ما نشرته «معاريف» عن مطالبة شيراك اسرائيل باجتياح سوريا لاسقاط النظام:
اذا كان صحيحاً - وقد تحدت معاريف من يكذبه - فانه يستحق وقفة غضب من قمة الرياض المقبلة
واذا لم يكن صحيحاً كان على شيراك ان يسارع لاثبات عدم صحته قبل ان يلعبه اللاعبون
وسام شيراك للشيخ سعد وتزامنه مع خبر طلب شيراك احتلال اسرائيل لسوريا ...
هل هو تهيئة الاجواء لتقبل عدوان اسرائيلي فعلي تتبرع باريس بتحمّل تبعاته الاخلاقية
لا يشعر اللبنانيون باليُتم اذا غاب صانع القرار 1559 الذي تسبب بكل التداعيات
الا اذا كان شعورهم بالقيم الفعلي من جانب عائلات ضحايا الحرب التي تسبب بها القرار 1559
من هما اللذان اذا اجتمعا يجب التفرقة بينهما ومن هما اللذان «يدقان عطر منشم» بين القبائل؟
صحيفة «معاريف» الاسرائيلية، وان كانت صحيفة معادية، فانها لا يمكن ان تجازف بنشر خبر خطير من النوع الذي نشرته حول طلب شيراك من اسرائيل ان تقوم بهجوم على سوريا لاسقاط النظام فيها. فاذا كان الخبر صحيحاً فما هو موقف سوريا من هذه المعلومات الخطيرة؟، واذا لم يكن صحيحا فلماذا لم يصدر شيراك بيانا واضحا يكذّب فيه الصحيفة الاسرائيلية؟
قد يقال: انه خبر يستهدف الوقيعة بين دمشق وباريس، وربما لقطع الطريق على أية محاولة تكون جارية فعلا، او قد تجري في المستقبل، لاصلاح العلاقات السورية - الفرنسية. ولكن اذا كان الخبر صحيحاً، فهذا لا ينفي خطورته: فشيراك رغم اعلان عزمه على عدم الترشح مجدداً للبقاء في الاليزيه، لا يزال الان رئيسا لجمهورية فرنسا، ومن المفترض ان تطلب دمشق من باريس ان تقدم ايضاحا حول ما نشرته الصحيفة الاسرائيلية، وعلى هذا الايضاح يتوقف مصير العلاقات السورية - الاسرائيلية سلباً او ايجاباً. ومن المفارقات ان يتم نشر هذا الخبر، في حين كان آل الحريري واصدقاؤهم المفضلين، يحتفلون بتسليم الشيخ سعد رفيق الحريري وساماً فرنسياً عالياً. طبعاً لن يكون هذا الوسام مكافأة للشيخ سعد على ما اسداه للعلاقات الفرنسية - اللبنانية من اياد بيضاء، بل واضح ان الوسام هو «عربون وفاء» لروح الشهيد الرئيس رفيق الحريري من جانب الرئيس شيراك شخصياً. اما فيما يتعلق بالشيخ سعد فانه لو كان الآن رئيسا لوزراء لبنان، او رئيساً لجمهورية لبنان عن المسيحيين! وهو الذي يمتلك المواصفات المفترضة في رئيس الجمهورية المسيحي، كما يراها احد اكثر الحريصين على توفر مواصفات معينة في الرئيس المسيحين، ولكن ما دام الشيخ سعد - رغم زعامته للاكثرية «الاربعطعشية»! - فانه لا يستطيع ان يمنح باسم الدولة اللبنانية اعلى وسام لبناني للرئيس شيراك، نعم يستطيع ان يوكل هذا الامر - اذا كان متعجلا للرد على الوسام الفرنسي بوسام لبناني! - الى الرئيس السنيورة، مادامت مقاليد الدولة كلها قد تمركزت في يد «قائد لبنان التاريخي» فؤاد السنيورة، بموجب مرسوم صادر عن البيت الابيض، الذي قرر في ساعة كرم اميركي غير مسبوق، منح «واليه» على لبنان فؤاد السنيورة صفة الديمومة في هذا المنصب، حتى لو كانت كل بنود الدستور اللبناني ومعها اغلبية الشعب اللبناني تصرخ مؤكدة بعدم شرعيته...
ولقد كان من حسن حظ لبنان، ان يكون الاسرائيليون «اعقل» من شيراك فلم يقدموا على مغامرة غير محسوبة، هم انهم لا يقدمون على هجوم لحساب احد، بل يقومون به لو رأوه مناسبا لحسابهم، ولا يزال «شبح» ما حدث لهم في تموز ماثلا امامهم بآثاره الكارثية! فاسرائيل تعوّدت هي ان تقرر وتطلب من الآخرين ان يدعموا قرارها وقد ترى هي من المناسب ان يشاركوها في العدوان على ان تكون محصلة العدوان لحسابها، اذا كانت محصلة ايجابية! اما اذا كانت نتائج كارثية كما حدث لها في جنوب لبنان خلال تموز الماضي، فانها تبث ايحاءات بأن واشنطن كانت محرضة على القيام به، فاذا كان هنالك من يحقد على اسرائيل فليحقد على اميركا اولا!
ففي عام 1956 تم العدوان الثلاثي، الذي شاركت فيه فرنسا، لان اسرائيل زينت لها «مصلحتها» في هذا العدوان، كون مصر داعمة للثورة الجزائرية بالمال والسلاح، وقد وصل من قناعة باريس بهذا المنطق درجة ان قال جاك بينو وزير الخارجية الفرنسي في حكومة غي مولليه الاشتراكية، بانها تشترك في الهجوم على مصر لتضع على ضفاف السويس حداً للثورة في الجزائر! اما في القضية التي تحدثت عنها «معاريف» والتي «تطوع» شيراك رئيس فرنسا لاقناع اسرائيل بها وهي الهجوم على سوريا، فانه لم تتوفر لفرنسا مبررات المشاركة في عدوان تدعو باريس اسرائيل للقيام به: فلقد بدا طلب شيراك من اسراذيل القيام بهذا العدوان مزيّناً لاسرائيل مصلحتها في القيام به، لانها اذا استطاعت بواسطة العدوان الاسرائيلي ازالة النظام في سوريا، ومجيء حكومة سورية يضعها الاحتلال الاسرائيلي على «عينه» فان اسراذيل ترتاح من حزب الله والمقاومة بالسلاح، كما تستطيع الخلاص من مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق، وتقوى شوكة «اعداء سوريا» في لبنان، بحيث تصبح يدهم هي العليا، ويستولون على السلطة كلياً، وتكون الضربة مزدوجة. بحيث تتخلص اسرائيل من «قوى الممانعة» في سوريا ولبنان على السواء! ويكون ذلك تحقيقاً لما تصبو اليه اسرائيل من السير قدماً في «اعادة ترتيب الاوضاع في الشرق الاوسط» كله، وهو ما سبق ان اعلنت واشنطن ايضا بأن «هدفها الاساسي» من دعم «حرب اسرائيل على لبنان» في تموز الماضي، هو ان يكون الانتصار على المقاومة مفتاحاً لامتلاكها الاسلحة على امتداد المنطقة!
وفي تصورنا ان هنالك ثلاثة احتمالات امام شيراك لمواجهة آثار ما نشرته معاريف: إما ان يطعن بصحة ما نشرته «معاريف»، ولكنه بذلك قد يعرض نفسه الى مزيد من المعلومات التي تعزز المعلومات التي نشرتها وتثبّت له بالدليل القاطع دقة المعلومات التي نشرتها، وفي ذلك مزيد من افتضاح امره امام شعبه خاصة، وامام شعوب ودول المنطقة عموما. واما ان يعمد الى ايجاد «صيغة» مع «معاريف» نفسها، تخفيفا للاضرار التي لحقت بسمعته. واما ان يكون مقتنعا بأن عدم الرد، سوف يسهم بتحجيم اهمية ما نشر، متكلا على ان العرب لا تزال تنطبق عليهم مقولة موشي دايان «للباري ماتش» التي سألته عما اذا كان لا يخاف عواقب ما سيطّلع عليه العرب من اقواله، فقال لها ما معناه: انا لا اخشى ذلك لأن قادة العرب قليلو القراءة والاطلاع، واذا اطّلعوا وقرأوا، فانهم لا يكلفون انفسهم عناء التفكير في مدى اهمية او خطورة المعلومات، اذا كانت هامة وخطيرة! واذا قرأوا وفهموا، فان قابليتهم العجيبة للنسيان كفيلة بأن تجعل ما يطلعون عليه من معلومات خطيرة عديم الاثر ولا يترتب عليه ردود فعل تذكر!
ولكن على كل من الشيخ سعد الحريري والاستاذ جنبلاط ان يشعرا بالرضى عن نفسيهما بأن «افكارهما» قد وصلت في وقت من الاوقات درجة ان يقتنع بها سيد الاليزيه ولو كان في «الهزيع الاخير» من ولايته الاخيرة، فمن اجل اشباع الرغبة في الانتقام المسبق من النظام السوري التي نادى بها علناً كل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والشيخ سعد الحريري الذي وجه في اللحظات الاولى اصابع الاتهام الى دمشق في ما حدث «للرئيس الشهيد»، سمح الرئيس الفرنسي - دون تشاور حتى مع حزبه ومتجاوزا الجمعية الوطنية الفرنسية والرأي العام الفرنسي - ان يطلب من دولة يعتبرها ثلاثمائة مليون عربي مغتصبة لاقدس ارض عندهم، ان يجتاح بلداً آخر، ليس لأن هذا البلد ارتكب عملاً عدائياً ضد فرنسا، ولا ابدى في يوم من الايام رغبة في ان يكون بينه وبينها جفاء او توتر في العلاقات بل كان هذا العداء او الجفاء من طرف واحد، لا نستطيع ان نقول انه الطرف الفرنسي كدولة او شعب، بل من طرف الرئيس شيراك شخصيا ولاسباب لم تعد خافية على احد، وهي العلاقة الشخصية المميزة بينه وبين عميد اسرة الحريري الرئيس الشهيد واسرة الحريري، والتي يمكن ان يُشكر الرئيس شيراك عليها شخصيا، كدليل على وفائه لهذه العلاقة المميزة سواء كان تميّزها ثمرة الاعجاب المتبادل بين شخصيهما ام بسبب انعكاسات هذه الصداقة الحميمة على القضايا العامة، فلقد سبق ان برر الرئيس شيراك خلال زيارة قام بها الى لبنان في مكان علني وفي البرلمان اللبناني على وجه التحديد الدور الذي اوكل الى دمشق، لاعادة نهوض لبنان من ركام الحرب العبثية. وقد لعب الرئيس الحريري في وقت من الاوقات دوراً بنّاء في توطيد العلاقات بين الرئيسين شيراك وحافظ الاسد. وهذه العلاقات بين البلدين يفترض ان تستمر الا اذا اصابها ما يزعزعها من امور مباشرة تتعلق بالبلدين، اما ان تتوتر العلاقات بينهما ولدرجة ان يطلب رئيس فرنسا من دولة لها «سجلها الدامي العدواني والاغتصابي» تجاه العرب، وتجاه قضية العرب الاولى فلسطين، لتحتل سوريا وتقلب نظامها، دون ان يكون هذا النظام اساء لفرنسا اية اساءة مباشرة، فان مغامرة الرئيس شيراك بعلاقاته مع النظام السوري، واستتباعا مع شرائح واسعة من الرأي العام في المنطقة العربية كلها، دون «ممسك» على سوريا يثبت اساءتها مباشرة لفرنسا، فهذا يؤكد ان سبب العداء منحصر في «وفاء» شيراك لشخص الرئيس الحريري ومشاركته عائلة الحريري اعتقادها بدور لسوريا في المصير الفاجع الذي حدث للرئيس الشهيد، ولا ندري اذا كان هذا الامر مبرر في العلاقات الدولية او له سابقة. واذا صح ما نشرته «معاريف» حول طلب شيراك من اسرائيل غزو سوريا لاسقاط نظامها، فمعنى ذلك ان اخلاصه لحقوق الانسان واستنكاره لما يعتقده من مسؤولية لسوريا فيما حدث للرئيس الحريري، وان هذا يدفعه لان يتخذ هذا الموقف العدائي الذي لو حدث بالفعل، لطالت آثاره سوريا كلها وشعبها وليس النظام وحده، ولكانت سوريا قد تعرضت لما هو اسوأ مما حدث للبنان كبلد ووطن وشعب وبنى تحتية وارواح بريئة، وان كان المستهدف هو المقاومة وحدها او رئيس لبنان الذي حظي بالعداء من شيراك استتباعا للجفاء الذي كان ينتاب العلاقات بين الرئيسين لحود والحريري.
ولقد كان الكثيرون يتوقعون مثلا ان تكون ردة الفعل السورية استدعاء السفير الفرنسي الى وزارة الخارجية السورية لكي يستوضح حكومته عن صحة ما نسب الى الرئيس شيراك. وفي حال ثبوت صحة ما نسب اليه، فان اقل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من الجانب السوري كما كان يمكن ان يحصل بين اية دولةتعرضت لتحريض على غزوها من جانب دولة اخرى معادية لها، وان يكون المحرض على العدوان رئيس لدولة اخرى، لم تتعرض لأية اساءة من جانب الدولة المستهدفة بالعدوان المقترح، ان اقل ما يمكن ان يحدث هو ان تعمد الدولة المستهدفة الى قطع العلاقات مع الدولة التي سمح رئيسها لنفسه ان يطلب هذا الطلب، دون تبيان اسباب مباشرة لبلده في التحريض على هذا العدوان، وحتى لو كان ما تعرض له رئيس وزراء بلد صديق له من مصير فاجع، ومن منطلق ان هذا النظام في نظره ليس مراعياً لحقوق الانسان او ان لمخابراته واجهزته ضلع فيما حدث لرئيس الوزراء الصديق وهو يرى انه لا يجوز بقاء ذلك النظام لانه في نظره معاد لحقوق الانسان - وهذا غير وارد مبدئيا، لانه عندما نادى بالصداقة مع نظام هذا البلد خلال خطاب القاه في برلمان لبنان، لم تكن طبيعة النظام ونهجه واداؤه مختلفة عما هو عليه الان..
واذا كان يجوز اجتياح اي بلد لاسقاط النظام فيه، مهما كانت العواقب على شعب ذلك البلد، فلماذا اذاً عارض شيراك العدوان على العراق، رغم ان المظالم التي ارتكبها ذلك النظام، لا يفوقه في ارتكابها اي نظام آخر ربما في التاريخ، بل لا يفوق مظالم نظام صدام الا ارتكابات الانظمة «الديموقراطية» التي ترفع شعارات العداء للديكتاتوريات والانظمة الشمولية، ثم ترتكب هي اضعاف ماتدّعي انها ضد ارتكابه! والشاهد على ذلك، ما يحدث في العراق على يد جيش الاحتلال بشهادة الإعلام الاميركي نفسه واعترافات العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الاميركيين داخل الادارة الاميركية بالذات، وهي شهادات واعترافات لا تتعلق باخفاقاتهم في اقرار الامن والاستقرار في العراق وتزايد ضحايا الارهابَين: الارهاب العسكري الاميركي، وارهاب التكفيريين، وهما ارهابان يتسابقان «كفرسي رهان» للوصول الى النتيجة نفسها : وهي ان تصبح الاجواء مهيأة في العراق، لجعل تقسيم وتجزئة الكيان العراقي امراً واقعاً، وان كان هنالك في الادارة الاميركية من لديه «نوايا حسنة» تتعلق بوجوب الحفاظ على وحدة العراق، فانه يقولها لانقاذ المظاهر، وعلى اعتبار ان بلداً متحداً بعناصره الاتنية والدينية والثقافية ويضم مئات الجنسيات والقوميات والمذاهب، ولا يمكنه من ناحية اخلاقية ان يجاهر بتبني الطروحات التفتيتية، بدعوى منح «حرية تقرير المصير» لهذه المجموعات التي يتألف منها المجتمع المدني الاميركي الموحد، والولايات المتحدة لم تكن كيانا واحداً ثم تخلى هذا الكيان عن وحدته ليتبنى نظاما فدراليا، بل كانت ولا تزال مجموعات اتنية متفرقة كل منها ينتمي الى اصل يختلف عن انتماءات المجموعات الاخرى. ومع ذلك امكن جمعها في كيان متحد. والولايات المنتمية الى الكيان الفدرالي المتحد، لا يؤلف كل منها انتماء منفصلا عن انتماء الولايات الاخرى، بل كل ولاية سكانها خليط من شتى الاتنيات والانتماءات العرقية والدينية والثقافية فهي اذا انتمت الى نظام فدرالي، فان فدراليتها لم تتم على اساس عرقي او اتني او مذهبي، بل انها فيديرالية ادارية لا يستطيع اي جزء منها ان يتصرف بالنسبة للقضايا الاساسية المصيرية دون العودة الى الحكم المركزي بل انه في مثل حالة اميركا فان الصيغة الفيديرالية ربما تكون انصهارية اكثر من اي انصهار في اي كيان موحد وغير فيديرالي!
ونعود الى موضوع لقاءات باريس بين اطياف تنتمي الى قوى 14 آذار بمناسبة «الوسام الشيراكي» للشيخ سعد، فنرى ان «المناسبة» ليست هي الهدف الاساس للقاءات. بل يمكن القول ان مناسبة الوسام كانت وسيلة «للاجتماع الاكثري الباريسي» الذي يستعيد فيه الشباطيون «تهاويل» المرحلة الاولى التي كانوا يزعمون فيها ان لقاءاتهم الباريسية كانت «اضطرارية» لان حياة كل واحد منهم كانت مهددة، وقد رأينا انهم عندما اقتضت «الضرورة الميدانية» حضورهم من باريس الى بيروت، سارعوا للحضور «زرافات ووحدانا» وقد غادرهم الخوف على «الحياة الغالية» لكل واحد منهم!
وهذا يذكّرنا بما كان يقال عن اثنين في التاريخ العربي كانا يتناجيان فيما بينهما كيداً لفريق يعتبرونه حجرعثرة في طريق مصالحهما السلطوية، بأن هذين «الفلانين» اذا رأيتموهما مجتمعَيْن، ففرّقوا بينهما لانهما لا يجتمعان لانشاء السلام بين القبائل، بل لاثارة الاحقاد والإحن! فيتلذذان برؤية الناس منقسمين متنازعين، حتى رتقت العلاقات بين «القبائل» بعد ان «دُقّ بينها عطر منشم» وهو «عطر» يؤدي الى عكس ما يوحيه اسمه، وقد سمي عطرا من قبيل تسمية الشيء بضده، فلقد كان لهذا «العطر» رائحة كريهة فاذا أريق من قارورته، فان الناس المجتمعين يتفرقون هربا من رائحته الكريهة!
ونخشى ان تكون «عصبة باريس» ابت ان يغادر الرئيس شيراك قصر الاليزيه، الا وان ينطبق عليه المثل القائل: «يا رايح كتر من الملايح»! وصحيح ان بادرته الطيبة تجاه الشيخ سعد ترمز - كما قال الشيخ سعد في كلمته الموجزة - الى «وفاء» للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولكن ما عكّر هذه المناسبة الطيبة، هو «الروائح الكريهة» التي فاحت في وقت متزامن مع ما نسب الى الرئيس شيراك من تحريض اسرائيل على اجتياح سوريا، وهو امر قد اشاع السخط على شيراك حتى من جانب اشد المحبين لفرنسا. وقد عكّر صفو هذه المناسبة التي ترمز للوفاء لذكرى الرئيس الحريري التي لا تستحق ان يدق على موازاتها «عطر منشم» الذي تطيح كراهية رائحته بجمال وصفه!
واما قول الشيخ سعد بأن اللبنانيين «سيشعرون باليتم من بعده» وان كان معناها النبيل ينمّ عن شعور عميق بالامتنان تجاه الرئيس شيراك وهو مبادلة «وفاء بوفاء» الا ان اللبنانيين الذين رأوا الآثار المدمرة للقرار 1559 على وحدتهم الوطنية وما جره هذا القرار - الذي يباهي شيراك بأنه كان هو وراءه - من ويلات على لبنان وما تسبب من خلق اجواء توتر نفذ من خلالها القتلة ايا كانوا وايا كان الذين يقفون وراءهم.. كما ان هذا القرار افسح في المجال لاسرائيل ان تقوم بعدوانها الذي دمّر جنوب لبنان والضاحية والذي صرّح رئيس وزراء العدو انه قام بعدوانه الذي دمر فيه لبنان، تنفيذاً للقرار 1559. واذا صحّ فوق ذلك كله، ان الرئيس الفرنسي اضاف الى مآثره طلب اجتياح سوريا فانه يكون بذلك قد مهّد «لمقبّلات» العدوان على لبنان. وبذلك جعل اللبنانيين والاسرائيليين على السواء، يعانون من آثار هذا العدوان الذي كان للقرار المشؤولم الذي «اجترجه» شيراك هو الذريعة التي تذرع بها اولمرت لشن حربه الكارثية على لبنان، وبعد ذلك لن يشعر اللبنانيون ولا الاسرائيليون باليُتم من بعده. الا اذا كان بمعنى انه تسبب بقراره المشؤوم 1559. في ان يتم قتل المدنيين اللبنانيين الابرياء من اطفال وامهات ومدنيين بالمئات، الى جانب عوائل الشهداء، لا يشعرون باليتم لغيابه، بل لانه تسبب في تيتم من بقي حياً من عوائل ضحاياه!
ولولا «معزّةٍ» للشيخ سعد بعد أبيه عند الكثيرين من المنتمين الى قواعد تيار المستقبل لكان هؤلاء انضموا الى اية مطالبة من اللبنانيين جميعا لتقديم شيراك كمجرم حرب الى «المحكمة ذات الطابع الدولي» التي يسعى الشيخ سعد لانجازها والتي يجمع اللبنانيون على مبدأ قيامها، شريطة ان تكون مستقلة وعادلة وغير منحازة او مسيسة.. ولا يكون هدفها اعطاء ذرائع جديدرة للذين ينادون تارة باحتلال اسرائيل لبنان بموجب القرار 1559 وتدميره تحت عنوان تنفيذ هذا القرار، الشيراكي الاصل.. علماً ان حب شيراك للبنان تنطبق عليه مقولة «ومن الحب ما قَتَل!»، وهم يدعون اسرائيل لاحتلال سوريا وتدميرها وصولا الى اسقاط النظام. علماً ان تفاصيل الاقتراح الشيراكي الذي قدمه لاسرائيل والذي اوردت «معاريف» تفاصيله، متحدية من يكذبه، يقضي بضرب كل المواقع العسكرية والبنى التحتية السورية، التي تريد اسرائيل تدميرها، اكثر مما تريد استهداف النظام القائم في سوريا!
وكانت عقوبة القدر لشيراك ان يقول الاعلام الصهيوني، بأن اسرائيل رفضت تنفيذ هذا الاقتراح الشيراكي ووصفته «بالقذر»! والحقيقة انها رفضت تنفيذه لأن «دروس تموز» علمتها ان لا تُقدم على مثل هذه الحماقة - الكارثية!
محمد باقر شري
http://www.journaladdiyar.com/Article_Fr...x?ID=46804