{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الجذور الحيوانية للاخلاق
طريف سردست غير متصل
Anunnaki
*****

المشاركات: 2,553
الانضمام: Apr 2005
مشاركة: #1
الجذور الحيوانية للاخلاق

يعتقد البعض ان الاخلاق انزلت على الانسان من السماء، غير ان الحقيقة ان الاخلاق هي القواعد التي لاغنى عنها في العلاقة مع الاخر، ليس فقط عند الانسان بل عند الحيوان ايضا. وجود الاخلاق عند الحيوانات يشير الى ان قواعد السلوك نشأت في وقت مبكر وانها ضرورة في التكوينات الجماعية من اجل خلق الانسجام في التعامل مع الاخرين ومع البيئة لتحسين حظوظ التنافس والقدرة على البقاء حيا.
[صورة: BrosnanPhoto.jpg]
القرد المسمى capuchin monkeys, يبدأ بقذف الاحجار وكل مايقع تحت يده عندما يشعر انه قد خُدع من قبل المشرف في حديقة الحيوان، في حين يقوم القرد الجار بإلتقاط حبات العنب المقدمة له. هذا الامر جرى في تجربة قادتها البيلوجية Sarah Brosnan, من مركز يركيس للتجارب على القرود في اتلنتا، وعالم علم النفس Dr. Frans B. M. de Waal, حيث اعطت كلا القردين احجارا صغيرة وعلمتهم ان يبادلوا الاحجار مقابل قضمات من الخيار.
[صورة: _39348310_nature203.jpg]
قرود االكابوتشين ذكية للغاية، وكلا القردين وافقوا على ان عملية التبادل كانت فكرة رائعة، إذ تمكنهم من تبديل الاحجار الغير نافعة بقضمات من الطعام الطيب. في نهاية يوم التجربة قامت الباحثة، فجأة، بتغيير قواعد عملية التبادل. الان صارت تعطي لأحد القرود عنقودا من العنب مقابل احجاره، والقرود تفضل العنب على الخيار، في حين استمرت على اعطاء الخيار للقرد الثاني. النتائج كان غضب القرد الاول الذي اعتبر ان عملية التبادل غير عادلة.

العدالة، احد المفاهيم الاخلاقية. والاخلاق قواعد العلاقة الاجتماعية لكيفية السلوك في التعامل مع الاخر. الاخلاق تتضمن الواجبات والحقوق التي ينتظرها اطراف العلاقة من بعضهم البعض والتي تسري على جميع افراد القطيع. الى فترة قصيرة كان علماء الاجتماع وعلماء الحيوان يعتقدون ان الانسان وحده يستطيع إنتاج قواعد اخلاقية، ولكن في السنوات الاخيرة ظهرت مجموعة كبيرة من العلائم تشير الى ان انواع متعددة من عالم الحيوان تملك اسس بدائية للاخلاق، مثل التفضيل، المساعدة، العدالة وحتى اللاانانية. من هنا نرى ان الاخلاق ليست حكرا على الانسان، بل هي مرحلة تطور انسيابية تختلف درجاته من الادنى الى الاعلى في سلم تطور الانواع البيلوجي.


الاخلاق تحفظ وحدة الجماعة
البيلوجيين يسعون الان الى تحديد منابع الحاجة للاخلاق في عالم الحيوان ولتحديد السلوك الذي يصدر لحاجات اخلاقية. الاخلاق يمكن ان تكون لاغنى عنها عند الانواع التي تحيا حياة اجتماعية جماعية، وحجر الاساس في الاخلاق متصل مباشرة بالسلوك الاجتماعي اليومي. هذا السلوك المقونن في اطار مسبق يقرر النظام السائد في القطيع للمحافظة على التوازن الاجتماعي لفائدة القطيع بأسره.

البحث في اخلاق الحيوانات لازال خاضعا للجدل. البيلوجيين والفلاسفة يناقشون بعمق في إطار اي المفاهيم علينا فهم السلوك الحيواني. هذا يمس مايقف خلف ردود الفعل الفطرية للسلوك الحيواني. مثلا، رفض القرد للخيارة لان جاره حصل على عنب، هل يعتبر احتجاج على اللاعدالة ام انه طريقة للحصول على العنب؟
العديد من الفلاسفة يشيرون في مداخلاتهم الى ان وصف سلوك الحيوان على انه " اخلاقي" يمكن ان يكون صحيح او خاطئ فقط بالارتباط مع مسيار ظهور الفعل المشار اليه، اي في إطار العالم الاجتماعي للنوع المعني، زمن حيث ان الباحثين هم بشر، لذلك لن يكون بإمكانهم معرفة الاطر الاجتماعية للانواع الاخرى بصورة جيدة.

على العكس، نجد ان العديد من البيلوجيين يؤكدون ان الاخلاق الانسانية تمتد جذورها في العالم الحيواني، ولهذا السبب بالذات نجد ان الكثير من الخصائص نتشارك فيها مع الحيوان. هذا التشارك يلاحظ بوضوح بالمقارنة مع اقرب الاقرباء الينا: الشمبانزي، والشمبانزي القزم. في قطيع الشمبانزي يوجد قائد ذكر وقائدة انثى، يقفون على اعلى الهرم الاجتماعي، ومع ان هذه القاعدة يتفق عليها القطيع إلا انها لاتعني الحيازة على المركز بدون شروط. السلطة والقوة لاتعطي الحق بالتصرف بدون التفكير بالمصالح العليا للقطيع، وبدون المحافظة على القواعد الاخلاقية الاساسية المعمول فيها في القطيع.


القواعد تلزم حتى القائد/القائدة
القواعد الاخلاقية السائدة في القطيع تصبح سارية المفعول عندما يجد الشمبانزي، مثلا، كمية كبيرة من الطعام. من حيث المبدأ يستطيع الذي عثر على الطعام ان يبقي الطعام لنفسه، ولكن في القطيع يجب الالتزام بقواعد الحياة الجماعية. بقية افراد القطيع ينطلقون من ان الواجد سيقوم بتقاسم اللقية مع الاخرين، على شكل صدقة، ولذلك لايتورعون عن المطالبة بحصتهم. القرد المهيمن لديه السلطة على اخذ الطعام من صاحبه ولكن ليس لديه الحق بذلك. وحتى لو كان القرد الذي وجد الطعام من اضعف القردة ومن اقلها شأنا في الهرم الاجتماعي للقرود، نجد ان القرد المهيمن ينسى انه الاقوى ويقف في صف المطالبين بالتقسيم. لذلك نرى وكأن الشمبانزي يقر حق الملكية وتوزيع الملكية، التي هي ايضا احد المفاهيم الاخلاقية الانسانية.


الخفاش شارب الدم، يتصدق بالدم
وجبة واحدة لن تكون بالتأكيد الخط الفاصل بين الموت والحياة عند الشمبانزي، ولكن ستكون كذلك بالنسبة لطائفة من الحيوانات الاخرى. الخفاش شارب الدم الذي يطير ليلا باحثا عن ضحاياه النيام، حساس للغاية. خفاش مصاص الدم هو الثدييات الوحيدة التي تعيش بهذه الطريقة الدم يملك قيمة غذائية كبيرة ولكن مصدره غير مضمون يوميا، ولذلك نجد ان كل عاشر خفاش يعود الى المأوى المشترك ببطن خاوي. الخفاش يحتاج يوميا الى دم بما مقدار نصف وزن جسمه على الاقل ، وبالتالي فيومين الى ثلاثة ايام بدون دم تعني الموت المؤكد. لحسن حظ الخفاش فأن للقطيع مشاعر تضامنية ويقومون بالتصدق بالدم على من لم يتوفق بالحصول على رزقه في ذلك اليوم. هذه المشاعر الاجتماعية تصدر عن جميع افراد القطيع تجاه جميع افراد القطيع، وليست بسبب القرابة.
[صورة: m_111415.jpg]
التشارك بالطعام جزء لايتجزء من السلوك اليومي للخفاش مصاص الدم، وهو يشبه شبكة حماية اجتماعية، إذ ان المتصدق ينطلق من انه ايضا سيحصل على نفس المساعدة عندما يفشل في الصيد. يلاحظ ان الخفافيش تمارس هذه العادة يوميا كشعيرة لايشذ عنها احد. عند الشمبانزي نجد انه يسود اخلاق التبادل التجاري، حيث التبادل يعتمد على مستوى العلاقة الفردية بين الطرفين. مثلا، إذا كان الشحاذ منهم قد قدم سابقا خدمة ممائلة او خدمة اخرى تجعل المانح يتذكرها برضى، فأن حظه بالحصول على منحة من الطعام تتزايد.

قرود الكابوتشي، الذي سبق ان تكلمنا عنهم، يقومون بوزن سلوكهم، ايضا، بمعيار الفائدة المتبادلة. في احدى الابحاث الامريكية وضع الباحث طبقين امام قردين، كل منهم في قفصه المنفرد. الباحث جعل ان القردين يستطيعون الوصول الى الطبق فقط إذا تعاونوا سويا. احد الطبقين كان ممتلئ بقطع التفاح في حين كان الثاني فارغ. كلا الطبقين كانوا شفافين حتى يتمكن القردة من الرؤية والمعرفة المسبقة بالتوزيع الغير عادل الذي ينتظرهم. وبالرغم ذلك، نجد ان القرد صاحب الطبق الفارغ عاون جاره على الوصول الى طبقه، آملا بأن الجار سيقوم بتقسيم الطعام معه. وبالفعل قام الجار بالتعبير عن شكره من خلال إرسال بضعة قطع من التفاح الى قفص الاخر. اظهرت التجربة ايضا انه وبدون التعويض المادي على المساعدة فأن المساعدة لن تتكرر.


الفأر قادر على تصور وضع الاخرين
مساعدة الجيران لبعضهم عند الشمبانزي والكابوتشي متوقف على الرغبة برد الجميل، وهي حجر اساسي في البناء الاخلاقي. احدى القواعد الدينية في الكثير من الاديان تقول ان على المرء التعامل مع جاره كما يحب ان يعامله جاره. هذه القاعدة الاخلاقية الاساسية توحد مفهوم التعاون مع مشاعر القبول. بمعنى اخر تلزمنا بتصور مشاعر الاخر تجاهنا (التعاطف والرضى) وإتخاذ القرار إنطلاقا من مشاعر الاخر.

الاخلاق الانسانية لايمكن تصور وجودها بدون التعامل الثنائي القائم على القبول المتبادل والشعور بالرضى والتعاطف المتبادل. منذ فترة قصيرة برهن العلماء الكنديين على ان حتى الفأر يتعامل إنطلاقا من المشاعر. الفئران اظهرت ردة فعل واضحة عندما تعرض جيرانهم او اخوانهم/اخواتهم الى الالم، في حين لم يعيروا ادنى اهتمام بمشاعر الالم الصادرة عن فئران اخرى.

الظاهرة نفسها نجدها موجودة عند الانسان، والرضى والتعاطف ايضا ظاهرة شائعة وسط القرود. نرى مثلا انه بعد عركة دامية بين قردين، يقوم عضو ثالث من القطيع بمعانقة وتقبيل القرد الخاسر في محاولة للتسرية عنه. هذا السلوك يخفف عن الخاسر ويجعله يتوقف عن الصراخ.
[صورة: rhesus2.jpg]
تماما كما نحاول ان نعلم الطفل السلوك الاخلاقي، يظهر وكأن الاخلاق ايضا شئ يمكن ان تتعلمه القرود. Rhesus Monkey, قرود معروفة بعدائيتها وإصرارها، في حين قريبها البيلوجي Macaca, يسعى اكثر الى التفاهم والسلام، وهو سلوك يؤسس على التعاطف والرضى. الباحثين وضعوا صغار النوع الاول العدائي عند النوع الثاني المسالم، لينمو وتجري مقارنة سلوكهم مع سلوك اقرانهم الذين نمو عند قطيعهم الاصلي. سلوك الذين نمو عند القطيع المسالم تغير تغييرا ثوريا، فأصبحوا يسعون الى المسالمة وحل المشاكل بالروية بمعدل ثلاثة الى اربع مرات عن المعدل الطبيعي لنوعهم. وحتى الافراد التي اعيدت الى قطيعها الاصلي قبل ان تنضج تماما حافظت على سلوكها المسالم والساعي لحل المشاكل سلميا. البحث اظهر ان السلوك العدائية سلوك مكتسب في مرحلة النمو، من الاهل، تماما كما هو الامر عند البشر.
[صورة: 220px-Formosan_macaque.jpg]
بالتأكيد أن مفاهيم الاخلاق عند الانسان اكثر تعقيدا منها عند القرود، التي بدورها اكثر تعقيدا منها عند بقية الحيوانات. ومع ذلك فالكثير من التصرفات الاخلاقية تطورت عن تصرفات اخلاقية خام لازالت جذورها موجودة في عالم الحيوان. وحتى ارقى المفاهيم الاخلاقية تملك جذورا خام في اساسنا الحيواني. الانسان ليس الحيوان الوحيد الذي يملك مفاهيم العدالة والتضامن والتعاون والتكافل والحرض على المساعدة.


مصادر:

Sarah Brosnan
Monkeys show sense of justice
Monkeys demand equitable exchanges
Sense Of Fairness In Nonhuman Primates
Nonhuman primates discovered to have a sense of fairness
07-15-2007, 04:53 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
طنطاوي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 5,711
الانضمام: Jun 2003
مشاركة: #2
الجذور الحيوانية للاخلاق
موضوع مية مية...
07-15-2007, 07:08 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Awarfie غير متصل
متفرد ، و ليس ظاهرة .
*****

المشاركات: 4,346
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #3
الجذور الحيوانية للاخلاق
[quote name='طريف سردست' date='Jul 16 2007, 01:53 AM' post='429322']
يعتقد البعض ان الاخلاق انزلت على الانسان من السماء، غير ان الحقيقة ان الاخلاق هي القواعد التي لاغنى عنها في العلاقة مع الاخر، ليس فقط عند الانسان بل عند الحيوان ايضا. وجود الاخلاق عند الحيوانات يشير الى ان قواعد السلوك نشأت في وقت مبكر وانها ضرورة في التكوينات الجماعية من اجل خلق الانسجام في التعامل مع الاخرين ومع البيئة لتحسين حظوظ التنافس والقدرة على البقاء حيا.
[صورة: BrosnanPhoto.jpg]
القرد المسمى capuchin monkeys, يبدأ بقذف الاحجار وكل مايقع تحت يده عندما يشعر انه قد خُدع من قبل المشرف في حديقة الحيوان، في حين يقوم القرد الجار بإلتقاط حبات العنب المقدمة له. هذا الامر جرى في تجربة قادتها البيلوجية Sarah Brosnan, من مركز يركيس للتجارب على القرود في اتلنتا، وعالم علم النفس Dr. Frans B. M. de Waal, حيث اعطت كلا القردين احجارا صغيرة وعلمتهم ان يبادلوا الاحجار مقابل قضمات من الخيار.
[صورة: _39348310_nature203.jpg]
قرود االكابوتشين ذكية للغاية، وكلا القردين وافقوا على ان عملية التبادل كانت فكرة رائعة، إذ تمكنهم من تبديل الاحجار الغير نافعة بقضمات من الطعام الطيب. في نهاية يوم التجربة قامت الباحثة، فجأة، بتغيير قواعد عملية التبادل. الان صارت تعطي لأحد القرود عنقودا من العنب مقابل احجاره، والقرود تفضل العنب على الخيار، في حين استمرت على اعطاء الخيار للقرد الثاني. النتائج كان غضب القرد الاول الذي اعتبر ان عملية التبادل غير عادلة.

العدالة، احد المفاهيم الاخلاقية. والاخلاق قواعد العلاقة الاجتماعية لكيفية السلوك في التعامل مع الاخر. الاخلاق تتضمن الواجبات والحقوق التي ينتظرها اطراف العلاقة من بعضهم البعض والتي تسري على جميع افراد القطيع. الى فترة قصيرة كان علماء الاجتماع وعلماء الحيوان يعتقدون ان الانسان وحده يستطيع إنتاج قواعد اخلاقية، ولكن في السنوات الاخيرة ظهرت مجموعة كبيرة من العلائم تشير الى ان انواع متعددة من عالم الحيوان تملك اسس بدائية للاخلاق، مثل التفضيل، المساعدة، العدالة وحتى اللاانانية. من هنا نرى ان الاخلاق ليست حكرا على الانسان، بل هي مرحلة تطور انسيابية تختلف درجاته من الادنى الى الاعلى في سلم تطور الانواع البيلوجي.
الاخلاق تحفظ وحدة الجماعة
البيلوجيين يسعون الان الى تحديد منابع الحاجة للاخلاق في عالم الحيوان ولتحديد السلوك الذي يصدر لحاجات اخلاقية. الاخلاق يمكن ان تكون لاغنى عنها عند الانواع التي تحيا حياة اجتماعية جماعية، وحجر الاساس في الاخلاق متصل مباشرة بالسلوك الاجتماعي اليومي. هذا السلوك المقونن في اطار مسبق يقرر النظام السائد في القطيع للمحافظة على التوازن الاجتماعي لفائدة القطيع بأسره.

البحث في اخلاق الحيوانات لازال خاضعا للجدل. البيلوجيين والفلاسفة يناقشون بعمق في إطار اي المفاهيم علينا فهم السلوك الحيواني. هذا يمس مايقف خلف ردود الفعل الفطرية للسلوك الحيواني. مثلا، رفض القرد للخيارة لان جاره حصل على عنب، هل يعتبر احتجاج على اللاعدالة ام انه طريقة للحصول على العنب؟
العديد من الفلاسفة يشيرون في مداخلاتهم الى ان وصف سلوك الحيوان على انه " اخلاقي" يمكن ان يكون صحيح او خاطئ فقط بالارتباط مع مسيار ظهور الفعل المشار اليه، اي في إطار العالم الاجتماعي للنوع المعني، زمن حيث ان الباحثين هم بشر، لذلك لن يكون بإمكانهم معرفة الاطر الاجتماعية للانواع الاخرى بصورة جيدة.

على العكس، نجد ان العديد من البيلوجيين يؤكدون ان الاخلاق الانسانية تمتد جذورها في العالم الحيواني، ولهذا السبب بالذات نجد ان الكثير من الخصائص نتشارك فيها مع الحيوان. هذا التشارك يلاحظ بوضوح بالمقارنة مع اقرب الاقرباء الينا: الشمبانزي، والشمبانزي القزم. في قطيع الشمبانزي يوجد قائد ذكر وقائدة انثى، يقفون على اعلى الهرم الاجتماعي، ومع ان هذه القاعدة يتفق عليها القطيع إلا انها لاتعني الحيازة على المركز بدون شروط. السلطة والقوة لاتعطي الحق بالتصرف بدون التفكير بالمصالح العليا للقطيع، وبدون المحافظة على القواعد الاخلاقية الاساسية المعمول فيها في القطيع.
القواعد تلزم حتى القائد/القائدة
القواعد الاخلاقية السائدة في القطيع تصبح سارية المفعول عندما يجد الشمبانزي، مثلا، كمية كبيرة من الطعام. من حيث المبدأ يستطيع الذي عثر على الطعام ان يبقي الطعام لنفسه، ولكن في القطيع يجب الالتزام بقواعد الحياة الجماعية. بقية افراد القطيع ينطلقون من ان الواجد سيقوم بتقاسم اللقية مع الاخرين، على شكل صدقة، ولذلك لايتورعون عن المطالبة بحصتهم. القرد المهيمن لديه السلطة على اخذ الطعام من صاحبه ولكن ليس لديه الحق بذلك. وحتى لو كان القرد الذي وجد الطعام من اضعف القردة ومن اقلها شأنا في الهرم الاجتماعي للقرود، نجد ان القرد المهيمن ينسى انه الاقوى ويقف في صف المطالبين بالتقسيم. لذلك نرى وكأن الشمبانزي يقر حق الملكية وتوزيع الملكية، التي هي ايضا احد المفاهيم الاخلاقية الانسانية.
الخفاش شارب الدم، يتصدق بالدم
وجبة واحدة لن تكون بالتأكيد الخط الفاصل بين الموت والحياة عند الشمبانزي، ولكن ستكون كذلك بالنسبة لطائفة من الحيوانات الاخرى. الخفاش شارب الدم الذي يطير ليلا باحثا عن ضحاياه النيام، حساس للغاية. خفاش مصاص الدم هو الثدييات الوحيدة التي تعيش بهذه الطريقة الدم يملك قيمة غذائية كبيرة ولكن مصدره غير مضمون يوميا، ولذلك نجد ان كل عاشر خفاش يعود الى المأوى المشترك ببطن خاوي. الخفاش يحتاج يوميا الى دم بما مقدار نصف وزن جسمه على الاقل ، وبالتالي فيومين الى ثلاثة ايام بدون دم تعني الموت المؤكد. لحسن حظ الخفاش فأن للقطيع مشاعر تضامنية ويقومون بالتصدق بالدم على من لم يتوفق بالحصول على رزقه في ذلك اليوم. هذه المشاعر الاجتماعية تصدر عن جميع افراد القطيع تجاه جميع افراد القطيع، وليست بسبب القرابة.
[صورة: m_111415.jpg]
التشارك بالطعام جزء لايتجزء من السلوك اليومي للخفاش مصاص الدم، وهو يشبه شبكة حماية اجتماعية، إذ ان المتصدق ينطلق من انه ايضا سيحصل على نفس المساعدة عندما يفشل في الصيد. يلاحظ ان الخفافيش تمارس هذه العادة يوميا كشعيرة لايشذ عنها احد. عند الشمبانزي نجد انه يسود اخلاق التبادل التجاري، حيث التبادل يعتمد على مستوى العلاقة الفردية بين الطرفين. مثلا، إذا كان الشحاذ منهم قد قدم سابقا خدمة ممائلة او خدمة اخرى تجعل المانح يتذكرها برضى، فأن حظه بالحصول على منحة من الطعام تتزايد.

قرود الكابوتشي، الذي سبق ان تكلمنا عنهم، يقومون بوزن سلوكهم، ايضا، بمعيار الفائدة المتبادلة. في احدى الابحاث الامريكية وضع الباحث طبقين امام قردين، كل منهم في قفصه المنفرد. الباحث جعل ان القردين يستطيعون الوصول الى الطبق فقط إذا تعاونوا سويا. احد الطبقين كان ممتلئ بقطع التفاح في حين كان الثاني فارغ. كلا الطبقين كانوا شفافين حتى يتمكن القردة من الرؤية والمعرفة المسبقة بالتوزيع الغير عادل الذي ينتظرهم. وبالرغم ذلك، نجد ان القرد صاحب الطبق الفارغ عاون جاره على الوصول الى طبقه، آملا بأن الجار سيقوم بتقسيم الطعام معه. وبالفعل قام الجار بالتعبير عن شكره من خلال إرسال بضعة قطع من التفاح الى قفص الاخر. اظهرت التجربة ايضا انه وبدون التعويض المادي على المساعدة فأن المساعدة لن تتكرر.
الفأر قادر على تصور وضع الاخرين
مساعدة الجيران لبعضهم عند الشمبانزي والكابوتشي متوقف على الرغبة برد الجميل، وهي حجر اساسي في البناء الاخلاقي. احدى القواعد الدينية في الكثير من الاديان تقول ان على المرء التعامل مع جاره كما يحب ان يعامله جاره. هذه القاعدة الاخلاقية الاساسية توحد مفهوم التعاون مع مشاعر القبول. بمعنى اخر تلزمنا بتصور مشاعر الاخر تجاهنا (التعاطف والرضى) وإتخاذ القرار إنطلاقا من مشاعر الاخر.

الاخلاق الانسانية لايمكن تصور وجودها بدون التعامل الثنائي القائم على القبول المتبادل والشعور بالرضى والتعاطف المتبادل. منذ فترة قصيرة برهن العلماء الكنديين على ان حتى الفأر يتعامل إنطلاقا من المشاعر. الفئران اظهرت ردة فعل واضحة عندما تعرض جيرانهم او اخوانهم/اخواتهم الى الالم، في حين لم يعيروا ادنى اهتمام بمشاعر الالم الصادرة عن فئران اخرى.

الظاهرة نفسها نجدها موجودة عند الانسان، والرضى والتعاطف ايضا ظاهرة شائعة وسط القرود. نرى مثلا انه بعد عركة دامية بين قردين، يقوم عضو ثالث من القطيع بمعانقة وتقبيل القرد الخاسر في محاولة للتسرية عنه. هذا السلوك يخفف عن الخاسر ويجعله يتوقف عن الصراخ.
[صورة: rhesus2.jpg]
تماما كما نحاول ان نعلم الطفل السلوك الاخلاقي، يظهر وكأن الاخلاق ايضا شئ يمكن ان تتعلمه القرود. Rhesus Monkey, قرود معروفة بعدائيتها وإصرارها، في حين قريبها البيلوجي Macaca, يسعى اكثر الى التفاهم والسلام، وهو سلوك يؤسس على التعاطف والرضى. الباحثين وضعوا صغار النوع الاول العدائي عند النوع الثاني المسالم، لينمو وتجري مقارنة سلوكهم مع سلوك اقرانهم الذين نمو عند قطيعهم الاصلي. سلوك الذين نمو عند القطيع المسالم تغير تغييرا ثوريا، فأصبحوا يسعون الى المسالمة وحل المشاكل بالروية بمعدل ثلاثة الى اربع مرات عن المعدل الطبيعي لنوعهم. وحتى الافراد التي اعيدت الى قطيعها الاصلي قبل ان تنضج تماما حافظت على سلوكها المسالم والساعي لحل المشاكل سلميا. البحث اظهر ان السلوك العدائية سلوك مكتسب في مرحلة النمو، من الاهل، تماما كما هو الامر عند البشر.
[صورة: 220px-Formosan_macaque.jpg]
بالتأكيد أن مفاهيم الاخلاق عند الانسان اكثر تعقيدا منها عند القرود، التي بدورها اكثر تعقيدا منها عند بقية الحيوانات. ومع ذلك فالكثير من التصرفات الاخلاقية تطورت عن تصرفات اخلاقية خام لازالت جذورها موجودة في عالم الحيوان. وحتى ارقى المفاهيم الاخلاقية تملك جذورا خام في اساسنا الحيواني. الانسان ليس الحيوان الوحيد الذي يملك مفاهيم العدالة والتضامن والتعاون والتكافل والحرض على المساعدة.

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مواضيعك رائعة يا طريف . :97:

ها هو العلم يثبت ما قاله الكثير من الفلسفة سابقا و حديثا . فماركس كما نعلم اعتبر الاخلاق انعكاس فوقي للبنية التحتية في المجتمع .
ولا غرابة ان نيتشه ن كان يسخر من الاخلاق المتواضعة لدى الفكر الديني الذي كان يعاصره ن كما كان يحتقر تلك الاخلاقية التعيسة ، و لهذا طالب بالانسان المتفوق الذي يعلو فوق تلك الاخلاق ، و التي سماها اخلاق الضعفاء .


تحياتي .

:Asmurf:








07-19-2007, 12:43 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أبو إبراهيم غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 3,725
الانضمام: Mar 2004
مشاركة: #4
الجذور الحيوانية للاخلاق
الموضوع مهم جداً، ولكن ليس علينا أن نسقطه على تفسيرات شخصية....

لست في موقف دفاع عن الأديان، ولكنني لا أرى الأديان نفت الأخلاقية عن الحيوانات، بل إنها تحدثت عنها في كثير من النصوص. (هذه لطريف)

أما بالنسبة لتعليق العزيز أورفاي، فبرأيي أن الموضوع يؤكد أن الأخلاق استمرارية وجودية، وأن المجتمعات الحيوانية بدءاً من النمل وانتهاءاً بالإنسان بحاجة ما تحدث عنه النص من عدالة وأمور أخرى لحفظ الوجود والاستمرارية.

(f)
07-19-2007, 02:11 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Awarfie غير متصل
متفرد ، و ليس ظاهرة .
*****

المشاركات: 4,346
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #5
الجذور الحيوانية للاخلاق
Array
الموضوع مهم جداً، ولكن ليس علينا أن نسقطه على تفسيرات شخصية....

لست في موقف دفاع عن الأديان، ولكنني لا أرى الأديان نفت الأخلاقية عن الحيوانات، بل إنها تحدثت عنها في كثير من النصوص. (هذه لطريف)

أما بالنسبة لتعليق العزيز أورفاي، فبرأيي أن الموضوع يؤكد أن الأخلاق استمرارية وجودية، وأن المجتمعات الحيوانية بدءاً من النمل وانتهاءاً بالإنسان بحاجة ما تحدث عنه النص من عدالة وأمور أخرى لحفظ الوجود والاستمرارية.

(f)
[/quote]

اخي ابو ابراهيم ،(f)

القضية ليست قضية عدالة . فعندما كانت الاخلاق البدوية تقتضي الغزو و الابادة من اجل النهب ، حيث يعود بعدها الغزاة ابطالا ( في حال نجحوا ) لا يدل على تحقيق عدالة بقدر ما يدل على ضرورة تحولت الى اخلاق . فلولا ضرورة لعقل الرجل العجوز وحاجة المجتمع الى خبراته ، في عصر لم تكن فيه كتابة او توثيق ، كان لا بد من احترام العجائز و تقدير كبر سنهم . و لذلك تجد أن العجوز الخرف ، لم يكن محترما في أي مجتمع . اذا مقولة احترام الكبير ، هي نوع من الاخلاق القديمة و قس على ذلك .

ولو نظرت الى الاخلاق العليا المتمثلة في عادة الكرم ! الا تجد فيها ضرورة تاريخية ، تطلبتها حياة الصحراء ، و التعرض للموت في كل يوم ! فاذا لم يكن المرء كريما مع ضيفه او مغيثا للملهوف ... الخ ، فسيكون دوره التالي في حاجته لمن يكرمه او يغيثه في مجتمع الغزو و الضباع الخطرة ! و قس على ذلك ، أيضا . و شو بدك تلحق قياسات ! :lol:

فاخلاقنا ليست قيم مطلقة بل نسبية بحسب الضرورات التي املتها علينا قساوة الحياة او تعقيداتها . و لهذا يصعب ان ترى اليوم ، رجلا كريما ، بالمفهوم الكلاسيكي . و تذكرني مسالة الكرم ، بحاتم الطائي ، الأسطورة ، التي تمنى محمد القرشي لو عايشها .

نصل الى ان الاخلاق ليس مطلقة . بل هي كائن معنوي متغير عبر العصور .

تحياتي .

:Asmurf:
07-20-2007, 01:31 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
طريف سردست غير متصل
Anunnaki
*****

المشاركات: 2,553
الانضمام: Apr 2005
مشاركة: #6
الجذور الحيوانية للاخلاق
Array
الموضوع مهم جداً، ولكن ليس علينا أن نسقطه على تفسيرات شخصية....

لست في موقف دفاع عن الأديان، ولكنني لا أرى الأديان نفت الأخلاقية عن الحيوانات، بل إنها تحدثت عنها في كثير من النصوص. (هذه لطريف)

أما بالنسبة لتعليق العزيز أورفاي، فبرأيي أن الموضوع يؤكد أن الأخلاق استمرارية وجودية، وأن المجتمعات الحيوانية بدءاً من النمل وانتهاءاً بالإنسان بحاجة ما تحدث عنه النص من عدالة وأمور أخرى لحفظ الوجود والاستمرارية.

(f)
[/quote]

العزيز ابو ابراهيم
سعيد بوجودك وتعليقاتك القيمة. وفي الحقيقة لم اقل في اي مكان بان " الاديان" نفت ام لم تنفي، وانما تحدثت عن ان " بعض الاشخاص تعتقد ان الاخلاق انزلت من السماء". ومع ذلك فليس لدي اي مانع ان تشير الى اي الاديان تقصد تحديدا، وبالجملة لو تعرض لنا نموذجا عن النصوص، من اجل الفائدة.

وشكرا للاخوة طنطاوي و Awarfie على حضورهم الايجابي

كل الود، وعميق الاحترام
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 07-20-2007, 05:35 PM بواسطة طريف سردست.)
07-20-2007, 05:33 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 4 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS