ناهض حتر
في مثل هذه الايام من العام الماضي, راهنتُ, شفاهةً وكتابةً, على ان العدوان الاسرائيلي على لبنان سيمنى بالهزيمة.ولم يكن ذلك بالنسبة للكثيرين مؤكدا.في تلك الـ 33 يوما توهجتُ على نار البطولات في مغامرة فكرية بلا حدود, ضمها كتابي المشترك مع عبد الامير الركابي : " المقاومة اللبنانية تقرع ابواب التاريخ".كان المقاومون البواسل يعدون التاريخ العربي باختراق كبير ينتشله من البؤس الى دروب الحرية والتقدم.غير ان الكفاءة القتالية الاستثنائية لرجال حزب الله, لم تستطع تجاوز التكوين المذهبي للحزب الذي عجز, بالتالي, عن تثمير النصر على الحدود الى تغيير داخلي شامل.فالجدران المذهبية, كانت وما تزال تئد الثورة, وتحولها الى حرب مذهبية.
اقترحنا على حزب الله,ان يخرج من المازق اللبناني, من بوابة العراق, باعلان تضامنه الصريح مع المقاومة العراقية, ومبادرته الى جمع صفوف الوطنيين العراقيين من كل المذاهب تحت راية العروبة.لكن الحزب ظل اسير الدعم الايراني, الضروري ولكن القاتل سياسيا.
تبدو لي ماساة حزب الله, مثلما قدّرتها في حينه, كالتالي: حزب لينيني من حيث بنيته التنظيمية والقتالية, هزيمته غير ممكنة, وقدرته على التحشيد والصمود والقتال غير محدودة,لكنه محدود من حيث تكوينه الطائفي, بحيث لا يستطيع قيادة الدولة في بلد المحاصصة الطائفية و"العيش المشترك".وبينما كان وما يزال يستطيع كسر محدوديته الطائفية, فقط, بالصدام مع ايران في العراق, فان حاجته للايرانيين تمنعه من القفزة الاستراتيجية لواجهة حركة التحرر العربي.
على ان الدرس العسكري والقيمي الذي منحنا اياه ابطال حزب الله, يبقى مهما جدا من اجل المستقبل: ان بضعة الاف من المقاتلين الجادين المؤمنين, قادرون على الحاق الهزيمة بالقوة العسكرية الاولى في الشرق الاوسط, اي اسرائيل.
وتظل النتيجة الاساسية لحرب تموز ,2006 ماثلة : فشلت اسرائيل في محاولتها الجنونية ربما قبل الاخيرةـ للحفاظ على مكانتها الاستراتيجية المتاكلة وقدرتها الردعية المنكسرة.وهي ما تزال تعيش تداعيات الازمة المتفاقمة الناجمة عن انكشافها الامني بين قدرة صواريخ المقاومة على دك مدنها وشل حياتها اليومية, اي الانتقال بالحرب الى داخلها الضيق المحشور والكثيف السكان, وبين عجزها عن كبح المقاومين في المعركة.
لقد الغى ذلك الائتلاف الفريد بين الايمان وتكنولوجيا السلاح الروسي المعد للمقاومة, عصر الدبابة والهليوكابتر والسفينة الحربية.واذا كان لديك مجتمع قادر على احتمال قصف الطائرات, يمكنك حتما ان ترد العدوان, من انّى جاء! لكن, تبقى قدرتك على تحويل النصر العسكري الى نصر سياسي, تتطلب مستوى اخر من التكوين والاداء السياسي, غير ممكن الا لحزب علماني.
المقاومة اللبنانية بكل انجازاتها العسكرية ليست المثال الاهم.فمنذ الـ ,2003 يقاتل العراقيون باحتراف ومهنية وقسوة اذلت اكبر قوة عسكرية في التاريخ.ولكن المقاومة العراقية الجبارة من حيث تكتيكاتها وقوة نيرانها وفعاليتها القتالية, اصطدمت هي الاخرى, بجدار تكوينها الطائفي, ولذلك, فهي لم تستطع تثمير انتصاراتها العسكرية, سياسيا.فاستيلاؤها الضروري, كمقاومة, على القرار الوطني, وتاليا على السلطة, تحوّل, ويتحول, واقعيا, الى تحشيد طائفي, ويؤذن بالتقسيم او الحرب الاهلية.
في لبنان, المقاومة الباسلة المنتصرة شيعية,ولا تستطيع, بالتالي, ان تحسم الصراع الداخلي مع سلطة سنية!!
وفي العراق, المقاومة البطلة الذاهبة الى النصر سنية, لا تستطيع, كذلك, ان تحسم الصراع الداخلي مع سلطة شيعية!!
وفي فلسطين, حيث حسمت حماس الصراع من دون مخاوف الانقسام الطائفي, وجدت نفسها اسيرة الانقسام الوطني الجغرافي الثقافي, عاجزةً, ما تزال, عن اعلان برنامج سياسي للمقاومة!!
واخلص الى الاتي:ـ الاستعمار والصهيونية, كعدوان خارجي, يمكن هزيمتهما, لكن قوتهما متجذرة في الداخل الاجتماعي السياسي الثقافي, في التمزقات الإتنية والطائفية والثقافية والتخلف الاجتماعي والسياسي.
http://alarabalyawm.batelco.jo/pages.php...es_id=1892