المعارضة تتحرر من «فوبيا» النقاش المتصل بالمحكمة
خطاب نصر الله يستعيد المبادرة: ما بعده غير ما قبله
عماد مرمل
يمكن القول ان خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس الاول رسم خطا فاصلا بين مرحلتين، وبالتالي فان ما كان يصح قبله لم يعد كذلك بعده.
وبهذا المعنى، تبدو المعارضة وكأنها قد استعادت من خلال هذا الخطاب زمام المبادرة التي كانت الموالاة قد انتزعتها مؤخرا عندما بدأت بشن هجومها المبرمج والمنظم لـ«استعادة» مجلس النواب من يد الرئيس نبيه بري، سواء عبر الاعتصامات الاحتجاجية في مقره او عبر التصويب السياسي المركز على عين التينة، وصولا الى «الذروة» المتمثلة في رفع العريضة الممهورة بتوقع 70 نائبا «أكثريا» الى الامم المتحدة لتأمين هبوط المحكمة الدولية خلف خطوط المعارضة بواسطة مظلة مجلس الامن.
وبقدر ما كان وقع الخطاب ثقيلا على فريق الموالاة الذي لم يتأخر في الرد الشديد اللهجة على كلام «السيد».. كان مفعوله إيجابيا في أوساط المعارضة التي شعرت بان الامور عادت الآن الى نصابها بعد فترة من الضبابية، واكبت المساعي السياسية لإيجاد تسوية داخلية، وتمثل آخرها بالحوار الثنائي بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري، والذي كانت بعض قوى المعارضة تعترض أصلا على مضمونه «المنخفض السقف».
وعليه، فان الكثيرين في المعارضة ممن كانوا مضطرين لتفهم «الظروف التفاوضية» لحزب الله وحركة أمل من دون ان يكونوا بالضرورة متحمسين لها، وجدوا في كلام نصرالله تصويبا لمسار الصراع و«إعادة تموضع» ضرورية للاولويات بعد تبعثرها مؤخرا، وخصوصا في ما يتعلق بالخروج من «قمقم» الـ19ـ11 الى آفاق الانتخابات النيابية المبكرة او العادية على قاعدة انها أصبحت بمثابة الممر الالزامي لأي عبور نحو واقع جديد، ولم يكن صعبا بعد انتهاء «السيد» من خطابه رصد حالة «الانشراح» الواسعة التي سادت في صفوف قيادات المعارضة وقواعدها بعدما غامرها في الايام الماضية إحساس بان خللا ما قد أصاب محركات فريق 8 آذار.
ومن الواضح ان قرار «الاكثرية» برفع العريضة الى الامم المتحدة حرر المعارضة عموما وحزب الله خصوصا من آخر المتوجبات تجاه الوسطاء الباحثين في «قش» الازمة عن «إبرة» التسوية، والاهم ان خطوة هذا الفريق جعلت المعارضة والحزب أكثر وضوحا وجرأة في التعبير عن إعتراضاتهما على مشروع المحكمة الدولية الذي كان حتى الامس القريب يُقارب بشيء من الخجل والدبلوماسية.
وفي المقابل، فان اندفاع قوى 14 آذار الى لعب ورقة «العريضة» أدى بها ـ وفق قراءة معارضين ـ الى «حرق» واحدة من أهم ألأوراق المتبقية بحوزتها وبالتالي «الانكشاف» داخليا من غير ان تكسب حتى الآن مجلس الامن الذي بدا باردا في التعاطي مع المذكرة المحالة اليه، بالنظر الى تباين الحسابات بين أعضائه، مع رغبة روسيا في الحفاظ على مسافة مما يدور في لبنان وعدم حماسها لإقرار المحكمة تحت الفصل السابع.
ولعل من علامات التحرر من «فوبيا» النقاش المتصل بالمحكمة ان حزب الله دعا، وبصراحة هي الاولى من نوعها ربما، الى الافراج عن الضباط الاربعة الذين أطلق نصرالله عليهم تسمية «المعتقلين السياسيين»، معتبرا ان القضاء لا يملك جرأة الافراج عنهم، إضافة الى كلامه عن الاحكام المسبقة المعدة والتي يراد من نظام المحكمة تظهيرها فقط، ليستنتج بشكل جلي وغير مسبوق بان بعض ما ورد فيه لا مثيل له في الانظمة القضائية منذ آدم وحتى يومنا هذا.
ولئن كان هذا الموقف قد أثار ردود فعل عنيفة لدى الموالاة إلا انه ترك في المقابل أصداء إيجابية في صفوف المعارضة التي كانت ترتفع منها أصوات خلال النقاشات الداخلية تدعو الى الدفاع عن هؤلاء الضباط الموقوفين، لان فريق 14 آذار يحسبهم في التصنيف السياسي على المعارضة ـ كما يقول مصدر فيها ـ الامر الذي ينطوي على اتهام ضمني لها بانها شريكة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا يستوجب منها الدفاع عنهم بوضوح لانها بذلك تحمي نفسها بالدرجة الاولى وترد عنها التهمة.
وفي هذا الاطار، يؤكد قيادي بارز في حزب الله ان موقف السيد نصرالله تجاه مشروع المحكمة إنما ينطلق من الحرص على ان تكون العدالة نزيهة ومجردة من أي غايات سياسية، وصولا الى كشف الجناة الحقيقيين بعيدا عن الاحكام المعلبة والمعدة بالتواطؤ بين حكومة فؤاد السنيورة والاميركيين والفرنسيين.
وإذ يشدد القيادي على انه ليس من حق مجلس الامن إقرار المحكمة والقفز فوق الاطر الدستورية اللبنانية، يلفت الانتباه الى ان من شأن ذلك في حال حصوله ان يدفع الى التساؤل عما إذا كان لبنان قد دخل في طور الانتداب الدولي مع ما يجره من تداعيات وتبعات ستفرض نمطا من التعاطي يختلف عن النمط المعتمد في التعاطي مع حكومة غير دستورية.
وردا على تحدي البعض لحزب الله ان يقبل بإخضاع سلاح المقاومة للاستفتاء، كما يطالب باعتماده لقياس رأي الناس في كيفية حل الازمة السياسية الراهنة وفق ما اقترح نصرالله في خطابه، يؤكد القيادي ان الحزب مستعد لقبول هذا التحدي وإجراء استفتاء على سلاحه وأيضا على رئاسة الجمهورية وبقاء السنيورة في رئاسة الحكومة ، بل ان حزب الله يدعو الى اعتماده في الدستور ليكون المقرر في المسائل الكبرى التي يجري التنازع عليها
http://www.assafir.com/Article.aspx?Editio...p;ArticleId=659