن هاوية بسرعة تفوق سرعة الصوت فوق مكة متجة نحو البحر الأحمر لتطفىء نار جهن التي أخذت تأكل في أجسادها، وكان منظرنار جهنم وهي تحرق نار الجن خلابا وقاسيا كصحرائنا العربية (أكاد أجزم أنها كانت تحترق بالنابلم المحرم دوليا).
قلت لزوجتي المستلقية بجانبي وكانت تحضني بقوة الخائف وهي ترقب معي هذا المنظر الرهيب: ربما آن لنا أن نذهب لمحمد ونخبره أننا نصدق به نبيا لله
قالت: وحتى بعد أن هجانا وسبنا يا أبا لهب؟
قلت: نعم. على أي حال نحن من عائلة واحدة وهو ابن أخي ولا يسعنى إلا أن أسامحه وأتبعه حفاظا على وحدة الهاشميين أمام الأمويين الكلاب وأهلك بني خزاعة
قالت: وما الذي فعله بك أهلي بنو خزاعة يا أبا لهب، ألا يحترموك؟ ألا يكرموك؟
سكت ولم أجب، قالت بعد أن أدركت أنني لن أدخل في المعركة العادية عن أهلها: ولكن أخاك عبد مناف لم يعلن إيمانه رغم استجداء محمد له، ألا تظن أن عليك أن تتبع رأي أخيك الأكبر؟ واللات والعزى إنى لأراه غاضبا عليك إن أنت تبعت محمدا.
قلت: لا عليك بأبي طالب، سأكلمه بالموضوع وأرضيه، الحقيقة أن محمدا لم يبق لنا خيارا فحتى أولادنا عتبة وعتيبة بدأوا بالتململ لعدم تصديقي بدين محمد، والعزى إني لأرى عتبة وعتيبة مصدقين به رغم أنفي لغرامهما بخطيبتيهما بنات محمد رقية وزينب، فمن أجل أولادنا أولا ومن أجل سمعتنا ومن أجل وحدة الهاشميين فإني أرى أنه لا بد أن نتبعه
قالت: الخطأ في هذا المنطق أن معظم الهاشميين لم يتبعوه بل إن القلة القليلة منهم تبعته ولولا ما حدث بينه وبين أبي جهل ما تبعه حمزة، والتصديق بمحمد يعني أنك ستتنكر لعبادتك للات والعزى يا أبا لهب، ألا يعني هذا شيئا لك؟
قلت: أنت تعلمين أن اللات والعزى ليستا إلا رمزين لله الواحد سبحانه وتعالى.
قالت: أعلم ذلك ولكنا إن نحن آمنا بما يأتي به محمدا من أقوال عن الله سبحانه وتعالى فقد تحل بنا قارعة
قلت: إن لا ينزل القوارع بالبشر فهو أسمى من هذا والله يعلم سريرة النفس وما تخفي الصدور, ومن يعلم قد يكون محمدا صادقا فيما يقول.
قالت: إفعل ما شئت، أنتم معشر الرجال تتظاهرون بسماع رأينا ثم تفعلون ما تريدون.
انزعجت لقولها فاستدرت عنها في الفراش نحو النافذه المطلة نحو الشرق. اشتعلت السماء عندها بصلية رشاشة من الشهب المحرقة أرسلت كتلة من سبعة وسبعين شيطانا نحو الأرض وهي تحترق بلهب جزع منه ظلام الأفق وارتجف للحظات طويلة، عزمت أمري عندها أن أكلم محمدا في الصباح.
في اليوم التالي لم أستطع أن أصبر إلى ما بعد طواف الصبح حول الكعبة فمشيت بمحاذاة محمد الذي كان يظله إبن أبي قحافة وعندما حاولت أن أكلمه جاء هذا بيني وبين محمد ليمنعني من الكلام معه وقسى علي في القول، ظهر التعجب على محمد عندما لم أجب غلظة ابن ابي قحافة بمثلها وكأني خلته غضب لأن هاشمي بمثل مكانتي قبل الإهانة من من هو مثل أبي بكر، وبعد فترة قال لأبي بكر: دعه يا أبا بكر فإنه عمي.
قلت هامسا في أذن محمد: يا محمد أريد أن أسلم
سمعني أبو بكر فصاح رافعا يديه نحو السماء: الله أكبر وهم أن يستمر ولكن محمدا وضع يده على فم أبي بكر وقال له أسكت أبا بكر.
تعجب أبو بكر وبدأ الناس ينظرون إلى صاحب محمد الذي خالف آداب طقوس الطواف وقذفه أبو جهل بنظرة غاضبة مهددة وشهر ذراعيه مشيرا نحونا بمعنى انظروا إلى هؤلاء الصابئة. تراجع عندها أبو بكر للخلف متيحا لي الطواف بجانب محمد. قلت هل سمعتني يا ابن أخي؟ قلت لك أريد أن أسلم.
قال محمد بقسوة وغلظة: ليس لي حاجة باسلامك يا أبا لهب. وأشاح بوجهه عني.
أسقط في يدي عندها ورجعت إلى أم جميل محزونا كئيبا وأخبرتها بما حدث. قالت أم جميل: واللات أن هذا ما توقعته. منذ متى يا أبا لهب يلين لك أبناء فاطمة بنت عمرو المخزومية والله إن محمدا يبخل عليك حتى بالجنة الخيالية التي يبيعها لإصحابه كما يبيع الكهنة دخان البخور لقريش.
قلت ساخرا: دخان البخور محسوس يا أم جميل ولكن جنة محمد لن نراها إلا بعد الموت. لعمري أنه أمهر حتى من بائعي السمك السابح في أعماق البحر الأحمر.
قالت: عسى أن غرور محمد قد علمك درسا
قلت: الموضوع كما قلنا البارحة هو الحفاظ على تماسك بني عبدالمطلب ومجاراة شعور ولدينا عتبة وعتيبة، بالنسبة لي ما هم إن قلت أني أتبع محمد فهو إبن أخي أولا وهوعلى أي حال لا يدعونا إلى مخالفة الله سبحانه وتعالى
قالت: وما العمل الآن؟
قلت: سأطلب من أخي حمزة أن يتدخل في الموضوع.
ذهبت بعد طواف الظهر إلى حانة الأحباش مكان أخي حمزة المعتاد. عند دخولي أشار لي أخي حميز من بعيد ببشاشة السكران أن أذهب لأجلس معه. كان معه عمر بن الخطاب الذي فضح سكره التام سبب غيابه عن طواف الظهر. قبل أن أجلس ضرب حمزة الراقصة الجالسة في حضنه على قفاها العاري فقفزت مذعورة لا تلوي على شيئ فقذفني عمر بشتيمة هائلة أصابت أمي، فصفعه حمزة وقال يا عمر! منذ متى تجرؤ على الهاشميين؟ هذا أخي وابوه عبد المطلب أبي. ضحك عمر بمجون وقال ولكن أمه ليست أمك. والتوى على االحصير لينام. قدم لي حمزة بعض الجعة ولكني رفضت شربها فأدارها في رأسه بشرهه للخمر الذي اشتهربه، شرحت له الغرض من زيارتي النادرة لحانة الأحباش فتعجب حمزة كيف يرفض محمد إسلامي ووعد أن يكلمه بالموضوع في الحال.
للأسف لم تجد وساطة حمزة ولكن بعد إصرارطويل مني وبعد توسيط عدد آخر من أتباع محمد مثل علي بن أخي عبد مناف وعمر بن الخطاب وكان ذا حظوة كبيرة عند محمد وعبدالله ابن أبي قحافة، وبعد الدموع التي ذرفتها أم كلثوم وزينت، قبل محمد أن يكلمني بالموضوع. طلب مني أن أذهب إليه بدار بني الأرقم فذهبت إليه بصحبة حمزة وعند دخولي دهشت للطريقة شبه التقديسيه التي كان أتباع محمد، وكان جلهم من العبيد والمستضعفين، يعاملونه بها، وأذكر منهم الراعي عبدالله بن مسعود وبلال الحبشي. أجلسني محمد ومعه عمر وأبو بكر في ركن منعزل من البيت وأشار للباقين بتركنا.
قال لي محمد بجفاء: لمذا تريد أن تسلم يا أبا لهب؟
قلت: والله ما أدري ما الذي جرى لك يا ولد أخي، أنا عمك فلا تعاملني بهذه الطريقة.
تدخل ابن أبي قحافة قائلا: لا تكلم رسول الله بهذه الطريقة حتى لو كنت عمه. بدا عدم الإرتياح على وجه حمزة ولكنه لم يقل شيئا وشعرت بنظرات عمر تقع على نحري.
قلت: حسنا، وما الخطأ إن اسلمت يا محمد؟ ألم تقل لنا عند الكعبة الشريفة أن الملاك جبريل أمرك بقوله "وأنذر عشيرتك الأقربين"؟؟
قال محمد: أولا تخاطبني برسول الله وثانيا كانت لك فرصة وأضعتها.
قلت: ولكنك تقول أن الله غفور رحيم
عندما شعرمحمد أن عمر وحمزة وحتى ابن أبي قحافة يتفهمون موقفي لان لي وقال: يا عماه، لقد نزلت سورة المسد والآن وبعد أن حذف جبريل تلك الآيات الشيطانية عن اللات والعزى أترى قريش متفهمة إن قمت بحذف سورة كاملة أيضا ؟ لقد أدى حذف آيات الشيطان عندما وسوس في إذني وجعلنى أقول أن اللات والعزى غرانيق ترجى شفاعتهن إلى استهانة قريش بكل شئ أقوله وإلى غضب الكثير من المسلمين. ثم ما يدرينى لعلك تريد أن توقعني مع حليفك أبي جهل مع الله في ورطة مماثلة.
قلت: يا محمد، واتبعتها بيا رسول الله بعد أن انتقلت بنظرات عمر بسرعة لتجول على نحري مرة أخرى. يا رسول الله أنت تعرفني وتعرف أن شدة الخلاف بيننا تنبع من أني رجل مبدئي كنت أناقشك عن علم ومبدأ، والله إنك تعلم أنني أشرف من أن أغدرك أو أغشك وتعلم أني لست بحليف أو صديق لأبي الحكم.
أطرق محمد لحظات وقال:أجل يا عماه أنا أدرى بصدقك. أنت تدري أن أسلامك سيكون من دواعي سروري وسيكون فيه عزة وقوة للمسلمين ولكن ليتك أسلمت منذ البداية وجنبتني هذا الإحراج. على أي حال فإن نسخ سورة المسد سيوقع هذا الدين الفتي في مشكلة كبيرة قد لا تقوم له قائمة بعدها. دعني أكلم جبريل في الموضوع عسى أن يجد لك الله مخرجا.
قلت: ونعم الرأي يا رسول الله. قمت ولم يتفوه أي من الباقين بكلمة.
كان رد محمد إيجابيا فالبفعل كان إسلامي سيضعه في مأزق كبير لأني كنت الحالة الوحيدة التي شتم فيها إلهه إنسانا من قريش مع النص الصريح باسمه. في الحالات الأخرى، وهي كثيرة، كان كتاب محمد يذكر الشخص دون التصريح باسمه. ذهبت إلى أم جميل وأخبرتها بالخبر السعيد، تهكمت عندما قلت لها أن محمدا سيبحث الموضوع مع جبريل
وقالت: لقد أحرجته يا أبا لهب. لعمري أنه لا يعلم ما سيفعل.
في تلك الليلة كنت أشعر بالسعادة وكانت شهيتي للطعام قد تفتحت بعد عدة أيام من الأرق الشديد. أعدت لي أم جميل عشاء كبيرا من لحم جمل وليد وأكرمت نفسي وزوجتي بزجاجة من نبيذ دمشق الفاخر كنت أوفرها لمناسبة كبيرة. كان العشاء لذيذا فأكلت كمية كبيرة جدا وتواطئت الخمر مع الطعام فتثاقلت حتى أنني لم أستطع أن أذهب إلى الكعبة للقيام بطواف العشاء ونمت على الفراش حيث تعشيت بثيابي وعمامتي.
بعد نحو من الساعة، أو هكذا بدا لي، طرق أحدهم الباب بقوة فنهرت أم جميل بقدمي أن تقوم لتفتحته فلم تجب بأكثر من أنة جاءت من أعماق النوم. واستمر الطرق فقمت متثاقلا وفتحت الباب فإذا بمحمد وخلفه كائن أدخل الروع في نفسي. كان جسمه المغلف بالياقوت وحبات لؤلؤ بحجم سنام حوار من الجمال يسد الباب من الجهتين وكان يهتز ببطئ وكأن سفينة على بحر مائج، من خلال دهشتي لاحظت أن له جناحين يملآن الافق وكانا يصفقان بشدة ولكن بدون صوت. سمعت محمدا وكأني في أعماق بئر يقول: هذا جبريل يا عماه جاء ليفاوضك في موضوع إسلامك.
قلت محاولا إخفاء خجلي من عدم التصديق به وأنا آراه الآن عيانا أمامي: أهلا بجبريل أهلا بجبريل وبمن معه. تفضلا بالدخول، لا يزال عندنا بعض من نبيذ الشام وصرخت يا أم عتبة. أوقفني عندها محمد عن الكلام بوضع يده فوق فمي.
قال جبريل بصوت عميق جهوري: لا يا أبا لهب دعنا نذهب إلى مكان هادئ حتى لا نوقظ أحدا. ولم أكد أتقدم خطوة باتجاه محمد حتى قفزت أمامي دابة بحجم الحصان ولكن بوجه أنسان وكان لها جناحين يهتزان ولكن أيضا بدون صوت. قال جبريل: إركب على بركة الله.
قلت: ما أنا براكب.
قال جبريل: إركب يا أبا عتبة
قلت: ما أنا براكب
قال محمد ظانا أني خفت: إركب يا عماه لن يمسك ضر منه.
قلت: يا محمد ويا سيدي جبريل إني لأستحي أن أركب فوق ظهر رجل حتى لو كان له جسم حصان.
قال الرجل صاحب جسم الحصان بفصاحة: لا تستحي يا أبا عتبة هذه طبيعة عملي التي خلقني الله سبحانه من أجلها وإنه لمن دواعي الشرف العظيم لي أن يمتطيني عم رسول الله
من دهشتي لم أدري إلا وأنا فوق هذا الحصان البشري، أو البشر الحصاني، الطائر الذي أخبرني أنه من جنس يقال له البراق وأنهم يعملون في الجنة كوسيلة السفر الوحيدة لتراميها اللانهائي وضرورات حفظها من التلوث البيئي. كان محمد يطير بجانبي على براق مماثل الجسم ولكن وجهه كان أكثر رزانة وبدا أنه كان أكبرسنا من براقي. حلقنا من فوق جبل أبي قميس ودرنا في الجو وفي لحظات وصلنا إلى جبل عرفات ودار بنا جبريل حوله دورتين للتأكد من خلوه من الجن والأنس وهبطنا على سفحه الشرقي فوق صخور بالقرب من القمة. أنزلني البراق برفق وجلست بجانب محمد على صخرة وطفا جبريل أمامنا وكأنه معلق من جناحيه الهائلين الذين وبالرغم من رفرفتهما الهائلة السرعة كانا يبقينان جسمه ثابتا وكأنه واقف على أرض صلبة.
قال جبريل: يا أبا عتبة، أنت تعلم كيف أحدثت الآيات الشيطانية عن اللات والعزى مشكلة كبيرة لدين الله بين المؤمنين حتى أن بعضهم تراجع عن الأسلام والآن جئتنا تريد أن تسلم وهذا كما تعلم سيجبرني على نسخ سورة المسد بالكامل. وقد بحثت الأمر مع الله سبحانه وتعالى فقال أن نسخ هذه السورة أمر من المحال لأنه سيترتب على نسخها أمور في غاية الخطورة تتعلق باللوح المحفوظ.
قلت: وما اللوح المحفوظ يا سيدي جبريل.
قال: هو السجل الإلهي لكل ما كان وسيكون في هذا الكون.
قلت متظاهرا أني فهمت ما اللوح المحفوظ: فما العمل إذن. هل تظن يا جبريل أنني بعد أن رأيتك بعيني أني سأتراجع عن أسلامي؟ فوالله أنه لا أله إلا الله وأن محمد رسول الله.
قال جبريل وهو ينظر إلى محمد بإحراج وقلق: إذن لا بد من أن نذهب للسماء لبحث الموضوع مع الله.
في لحظات قفز البراق بجانبي وبسرعة البرق وجدت نفسي أطير فوقه وبجانبي محمد وكنا نتبع جبريل الذي كان يمزق الأفق أمامنا بجناحيه الهائلين.
قال لي براقي وقد بان العرق يتفصد على عنقه: إن المطبات الهوائية التي يحدثها جناحي جبريل تجعل الطيران في غاية الصعوبة. هل أغضبته؟
قلت: لم أزد أن قلت لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
إثناء الطيران لبيت المقدس طلب منى براقي أن ألصق وجهي بظهره حتى لا تضربني الريح وحفاظا على عمامتي. فحضنته من الخلف ودفنت وجهي بين لوحتي ظهره القويتين. أخبرني براقي ونحن في هذا الوضع الحميم أن
أسمه أبومشعل وأن جنس البراق جنس قديم من الخلق كانوا في خدمة آلهة الإغريق، فلما دالت دولتهم وطواهم الزمن بعد أن تبع أهل اليونان عيسى بن مريم عطل جنس البراق عن العمل إلى أن دخلوا في خدمة الله عز وجل. حذرني براقي أن علي أتعامل مع الله سبحانه وتعالى برسمية صارمة لآنه "في غاية الجدية، فهو عكس آلهة الإغريق لا يتمتمع بروح
الفكاهة أو المرح" واعترف أبومشعل أنه يحن إلى إلهة الإغريق الذين احترموه ولم يستخدموه كدابة للنقل إلا أن عمله مع القاهر المميت سيدر عليه ربح تسع عشر براقة من أبرقة الجنة يحصلهن بعد سن التقاعد. وهممت أن أسأله عن سر رقم التسعة عشر إلا أنه أخذ يناور استعدادا للنزول في باحة المسجد الأقصى سكت البراق وأخذ ينظر إلى موضع هبوطنا عند بيت المقدس الذي عرفته من زيارة سابقة بصحبة محمد. بعد نزولنا استحييت أن أربط براقي أبو مشعل فقام محمد بربطه في سلسلة في حائط المبكى قائلا: يا عماه ليس هذا الوقت وقت المراسم والأدب! علينا أن نسرع فإن الله في انانتظارنا.
ابتسم براقي وهز بجانحه أن في أماني الله.
دخلنا مع جبريل ما أسماه محمد المعراج وكان من الخارج أشبه بالغرفة الصغيرة المستديرة وكان حائطها معدنيا
له لون حديد بيض الهند واليمن. دهشت عندما دخلتها من سعتها الكبيرة وكان محمد يدفعني في خطواتي المضطربة الخائفة نحو باب آخر دخلناه لنجد أنفسنا في غرفة أكبر أضيئت بضوء أحمر خافت. جلست مع محمد على مقعدين من جلد وجلس جبيرل أمام منصة امتلئت بأضواء حمراء وخضراء وزرقاء وبعد أن تأكد أننا ربطنا بالأحزمة في مقاعدنا التفت نحو المنصة وأخذ يضغط على الأضواء التي أمامه فسمعت شهيقا وزفيرا من تحتنا واهتز المعراج بشدة. أغلقت عيني بخوف شديد من روعة الإهتزاز وشعرت أن جسمي بدأ يثقل ويلتصق بالمقعد الجلدي الذي استدار من تلقاء نفسه نحو سقف الغرفة جاعلا ظهري على أرضها ووجهي نحو سقفها. من شدة الخوف ضاق نفسي وأخذت أصرخ طالبا رحمة اللات والعزى ولكن وبعد حين شعرت بيد محمد تهزني وكان الاهتزاز قد خف ففتحت عيني لأرى جبريل يبتسم نحو محمد. كان قد ضم جناحية خلف ظهره وربط نفسه هوالآخر بأحزمة قيدته بمقعده. قال: لا تخف يا أبا لهب أنت في حماية الله الآن. أما آن لك أن تنسى اللات والعزى فليس لك إلا الله. أحمر وجهي خجلا فنظرت من نافذة صغيرة خلف رأس محمد، كانت النجوم تملأ سماء في غاية السواد وكانت تمر حولنا بسرعة خارقة أشبه ما تكون بقذائف الملائكة المصوبة نحو قبائل الجان. بعد عدة دقائق دخلت الغرفة مخلوقة فائقة الجمال تطفو على جناحين من ذهب مصفى وتحلي شعرها بياقوت وماس ولؤلؤ كل منها بحجم قبضة يدي وكل منها خير من الدنيا وما فيها. وكانت تحمل في يديها منضدة من الياقوت الخالص عليها كأسا واحدا من الفضة محلاة بجواهر لم أرى مثلها من قبل أبدا. ابتسمت بابتسامة جعلت كل عضو في جسدي يقف ليسبح بقدرة الخالق وحسن صنعه. كان ما ظهر من جسمها من تحت رداء حريري أحمر، أبيضا
مشعا في غاية الصفاء وكانت تتمايل بأنوثة وغنج تحت شعر أصفر بلغ حتى أكعابها، أما عينيها فكانتا زرقاويين كسماء مكة في الربيع الأول. سحرتني حتى شعرت أن عيناي تجحظان وكادتا أن تغادرا محجريهما، ووقف ذكري وتصلب، وسال لعابي من جانب فمي الإيسر، وأهتز شاربي الإيمن، وتفصد عرقي، ولم أستطع أن أرفع عيني عن ثغرها
الندي الشهي. سمعت محمد وكأن صوته جاء من وادي القرى وكان قد وقف بجانب جبريل وأدار ظهره لها متجنبا،
لاستغرابي الشديد لولعه بالنساء, النظر إليها: لقد وقع صاحبي بغرام صاحبتك كما خططنا يا جبريل.
لم أعر ما قال محمد انتباها فقد كنت مفتونا تماما بهذه الملكة الواقفة أمامي. قدمت لي الخمر بأدب وعندما انحنت لتقدمه لي انكشفت أطراف حلمات ثدييها من تحت ردائها الحريري الملتصق بجسدها فانفجر الدم في وجهي ودق صدري حتى سمعه جبريل وانقلبت الخمر من يدي وطافت قطراته بعجب في أرجاء المعراج حتى بلت جناحي جبريل ولحية محمد، ورأيت أن وجهها هي الأخرى احمر خفرا وخلت أنها كانت غاضبة وهممت بها ولم تهم بي ولكن لم يكن بوسعي بسبب الأحزمة الرابطة إلا أن أتمتم باستمرار ما شاء الله أحسن الخالقين. واستدارت للرجوع، دون أن تقدم شرابا لمحمد أو لجبريل، نحو الباب الذي قدمت منه فرأيت من بين تموج شعرها الأصفرجيدا كجيد الرئم ليس بفاحش، وساقين كأنابيب نخل يثرب، ومقعدة تهادت كسنامتين من سنامات نياق نجد فوقع حبها في صميم قلبي كجلمود صخرة صديقي امرؤ القيس، وأخذت أتمم ما شاء الله أحسن الخالقين وشعرت بامتنان عجيب لمحمد الذي أراني عجائب الله في خلقه. وبعد فترة قليلة لم تتجاوز في زمنها ما يأخذني للركض بين تذكاري إساف ونائلة سبعة مرات، شعرت مرة أخرى بتثاقل جسمي فدار مقعدي بعكس حركة المعراج ولكن ظل رأسي يدور نحو الباب حيث اختفى ذلك الجمال المجن للعقول.
أبطأ المعراج بعدها إلى أن وقف وبعد مناورات ومشي وركوب براق آخر (لم أسأله عن اسمه) طار بنا عبر مسافات شاسعة في ممر كان على يمينه أرض خضراء في غاية الجمال وعلى يساره أرض جدباء تشتعل فيها النيران وصلنا عند شجرة عجيبة قال لي محمد أن أسمها سدرة المنتهى. بعد دقيقتين فاض النور الألهي علينا فارتعدت وارتعد جبريل ووقعنا على ركبتينا إلا أن محمد ظل واقفا رابط الجأش وقال مخاطبا النور الذي غشانا متجها ببصره نحو سدرة المنتهى: سبحانك الله هذا عمي أبا لهب يريد أن يسلم وأنت أعلم بما يترتب على ذلك.
قال صوت جميل سمعته من خلال كل أعضاء جسدي: أهلا بمحمد رسولي وخاتم أنبيائي، يا أبا عتبة لن أمكنك من تقويض ديني ودين محمد.
قلت وأنا أرتجف بشدة خوفا منه وشغفا بملكة البراق: سبحانك اللهم ولكني لا أريد تقويض دين محمد. كل ما أريد هو أن
تسمح لي أن أسبح بعظمتك وجلالك.
قال الصوت الإلهي: لك هذا ولكن يجب أن تظل معلنا كفرك بمحمد حتى لا يناقض إسلامك سورة المسد.
قلت: سبحان عظمتك وجلالك ولكن ما مكافئتي على هذه المحنة التي سأحياها. أعظم الناس إيمانا بك في الخفاء ومتظاهرا بالكفر والعداء للإسلام والمسلمين؟
قال الصوت الإلهي: ألم يعلمك محمد أن للمؤمنين جائزة من إثنتين وسبعين امرأة إثنتين منهما من حورعين الجنة؟
قلت: بلى عظمت جلالتك ولكني محنتي أكبر وأعظم وتستحق جائزة أعظم من الجائزة العادية.
قال الصوت الإلهي: إذن أقضي لك بجائزة الشهداء إثنتين وسبعين كلهن من الحور العين
قلت: يا أكرم المكرمين إني طمعت بأكثر من هذا وأنا عم نبيك وأولادي أزواج بناته
قال وقد شعرت غضب الجبروت في صوته يهز أركاني: وما تريد يا أبا لهب.
قلت: فهل لي أن أسأل رحمتكم أن تمن علي بتلك الجارية التي قدمت لي الخمر في المعراج؟
قال بغضب الجبار المحيط وبصوت اهتزت له سدرة المنتهى وسقط منه جبريل على وجه: ولكنها من إناث الملائكة يا عبد العزى يا أبا لهب وكان جبريل قد كلمني بها
قلت: وقد ملأ الرعب قلبي ولكن طامعا بكرمه سبحانه وتعالى: يا إلهي أنت الرحمن الرحيم ألا يتساوى صبري على ادعاء الكفر وحفظي لقرآنك واللوح المحفوظ بجارية من إناث الملائكة؟
قال بعد صمت ظننته الدهر: حسنا، لك هذا يا أبا عتبة ولك فوقها واحد وسبعين أخر من إناث الملائكة.
أحس عندها النور الإلهي بانزعاجي فقال الصوت: ما الأمر يا أبا عتبة
قلت: سبحانك أنت أكرم الأكرمين لك الحمد والشكر لك الحمد والشكر يا رب العالمين ولكني بعد هذا العمر لا أستطيع حتى أن أرضي أم جميل فكيف باثنتين وسبعين من إناث الملائكة
قال: لا تخف يا أبا عتبة أنا الله الجبار القوي، في الجنة سأمنحك الجلد و القدرة على مئة منهن.
قال الصوت الإلهي بعد ذلك مخاطبا محمد: هل ظننت أنك تستطيع أن تكيد لأبي عتبة دون علمي يا محمد؟
قال محمد وقد سقط منبطحا على وجهه وكأن يدا خفية دفعته على الأرض، وهو يبكي وريرتجف كمقرور أجهده البرد: غفراك اللهم
قال الصوت الإلهي: إن مؤامرتك الرخيصة مع جبريل لتفتن أبا لهب حتى يأتيني نجسا مجنبا لم تمر على
قال محمد وهو ينشج بالبكاء: غفرانك اللهم غفرانك اللهم
ثم قال الصوت الإلهي وكأنه يخاطبني: خاف أن أجعلك شريكا له في النبوة كما صنعت مع هارون وموسى، فطلب من جبريل أن يفتنك بالملكة تناسيم حبيبته وموعودته في الجنة، والآن وبعد أن لوثت تناسيم بشبقك الآدمي النجس خسرها جبريل وبتلك الخسارة لملاكي القوي المتين أقضي على محمد بالفضيحة الأبدية، سأوقعك يا محمد
بعشق زوجة إبنك زيد، فبعد أن يقضي منها وطره سأزوجكها حتى تكون فضيحة أبدية بين الأمم.
قال محمد من بين نشيجه: اللهم لا، اللهم لا
ثم سكت ومن بين نشيجه قال: ومن ستكون زوجته يا أرحم الرحمين؟
قال الصوت الإلهي: زينب بنت جحش ، وسأجعل كل ذريتك من بعدك أولاد الجواري والإماء وقضينا أيضا أن نحكم ولد بني أمية الفاجرين برقاب ذريتك حتى يسومنهم سوء العذاب ومن بعدهم ولد عمك العباس الكافر حتى يذبحونهم ذبح النعاج
اختفى النور الإلهي وهزلت سدرة المنتهى حتى بدت وكأنها من عرار نجد، وقام جبريل يبكي وكأنه ميت منذ ألف عام. قال بغضب ولكن بصوت مكتوم: والله لقد كدت أن تهلكني يا أبا لهب وفوق هذا تدبرت أن تأخذ مني تناسيم الحبيبة ولكن الذنب ذنبي لم يكن علي أن أفتنك بتناسيم كما أمرني محمد والله إن الشيطان كان معه عندما زين لي أن أفعل ذلك.
كانت السعادة تغمرني فلم اقل شيئا وكنت أتحرق لرحلة العودة في المعراج حتى أرى تناسيم مرة أخرى. في طريق العودة نحو مدرج المعراج لم يحدث شيئ يذكر غير أني لاحظت حتى من خلال انبهاري بلقاء الرحمن وتشوقي لرؤية تناسيم أن الأرض الخضراء كانت ما زالت على يمينيى والأرض المحترقة ما زالت على يساري. في المعراج ولحزني الشديد كان جبريل حزينا وغاضبا فلم تأت لنا تناسيم بالشراب وكان محمد أيضا جالسا يبكي يهز نفسه أماما وخلفا ولم يتفوه بكلمة طوال السفر سواء في المعراج أو في رحلة العودة إلى مكة ولسبب ما كان أب مشعل في غاية الفرح
عندما أفقت في الصباح وجدت نفسي مجنبا قد ابتلت ثيابي أشد ابتلال. أسرعت بالنهوض متظاهرا بالتأخر عن طواف الصبح حتى لا تشعر أم جميل بما حدث لملابسي وأخذت معي رداء داخليا وغيرت ثوبي المبتل في بيت أخي العازب حمزة. كان سكرانا فلم يشعر بي وبما فعلت. وعندما لم أستطع إخفاءه في بيت حمزة خرجت فإذا بالناس تقودني في تزاحمهم للطواف الصباحي نحو الكعبة فإسقط في يدي وجزعت أن أحمل معي في حرم الكعبة ثوبي المبتل من عشق موعودتي في الجنة الملكة تناسيم. وما أن مشيت بضع خطوات حتى وجدتني قبالة النصب التذكاري لشهيدي الحب
الخالدين إساف ونائلة وألهمني الله سبحانه وتعالى أن أدفنه في الحرم.
سمعت في تلك اللحظة جبريل يوشوش في إذني بقرف: يقول الله بعد السلام إدفنه حيث تقف حتى يكون شفاء للناس.
فنزلت على ركبتي والناس تنظر إلي في عجب ودفنته في الرمل (لم تكن أرض الحرم في ذلك الوقت
مكسوة بالرخام الطلياني الفاخر) في مكان لا يبعد كثيرا عن بئر زمزم. رآني محمد فكشر تكشير العارف بما أصنع، والتفت بعدها نحو إبن الخطاب وهمس بأذنه شيئا ما فنظر هذا إلي بشزر وكراهية ومال على أبن أبي قحافة يكلمه
في أذنه. عندما توازينا في الطواف بصق ابن أبي قحافة باتجاهي وأشاح محمد بوجهه عني وابتسمت أنا بفرح وبهجة وتعجب أبو بكر الذي رثيت له.
في ذلك اليوم مررت بالقرب من دار الأرقم بن أبي الأرقم. سمعت بلالا يرتل سورة المسد بصوته الجميل
الندي فلم أشعر بالضيق أو بالمهانة ونظرت نحو السماء ورأيت تناسيم تتهادى بين الشمس والقمر وكان رداءها الحريري الملتصق بجسمها المياد مفتوحا من خلف عنقها إلى ما فوق الشرخ المكون من التقاء سنامتي مقعدتها فقلت في نفسي صبرا جميلا يا أبا لهب.
===========
هذا الموضوع منقول
http://abulahab.blogspot.com/2005_11_13_ab...ml#JinReference
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
