الخروج السوري الوشيك من الجامعة العربية
الخروج السوري الوشيك من الجامعة العربية
وجدت دمشق ضالتها هذه المرة بالانسحاب من الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد في القاهرة, لمناقشة دعوة الرئيس الاميركي جورج بوش لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط, وسط ترحيب الجامعة العربية لهذه الدعوة وكل ما من شأنه تحريك المسار التفاوضي بين العرب والاسرائيليين بدلا من تجميده.
الاستباق السوري وخروج السفير يوسف احمد من الاجتماع فضلا عن غياب وزير الخارجية وليد المعلم, ليس سببه الانقسام بين السلطة والفصائل الفلسطينية كما زعم السفير احمد, باعتبار ان القضية الفلسطينية كانت دوما محور اهتمام جميع المؤتمرات الدولية ولا مجال للمزايدة فيها, بل لمجرد الشعور بان الادارة الاميركية تعتزم ابعاد سورية عن المشاركة في المؤتمر المذكور بالخريف المقبل, قد لا يكون للمؤتمر اهمية تذكر بالنسبة لسورية بقدر ما تعول على تطلع واعتراف اميركي بمنحها دورا جديدا للمساعدة في حل المشكلتين اللبنانية والفلسطينية, فاستبعادها من المؤتمر دلالة على استبعادها اميركيا عن المشاركة في اي حل يتناول قضايا المنطقة .
مقاطعة المعلم لها رزمة من الحجج تبررها ولا يتسع بنا المجال لتعدادها, اما انسحاب السفير احمد من اجواء الاجتماع, فلا يدل على ان انشقاقا حصل في صف الجامعة, وخلاف حول قضية اعتبرتها مركزية وحاضرة دوما في اجتماعات اعضائها ومناقشاتهم الكثيرة, لكن التقصير في قلة المرونة والفاعلية السياسية والديبلوماسية على صعيد هذه القضية, خاصةً وان القمة العربية المقبلة ستعقد في العاصمة السورية دمشق, وهذا يتطلب منها التوافق مع جدول اعمال الجامعة ومقررات قمة الرياض الاخيرة تمهيدا لعقدها في دمشق .
الانسحاب السوري من الاجتماع يكشف علنا عدم الرضى من مواقف الوزراء العرب الذين رحبوا بدعوة بوش وتناسوا الوضع الفلسطيني المتدهور, يضاف اليه زيارة وزيري خارجية مصر والاردن الى اسرائيل اخيرا, بالتزامن مع اطلاق بوش لدعوته, فاستمرار التباين بين ما تفضله دمشق وما لا تفضله العواصم العربية الاخرى سيجعل من قمة دمشق المقبلة قمة لزيادة العتب والتباين, وربما للانسحاب من اليوم الاول على مبدا المعاملة بالمثل, ان حصل ذلك يعني زيادة العزلة عليها وتكريسها عربيا .
لا شك ان دمشق معنية بالسلام مع اسرائيل قبل غيرها لعاملين اساسيين : الاول, لقربها الجغرافي من اسرائيل وبالتالي فان السلام او عدمه سيحدد ما اذا كانتا مستقبلا جارتين حميمتين او عدوتين لدودتين, الثاني, احتلال اسرائيل للجولان الجزء الاهم من الاراضي السورية في الجنوب, ولان السلام مع اسرائيل يتناول الجولان فقط, فاسرائيل بطبعها لا تحبذ ان يفاوض السوريون نيابة عن الفلسطينيين او العكس, فهي ترغب بالاستماع الى وجهة نظر كل طرف للتعرف على نواياه دون ان يتمكن بدوره من معرفة نواياها,وهذا ما تم على فترات متتالية مع مصر والاردن سابقا, لذلك فان سورية لا تمانع قيام مفاوضات فردية وقد خاضتها في السابق بجنيف والان تُمرر رسائل كثيرة لاعادة احيائها, بخلاف المفاوضات الجماعية التي تكفلت لجنة مبادرة السلام العربية النظر بامرها .
الحقيقة, لن تقبل اسرائيل بالسلام دفعةً واحدة مع الدول العربية, قبل التعرف على نوايا كل دولة الى جانب تطبيع العلاقات معها قبل اي حديث, وعليه فان الخروج السوري من الجلسة الوزارية لا يتعلق بمبادرات السلام ودعواتها الكثيرة, انما يأتي للتأكيد على متانة المحور السوري الايراني, المتأهب لصيف ساخن مليء بالانتصارات على حد قول احمدي نجاد, عشية الزيارة الثنائية لرايس وغيتس للشرق الاوسط, ويفهم منه انه خروج تدريجي من الخيمة العربية الموسومة بالاميركية, والالتحاق بخيمة عَمَدُها الصمود والتصدي وقماشها الممانعة .
المهم بالنسبة لدمشق حل الانقسام الفلسطيني, والاهم ان ينبثق الحل من عندها, فاذا لماذا لم ترعَ اجتماعا موسعا يناقش الوضع الفلسطيني بعد انهيار اتفاق بين فتح وحماس ? الجواب, لانها مستفيدة في حالتين, حالة عدم الحل بابقاء تأثيرها على حركة حماس والفصائل الاخرى, وفي حالة الحل ضمان تسليم الجميع لها بان مفتاح الحل بيدها, بما في ذلك اميركا وهو ما تنتظره الان منها .
عمليا من يساهم بالحل ويملك مفاتيحه, يستطيع المساهمة في استمرار التأزم, فالانقسام على الساحة الفلسطينية لا يختلف كثيرا عن الجاري في الساحة اللبنانية ويتقاطع معه في محاور رئيسية من حيث التعطيل والحل .
* ثائر الناشف* / كاتب وإعلامي سوري
:Asmurf:
|