أعجبني نادي الفكر في ثوبه الجديد

مبروك لجميع الأعضاء هذا النادي العريق في حلته الجميلة

. . . . . . . .
إن الحمد لله نستعينه ونستهديه
ونعوذ به من شرور أنسفنا
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن القرآن حق وكل ما نطق به حق لا ريب فيه وأن الساعة آتية لا ريب فيها فاصفح الصفح الجميل.
يقول الحق عز وجل شارحًا أسس الدعوة إلى الحق:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران
ويقول مبينًا سبحانه وتعالى مباديء التعامل بين المسلمين:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح

نواصل

أول من ضّعَّفّ روايات في البخاري هي السيدة عائشة على حد علمي.
كيف هذا؟
عندما نقرأ روايات في البخاري أرقام 1208 و 1210 و 1221 و 1536 وفي مسلم أرقام 1536 و 1539 و 1540 و 1545 ولنأخذ منهم مثالين:
1210 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ تَابَعَهُ عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَقَالَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ. (البخاري)

1539 - و حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ. (مسلم)

عندما سمعت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها هذه الروايات حكمت عليها بصحة السند ونكارة المتن:

1543 - حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ... قَالَ أَيُّوبُ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَتْ إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِّي عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلَا مُكَذَّبَيْنِ وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ. (مسلم)

1546 - و حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ قَالَ خَلَفٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ. (مسلم)
1548 - و حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا. (مسلم)

والسيدة عائشة هي أم المؤمنين التي كان القرآن ينزل على رسول الله في بيتها كما كانت تسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة أو ممن حوله:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34) سورة الأحزاب
ها هي تحكم على 8 روايات (4 في البخاري و 4 في مسلم) بالنكارة وتبين السبب أنه يمكن للراوي الثقة أن يخطيء التعبير أو يخطيء السمع أو يسهو أو ينسى. هذه هي طبيعة البشر التي فطرهم الله عليها. هذه هي سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلًا ولن تجد لسنة الله تيدلًا.
[size=4]

والأعجب وليس بعجيب بعد أن عرفنا أن هذا من طبيعة الإنسان أن من الذين نقلوا عن السيدة عائشة وقعوا في خطأ من الصعب وقوع بشر فيه إذا توقف فتأمل قبل أن يتكلم:

فَقَالَ (الرسول ص) أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ. (مسلم)
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ أَوْ بِذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ. (مسلم)
مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا لَيُعَذَّبُ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. (سنن أبي داود)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مَاتَ يَهُودِيًّا إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ. (سنن الترمذي)
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا لَيُعَذَّبُ الْآنَ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. (مسند أحمد)
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَهُودِيَّةٍ إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ. (مسند أحمد)

هذه الروايات تقول نقلًا عن السيدة عائشة: " إِنَّ هَذَا لَيُعَذَّبُ الْآنَ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ
" وهذا منطقي يتماشى مع استشهاد السيدة عائشة بقول الله تعالى "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"
لكن ما يلي خطأ تمامًا في النقل عن السيدة عائشة:

وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (البخاري)
وَلَكِنَّهُ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللَّهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا. (البخاري)
إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا. (الموطأ. رقم 494)
وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ لَيَزِيدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا. (مسند أحمد)

لماذا النقل خطأ هنا؟ لأنهم يسوقون استنكار السيدة عائشة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه مستشهدة بقوله عز وجل: "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" وفي نفس الوقت يثبتون أنها تقول العكس تمامًا في قولهم على لسانها: "إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ."

بل يخطئون في النقل عنها في شخصية الميت. هكذا:
صحيح مسلم:
1546: جنازة يهودي
1547: رجل يعذب بخطيئته أو بذنبه
1548: يهودية تعذب في قبرها
صحيح البخاري:
3681: رجل يعذب بخطيئته أو بذنبه
1207: يهودية تعذب في قبرها.

2722: رجل يهودي يعذب في قبره (سنن أبي داود)
925: يهودي في القبر (سنن الترمذي)
927: يهودية قد ماتت (سنن الترمذي)
مسند أحمد:
4719: قبر رجل
23928: رجل كافر
25205: قبر رجل يهودي

3188: قبر يهودية (صحيح ابن حبان)
1584: يهودية ماتت (سنن ابن ماجة)

ليسوا كذبة

ولكن السمع يخطيء

Array

وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (البخاري)
وَلَكِنَّهُ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللَّهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا. (البخاري)
وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ لَيَزِيدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا. (مسند أحمد)

مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا لَيُعَذَّبُ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. (سنن أبي داود)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مَاتَ يَهُودِيًّا إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ. (سنن الترمذي)
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا لَيُعَذَّبُ الْآنَ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. (مسند أحمد)
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَهُودِيَّةٍ إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ. (مسند أحمد)

القسم الأول والذي لونه أحمر يقول على لسان السيدة عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه.
والقسم الثاني والذي لونه أزرق يقول على لسان السيدة عائشة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت كان يُعَذَّب بينما أهله يبكون عليه، أي على فراقه لا على تعذيبه. أي أن تعذيبه هو لكفره ولذنوبه وليس ناتج عن بكاء أهله. ومن هنا وقع اختلاف كبير بين القسمين كما ترى.
فما رأيك أخي الفاضل الكريم؟
وأكرر أن الأخطاء في كتب الروايات لا تحسب على الإسلام لأنها كتب بشرية بمبادرة بشرية صرفة لا دخل للوحي ولا للإلهام فيها البتة.
ثانيًا: وهو الأهم: لا تترك هذا النادي أخي أبي عاصم فإننا لا يمكن أن نستغني عن جهودك. ولا تكن كصاحب الحوت عليه السلام الذي عاتبه الله لما ترك الدعوة ظانًّا أنه على صواب في قراره بمغادرة المكان.

[/quote]
أولا: نعتذر عن تأخر الرد، وذلك أن الأمر احتاج مني مراجعة أهل اللغة، كما وأني وجدت المنتدى معطلا أكثر من مرة، ثم لما جئت أكتب الرد وجدت معرفي معطلا ولا يعمل.
ثانيا: هذه الآثار لم تقع في موقع واحد فيما أرى أو في وقت واحد، فعلى سبيل المثال فإن الأثر الأول يرويه عن عائشة عبد الله بن عباس، وعن ابن عباس عبد الله بن أبي مليكة، وفيه رد واستدراك على سيدنا عمر، ولكن الثاني وإن كان بنفس معناه تقريبا إلا أن الخبر عن عائشة يرويه ابن أبي مليكة بلا واسطة، وفيه يستفسر عن خبر ابن عمر لا خبر عمر، وكأني به يراجع أم المؤمنين عائشة في تخطئتها عمر بن الخطاب بعد أن بلغه استدراكها من حديث ابن عباس عنها، لا سيما وقد وافقه ابنه بمعنى الحديث، بل قد روي الأثر بهذا المعنى عن أبي هريرة وابن مسعود، والناظر يجد أن سبب الخبر الأول كان نَوح صهيب على عمر والثاني نوح النساء على ابنة عثمان، الأول كان فيه سؤال ابن عباس لعائشة عن قول أمير المؤمنين عمر والثاني كان سؤال ابن أبي مليكة لها عن قول ابن عمر، فجاء جوابها عن عبد الله وأبيه عمر، واستدركت قائلة: "إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىء" وهذا الخبر ومن باب التصحيح في صحيح مسلم لا في صحيح البخاري، وكذا الحال بالنسبة للخبر الذي فيه ذكر اليهودي وجنازته، والتي قال في شأنه عليه الصلاة والسلام: (أنتم تبكون وإنه ليعذب) وفي رواية: (إن الميت ليعذب وإن أهله ليبكون عليه) فالحادثة تتكرر والجواب يتنوع وفق حوادث شتى عاينتها أم المؤمنين عائشة، تدور كلها على عذاب الكافر دون المؤمن ببكاء أهله عليه.
ثالثا: لبيان الصورة لا بد من ذكر ما توصلت إليه من مراجعة هذه الأحاديث وإن كان فيها شيء من العجلة والعجالة، فأقول بعد حمد الله:

1- لا يعذب أحد بالبكاء الذ لا نوح فيه، ودليله خبر عمر: (ببعض بكاء أهله عليه) والذي كان واقعا إثر نوح ونياحة صهيب في قوله: "وا صاحباه" وأما خبر ابنه عمر فكان تعليقا على نوح النساء على ابنة عثمان وإن لم يفصل كما فصل أبوه رضي الله تعالى عنهما.
2- إن المؤمن الذي هو في سلم الدرجات أعلى من المسلم لا يعذب ببكاء أهله عليه ولا بنواحهم كما قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وذلك للآية الكريمة التي ذكرتها رضي الله تعالى عنها (ألا تزر وازرة وزر أخرى).
3- المسلم العاصي الذي لم يلزم أمر الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) يعذب بعد موته ببكاء أهله عليه إذ لم ينههم عن هذا المنكر في حياته، أو كان طلب إليهم هذا الفعل وحضهم عليه بعد مماته، كعادة أهل الجاهلية، قال طرفة بن العبد: إذا مت فانعيني بما أنا أهله *** وشقي علي الجيب يا ابنة معبد قلت: وهذا أمر لا يتصور في حق الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عنهم ولا من بلغوا درجة الإيمان، ولعل هذا كان علة نفي الخبر من أمنا عائشة.
4- الكافر يعذب بخطيئته، خطيئة الكفر، التي هي سبب البلا كله، وسبب وقوع أهله في النواح عليه بعد موته.
5- ما جعلته باللون الأزرق لا يعارض ما كان باللون الأحمر، والكلام لا يفهم منه إلا أحد أمرين اثنين، إما أن يكون أصحاب الميت قد علموا بعذابه فهم يبكونه لهذا، وإما أن يكون عذابه إنما كان لأجل بكائهم عليه، فأما الأول فلا يصح وذلك أن الخطاب إنما كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأولئك النفر من اليهود، لا سيما وأنهم لا ينوحون لأجل خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا يبقى معنا إلا الاحتمال الثاني، وهو أن هؤلاء كلما زادوا نوحا ونواحا كلما زاد عذاب صاحبهم اشتدادا، وهو كقول القائل: إن السجين ليضرب وإن أهله ليشتمون سجانه. فالسجين هنا إن كان عرف أهله بضربه فشتمهم للسجان لأجل هذا، وإن لم يعلموا فضرب السجان لسجينه إنما هو ردة فعل على شتمهم له، وشتمهم للسجان إنما هو لسجنه.

أشكرك أيها الزميل الفاضل
وأنتظر بقية تعليقاتك على الخطأ في شخصية الميت وكذلك في تضعيف السيدة عائشة لكل رواية تقول بتعذيب الميت ببكاء أهله عليه.

واسمح لي ان أضع بضعة مداخلات عن عمر السيدة عائشة:

مما سبق يتضح تمامًا الخطأ الفاحش عندما ينسب قصار النظر أخطاء الرواة إلى الراوي الأول. ويثبت تمامًا قانون تغير الرواية الشفهية على مر السنين والأجيال. ولننظر في مثالٍ آخرٍ:
3605 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. (البخاري)
3607 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. (البخاري+ روايات أرقام 4738 و 4739 و 4761)
هذه الروايات تحدثنا أن السيدة عائشة كان عمرها 6 سنوات حين تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها حينئذٍ. وتؤكد رواية البخاري الأخيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبن بالسيدة عائشة إلا بعد قدومه المدينة بثلاث سنين تقريبًا. وروايات مسلم تؤكد أنها بلغت السابعة من عمرها وعلى لسان نفس الراوي الأول مما يؤكد تغير الرواية عبر الأجيال:
2549 - و حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ. (مسلم)

لكن عندما ننظر فيما يلي:
4341 - و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَا يَرَى شَيْئًا وَثَمَانَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. (مسلم)

3613 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. (البخاري + الرواية رقم 3562)

الروايتان في مسلم والبخاري على لسان ابن عباس لنعلم علم اليقين أن غالبية الأخطاء في الروايات لا يتحملها الراوي الأول.
الرواية الأولى: 40 + 15 + 10 = 65 عمر النبي حين تُوُفِّيَ.
الرواية الثانية: 40 + 13 + 10 = 63 عمر النبي حين تُوُفِّيَ.

لو أخذنا بالرواية الأولى يكون عمر السيدة عائشة 20 عامًا حين توفي عنها الرسول عليه الصلاة والسلام، ويكون عمرها حين بنى بها 12 عامًا بالتمام والكمال. والرواية الأولى تؤكدها روايات صريحة أخر أن النبي مات في الخامسة والستين: