وانشقت الارض



سيكون من الصعب القول ان انشقاق القشرة الارضية يكفي للقول بإنشقاق الارض، فالقشرة الارضية قد انشقت منذ العصور القديم لتتكون القارات، واطلق على هذه الحادثة تسمية بانغيا. غير ان قشرة الارض لازالت غير مستقرة وتتشقق بإستمرار واليوم ايضاً تنشق من جديدا امام اعيننا في القرن الافريقي.

من عجائب الصدف ان تهتز الارض وتنشق في اللحظة نفسها التي وصل الجيلوجي Dereje Ayalew على متن الهيلكوبتر الى منطقة مشهورة بطبيعة جيلوجية مميزة تثير إهتمام العلماء منذ فترة طويلة الى درجة انها مادة للعديد من الدراسات لعلماء من مختلف انحاء العالم. الجيلوجي اصبح شاهداً حياً على عملية بدء تشكل بحراً جديداً.

المنطقة تسمى عفار(Afarregion) وتقع في القرن الافريقي حيث توجد على اراضي دجيبوتي، اريتريا واثيوبيا وتحدث بها تغييرات عنيفة وواضحة ستحول المثلث الصحراوي الى بحر جديد. من الجو يمكن رؤية العشرات من الشقوق الطويلة والعميقة. الجيلوجيين على ثقة ان هذه الشقوق ستقوم بفصل القارة الى قسمين. هذا سيحدث عندما يصبح الشق عميقا بمايكفي لتنحدر فيه مياه البحر. الى الشرق سيكون القسم الصغير الذي سيصبح جزيرة كبيرة الى جانب مدغشقر.

مايحدث في القرن الافريقي عملية جيولوجية نادرة ومع ذلك هناك مثيل آخر لها في ايسلاند ايضاً، غير ان عملية تشكل البحر الجديد في القرن الافريقي اكثر وضوحاً وعنفاً، ولهذا تثير اهتمام العلماء وتحفز متابعتهم لها اكثر.


هذا النوع من الانشقاقات الذي يحدث في منطقة عفار عادة يجري في قيعان البحار الحديثة النشأة، مثلا الاطلسي، حيث تتكون بإستمرار الشقوق التي تخرج من ثناياها المصهورات القادمة من باطن الارض. هذه المصهورات تتجمد وتشكل القشرة الجديدة لقاع البحر.

على الرغم من ان الشقوق في منطقة عفار تشكلت على سطح القشرة الارضية الجافة وليس في عمق البحار إلا انهم من نفس نوعية شقوق عمق البحار ويتصرفون بنفس الطريقة. من الشقوق تصعد المصهورات الى الاعلى وتبعد التي سبقتها الى الحوانب وبهذه الطريقة يتكون سطحاً جديداً ويتوسع. المصهورات المتجمدة تتآلف بشكل اساسي من البازلت الذي يعتبر الاكثر شيوعاً في قيعان البحار. الطبقة البازلتية التي تتشكل اليوم في منطقة عفار ستكون بعد مليون سنة قاعاً للبحر القادم، مع العلم ان مليون سنة تعتبر فترة قصيرة للغاية بالمقاييس الجيلوجية.


سبتمبر واكتوبر من عام 2005 جرت نشاطات جيولوجية عنيفة ، كالهزة الارضية وانفجار البراكين وصعود المصهورات من باطن الارض. في يوم واحد من شهر سبتمبر عام 2005 ظهر شق بطول 500 متر وعمق 60 متر. في ذلك اليوم، ليس فقط المصهورات خرجت من هذا الشق بل ايضا ابخرة الماء الحارة التي وصلت درجتها الى 400 درجة مئوية وابخرة الكبريت المقرفة، ولاتزال تنبعث حتى اليوم. في خلال ثلاث اسابيع اهتزت المنطقة 60 مرة بالزلازل الارضية واحد البراكين ارسل الى الجو من الرماد مايكفي لحجب الشمس لمدة ثلاثة ايام بلياليها.

هذا الشكل من التكون الجيلوجي للمنطقة هو نتائج الصفات الخاصة التي يملكها الرصيف القاري الذي تتموقع عليه المنطقة. المنطقة تتميز بكونها مكان إلتقاء رصيفين قاريين، الرصيف الافريقي والرصيف العربي الذي ترقد عليه شبه الجزيرة العربية. كافة القارات والبحار ترقد على رصيف من الارصفة القارية المتحركة. الرصيف الافريقي الواقع الى غرب الرصيف العربي يجر نفسه مبتعداً عن الرصيف العربي، وبسبب هذا الانجرار العنيف تتطاير اجزاء من اطراف الرصيفين، والمنطقة الواقعة بينهم تصبح اطول وارق تماما كما يحدث مع اللبان (العلكة) الذي يجري سحبه عن بعضه من الطرفين الى ان ينقطع.

لهذا السبب تصبح منطقة عفار اطول وارق كما نرى في الصورة الجوية. منذ الان اصبحت هناك الكثير من المناطق تقع تحت مستوى سطح البحر بأكثر من مئة متر، وفقط المناطق المرتفعة قرب البحار هي التي تحميهم من تدفق الماء اليهم. ظاهرة التعرية والنشاط الجيلوجي المستمر سيؤدون الى القضاء على هذه المعوقات في طريق الماء قريباً، ويقدر العلماء الفترة بحوالي مليون سنة. القطعة الجنوبية (التي ستنفصل) من الرصيف الافريقي تقع المنطقة النوبية والصومالية. في هذه المنطقة تظهر آثار العلمليات الجيلوجية ببطء كما انها لازالت غير مدروسة بعمق من قبل العلماء لذلك لاتوجد توقعات كافية عن مستقبلها.

مايعرفه العلماء اليوم ان الرصيف القاري ليس وحده يستطيع خلق البحر الجديد. هنا تتداخل العديد من القوى وتتكاتف مع بعضها من اجل خلق البحر الجديد. من اجل ان تتمكن المصهورات من التسلل والصعود من خلال ثنايا الشقوق يجب ان تتكون اولا حجرات هوائية تتجمع في البداية المصهورات فيها. قوة الرصيف القاري لوحدها ليست كافية من اجل إجراء هذه العملية، ولذلك يشير الجيلوجيين الى ظاهرة جيودينميكية اخرى قادرة على هذا الفعل وهي البقع الحارة.

على الارض يمكن ان نرى بقع تشبه الفوهات البركانية. الفرق بينهم يوجد في داخل الارض، إذ ان البقعة البركانية مرتبطة بأعماق الارض مباشرة. البقع البركانية الحارة تظهر بفضل البخار الحر القادم من باطن الارض الذي يجعل التربة جافة وتزداد تشققاً لتصبح ممراً عامودياً للمصهورات مخترقة الرصيف القاري والقشرة الارضية. هذه البقع البركانية كان لها الفضل بتشكيل جزر هاواي وايسلند. الممرات التي تشكلها البقع البركانية تسبب الخطوة الاولى بإتجاه فتح الممرات للمصهورات .


مجموعة من الجيلوجيين من مختلف انحاء العالم يتابعون بإنتباه التتطورات عن قرب، ومن بينهم العالم الانكليزي الشهير Cynthia Ebinger من جامعة هالوواي الملكية. الابحاث والملاحظات تجري بالتعاون مع عدد كبير من المؤسسات العلمية حول العالم. المنطقة فارغة تقريبا من السكان بسبب جفافها وانتشار الاملاح فيها ويقطنها بعض البدو بصعوبة بالرغم من ان له جذور عميقة في هذه المنطقة، إذ انها المنطقة التي عثر فيها العلماء على اصل الانسان المسمى Australopithecus afarensis وتمت تسميته على اسم المنطقة. والنموذج الاشهر لهذا النوع من الانسان هو الهيكل العظمي المسمى لوسي، والتي عاشت في المنطقة قبل 3-3,9 مليون سنة. منذ عهد لوسي بدأت الارض بالتغيير وتشكلت البقع البركانية التي اسست لتحول المنطقة الى قاع من الصخور البركانية المميزة لاعماق البحار بإنتظار إنغماره بالماء.

كافة المصادر تجونها على الرابط التالي:
http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Gio...Sience-0003.htm
مصادر:
afar-depression
ethiopia.html
asterweb.jpl.nasa.gov
tectonics.htm
afar.html
geologists-witness-possible-birth-of-an-ocean-basin/
tektonik
cont_drift.html
Illustrerad vetenskap nr.3/2007 s.31-33

يعطيك العافية ياطريف على ما تقدمه من موضوعات ووثائق علمية حديثة ومميزة .
تحياتي

اقتباس:  نبيل حاجي نائف   ك ب/ك ب   يعطيك العافية ياطريف على ما  قدمه من موضوعا  ووثائق علمية حديثة ومميزة . حيا ي

العزيز نبيل سعيد لوجودك، وسعيد لاهتمامك. احاول سد ثغرة كبيرة في المكتبة العلمية العربية تؤثر بوضوح على طريقة تفكيرنا الغريبة واولوية اهتماماتنا.