ملاحظة عابرة في الشأن السعودي


في السنوات القليلة الماضية عرفت السعودية مؤشرات أولية وجنينية جدا لكن مبشرة على بداية ميلاد مجتمع سعودي حديث يؤدي بعضا من وظائف وأدوار المجتمعات الحديثة ، ومن ذلك مثلا ظهور أصوات شجاعة تنادي بالإصلاح السياسي والاجتماعي وتتحمل ثمن شجاعتها بل وأصوات نسوية خافتة تقترب من مساحات حرجة للغاية في حياة السعوديين ووعيهم ، وعرفت الصحف المحلية قدرا من حرية التعبير وغير ذلك مما يسعد القلب ويحيي الأمل في النفوس ، ساعدت على ذلك بالطبع ظروف مواتية مثل الضغوط التي تعرضت إليها الأنظمة السياسية في المنطقة من أمريكا بعد 11/9 ، وكان هناك أيضا الالتباس الذي يمر به العرش السعودي ، فالعاهل غائب بسبب المرض وولي العهد ينوب عنه في إدارة شئون البلاد والعباد ، وحال مثل هذا ربما أضعفت بعض الشيء الطابع الشخصي للسلطة والذي هو أبرز سمات مثل هذه النظم .

إلا أن الأوضاع بدأت تتغير بشكل عاصف منذ تولي الملك عبدالله السلطة قبل شهور ، والتغير ليس في اتجاه مزيد من شخصنة السلطة فقط بل نحو تحويلها إلى سلطة أبوية صريحة من نمط سيأكل الأخضر (على قلته) واليابس على الأرض السعودية .

وإذ بدأ العاهل الجديد حكمه بالطلب من رعيته ألا يقبلوا يده عند مصافحته "لأن العربي الشهم لا يقبل بهذه التصرف" (كلامه وفيه اعتراف بأن أسلافه الملوك لم يكونوا عربا أشهما) راح يتبادل مع الرعية حوارا مفتوحا : يزيد لهم رواتبهم الشهرية فيردون عليه بالدعاء له وتثبيت صوره على زجاج السيارات ، يخفض لهم سعر الوقود فيردون ببرقيات الشكر وإعلانات الامتنان في الصحف ووسائل الإعلام ، يؤسس لهم صندوقا استثماريا لتعويضهم عن خسائر البورصة فيردون بحملة وطنية لجمع التواقيع على برقية شكر جماعية . هو وهم ولا شيء في المنتصف ، لا شيء وسيطاً ، ولنا أن نتوقع أنه لن يجرؤ أحد أن يحشر أنفه بين الطرفين في مساحة المنتصف والوساطة وهي نفسها مساحة السياسية ومفاعيلها .

السعودي (أو السعودية) الذي كانت يؤمل له ـ بكثر من التفاؤل وبمؤشرات أولية ـ أن يولد مواطنا يُصّير ابناً ، والسلطة التي يفترض لها ـ من زاوية إصلاحية ـ أن تتخفف من يعض شخصنتها لصالح بعض من العقلنة والاحتكام لمعايير وتقالبد موضوعية تصير أبوة صريحة ، والمسافة بين الحاكم والمحكوم التي يتوقع ـ في مجتع يتطور ـ أن تتسع لتستوعب ما تيسر من منظمات ومؤسسات المجتمع تمحى تماما تقريبا .

اتجاه ما زال في بدايته ويمكن تطويقه ، ولكن تطويقه يحتاج إلى نقد ، والنقد ـ للأسف الشديد ـ فضيلة لم يكتشفها السعوديون بعد .

إنها عقلية القبيلة البدائية أخي آمون .. الشيخ مع أفراد القبيلة

هذه هي جزيرة بني سام كما كانت عبر التاريخ :
إما أن تظل في هذه الجزيرة لتعيش في بيئة بدائية وإما أن تهجرها كما فعل الأسلاف لتبني حضارة خارجها

هذه المعادلة انقلبت قبل نصف قرن حينما اًكتشفت الثروات في باطن أرضها الشرقية لتصبح البدائية هي العامل الجاذب لغالب الناس وليس الطارد لهم من هذه الجزيرة.

إنها "مدن الملح" كما وصفها عبدالرحمن منيف