بخصوص موضوع الشريط الاصلي قلت فيه :
وليكن هذا الشريط الذي يتحدث عن رمضان من الناحية الإسلامية
عما يحبون أن يتحدثون فيه ويظهرون مما قيل وما يقال فيه ..
لكني بعد مرور يومين على وضع الشريط لم اجد شيئًا
فأحببت أن أضع ما قرأته منذ فترة لشيخي [الذي أحبه كأنسان قبله مفكرا او وعاظا بحسب البعض او علمانيا بحسب اخرين] حسن حنفي
قال في مقالته التي بعنوان : رمضان في الكتاب والسنة (1-2)
والمنشورة
سابـــــــــقا في جريدة الزمان :
الصيام دليل صدق وعلامة إخلاص - د. حسن حنفي
ذكر لفظ (رمضان) في القرآن الكريم مرة واحدة في آية )شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس، وبينات من الهدي والفرقان. فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر. يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر. ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله علي ما هداكم، ولعلكم تشكرون) 185:2)). ولفظ (رمضان) يعني اشتقاقا الحر، من فعل رمض اي اشتد الحر، ولما نقلت أسماء الشهور من اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر رَمَضَ الحر. فإذا ما وافق الشهر الحر كان ثوابه أعظم. ونظرا لدورة السنة الهجرية فإنه ينتقل من الصيف إلي الشتاء رجوعا إلي الوراء. وتظل النية الأولي صادقة.
وفي هذا الحر الشديد القيظ، والقدرة علي السيطرة علي حاجات البدن إعلان لاستقلال الإرادة وسمو الروح والإحساس بالمحرومين والفقراء والجائعين والعطشي ينزل الوحي بعد أن تهيأت النفس له. استعداد البدن مقدمة لاستعداد الروح. وتهيؤ الروح مقدمة لنزول الوحي.
هذا القرآن بينات من الهدي والفرقان، يبين الخير ويميزه عن الشر حتي يهتدي الإنسان في عمله، ويفرق بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، نظرا وعملا. مهمة القرآن البيان ورفع الخلط ومساعدة البصيرة بعيدا عن أهواء البشر ونسبيتها.
والصوم مشتق من فعل (صام) ويعني الإمساك عن الطعام أو الاعتدال كما يقال (صام النهار) اي قام قائم الظهيرة و(صامت الريح) اي توقفت عن الحركة. والصوم هو الصمت أيضا في آية (إني نذرت للرحمن صوما) 26:19)). فالصوم استقامة، ورفع القامة وسمو الهامة، وليس الهزال أو الضعف أو الاستعياء.
ولما كان الصوم وسيلة لاستقامة الإنسان بدنا وروحا، فالمرض أو السفر مانعان يؤجلان الصوم إلي وقت آخر. فالإسلام يسر وليس عسرا، وليس في هذا الدين حرج، ولا يجوز تكليف ما لا يطاق.
والصوم شهر بكماله وتمامه، تمييزا لشهور العام في أوقات متميزة مثل تميز أوقات الصلوات في النهار. يتطلب التكبير والشكر علي الهدي. فشكر المنعم عند المعتزلة من الواجبات العقلية.
هذه هي المعاني المتضمنة في الآية الوحيدة التي ذكر فيها لفظ (رمضان) في القرآن الكريم.
بينما ذكر لفظ (رمضان) في القرآن الكريم مرة واحدة ذكر لفظ الصوم ومشتقاته أربع عشرة مرة بستة معان مختلفة تدور كلها حول وظيفة الصوم. وهي معاني متكاملة تربط الصوم بالتاريخ وبالله وبالآخرين.
أولا: الصوم سنة عن الأمم السابقة (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم) 183:2)) تواصلا مع الديانات السابقة. فالإسلام لم يبدع سنة جديدة بل أقر سنة كانت موجودة في الشرائع السابقة، في اليهودية والمسيحية. فجوهر العبادة واحد وإن اختلفت أشكالها. والإسلام آخر شريعة تكمل الشرائع السابقة بعد تأكيدها.
الإحساس بالزمن
ثانيا: الصوم شهرا في العام من أجل التمييز بين الشهور من دون صوم الدهر كله أو إفطار العمر كله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) 184:2)). كما تتميز أوقات الصلوات أثناء النهار عن باقي ساعاته. وهو تأكيد علي الإحساس بالزمن وبأن الأوقات للأفعال. كما أنه صوم منذ الشروق حتي الغروب وهو إحساس آخر بالزمن، زمن النهار المتميز عن زمن الليل.
ثالثا: الصوم صمت، وهو أحد مظاهر العبادة ضد اللغو والمجادلة كما فعلت مريم ابنة عمران (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلّم اليوم إنسيا) 26:19))، ومظهر من مظاهر التقوي الباطنية، والثقة بالنفس، واتهام الزور، وبراءة الإيمان.
رابعا: لا فرق في أداء الصوم بين الرجال والنساء (والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات) 35:33)). كما لا فرق بينهم في الإسلام، والقنوت، والإيمان، والصدق، والصبر، والخشوع، والصدقة، وحفظ الفروج، وذكر الله. يتساوي الرجال والنساء في التكليف. والتكليف واجب. والمساواة في الواجبات تقتضي المساواة في الحقوق.
خامسا: لا يمنع الصيام من معاشرة النساء بعد الإفطار (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نساءكم) 187:2)) دون المساجد، وطيلة الليل تخفيفا عن الأمة، واعترافا بحاجة الرجال إلي النساء وحاجة النساء إلي الرجال. كان الصوم قبل ذلك أثناء النهار. وحين يفطر الصائم يحق له الطعام ومعاشرة النساء. فإذا غفلت عيناه ونام يصبح صائما إلي اليوم التالي. ولم يستطع عمر بن الخطاب بعد أن غفا ثم استيقظ أثناء الليل أن يمنع نفسه من معاشرة زوجه. فنزلت آية التخفيف (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) 187:20)). والإسلام دين اليسر وليس دين العسر. لا رهبانية فيه ولا نسك. لا صوم الدهر كله ولا قيام الليل كله، ولا العزوف عن النساء.
والمعني السادس للصوم في القرآن الكريم هو وظيفته في التكفير عن الذنوب وتطهير النفس. فالذنب ضعف في الإرادة والصوم تقوية لها. والإثم تهاون في الروح والصوم إعلاء لها. ويذكر القرآن ذنوبا سبعة.
1 ــ الإفطار في رمضان من دون سبب أو عذر، سفر أو مرض. (فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم) 84:2)). ولكن إطعام المسكين له الأولوية علي الصوم اي التكفير الفعلي عن الذنب بإطعام المسكين، وهو الهدف من الصوم. فإن لم يشعر الفاطر بآلام الجوع فإن عليه إطعام الجائع.
2 ــ إذا كان الحاج غير قادر علي حلق الرأس أو مريضا لا يستطيع أن ينتظر الهَدي أن يبلغ محله )ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) 196:2)). فالصيام هنا يأتي قبل الصدقة والنسك، شعيرة بشعيرة.
3 ــ فإن لم يجد الحاج الهَدي ولم يستطع الضحية فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد العودة اي عشرة أيام كاملة (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) 196:2)). والصيام هنا أكثر لأن الحاج لم يستطع الضحية، تعميقا للإحساس بالآخرين إن لم تتم مساعدتهم بالفعل.
4 ــ القتل الخطأ كفارته صيام شهرين متتابعين توبة إلي الله إن لم يجد رقبة يحررها أو دفع دية إلي أهل القتيل (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) 92:4)). والأولوية لتحرير الرقبة لأن العبودية تساوي القتل، وتحرير الرقبة إحياء للقتيل، ثم دفع الدية لأهل القتيل طبقا لعادة العرب وتعويضا بالمال عن المفقود. ويأتي الصيام في الدرجة الثالثة كنوع من أضعف الإيمان لتطهير القلب، والإعلان عن براءة النفس، والسيطرة علي الإرادة التي أخطأت وإن كان خطؤها عن غير عمد.
5 ــ الحنث بالإيمان كفارته صيام ثلاثة أيام إن لم يستطع الحانث إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة )فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم) 89:5)). الصيام يأتي هنا في المرتبة الثالثة بعد تحرير الرقبة والإطعام والكسوة.
6 ــ الظهار وهجرة الزوج في الفراش فكفارته أولا تحرير الرقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) 58:4)). فتحرير الرقبة يعادل إشباع الزوج.
إطعام المساكين
7 ــ الصيد في الأشهر الحرم كفارته الصوم من دون تحديد بعدد الأيام أو الشهور (أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره) 95:5)) إن لم يستطع أن يسوق مثل ما قتل هديا إلي الكعبة أو إطعام المساكين، فالصوم هو الذي يغسل الذنوب.
ويستمر الحديث النبوي في نفس المعاني القرآنية لصوم رمضان: عبادة، ومغفرة، وتكفيرا للذنوب، واعتكافا في العشر الأواخر، وليلة القدر ونزول القرآن، والثواب في الجنة، وحسن الأخلاق والسيطرة علي الانفعالات أثناء الصيام، والإحساس بالوقت، واختيار صوم عاشوراء، وعدم المشقة علي الناس جمعا بين الصوم والإفطار، وأداء الصوم عن الآخرين خاصة الوالدين.
فصوم رمضان طريق إلي المغفرة (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه). فالصيام لوجه الله وليس رياء للناس أو طلبا لحظوة في أعين المؤمنين، طالبا الثقة بهم لمنصب أعلي أو لرياسة دنيوية. وليس تجويعا للنفس بالنهار ثم إشباعا للبدن في آخره وكأن الزهد في الدنيا أعقبه شبق فيها. حرمان بالنهار وإشباع بالليل. وتزيد معدلات الاستهلاك في العالم الإسلامي من الأطعمة والأشربة، السكر والزيت والدقيق واللحوم والخضروات والفواكه والطاقة في رمضان باسم الزهد والإحساس بالفقراء. ويزداد اللهو بالليل، وتجند أجهزة الإعلام أنفسها قبل رمضان بأشهر من أجل إعداد التمثيليات والمسلسلات والبرامج الدينية والابتهالات والأفلام والحفلات الخاصة لا فرق بين دين ودنيا.
الصيام لله وحده
إن الصيام لا يكون إلا لله وحده. (قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به). الصيام إذن دليل صدق وعلامة إخلاص، لا طلبا لرزق في الدنيا بل احتسابا لوجه الله، علاقة بين العبد والرب. لذلك كان جزاء الصائم الجنة. فيها باب لا يدخل منه إلا الصائمون (إن في الجنة بابا يقال له الريّان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم. فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد). الصيام إذن عبادة خاصة تتجه إلي الله مباشرة بالرغم مما فيها من كمال للنفس، وسيطرة علي الإرادة، وإحساس بالآخرين. (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة). فالصيام توبة غير معلنة، ومناسبة للمغفرة، وطريقا إلي السعادة الأبدية.
فكيف إذن تكثر الذنوب في رمضان، والسحور في الفنادق الضخمة علي أحواض السباحة ونفحات الرقص الشرقي؟ تتحول سعادة الروح في كثير من الأحيان إلي انفلات البدن، وتأخذ الأرض زخرفها وتتزين وكأن الدنيا هي الباقية. صيام بالنهار جوعا وعطشا وإفطار بالليل لهوا ولعبا باسم رمضان، الشهر الكريم!
ذكر لفظ (رمضان) في القرآن الكريم مرة واحدة في آية )شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس، وبينات من الهدي والفرقان. فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر. يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر. ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله علي ما هداكم، ولعلكم تشكرون) 185:2)). ولفظ (رمضان) يعني اشتقاقا الحر، من فعل رمض اي اشتد الحر، ولما نقلت أسماء الشهور من اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر رَمَضَ الحر. فإذا ما وافق الشهر الحر كان ثوابه أعظم. ونظرا لدورة السنة الهجرية فإنه ينتقل من الصيف إلي الشتاء رجوعا إلي الوراء. وتظل النية الأولي صادقة.
وفي هذا الحر الشديد القيظ، والقدرة علي السيطرة علي حاجات البدن إعلان لاستقلال الإرادة وسمو الروح والإحساس بالمحرومين والفقراء والجائعين والعطشي ينزل الوحي بعد أن تهيأت النفس له. استعداد البدن مقدمة لاستعداد الروح. وتهيؤ الروح مقدمة لنزول الوحي.
هذا القرآن بينات من الهدي والفرقان، يبين الخير ويميزه عن الشر حتي يهتدي الإنسان في عمله، ويفرق بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، نظرا وعملا. مهمة القرآن البيان ورفع الخلط ومساعدة البصيرة بعيدا عن أهواء البشر ونسبيتها.
والصوم مشتق من فعل (صام) ويعني الإمساك عن الطعام أو الاعتدال كما يقال (صام النهار) اي قام قائم الظهيرة و(صامت الريح) اي توقفت عن الحركة. والصوم هو الصمت أيضا في آية (إني نذرت للرحمن صوما) 26:19)). فالصوم استقامة، ورفع القامة وسمو الهامة، وليس الهزال أو الضعف أو الاستعياء.
ولما كان الصوم وسيلة لاستقامة الإنسان بدنا وروحا، فالمرض أو السفر مانعان يؤجلان الصوم إلي وقت آخر. فالإسلام يسر وليس عسرا، وليس في هذا الدين حرج، ولا يجوز تكليف ما لا يطاق.
والصوم شهر بكماله وتمامه، تمييزا لشهور العام في أوقات متميزة مثل تميز أوقات الصلوات في النهار. يتطلب التكبير والشكر علي الهدي. فشكر المنعم عند المعتزلة من الواجبات العقلية.
هذه هي المعاني المتضمنة في الآية الوحيدة التي ذكر فيها لفظ (رمضان) في القرآن الكريم.
بينما ذكر لفظ (رمضان) في القرآن الكريم مرة واحدة ذكر لفظ الصوم ومشتقاته أربع عشرة مرة بستة معان مختلفة تدور كلها حول وظيفة الصوم. وهي معاني متكاملة تربط الصوم بالتاريخ وبالله وبالآخرين.
أولا: الصوم سنة عن الأمم السابقة (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم) 183:2)) تواصلا مع الديانات السابقة. فالإسلام لم يبدع سنة جديدة بل أقر سنة كانت موجودة في الشرائع السابقة، في اليهودية والمسيحية. فجوهر العبادة واحد وإن اختلفت أشكالها. والإسلام آخر شريعة تكمل الشرائع السابقة بعد تأكيدها.
الإحساس بالزمن
ثانيا: الصوم شهرا في العام من أجل التمييز بين الشهور من دون صوم الدهر كله أو إفطار العمر كله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) 184:2)). كما تتميز أوقات الصلوات أثناء النهار عن باقي ساعاته. وهو تأكيد علي الإحساس بالزمن وبأن الأوقات للأفعال. كما أنه صوم منذ الشروق حتي الغروب وهو إحساس آخر بالزمن، زمن النهار المتميز عن زمن الليل.
ثالثا: الصوم صمت، وهو أحد مظاهر العبادة ضد اللغو والمجادلة كما فعلت مريم ابنة عمران (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلّم اليوم إنسيا) 26:19))، ومظهر من مظاهر التقوي الباطنية، والثقة بالنفس، واتهام الزور، وبراءة الإيمان.
رابعا: لا فرق في أداء الصوم بين الرجال والنساء (والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات) 35:33)). كما لا فرق بينهم في الإسلام، والقنوت، والإيمان، والصدق، والصبر، والخشوع، والصدقة، وحفظ الفروج، وذكر الله. يتساوي الرجال والنساء في التكليف. والتكليف واجب. والمساواة في الواجبات تقتضي المساواة في الحقوق.
خامسا: لا يمنع الصيام من معاشرة النساء بعد الإفطار (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نساءكم) 187:2)) دون المساجد، وطيلة الليل تخفيفا عن الأمة، واعترافا بحاجة الرجال إلي النساء وحاجة النساء إلي الرجال. كان الصوم قبل ذلك أثناء النهار. وحين يفطر الصائم يحق له الطعام ومعاشرة النساء. فإذا غفلت عيناه ونام يصبح صائما إلي اليوم التالي. ولم يستطع عمر بن الخطاب بعد أن غفا ثم استيقظ أثناء الليل أن يمنع نفسه من معاشرة زوجه. فنزلت آية التخفيف (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) 187:20)). والإسلام دين اليسر وليس دين العسر. لا رهبانية فيه ولا نسك. لا صوم الدهر كله ولا قيام الليل كله، ولا العزوف عن النساء.
والمعني السادس للصوم في القرآن الكريم هو وظيفته في التكفير عن الذنوب وتطهير النفس. فالذنب ضعف في الإرادة والصوم تقوية لها. والإثم تهاون في الروح والصوم إعلاء لها. ويذكر القرآن ذنوبا سبعة.
1 ــ الإفطار في رمضان من دون سبب أو عذر، سفر أو مرض. (فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم) 84:2)). ولكن إطعام المسكين له الأولوية علي الصوم اي التكفير الفعلي عن الذنب بإطعام المسكين، وهو الهدف من الصوم. فإن لم يشعر الفاطر بآلام الجوع فإن عليه إطعام الجائع.
2 ــ إذا كان الحاج غير قادر علي حلق الرأس أو مريضا لا يستطيع أن ينتظر الهَدي أن يبلغ محله )ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) 196:2)). فالصيام هنا يأتي قبل الصدقة والنسك، شعيرة بشعيرة.
3 ــ فإن لم يجد الحاج الهَدي ولم يستطع الضحية فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد العودة اي عشرة أيام كاملة (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) 196:2)). والصيام هنا أكثر لأن الحاج لم يستطع الضحية، تعميقا للإحساس بالآخرين إن لم تتم مساعدتهم بالفعل.
4 ــ القتل الخطأ كفارته صيام شهرين متتابعين توبة إلي الله إن لم يجد رقبة يحررها أو دفع دية إلي أهل القتيل (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) 92:4)). والأولوية لتحرير الرقبة لأن العبودية تساوي القتل، وتحرير الرقبة إحياء للقتيل، ثم دفع الدية لأهل القتيل طبقا لعادة العرب وتعويضا بالمال عن المفقود. ويأتي الصيام في الدرجة الثالثة كنوع من أضعف الإيمان لتطهير القلب، والإعلان عن براءة النفس، والسيطرة علي الإرادة التي أخطأت وإن كان خطؤها عن غير عمد.
5 ــ الحنث بالإيمان كفارته صيام ثلاثة أيام إن لم يستطع الحانث إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة )فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم) 89:5)). الصيام يأتي هنا في المرتبة الثالثة بعد تحرير الرقبة والإطعام والكسوة.
6 ــ الظهار وهجرة الزوج في الفراش فكفارته أولا تحرير الرقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) 58:4)). فتحرير الرقبة يعادل إشباع الزوج.
إطعام المساكين
7 ــ الصيد في الأشهر الحرم كفارته الصوم من دون تحديد بعدد الأيام أو الشهور (أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره) 95:5)) إن لم يستطع أن يسوق مثل ما قتل هديا إلي الكعبة أو إطعام المساكين، فالصوم هو الذي يغسل الذنوب.
ويستمر الحديث النبوي في نفس المعاني القرآنية لصوم رمضان: عبادة، ومغفرة، وتكفيرا للذنوب، واعتكافا في العشر الأواخر، وليلة القدر ونزول القرآن، والثواب في الجنة، وحسن الأخلاق والسيطرة علي الانفعالات أثناء الصيام، والإحساس بالوقت، واختيار صوم عاشوراء، وعدم المشقة علي الناس جمعا بين الصوم والإفطار، وأداء الصوم عن الآخرين خاصة الوالدين.
فصوم رمضان طريق إلي المغفرة (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه). فالصيام لوجه الله وليس رياء للناس أو طلبا لحظوة في أعين المؤمنين، طالبا الثقة بهم لمنصب أعلي أو لرياسة دنيوية. وليس تجويعا للنفس بالنهار ثم إشباعا للبدن في آخره وكأن الزهد في الدنيا أعقبه شبق فيها. حرمان بالنهار وإشباع بالليل. وتزيد معدلات الاستهلاك في العالم الإسلامي من الأطعمة والأشربة، السكر والزيت والدقيق واللحوم والخضروات والفواكه والطاقة في رمضان باسم الزهد والإحساس بالفقراء. ويزداد اللهو بالليل، وتجند أجهزة الإعلام أنفسها قبل رمضان بأشهر من أجل إعداد التمثيليات والمسلسلات والبرامج الدينية والابتهالات والأفلام والحفلات الخاصة لا فرق بين دين ودنيا.
الصيام لله وحده
إن الصيام لا يكون إلا لله وحده. (قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به). الصيام إذن دليل صدق وعلامة إخلاص، لا طلبا لرزق في الدنيا بل احتسابا لوجه الله، علاقة بين العبد والرب. لذلك كان جزاء الصائم الجنة. فيها باب لا يدخل منه إلا الصائمون (إن في الجنة بابا يقال له الريّان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم. فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد). الصيام إذن عبادة خاصة تتجه إلي الله مباشرة بالرغم مما فيها من كمال للنفس، وسيطرة علي الإرادة، وإحساس بالآخرين. (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة). فالصيام توبة غير معلنة، ومناسبة للمغفرة، وطريقا إلي السعادة الأبدية.
فكيف إذن تكثر الذنوب في رمضان، والسحور في الفنادق الضخمة علي أحواض السباحة ونفحات الرقص الشرقي؟ تتحول سعادة الروح في كثير من الأحيان إلي انفلات البدن، وتأخذ الأرض زخرفها وتتزين وكأن الدنيا هي الباقية. صيام بالنهار جوعا وعطشا وإفطار بالليل لهوا ولعبا باسم رمضان، الشهر الكريم!